

-
مقتطفات من كتاب تحديد سنّ ابتداء الزواج (رؤية شرعيّة) ل أ.د خالد المصلح:
أدلة القائلين بعدم جواز تحديد سن للزواج و مناقشتها:
استدلَّ القائلون بأنه لا يجوزُ إصدار قانون يحدد سنَّ ابتداء الزواج بعدة أدلة، غالبُها هو ما استدلَّ به القائلون بأنَّه يجوز تزويج الصغيرة، وأنه لا حدَّ لسنِّ الزّواج صغراً ولا كبراً. وقالوا إنَّ تحديد سنٍّ للزَّواج معارِضٌ لتلك الأدلّة الشّرعية، يقول الشّيخ عبد المحسن العبّاد: «فلا يجوزُ الإقدامُ على تبديل أو تعديل ما دلَّ عليه الكتاب والسُّنة والإجماع، من عدم تحديد سنِّ الزّواج، بل الواجبُ الاستسلامُ والانقيادُ لِما دلَّت عليه الأدلَّةُ، دون اعتراضٍ عليها أو تقييدٍ لها».
وأبرز ما استندوا إليه في منع تحديد سنِّ ابتداء الزّواج، ما يلي:
الأوّل: أنَّ تحديد سنّ ابتداء الزّواج يخالف الإجماع على جواز تزويج الصّغيرة، وما خالف الإجماعَ فهو باطلٌ مردود.
ونوقش من وجهين:
1. أنّه ليس ثمّة إجماعٌ في أصل المسألة، وهي جواز تزويج الصّغيرة، فالخلاف منقولٌ كما تقدّم عن ﭐبن شُبرمة، وأبو بكر بن الأصم، وعثمان البتي من المتقدّمين()، فهؤلاء الفقهاء قد قالوا بمنع تزويج الصّغيرة قبل البلوغ، وحدَّدوا سنّ ابتداء التّزويج بالبلوغ. ومع هذا الخلافِ لا يكون إجماع.
2. لو سلَّمنا أنَّ ثمّة إجماعاً؛ فإنَّ بحث مسألة إصدار قانونٍ يُحدِّد سنَّ ابتداء التّزويج، ليس خرقًا للإجماع، بل هو نوع من التّنظيم الإداريّ لتحصيلِ مصالح ودرءِ مفاسد، ولهذا نظائر في باب السّياسة الشّرعيّة، وسيأتي بسطُ ذلك قريباً. وقد أفتى به جماعةٌ من أهل العلم المعاصرين كما تقدّم، من أمثال مفتي مصر الأسبق عبد الرّحمن قراعة، وشيخ الأزهر أبو الفضل، والشّيخ الخضريّ، والشّيخ محمّد رشيد رضا، وشيخنا العثيمين.
الثّاني: أنَّ تحديد سنِّ ابتداء التّزويج، ومنعَ الزّواج قبله، يُفضي إلى تحريمٍ لما أحلَّ الله، ولا يجوزُ إصدارُ ما يمنع النّاس مما أحلّ الله لهم، يذكر الشّيخ نجيب المطيعيّ: «أنَّ تحديد سنّ الزّواج، والنّهيَ عن مُباشرة عقده قبل هذه السنِّ الْمُحدَّدة يقتضي تحريم الحلال، الّذي ندَبَ الشارعُ إليه وحضَّ النّاسَ عليه، أو تحريم السّنة المؤكّدة، وكلا الأمرين معصيةٌ بإجماع المسلمين». وقريب من هذا ما قاله شيخنا عبد العزيز بن باز -رحمه الله-: «فليس لأحد أن يُشرِّع غير ما شرعه الله ورسوله، ولا أن يُغيِّر ما شرعه الله ورسوله، لأن فيه الكفاية، ومَن رأى خلاف ذلك فقد ظلَمَ نفسه، وشرَعَ للناس ما لم يأذن به الله».
