الرد على السؤال رقم 5 ... جاء في سورة البقرة 236" لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ " ... أباح القرآن للرجل، بإرادته المنفردة، بدون رجوعٍ لأحد فيما يريد، أن يهدم أسرته ويقوّض أركانها ويشتتها، فيوقّع يمين الطلاق على زوجته ... ومن المبكيات أن نرى الرجل المسلم إذا تشاجر خارج البيت وحلف اليمين ثلاثاً يطرد زوجته الآمنة من بيتها، لا لسببٍ إلا لأنه حلف في مشاجرة، لا ناقة للمرأة فيها ولا جمل !!! ثم يقولون إن أبغض الحلال عند الله الطلاق ... فكيف يحلل الله شيئاً يكرهه؟ أليس الأصح أن ما يكرهه يحرِّمه؟


§ إن الزواج في الإسلام هو ارتباط رجل بامرأة يرغب كل منهما بالارتباط بالآخر بنية الأبدية ... وذلك تحت مظلة شرعها وحددها الخالق عز وجل ... وذلك حتى يسكن كل طرف للآخر في مناخ من المودة والرحمة مما يحقق استمرارية البشـر قـال تعالى ...
" وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجاً لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّـقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ " الروم 21

§
ولكن ماذا لو فُقِدَت هذه المودة والرحمة ... بل وَحَلَّت مكانها الشحناء والبغضاء وظهر ما ينفر في هذا الارتباط واكتشف بعد العشرة والاحتكاك ما يجعل استمرارية هذا الارتباط جحيما وحياة لا تطاق ... فماذا يكون الحل حينئذ؟ هل يظل الاثنان مرتبطَين ببعضهما رغم أنفهما مدى الحياة ؟؟؟ وقد قيل ... " إن من أعظم البلايا مصاحبة من لا يوافقك ولا يفارقك ".

§ إن الطلاق ليس بدعة اخترعها الإسلام ... فقد كان مشروعا من قبل ... ثم جاء الإسلام فوضع له أحكاما وشروطا قد تحول دونه في بعض الأحيان ... وهذا التشريع كان ملائما لحياة البشر ومصلحتهم ... مما جعل بعض الدول التي كانت تحرمه -خاصة المسيحية في الوقت الحاضر -تعترف به وتجعله قانونا ...

§
إن الإسلام لم يفترض أن تسود المثالية بين الناس في جميع أوقاتهم وأحوالهم ... وألا يقع خطأ في السلوك والتقدير ... ويعلم أنه إنما يشرع لأناس يعيشون على الأرض ... لهم خصائصهم وطباعهم البشرية ... لذا شرع لهم كيفية الخلاص من هذا العقد ... إذا تعثر العيش وضاقت السبل ... وفشلت الوسائل للإصلاح ... وهو في هذا واقعي كل الواقعية ... ومنصف كل الإنصاف لكل من الرجل والمرأة ... هذا بصرف النظر عن كل ما نشاهده من سلوكيات بشرية خاطئة لا يؤيدها الإسلام.

§ فكثيرا ما يحدث ما يجعل الطلاق ضرورة لازمة ... فقد يتزوج الرجل المرأة ثم يتبين أن بينهما تباينا في الأخلاق وتنافرا في الطباع ... فيرى كل من الزوجين نفسه غريبا عن الآخر نافرا منه ... وقد يطلع أحدهما من صاحبه بعد الزواج على ما لا يحب ولا يرضى من سلوك شخصي ... أو عيب خفي إلى غير ذلك مما قد يكون ذلك سببا في انحراف كل منهما ومنفذا لكثير من الشرور والآثام ... لهذا شرِع الطلاق كوسيلة للقضاء على تلك المفاسد، وللتخلص من تلك الشرور، وليستبدل كل منهما بزوجه زوجا آخر، قد يجد معه ما افتقد مع الأول ...
وعلى هذا فالطلاق في الإسلام قد يكون أشبه بالبتر الذي يلجأ إليه الجراح مضطرا ومكرها ... للاحتفاظ بسلامة الجسم كله ...

§
والإسلام عندما أباح الطلاق، لم يغفل عما يترتب على وقوعه من الأضرار التي تصيب الأسرة ... إلا أنه لاحظ أن هذا أقل خطراً إذا قورن بالضرر الأكبر الذي تصاب به الأسرة والمجتمع كله إذا أبقى على الزوجية المضطربة ... والعلائق الواهية التي تربط بين الزوجين على كره منهما ... فآثر أخف الضررين ...

