الاستدلال بحديث السيدة عائشة:
حيث زوجها سيدنا أبو بكر _عقدا_ و هي بنت ست سنين فدل ذلك على جواز تزويج الصغيرة دون استئذانها اذ أن وقتها لم يكن لها أذن معتبر:

رد مذهب المنع:
قال الامام المعلمي اليماني:
وبقي زواجه - صلى الله عليه وسلم - عائشةَ. فأمّا ما نُقِل عن ابن شبرمة أنّه من خصائصه صلى الله عليه وسلم، فلم يذكروا دليله، فإن كان قاله بلا دليل، فهو مردود عليه لأنّ الخصوصية لا تثبت بمجرد الاحتمال، بل فعله - صلى الله عليه وسلم - حجة ما لم يثبت الاختصاص. وإن كان قاله بدلالة قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تنكح البكر حتى تستأذن" على ما قدّمنا، ففيه نظر؛ لما ذكره الحافظ من أنّ زواج عائشة كان قبل هذا الحديث.فإذا كان الحديث يدلّ على المنع فيحتمل أن يكون المنع إنّما لزم من حينئذ، ولم يكن المنع سابقً وحينئذٍ يكون زواج عائشة جاريًا على الحكم السابق، وهو عدم المنع، فلا خصوصية. وقد يؤيد هذا ما روي عنه - صلى الله عليه وسلم - أنّه قال في بعض بنات عمِّه العباس(إن أدركت و أنا حي تزوجتها)أو كما قال(1)
(1) أخرجه أحمد (26870) وأبو يعلى (7075) وغيرهما من حديث ابن عباس بلفظ: "لئن بلغتْ بُنيَّة العباس هذه وأنا حيّ، لأتزوجنَّها". قال الهيثمي في "مجمع الزوائد" (4/ 276): "في إسنادهما الحسين بن عبد الله بن عباس، وهو متروك، وقد وثقه ابن معين في رواية.
نعم مقصود ابن شبرمة من رد الاستدلال بزواج عائشة حاصل على كل حال .لانه ان لم يكن على وجه الخصوصية فهو منسوخ.
ولا يقال: كان يجب لو كان منسوخًا أن يفارقها النبي - صلى الله عليه وسلم - عند ورود النسخ، لِما هو ظاهر من أنّ النسخ إنّما يتسلط على ما يتجدّد من الأعمال، لا على ما تقدّم قبله.ثم إنّه لم يرد النسخ حتى بلغت عائشة - رضي الله عنها -. ومع هذا، فيحتمل أن يكون معنى قوله - صلى الله عليه وسلم -: "لا تنكح البكر حتى تستأذن" أي لا يبتّ نكاحها، فأمّا أن يقع العقد من الوليِّ ويكون البتّ كما موقوفًا على رضاها فلا كما يقوله بعض الفقهاء في البكر البالغة، بل وفي الثيب، وعلى قياس ما يقولونه في بيع الفضولي.
فإن صحّ هذا الاحتمال فلا مانع من أن يكون عقدُ أبي بكر بعائشة من هذا القبيل، ثم حين بلغت تسع سنين، بلغت وأقرَّت العقد.وعليه فلا مخالفة، ولا نسخ، ولا خصوصية
لكن ظاهر قوله - صلى الله عليه وسلم -: "ولا تنكح البكر" يأبى ما ذُكر. فتأمّل.

قال الامام ابن عثيمين:
الاستدلال بقصة عائشة فيه نظر ، ووجه النظر أن عائشة زُوِّجت بأفضل الخلق صلى الله عليه وسلم- وأن عائشة ليست كغيرها من النساء ، إذ أنها بالتأكيد سوف ترضى وليس عندها معارضة ، ولهذا لمّا خُيرت –رضي الله عنها- حين قال لها النبي – صلى لله عليه وسلم - : (لا عليك أن تستأمري أبويك) ؛ فقالت : إني أريد الله ورسوله ، ولم ترد الدنيا ولا زينتها. و قال أيضا في التسجيل الصوتي في الشرح الممتع متى يكون الولي كأبوبكر و متى يكون الزوج كسيدنا محمد و متى تكون البنت كعائشة رضي الله عنها.
وقال أما أن يأتي إنسان طمّاع لا همّ له إلا المال ، فيأتيه رجل ما فيه خير ، ويقول زوجني بنتك ، وهي عنده ثلاث عشرة سنة أو أربع عشرة سنة ، ما بلغت بعد ، ويعطيه مائة ألف ، فيزوجه إياها ويقول : الدليل على ذلك أن أبا بكر- رضي الله عنه زوج عائشة النبي نقول: هذا الاستدلال بعيد ما فيه شك ، وضعيف ، لأنه لو ما أعطاك المائة ألف ولا أعطاك كذا وكذا ، ما زوجته ، ولا استدللت بحديث عائشة وتزويج أبي بكر للنبي صلى الله عليه وسلم- إياها.