ونوقش: بأنّ هذا القانون لا يُحرِّم ما أحلّ الله، بل هو تقييدٌ للمباح، بما يُحصِّل المصالح ويدرأُ المفاسد. ومثلُ هذا لا يوصف بأنّه محرّمٌ كسائر المحرّمات في الشّرع، وقد نبّه إلى هذا شيخ الإسلام ﭐبن تيمية -رحمه الله- لما ذكر إمضاءَ عمرَ طلاق الثّلاث بكلمة واحدة على من طلّق، فقال: «وأمَّا القول بكون لزوم الثّلاث شرعًا لازمًا، كسائر الشَّرائع: فهذا لا يقوم عليه دليلٌ شرعيٌّ»، إنما هو نوعٌ من الاجتهاد لتحصيل مصلحة ودرء مفسدة.
الثّالث: كثرة المفاسد المترتِّبة على تحديد سنِّ ابتداء الزّواج، كما أنَّ في ذلك التّحديد تفويتًا للمصالح المترتّبة على الزّواج المبكر، لا سيَّما في زمن استعار الشّهوات وكثرة الفتن.
المناقشة:
نوقش بأنَّ تحديد سنّ ابتداء الزّواج، له مفاسد ومصالح، كما أنَّ ترك تحديد سنّ ابتداء الزّواج له مفاسد ومصالح، يقول الشّيخ محمّد رشيد رضا: (ومن ادَّعى أنَّ كلَّ زواج قبل السِّنِّ المحدّدة في القانون، فهو ضارٌّ، كذَّبه الطّبّ والحقُّ الواقع. ومن ادَّعى أنَّه لا ضرر في شيءٍ منه فهو جاهلٌ بالواقع أو مكابر).
وعليه فإنَّه لا ينبغي أن يُغلَّب جانبٌ على جانب بمجرد الظُّنون، بل لا بدَّ من أن يتوافرَ عددٌ من أهل الاختصاص والخبرة، في الشّرع والطِّب والاجتماع وشؤون الأسرة، للموازنة بين تلك المصالح والمفاسد، والتّوصّل إلى كلمة سواءٍ، في أيِّهما يُغلَّب. وقد تواطأت كلماتُ كثيرٍ منهم -رغم اختلاف بلدانهم وتخصّصاتهم- على تغليب مضارّ زواج الصّغيرات على منافعه، وسيأتي بيان ذلك.
الرّابع: أنَّ في سَنِّ قانون يُحدِّد سنَّ ابتداء الزّواج، ﭐستجابةً للدّعوات العالميّة المشبوهة الّتي تصدر عن منظّمات وهيئات تسعى لإشاعة الثّقافة الغربيّة، وإفساد المجتمعات الإسلاميّة، يقول الشّيخ عبد الرّحمٰن البرّاك -في سياق إنكار ذلك-: «بل الدَّعوةُ إلى منع تزويج الصّغيرات، وتقنين ذلك بتحديد سنّ زواج الفتاة بستّ عشرة سنة أو فوق ذلك، دعوةٌ قديمةٌ بالبلاد العربيّة، أوَّلُ ذلك منذ تسعين سنة، وصدَرَ في ذلك عدَّةُ قرارات من عدد من المؤتمرات: كالمؤتمر الدوليّ المعنيّ بالسّكان، مكسيكو، عام 1404ه، والمؤتمر العالميّ للمساواة والتنمية والسّلم، نيروبي، عام 1405هـ، والمؤتمر الدوليّ للسّكان والتّنمية، القاهرة، عام 1415هـ، والمؤتمر العالميّ الرّابع المعنيُّ بالمرأة، بكين، عام 1416ه» ـ. ثم قال: «فتوجُّهُ الهيئة -أي هيئة حقوق الإنسان في المملكة- إلى منع زواج القاصرات، وتنظيم قانونٍ في ذلك، ما هو إلاَّ امتدادٌ وتنفيذ لِما دَرَجَت عليه البلاد العربيّة. فالأمرُ مُبيَّتٌ ومخطَّط له، وهو جزءٌ من التّبعيَّة للغرب والبلاد العربيّة الْمُغرَّبة».