§ إن الإسلام لا يحث على الطلاق والانفصال ولكنه يبيحه للـضرورة عندما تستحيل الحياة بين الزوجين ... وبعد أن تبذل كافة محاولات الـتوفيق بين الطرفين ... حينئذ أباح الله إنهاء هذا الارتباط كجراحة لا مفر منها بعد ذهاب الود وجفاف الحنان وتولد مشاعر أخرى ...
" وَإِنْ يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللَّهُ كُلًّا مِنْ سَعَتِهِ وَكَانَ اللَّهُ وَاسِعًا حَكِيمًا " النساء 130

§
هذا وقد وضع الإسلام للزواج ضوابط شرعية لو اتبعها المسلمون لكان الطلاق نادراً ... ومن هذه الضوابط أنـه حث على الارتباط بين الزوجين على أساس الدين ... قال رسول الله " تُنْكَحُ المرأة لأربع ... لمالها ... ولحسبها ... ولجمالها ... ولدينها ... فاظفر بذات الدين تَرِبَت يداك " متفق عليه ... وقال أيضاً " إذا أتاكم من ترضون خُلُقه ودينه فزوجوه ... إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض " صحيح الجامع: 270 ...

§ و قد أمر الله الرجال بحسن المعاشرة فقال ...
" وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ " النساء 19 ... وأمر النساء أيضاً بحسن المعاشرة ... فقال ... " فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللّهُ " النساء 34 ... ورغَّب الرجال في عدم التسرع في الطلاق ... فقال " فَإِن كَرِهْتُمُوهُنَّ فَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً " النساء 19 ... هذا وقد توعَّد الله الرجال إذا تمادوا في إيذاء نسائهن بقوله ... " فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيّاً كَبِيراً " النساء 34 ...

§
و قد أوصى الرسول الزوج بحسن معاملة زوجته وجعل ذلك ميزانا لخيرته بين المؤمنين ... " خيركم خيركم لأهله " أخرجه الترمذي ح 3895 , و ابن ماجة ح 1977 ... و أوصاه بالمحافظة على رباط الزوجية ... حتى و لو وجد في زوجته ما يكره ... فليأنس فيها بصفات و طباع أخرى مما يحب – فقال " لا يفرك - أي لا يترك - مؤمن مؤمنة إن كره منها خلق رضي منها آخر " أخرجه مسلم 1469 ... وقال أيضاً ... " حق المرأة على الزوج أن يُطعمها إذا طَعِم .. ويكسُوَها إذا اكتسى ... ولا يضرب الوجه ... ولا يُقَبِّح ... ولا يهجر إلا في البيت " صحيح الجامع: 3149 ... وقال رسول الله " فاتقوا الله في النساء ... فإنكم أخذتموهن بأمانة الله " صحيح مسلم ... هذا وقد صَحَّ عن رسول الله أنه لم يضرب امرأة قط ... ولا خادماً ... ولا شيئاً ... كما جاء ذلك في صحيح مسلم ... ويروي عن الحسن بن علي أنه قال " لا تزوج ابنتك إلا لتقي فإن أحبها أكرمها ... وإن كرهها لم يظلمها " ...

§ وقد شرع الإسلام خطوات للإصلاح يتخذها الأزواج قبل أن يصل الأمر بهم إلى الطلاق .... ومن هذه الخطوات ما جاء في قوله تعالى ...
" وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ " النساء 34 ... و أيضا قوله تـعالى " وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزًا أَوْ إِعْرَاضًا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلـْحًا وَالصُّـلْحُ خَيْرٌ وَأُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ وَإِنْ تُحْسِنُوا وَتَتَّقُوا فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا " النساء 128... أي أن الزوجة إذا خافت من زوجها إهمالاً لشئون الأسرة أو إعراضاً عنها وعدم إقبال عليها ... فلا إثم عليهما في أن يحاولا إصلاح ما بينهما بالصلح الجميل والتقريب ... والعاقل منهما يبدأ به ... والصلح خير دائماً لا شر فيه ... وإن الذي يمنع الصلح هو تَمَسُّك كل من الزوجين بحقوقه كــاملة إذ يسيطر الشح النفسي ... ولا سبيل لعودة المودة إلا التساهل من أحد الجانبين وهو المحسن المتقي ... ومن يعمل الـعمل الحسن ويتق الله ... فإن الله خبير بعمله ومجازيه عليه ... تفسير المنتخب

§
وإذا فعل الزوج والزوجة كل هذه الأشياء ... وتم العلاج بكل هذه الأدوية ... ومع ذلك لم تستقم الحياة الزوجية ... يأتي الحل قبل الأخير ... وهو الذي ورد في قوله جل وعلا " وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُواْ حَكَماً مِّنْ أَهْلِهِ وَحَكَماً مِّنْ أَهْلِهَا إِن يُرِيدَا إِصْلاَحاً يُوَفِّقِ اللّهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيماً خَبِيراً " النساء 35 ...