الاجماع:
يدعي البعض أن المسئلة فيها اجماع لايمكن مخالفته و يشذذ رأي الامامين التابعيين الجليلين ابن شبرمة و عثمان البتى:
قال الامام المعلمي اليماني:
وعلى كل حال، فليس بيد الجمهور دليل على صحة زواج الصغيرة إلا الإجماع.
ولم يثبت في المسألة إجماع إذا عرَّفنا الإجماع بما كان يعرِّفه به الشافعي وأحمد. بل غايته أنّه قول لم يُعرف له مخالف قبل ابن شبرمة.والشافعي وأحمد لا يعتبران مثل هذا إجماعًا تردُّ به دلالة السنة. فمذهب ابن شبرمة قويٌّ، والله أعلم.
قال الامام ابن عثيمين :
تقدم لنا أن الرجل يجوز أن يزوّج ابنته الصغيرة إذا كانت بكرا ، ومعلوم أن الصغيرة لا إذن لها ، لأنها لم تبلغ ، وهذا قول جمهور أهل العلم ، واستدلوا بالحديث الذي ذكره المؤلف رحمه الله - ، وبعضهم حكى الإجماع على أن للأب أن يزوج ابنته الصغيرة بدون رضاها ، لأنه ليس لها إذن معتبر ، وهو أعلم بمصالحها ،
ولكن نقل الإجماع ليس بصحيح ، فإنه قد حكى ابن حزم عن ابن شبرمة أنه لا يصح أن يزوج ابنته الصغيرة حتى تبلغ ، وتأذن ؛ وهذا عندي هو الأرجح .

و قال:ثم إن القول بذلك في وقتنا الحاضر يؤدي إلى مفسدة كما أسلفنا سابقا ، لأن بعض الناس يبيع بناته بيعا ، فيقول للزوج : تعطيني كذا ، وتعطي أمها كذا! وتعطي أخاها كذا! ، وتعطي عمها كذا ! ... إلى آخره .وهي إذا كبرت فإذا هي قد زُوجت فماذا تصنع؟!!
وهذا القول الذي اختاره ابن شبرمة ولا سيما في وقتنا هذا ، هو القول الراجح عندي ، وأنه يُنتظر حتى تبلغ ثم تُستأذن .

و قال في كتاب الشرح الممتع :ذكر بعض العلماء الإجماع على أن له أن يزوجها، مستدلين بحديث عائشة ـ رضي الله عنها ـ، وقد ذكرنا الفرق،
وقال ابن شبرمة من الفقهاء المعروفين: لا يجوز أن يزوج الصغيرة التي لم تبلغ أبداً؛ لأننا إن قلنا بشرط الرضا فرضاها غير معتبر، ولا نقول بالإجبار في البالغة فهذه من باب أولى، وهذا القول هو الصواب، أن الأب لا يزوج بنته حتى تبلغ وإذا بلغت فلا يزوجها حتى ترضى. لكن لو فرضنا أن الرجل وجد أن هذا الخاطب كفء، وهو كبير السن، ويخشى إن انتقل إلى الآخرة صارت البنت في ولاية إخوتها أن يتلاعبوا بها، وأن يزوِّجوها حسب أهوائهم، لا حسب مصلحتها، فإن رأى المصلحة في أن يزوجها من هو كفء فلا بأس بذلك، ولكن لها الخيار إذا كبرت؛ إن شاءت قالت: لا أرضى بهذا ولا أريده. وإذا كان الأمر كذلك فالسلامة ألا يزوجها، وأن يدعها إلى الله ـ عزّ وجل ـ فربما أنه الآن يرى هذا الرجل كفئاً ثم تتغير حال الرجل، وربما يأتي الله لها عند بلوغها النكاح برجل خير من هذا الرجل؛ لأن الأمور بيد الله ـ