المناقشة:
نوقش منعُ تحديد سنّ ابتداء الزّواج بأنّه تغريبٌ، بما يلي:
1. أنَّ ذلك لا يسنده دليلٌ، فموضوع التَّحديد بُحث منذ زمن بعيد، فجماعة من الفقهاء الأوائل منعوا تزويج الصّغيرة قبل البلوغ، كما تقدَّم.
2. لو سلَّمنا أنَّ هذه الدّعوة جاءت من الغرب، فإنَّ كونها غربيّةُ المصدر ليس موجباً لردِّها، دون نظرٍ فيها بميزان القسط الّذي يوازن بين المصالح والمفاسد، ويقيس المنافع والمضار. فإنَّ النّبيَّ (ص) قال لأبي هريرة في قصة حراسته الصّدقة، وقولِ الشيطان له: إذا أويت إلى فراشك فاقرأ آية الكرسيِّ، لن يزال عليك من الله حافظٌ، ولا يقربك شيطان حتّى تصبح: «صدقك، وهو كذوب». قال الحافظ ﭐبن حجر: «أنَّ الحكمة قد يتلقاها الفاجر فلا ينتفع بها، وتؤخذ عنه فينتفع بها». فالحكمة ضالَّة المؤمن يبتدرها حيث ظفر بها، وهذا هو المسلك القويم الّذي دلَّت عليه نصوص الشّرع الحكيم. وفي مسألة تحديد ابتداء سنِّ الزّواج، وهي محلُّ البحث، لم تكن دعوى مجيئها من الغرب موجبةً لردِّها بالمطلق، فهذا الشّيخ محمّد رشيد رضا -رغم كثرة إشارته للتّفرنج والمتفرنجين- إلّا أنه لم يرُدَّ تحديد سنّ ابتداء الزّواج بالجملة، وقد أشار إلى المتفرنجين في ثنايا حديثه عن الموضوع، ومع هذا قال رحمه الله: «ومن المغالطة أن يُجعل الخلاف في هذا القانون، دائرًا بين منع زواج الصّغير والصّغيرة مطلقًا وإباحته مطلقًا، فإنَّ بين الأمرين وسطًا».
أدلة القائلين بجواز تحديد سن و مناقشتها:
تنبيه سأقتطف من الأدلة و ذلك لما سبق ايراده منعا للتكرار و بنهاية الموضوع رابط للكتاب لمن اراد الاطلاع على النص كاملا:
رابعاً: أنَّ الشّريعة جاءت في كلِّ ما أمرت به ونهت عنه- في المصالح إيجاداً وتكثيراً، وفي المفاسد إعداماً وتقليلاً، قال شيخ الإسلام ﭐبن تيمية: «والشّريعة جاءت بتحصيل المصالح وتكميلها، وتعطيل المفاسد وتقليلها»، والإخلالُ بهذا مزلَّة أفهام كما قال الشّيخ رحمه الله: «فمن لم يُوازن ما في الفعل والتّرك من المصلحة الشّرعية والمفسدة الشّرعية ، فقد يَدَعُ واجباتٍ، ويفعلُ محرَّمات». ومفاسدُ زواج الصّغيرات غالبةٌ على مصالحه، مع ضعف الأمانة والتعلّق بالدّنيا. فيكونُ تحديد سنّ ابتداء الزّواج وسيلةً لمنع تلك المفاسد. ولهذا نظيرٌ في منع عمر بن الخطّاب رضي الله عنه بعضَ الصّحابة من الزّواج بالكتابيّات؛ لما خشي أن يُفضي إلى المفاسد. ومِن فعل عمر يتبيّنُ ما ذكره شيخ الإسلام ﭐبن تيمية حيث قال: «فإنَّ الأمر والنّهي، وإن كان متضمِّنًا لتحصيل مصلحةٍ ودفع مفسدة، فيُنظر في المعارض له، فإن كان الّذي يُفوَّت من المصالح أو يُحصَّل من المفاسد أكثرَ؛ لم يكن مأمورًا به، بل يكون محرّمًا إذا كانت مفسدته أكثرَ من مصلحته».