§ فإن لم تفلح كل هذه الحلول ... لم يكن بُدّ من الطلاق ... فحينئذ ...
" وَإِن يَتَفَرَّقَا يُغْنِ اللّهُ كُلاًّ مِّن سَعَتِهِ " النساء 130 ... وهنا يعطى الإسلام للرجال فرصتين ليراجعوا زوجاتهم ... ولم يجعلها طلقة واحدة أو اثنتين وينتهي الأمر ... بل خيّر الزوج بعد طلقتين بين المعروف والإحسان " الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ " البقرة 229 ... فإن طلق الزوج امرأته مرة ثالثة بعد التطليقتين السابقتين ... فلا تحل له حينئذ إلا إذا حدث وأن تزوجت زوجاً غيره زواجاً شرعياً صحيحاً وبنية الأبدية ودخل بها .... فإن طلقت بعد ذلك الزوجُ الثاني ... وصارت أهلاً لأن يعقد عليها عقداً جديداً ... فلا إثم عليها ولا على زوجها الأول في أن يستأنفا حياة زوجية جديدة بعقد جديد ..." فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا أَنْ يَتَرَاجَعَا إِنْ ظَنَّا أَنْ يُقِيمَا حُدُودَ اللَّهِ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ "البقرة 230

§
و لكن انظر ما يماثل هذه الآية الكريمة في سفر التثنية 24 / 1 – 4 " إِذَا أَخَذَ رَجُلٌ امْرَأَةً وَتَزَوَّجَ بِهَا ... فَإِنْ لَمْ تَجِدْ نِعْمَةً فِي عَيْنَيْهِ لأَنَّهُ وَجَدَ فِيهَا عَيْبَ شَيْءٍ ... وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ ... وَمَتَى خَرَجَتْ مِنْ بَيْتِهِ ذَهَبَتْ وَصَارَتْ لِرَجُل آخَرَ ... فَإِنْ أَبْغَضَهَا الرَّجُلُ الأَخِيرُ وَكَتَبَ لَهَا كِتَابَ طَلاَق وَدَفَعَهُ إِلَى يَدِهَا وَأَطْلَقَهَا مِنْ بَيْتِهِ ... أَوْ إِذَا مَاتَ الرَّجُلُ الأَخِيرُ الَّذِي اتَّخَذَهَا لَهُ زَوْجَة ... لاَ يَقْدِرُ زَوْجُهَا الأَوَّلُ الَّذِي طَلَّقَهَا أَنْ يَعُودَ يَأْخُذُهَا لِتَصِيرَ لَهُ زَوْجَةً بَعْدَ أَنْ تَنَجَّسَتْ !!! لأَنَّ ذلِكَ رِجْسٌ لَدَى الرَّبِّ ... " إن الإسلام لا يمنع من عودة الزوجة مرة أخرى لزوجها الأول بعد طلاقها ... أما في الكتاب المقدس فان هذه الزوجة إذا طلقت فإنها تتنجس !!

§ لقد جعل الله الطلاق ثلاث مرات ... وفى كُلّ من الطلقتين الأُولَيَيْن تمكث المرأة في بيت زوجها وتأكل وتشرب معه ... وتتزين له ... فإن جامعها ... فقد راجعها والتم الشمل ... ولذلك قال تعالى
" لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرا " الطلاق 1

§
لقد اشترط الإسلام لوقوع الطلاق أن يكون ذلك في طهر لم يجامع الزوج زوجته فيه (وليس في حال الحيض حيث تمنع المعاشرة الزوجية) وهو شرط لا يتحقق في الحياة الزوجية إلا بوجود نفور شديد يمنع ديمومة الحياة الأسرية ...