المناقشة:
نوقش بأنَّ المفاسد الّتي يُقال إنَّها تحصل «من تزويج الصّغيرة، فهذه المفسدة ممنوعةٌ تمنع تزويجها، وذلك في واقعةٍ خاصَّة لا تقتضي منعَ عموم المسألة».
الإجابة:
أجيب بأنّ تلك المفاسد لا يمكن ضبطها ولا التحقُّق من انتفائها، وهي ليست حالاتٍ خاصّة، بل هي في حالات غالبة، قال شيخنا محمّد العثيمين رحمه الله: «فالَّذي يظهر لي أنّه من النّاحية الانضباطيَّة في الوقت الحاضر، أن يُمنع الأبُ من تزويج ابنته مطلقًا، حتّى تبلغ وتُستأذن». وما كان كذلك فإنَّ المعالجة فيه تكون عامّة كما فعل أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب في مسألة طلاق الثَّلاث، حيث قال: «إنَّ النّاس قد استعجلوا في أمر قد كانت لهم فيه أناةٌ؛ فلو أمضيناه عليهم!»، لذلك قال شيخنا ﭐبن عثيمين: «ولا مانع من أن نمنعَ النّاس من تزويج النّساء اللّاتي دون البلوغ مطلقًا».
خامساً: إنَّ زواج الصّغيرات بالتزاماته وتداعياته الكثيرة، من حقوقٍ وواجبات، وحملٍ وإنجاب، ومشاكل زوجيّةٍ، مصدر لضغوطات حياتيّةٍ، ينتج عنها مفاسد عديدة، سواء أكان من النّاحية الطّبّيّة أو النّفسيّة أو الاجتماعيّة أو التّعليميّة أو السّلوكيّة. وقد أفاض كثيرون في بيان تلك المفاسد، واستندوا إلى تقاريرِ لجانٍ درست تلك الآثار، وبناءُ الشّريعة على منع الضّرر ففي الحديث قال النّبيُّ : «لا ضررَ، ولا ضرار». وأشير فيما يلي إلى أبرز ما قيل في ذلك:
فمن النّاحية الطّبّيّة والنّفسيّة -وقد ذكرها بعض المتقدّمين قبل نحو مئة عام- قال الشّيخ الخضريّ: «وأكثرُ من ذلك أنَّ ذوي الخبرة من الأطبّاء، قرروا لهذا الاجتماع أضرارًا، ليس شرحها بميسور على صفحات الجرائد، وقد سمعتُ الكثير منها فآلمني سماعُه»، وهذا ما انتهت إليه اللّجنة الّتي شكَّلتها وزارةُ الصّحّة في المملكة العربيّة السّعوديّة عام 1429هـ، لدراسة الآثار الصّحّيّة المترتّبة على زواج صغار السّنّ: «زواجُ القُصَّر يكون أحدَ العوامل الرّئيسيّة التي تُساعد في ظهور مشكلات صحّيّة ونفسيّة، مما يؤدي إلى زيادة الأمراض في الأسرة والمجتمع، وبالتّالي تُشكّل عبئاً ﭐقتصاديّاً على النِّظام الصِّحّيّ».
أمّا من النّاحية الاجتماعيّة، فإنَّ الصّغيرة لا تقدر على القيام بالرّعاية المنوطة بالمرأة، في بيت زوجها، كما قال النّبيُّ : «والمرأة راعيةٌ في بيت زوجها»، «والّذي يستدعي مزيد الرّحمة في هذه المسألة هو حالة البنات؛ إذ من المعلوم أنَّ الزّوج والزّوجة هما مشتركان في تأليف الأسر (البيوت) وإدارتها، ففي السّنِّ الّتي يكون الأطفالُ فيها معذورين بإضاعة أوقاتهم باللّعب في الأزقَّة، تكون البنتُ في مثلها مشغولةً بأداء وظيفة من أثقل الوظائف في نظر الجمعيّة البشريّة، وهي كونها والدةً ومدبرةَ أمور أسرة. وإن صيرورة بنت مسكينة لم يكمُل نموّها البدنيّ أُمًّا؛ يُضعف أعصابها إلى آخر العمر، ويُكسبها عِللاً مختلفةً، ويكون الولد الّذي تلده ضاويًا (ضعيفًا هزيلاً) مغلوبًا للمزاج العصبيِّ».
أمّا من النّاحية التّعليميّة «فعادةً يصاحب هذا الزّواجَ تركُ الفتاة الدّراسةَ والتّفرغَ لحياتها، وهذا في حدِّ ذاته يُعتبر صدمةً أولى في حياتها، وعاملاً مُدمِّراً يؤثِّر على مستقبلها».
مزيد الرّحمة في هذه المسألة هو حالة البنات؛ إذ من المعلوم أنَّ الزّوج والزّوجة هما مشتركان في تأليف الأسر (البيوت) وإدارتها، ففي السّنِّ الّتي يكون الأطفالُ فيها معذورين بإضاعة أوقاتهم باللّعب في الأزقَّة، تكون البنتُ في مثلها مشغولةً بأداء وظيفة من أثقل الوظائف في نظر الجمعيّة البشريّة، وهي كونها والدةً ومدبرةَ أمور أسرة. وإن صيرورة بنت مسكينة لم يكمُل نموّها البدنيّ أُمًّا؛ يُضعف أعصابها إلى آخر العمر، ويُكسبها عِللاً مختلفةً، ويكون الولد الّذي تلده ضاويًا (ضعيفًا هزيلاً) مغلوبًا للمزاج العصبيِّ».
أمّا من النّاحية التّعليميّة «فعادةً يصاحب هذا الزّواجَ تركُ الفتاة الدّراسةَ والتّفرغَ لحياتها، وهذا في حدِّ ذاته يُعتبر صدمةً أولى في حياتها، وعاملاً مُدمِّراً يؤثِّر على مستقبلها».
المناقشة:
نوقشت تلك المفاسدُ العديدة، سواء أكانت من النّاحية الطّبّيّة أو النّفسيّة أو الاجتماعيّة أو التّعليميّة أو السّلوكيّة، بأنّها غيرُ مسلَّمة، وأنَّ كلَّ ما يُذكر من المفاسد غيرُ لازم، ومحلُّ نقاش. قال الشّيخ محمّد بخيت المطيعي: «وأمَّا ما قالوه، ترويجًا لتحديد سنّ الزّواج، مِن أَنّ الزّواج في الصّغر تترتّب عليه المفاسد الّتي ذكروها، ويضرُّ بصحّة الصّغير والصّغيرة؛ فغيرُ مسلَّم؛ لأنّه لم يقُل أحدٌ من المسلمين بأنَّ الزّواج فيه مفسدةٌ، لا في وقت الصِّغر، ولا في وقت الكِبَر. والأطبّاء مختلفون في أنَّ الأفضلَ التّبكيرُ بالزّواج أو التّأخير، واختلافُهم يوجب الشَّكَّ في أقوالهم، على أنَّه لا يُمكن لعاقل أن يقول: إنَّ مجرد حصول عقد الزّواج، يحصل به ضررٌ لصحّة الصّغير أو الصّغيرة. وإنَّما ﭐلّذي يُتوهّم أن يُقال: إنما هو في الوطء، وأمّا العقد فلا يترتب عليه شيء أصلاً، فلا وجه لتحديد السّنِّ له».