§ وحفظ الإسلام للمرأة حقوقها المالية حين الطلاق ... فلا يُجيز للزوج أن يأخذ شيئا مما أعطاها إياه و لو كان كثيرا
" وَإِنْ أَرَدْتُمُ اسْتِبْدَالَ زَوْجٍ مَكَانَ زَوْجٍ وَآتَيْتُمْ إِحْدَاهُنَّ قِنْطَارًا فَلَا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئًا أَتَأْخُذُونَهُ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا ... وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقًا غَلِيظًا " النساء 20 – 21 ... ووضع القرآن للمطلقة حقا على زوجها وهو مقدار من المال يجبر فيه خاطرها ... " وَلِلْمُطَلَّقَاتِ مَتَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُتَّقِينَ " البقرة 241 ...

§
وعند الطلاق ... شرع الإسلام للأم حضانة أولادها الصغار، ولقريباتها من بعدها، حتى يكبروا ... وأوجب على الأب نفقة أولاده، وأجور حضانتهم ورضاعتهم، ولو كانت الأم هي التي تقوم بذلك ...

§ هذا ولم يُعْطِ الإسلام الحق للرجل دون المرأة في الطلاق ... فليس لأحد أن يكره المرأة على البقاء في بيت مقتت صاحبه أو أحست بالضرر بجواره ... فلها الحق أن تنخلع من زوجها إن رغبت ... ولها أن تطلب من القاضي أن يطلقها إذا وقع عليها ضررا من زوجها ... ولها أيضا أن تشترط في عقد الزواج حقها في طلاق نفسها إن شاءت ...

§
ولكن -رغم إباحة الطلاق والْخُلْع -فقد حَثَّ الإسلام كُلاً من الزوجين على الصبر واحتمال الأذى ... ورد السيئة بالحسنة ... لدرجة أنه أَحَلَّ الكذب بينهما في أمور العاطفة ... بما يطيب خاطر كل منهما حتى تدوم العِشرة ويستقيم حال الأسرة ...

§ إن الطلاق شرعة موجودة عند كل الأمم بلا استثناء كحل لا مفر منه في إنهاء الخلافات المستعصية بين الأزواج ... وإلا فماذا يكون الحل حينئذ ... هل يكون بالسجن مدى الحياة مع التعذيب !!! لقد أباح العهد القديم الطلاق
" فَقَالُوا: " مُوسَى أَذِنَ أَنْ يُكْتَبَ كِتَابُ طَلاَق، فَتُطَلَّقُ " مرقص 10 – 4 كما أباح العهد الجديد أيضا الطلاق بعلة الزنا ... ولكن حرمه فيما عدا ذلك ... " وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ إِلاَّ بِسَبَب الزِّنَا وَتَزَوَّجَ بِأُخْرَى يَزْنِي، وَالَّذِي يَتَزَوَّجُ بِمُطَلَّقَةٍ يَزْنِي " متى 19 -9

§
هذا وقد ورد في إنجيل متى 5 / 18 ... " لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأَنْقُضَ النَّامُوسَ أَوِ الأَنْبِيَاءَ -مَا جِئْتُ لأَنْقُضَ بَلْ لأُكَمِّلَ " ... وفي هذا تعهد واضح من السيد المسيح بأنه لن ينقض أو يلغى أي منهج أو شريعة سابقه أو أفعال للأنبياء من قبله ... وبالتالي فان الواجب أن يسرى بالطبع على أتباع العهد الجديد في موضوع الطلاق ما كان مفروضا في التوراة على أتباع العهد القديم وهو السماح بالطلاق ... ولكننا لا ندرى لماذا هذا النقض الذي حدث ... ومهما كان التبرير ... فان الذي حلل الطلاق في العهد القديم هو الله رب العالمين (الذي هو المسيح باعتقاد النصارى) ... وأن الذي نقضه في العهد الجديد هو السيد المسيح أيضاً !!!!

§ ولو كان التبرير هو ...
" إِنَّ مُوسَى مِنْ أَجْلِ قَسَاوَةِ قُلُوبِكُمْ ... أَذِنَ لَكُمْ أَنْ تُطَلِّقُوا نِسَاءَكُمْ " متى 19 – 8 ... فهناك سؤالا يطرح نفسه ... وهل كل البشرية حاليا تحمل قلوب رحيمة ... الأمر الذي نرى معه السلام يعم الأرض !! ومــاذا لو تزوجت فتاة بريئة من رجل واكتشفت لاحقا قساوة قلبه ... وهذا أمر يحيط بنا ونلمسه ... بل ونعيشه على ارض الواقع ؟؟؟؟

§
ولو كان التبرير هو ... " مِنْ أَجْلِ هذَا يَتْرُكُ الرَّجُلُ أَبَاهُ وَأُمَّهُ وَيَلْتَصِقُ بِامْرَأَتِهِ ... وَيَكُونُ الاثْنَانِ جَسَدًا وَاحِدًا ... إِذًا لَيْسَا بَعْدُ اثْنَيْنِ ... بَلْ جَسَدٌ وَاحِدٌ "مرقص 10 / 7 -8 ...فان هذا كلام طيب ولا بأس به ولكنه كلام معنوي وعاطفي ... لأنه إذا مات أحد الجسدين فلا يستلزم الأمر موت الجسد الآخر بالطبع ... بل مسموح له بعد الترمل بالتزوج من جسد ثالث ليكونا جسداً واحداً أيضاً !!!!!

§ ولو كان التبرير هو
" فَالَّذِي جَمَعَهُ اللهُ لاَ يُفَرِّقْهُ إِنْسَانٌ " مرقص 10 / 9 ... نقول ولكن تفرقه نزوة نجسه من رجل أو امرأة ...

§
إن تحريم الطلاق أدى إلى مفسدة عظمى ... فكان سببا في انتشار الزنا والعلاقات المحرمة بدون زواج ... حيث يعيش الرجل مع المرأة في أوربا وأمريكا سنين طويلة قبل أن يتزوجا ... ليختبر الأحبة حياتهم قبل الدخول في سجن لا مخرج منه ... وقد لا يتزوجان إلا بعد أن ينجبا عددا من الأبناء ويتأكدا من ديمومة زواجهما واستغنائهما عن الانفصال ...

§
ولاستحالة تطبيق تعاليم الأناجيل التي تفرض على النصارى من العصمة والملائكية ما لم تفرضه على الأنبياء أنفسهم ... فقد تحايل رجال الفكر والقانون النصارى على هذه التعاليم فشرعوا رغم أنفهم الطلاق المدني ... أي الذي يتم بغير طريق الكنيسة ... وأسموه " التطليق " حتى لا يقال إنهم نسخوا وألغوا الطلاق فاستبدلوا لفظ الطلاق بالتطليق " إنسانية المرأة بين الإسلام والأديان الأخرى " علاء أبو بكر، مركز التنوير الإسلامي، القاهرة، ط1، 2005م، ص362: 369 بتصرف

§ وحيث تمسكت الكنيسة بعدم إباحة الطلاق إلا بسبب الزنا ... مهما كانت معاناة الزوجة أو الزوج من استمرار الزواج ... لجأ النصارى إلى حيلا أخرى للحصول على الطلاق منها:
تغيير المذهب أو الملة للحصول على الطلاق... أو قد يتفق الزوجان على إثبات الزنا ... أو القتل للتخلص من الزوج حتى يصبح القاتل أرملا فيجوز له الزواج مرة أخرى، أو الهجرة وترك البلد بما فيها ... أو الانفصال التام ولو بدون طلاق !!!!!!!!!!

السؤال رقم 5 للسيد الناقد:

§
ذكر الكتاب المقدس نصاً يثبت أن الله جل وعلا لا يندم في أفعاله مثلنا نحن البشر وذلك لعلمه وحكمته ... ففيسفر العدد 23/19 ورد ... " لَيْسَ اللهُ إِنْسَانًا فَيَكْذِبَ ... وَلاَ ابْنَ إِنْسَانٍ فَيَنْدَمَ " ... وهذا بالطبع أمر منطقي تماماً ...

§
لكن لا ندرى ما سبب أن تنقلب النصوص وتثبت الجهل والعجز لرب العالمين بل وجهله بالعواقب وعجزه عن العلم ... فنجد أن الرب يندم على فعله !!! وكأنه لم يكن مدركا للأمر الذي قضى به من قبل !!! وكيف ذلك ؟؟؟ اليكم هذه النصوص:

" وَلَمْ يَعُدْ صَمُوئِيلُ لِرُؤْيَةِ شَاوُلَ إِلَى يَوْمِ مَوْتِهِ ...... لأَنَّ صَمُوئِيلَ نَاحَ عَلَى شَاوُلَ ... وَالرَّبُّ نَدِمَ لأَنَّهُ مَلَّكَ شَاوُلَ عَلَى إِسْرَائِيلَ. " سفر صموئيل الأول 15/35

" فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى هذَا ... «لاَ يَكُونُ» قَالَ الرَّبُّ. "سفر عاموس 7/3

" فَلَمَّا رَأَى اللهُ أَعْمَالَهُمْ أَنَّهُمْ رَجَعُوا عَنْ طَرِيقِهِمِ الرَّدِيئَةِ ... نَدِمَ اللهُ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي تَكَلَّمَ أَنْ يَصْنَعَهُ بِهِمْ ... فَلَمْ يَصْنَعْهُ "سفر يونان 3: 10 ... (تعالى الله سبحانه وتنزه عن صنع الشر !!!!)


" إِنْ كُنْتُمْ تَسْكُنُونَ فِي هذِهِ الأَرْضِ ... فَإِنِّي أَبْنِيكُمْ وَلاَ أَنْقُضُكُمْ ... وَأَغْرِسُكُمْ وَلاَ أَقْتَلِعُكُمْ ... لأَنِّي نَدِمْتُ عَنِ الشَّرِّ الَّذِي صَنَعْتُهُ بِكُمْ "
سفر ارميا 42/10 ... (تعالى الله سبحانه وتنزه عن صنع الشر !!!!)


" وَحِينَمَا أَقَامَ الرَّبُّ لَهُمْ قُضَاةً ... كَانَ الرَّبُّ مَعَ الْقَاضِي ... وَخَلَّصَهُمْ مِنْ يَدِ أَعْدَائِهِمْ كُلَّ أَيَّامِ الْقَاضِي ... لأَنَّ الرَّبَّ نَدِمَ مِنْ أَجْلِ أَنِينِهِمْ بِسَبَبِ مُضَايِقِيهِمْ وَزَاحِمِيهِمْ " سفر القضاة 2/18

" فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ " سفر الخروج 32/14 ... (تعالى الله سبحانه وتنزه عن فعل الشر !!!!)

§
وبالرغم من أن لا أحد يخفى عليه معنى الندم ... إلا اننا سنذهب الى معاجم اللغة لعلنا نجد أن للندم معنى آخر قد يغيب حتى على العامة من الناس ... فوجدنا في معجم لسان العرب: النَّدْمِ = الغَمّ اللازم ... إِذ يَنْدَم صاحبُه لما يَعْثر عليه من سوء آثاره ... أي أن النَدَم غمٌّ يصيب الإنسان يتمنَّى أن ما وقع منهُ لم يقع ...

§
وبعد ذلك رأينا الذهاب الى تفسير تادرس يعقوب ملطى لـما ورد في سفر الخروج 32/14 ... " فَنَدِمَ الرَّبُّ عَلَى الشَّرِّ الَّذِي قَالَ إِنَّهُ يَفْعَلُهُ بِشَعْبِهِ " ... فوجدناه .... " لكنني أود أن أوضح أن الله ليس كسائر البشر يخطئ فيندم ... إنما يحدثنا هنا بلغة بشرية، بالأسلوب الذي نفهمه، حين نقدم توبة نسقط تحت مراحم الله ورأفاته فلا نسقط تحت العقوبة (الشر). " انتهى التفسير ... ولا أدرى ما علاقة هذا التفسير بالنص والمنطوق المذكور والذي ينسب للرب الندم على فعله للشر !!!!

§
ثم رأيت أن أذهب الى كتاب لا يؤمن به الاخوة النصارى ... لكن المؤمنون بهذا الكتاب يعلمون أطفالهم منذ نشأتهم ما ورد فيه ... لأنه بلغة بشرية وبأسلوب يفهمه الجميع وينزه الله سبحانه وتعالى عن كل نقيصة ... فالله في هذا الكتاب لا يندم بالطبع لأنه طبقاً لما ذكر في هذا الكتاب فإن الله هو " عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ " التغابن 18 ... أي " وهو سبحانه العالم بكل ما غاب وما حضر، العزيز الذي لا يغالَب، الحكيم في أقواله وأفعاله." التفسير الميسر ... والله سبحانه وتعالى في هذا الكتاب أيضاً ... " لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا " الطلاق 12 أي " لتعلموا أيها الناس أن الله على كل شيء قدير لا يعجزه شيء، وأن الله قد أحاط بكل شيء علمًا، فلا يخرج شيء عن علمه وقدرته." التفسير الميسر


واللــــه أعلم وأعظـــــم
يتبـــع بإذن اللــــه وفضله