الإجابة:
أُجيب بأنّه لا يمكن نفيُ الضّرر المترتّب على تزويج الصّغيرات بالكلّيّة ، وأعدلُ ما قيل فيه ما علَّق به العلّامة محمّد رشيد رضا رحمه الله حيث قال: «ومن ﭐدَّعى أنَّ كل زواج قبل السِّنِّ المحدّدة في القانون، فهو ضارٌّ؛ كذَّبه الطِّبّ والحقّ الواقع. ومن ادَّعى أنّه لا ضرر في شيءٍ منه فهو جاهلٌ بالواقع أو مكابر». فإذا كان كذلك فإنَّ الواجب هو في الموازنة بين المصالح والمفاسد والمنافع والمضار، والأخذ بالمترجِّح والغالب منهما.
سادساً: تحديد سنّ ابتداء الزّواج، يُمكن أن يندرج ضمن ما لوليِّ الأمر من التصرُّفات والتّدابير، الّتي يُقيم بها العدل، ويحقّق بها المصالح ويدرأُ المفاسد، فإنَّ النّاس يمكن أن «يُحدثوا أمراً تقتضي أصولُ الشّريعة فيه غيرَ ما اقتضته قبل حدوث ذٰلك الأمر»، وقد قال الإمام مالك: يحدث للنّاس أقضيةٌ، بقدر ما أحدثوا من الفجور. وفي سير الخلفاء الرّاشدين من ذلك ما يصلُح أن يكون أصلاً يُبنى عليه، وأساساً يُفرَّع منه؛ وكثيرٌ منها في زمن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، ﭐلّذي فُتح في عهده أكثرُ الأمصار، واتَّسعت رقعة الأمّة، وجدَّت أمور واختلفت أحوال، فصدق ما قال مالك. وممَّا يتّصل من ذٰلك بقضايا الأسرة احتسابُه الطّلاقَ الثّلاثَ بكلمةٍ واحدة ثلاثًا، بعد سنتين من ولايته، على خلاف ما كان عليه الأمر زمن النّبيِّ( ص)، وزمن أبي بكر، وعلَّل ذٰلك بقوله: «إنَّ النّاس قد استعجلوا في أمرٍ قد كانت لهم فيه أناةٌ، فلو أمضيناه عليهم!».
سابعاً: تحديد سنّ ابتداء الزّواج، سيؤدّي إلى منع ظلم الصّغيرات بتزويجهنَّ غير الأكفَاء ، لتحصيل مصالح مادّيّة أو غيرها، حاضرةً أو مؤجَّلة. فيكون تحديدُ سنِّ ابتداء الزّواج مندرجًا في قاعدة سدّ الذّرائع، وهي الوسائل المباحة إذا كانت تفضي إلى محرَّم غالباً؛ علمًا أنَّه لا يقتصر الأمرُ فقط على منع الظّلم، بل وعلى منع كثير من الفساد الحاصل بسبب هذا النّوع من الزّواجات.
ثامناً: تحديد سنِّ ﭐبتداء الزواج، له نظائرُ عديدة في التّنظيمات الصّادرة والمعمول بها، ثامناً: تحديد سنِّ ﭐبتداء الزواج، له نظائرُ عديدة في التّنظيمات الصّادرة والمعمول بها، فيما يتعلَّق بشأن الزّواج، واعتُبر ذٰلك تنظيماً معمولاً به في المحاكم منذ سنواتٍ بعيدة، من ذٰلك تنظيمُ زواج غير السُّعوديِّ بغير السعوديَّة، ومثله زواج غير السّعودي بالسّعودية، وفي منع فئات من الزّواج من غير السّعوديات بالكلّيّة، وقيود عديدة تضمَّنتها التّعاميم، ومما جاء فيها ما نصُّه: «لا يجوز أن يتزوّج السّعوديُّ بغير السّعوديّة، إذا كان من الفئات التّالية»، ولم تقابل تلك التنظيماتُ بشيء من الاعتراضات التي وُجِّهت لتنظيم سنِّ ابتداء الزّواج.
التّرجيح
ﭐلّذي يظهر من هٰذين القولين، أنه يجوز لوليِّ الأمر تحديدُ ﭐبتداء سنّ الزّواج، على وجه التّنظيم؛ تحصيلاً لمصالح الأمّة ودرءاً للمفاسد، وتحقيقاً للعدل، فإنَّ الله «قد بيَّن سبحانه بما شرعه من الطّرق، أنَّ مقصوده: إقامةُ العدل بين عباده، وقيامُ النّاس بالقسط، فأيُّ طريق استُخرج بها العدلُ والقسطُ فهي من الدّين، وليست مخالفةً له». وكونُ هذا التّنظيم يُسمَّى قانوناً أو تقنيناً أو غير ذٰلك من المسمّيات العصريّة، لا يخرجه عن كونه جائزاً، فالأسماء لا تغيِّر الحقائقَ، يقول ﭐبن القيّم رحمه الله: «فلا يُقال: إنَّ السّياسة العادلة مخالفةٌ لما نطق به الشّرع، بل هي موافقةٌ لما جاء به، بل هي جزءٌ من أجزائه، ونحن نسمّيها سياسةً تبعاً لمصطلحهم، وإنَّما هي عدلُ الله ورسوله».
وفي حال وجود ما يستدعي التّزويجَ، قبل السّنّ المحدَّد نظاماً؛ فإنّه يمكن أن يتقدَّم الوليُّ بطلب ذٰلك، من جهة مختصَّة للنّظر في تلك الطّلبات ومسوِّغاتها، والتّحقق من أنّه يُحصِّل مصلحة الصّغيرة ويحميها. وهذا الاستثناء معمولٌ به في قوانين الأسرة، في كثير من البلاد العربيّة والإسلاميّة. فقد تركت الأنظمة والقوانينُ البابَ مواربًا لمعالجة الحالات ﭐلّتي تُقدِّر الجهاتُ المختصّةُ استثناءها من التّحديد. وهذا ما تضمَّنته توصياتُ اللّجنة المشكَّلة في المملكة العربيّة السّعوديّة، من وزارة الدّاخليّة، ووزارة العدل، ووزارة الشّؤون الإسلاميّة، ووزارة الشّؤون الاجتماعيّة، حيث أوصت بما يلي: «1- قصر الإذن بزواج من هي دونَ السّادسة عشر على المحاكم المختصّة» وقد ذهب شيخنا محمّد العثيمين إلى أنّه إذا زُوِّجت الصّغيرة للمصلحة حسب نظر وليِّها، فإنَّ له الحقَّ في الخيار بين الاستمرار وبين الانفصال. قال رحمه الله: لكن لو فرضنا أنَّ الرّجل وجد أنَّ هذا الخاطب كفءٌ، وهو كبيرُ السّن، ويخشى إن انتقل إلى الآخرة صارت البنت في ولاية إخوتها أن يتلاعبوا بها، وأن يزوِّجوها حسب أهوائهم، لا حسب مصلحتها، فإن رأى المصلحة في أن يزوّجها مَن هو كفء فلا بأس بذلك، ولكن لها الخيار إذا كبرت؛ إن شاءت قالت: لا أرضى بهذا ولا أريده. وإذا كان الأمر كذلك فالسّلامة ألّا يُزوِّجها، وأن يدعها إلى الله».
http://www.almosleh.com/ar/index-ar-library-9.html
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة فداء الرسول في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 23-06-2013, 11:33 AM
-
بواسطة فريد عبد العليم في المنتدى المنتدى الإسلامي العام
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 05-02-2010, 02:00 AM
-
بواسطة golder في المنتدى من ثمارهم تعرفونهم
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 21-06-2009, 08:05 PM
-
بواسطة ابو سلمان في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 10
آخر مشاركة: 04-06-2009, 12:46 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات