هل رحب الأقباط بالفتح الإسلامي لمصر ؟!


لقد أطال النصارى الحديث حول ترحيب الأقباط الأرثوذكس بالفتح الإسلامي لمصر على يد عمرو بن العاص , وزعموا أن هذا لم يحدث , واستدلوا بأقوال مؤرخين يعلم تعصبهم كل ناظر خبير في علم التاريخ , كالمدعو ألفريد بتلر في كتابه " الفتح العربي لمصر " ، ترجمة محمد فريد أبو حديد ، وإصدار الهيئة المصرية للكتاب عام 1989م .

فالنصارى يتشوقون للإطلاع على أي مصدر من شأنه الطعن في فتح المسلمين لمصر , حتى ولو كان هذا المصدر لكاتب يعلم تعصبه كل عاقل , ورغم وجود شهادات عدة , قديمة وحديثة , لمؤرخين معتبرين من النصارى العرب , منهم من كان للأحداث أقرب , تثبت بما لا يدع مجالاً للشك أن الأقباط رحبوا بالفتح الإسلامي لمصر , واعتبروه منفذ الخلاص لهم من الظلم والإضطهاد الكاثوليكي , إلا أن المتعصبين من النصارى تراهم يلقون بكل ذلك وراء ظهورهم , ويتمسكون بكتابات متعصبة لكتبة ليسوا من بني جلدتنا , ولكنهم من الذين حملوا الحقد الغربي الصليبي على ثروات العرب والمسلمين , كالمدعو ألفريد بتلر , فنشروا ثقافة الحقد والكراهية للإسلام والعرب في شتى محافلهم , ونقل عنهم حقدهم وكرههم , ثلة من المتعصبين , من النصارى العرب , كالقمص أنطونيوس الأنطونى صاحب كتاب " وطنية الكنيسة القبطية وتاريخها " .

وقد نقل الأخير عن ألفريد بتلر في كتابه " الفتح العربي لمصر " الجزء الخاص بفتح مصر على يد عمرو بن العاص رضي الله عنه , وأول ما يتوقف أمامه قاريء كتاب ألفريد بتلر ذلك العنوان المتعصب " فتح العرب لمصر" لأنه لا يعبر عن الحقيقة , ففتح مصر لم يكن إنجازًا عربيًا ، وإنما كان إنجازًا إسلاميًا حول مجرى التاريخ , وليت شعري إذا كان الفتح عربيًا , فلماذا أخذ عمرو بن العاص من النصارى الجزية ودعاهم قبل أن يأخذها منهم إلى الإسلام والإيمان برسالته ؟!

بل لقد قال بتلر في كتابه ص 228 : ( سار عمرو فى جيش صغير من أربعة ألاف جندى (4000) أكثرهم من قبيلة عك , وإن الكندى يقول أن الثلث كانوا من قبيلة غامق , ويروى أبن دقماق : أنه كان مع جيش العرب جماعة من أسلم من الروم ومن أسلم من الفرس , وقد سماهم فى كتابه , وسار بهم من عند الحدود بين مصر وفلسطين حتى صار عند رفح وهى على مرحلة واحدة من العريش بأرض مصر ) .

وهذا الذي أثبته بتلر يؤكد أن الفتح كان إسلاميًا ولم يكن عربيًا بالمعنى العرقي , بل فتح ينطلق من أساس " عقائدي " ، وليس من أساس " عرقي" ، ولم يكن الفاتحون مجرد قبائل عربية من بدو الصحراء كما يردد الجهلة , بل كلهم مسلمون من بلاد وأمم متفرقة , جمعتهم العقيدة الربانية الصافية , لتخليص العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد , وإخراجهم من ظلمات الجهل والإضطهاد إلى نور العلم والسماحة والعدل !

وعن ترحيب الأقباط بالفتح الإسلامي لمصر يقول بتلر في تعصب صريح : ( وأنه لمن الجدير بالإلتفات أن هذا البطريرك الطريد- يقصد بنيامين - لم يحمله على الخروج من أختفائه فتح المسلمين لمصر وإستقرار أمرهم فى البلاد , ولا خروج جيوش الروم عنها , وليس أدل من هذا على إفتراء التاريخ على القبط , وإتهامهم كذباً أنهم ساعدوا العرب ورحبوا بهم ورأوا فيهم الخلاص , مع أنهم أعداء بلادهم , ولو صح أن القبط رحبوا بالعرب لكان ذلك عن أمر بطريقهم أو رضائه , ولو رضى بنيامين بمثل هذه المساعدة وأقرها لما بقى فى منفاه ثلاث سنوات بعد تمام النصر للعرب , ثم لا يعود بعد ذلك من مخبئة إلا بعهد وأمان لا شرط فيه ) ( الفتح العربي لمصر ص 457 ) .

كلمات يتقطر منها الحقد والكراهية قطرًا قطرًا , رافضة ما جاء في أعظم كتب التاريخ عند النصارى أنفسهم , والثمن هو شحن النفوس التي هى للتعصب أقرب وعن الإنصاف أبعد !

يقول ألفريد بتلر : " وأنه لمن الجدير بالإلتفات أن هذا البطريرك الطريد- يقصد بنيامين - لم يحمله على الخروج من أختفائة فتح المسلمين لمصر وإستقرار أمرهم فى البلاد " . لقد أبى الله إلا أن يذل من عصاه , إذ ذكر ألفريد بتلر في كتابه المذكور , عهد الأمان الذي كتبه عمرو بن العاص للبابا بنيامين : ( كتب عمرو بن العاص للبابا بنيامين وكان البابا مختفيًا فى مكان مجهول لا يعلم به أحد , وكانت صورة الوعد كما يلى : " أينما كان بطريق القبط بنيامين , نعده الحماية والأمان , وعهد الله , فليأت البطريرك إلى هنا فى أمان وإطمئنان ليلى أمر ديانته ويرعى أهل ملته " ) ( الفتح العربي لمصر ص 455 ) .

فكيف يذكر بتلر أن البابا بنيامين لم يخرج من مخبئه بسبب عهد الأمان , وقد ذكر هو بنفسه عهد الأمان , وفيه طلب خروج البابا بنيامين ليتولى أمر ديانته , فما الذي أخرجه إذًا يا بتلر؟! ولماذا لم يخرج في أي وقت طيلة الثلاثة عشر عامًا ؟!

لقد أصدر عمرو بن العاص عهد الأمان فور استقرار البلاد على حكم الإسلام , وانتهاء فترة النزاع بينه وبين الروم الكاثوليك , وقد نطق ألفريد بتلر بذكر هذه النزاعات في مؤلفه , والأنبا بنيامين انتظر أيضًا حتى يستتب الأمر لأي من الفريقين , فيقرر بعده ما يري , فمن الطبيعي والمنطقي أن الأنبا بنيامين كان يجول في فكره أنه ربما استبدل القدر المعتدي بمعتدي أخر , لذلك ظل طيلة هذه السنوات الثلاثة , التي جاهد فيها عمرو بن العاص رض الله عنه حتى صارت كلمة الله هي العليا في البلاد , يراقب ويتابع الأحداث عن بعد ليرى لمن ستكون الغلبة في النهاية , فلما استقر الأمر للمسلمين , وعلم عدل الإسلام وسماحته بالأعداء الكاثوليك إذ تركهم ينسحبوا حاملين أمتعتهم وأموالهم , ورأى عهد الأمان له ولأتباعه , خرج من فوره من مخبئه , ونتحدى أن يثبت لنا بتلر أو غيره من أي مصدر تاريخي غير ذلك , بل هو الزعم والأماني ! ونتحدى أن يثبت لنا بتلر أو غيره من أي مصدر تاريخي أن عمرو بن العاص خان عهده مع الأنبا بنيامين , بل لقد أثبتنا أن الأقباط هم أول من أخلفوا العهود وأرادوا زعزعة أمن البلاد بعد استقراره .


شهادة يوحنا النقيوسي !


في أقدم كتب التاريخ النصرانية حديث عن سماحة عمرو بن العاص رضي الله عنه مع نصارى مصر ، وكيف أن تحرير الإسلام لهم من قهر الرومان ، وهزيمة الاستعمار الروماني بمصر على يد الجيش الإسلامي الفاتح إنما كان انتقامًا إلهيًّا من ظلم الرومان لمصر واضطهادهم لنصارى مصر !

ففي تاريخ "يوحنا النقيوسي" أسقف نقيوس ( إبشاتي بالمنوفية ) , وأحد أعظم رجال الكنيسة القبطية في القرن السابع , وهو معاصر للفتح الإسلامي وشاهد عليه : ( إن الله الذي يصون الحق لم يهمل العالم ، وحكم على الظالمين ، ولم يرحمهم لتجرّئهم عليه ، وردهم إلى يد الإسماعيليين (العرب المسلمين) ثم نهض المسلمون وحازوا كل مدينة مصر.. وكان هرقل حزينًا.. وبسبب هزيمة الروم الذين كانوا في مدينة مصر ، وبأمر الله الذي يأخذ أرواح حكّامهم مرض هرقل ومات.. وكان عمرو بن العاص - رضي الله عنه - يقوى كل يوم في عمله ، ويأخذ الضرائب التي حددها ، ولم يأخذ شيئًا من مال الكنائس ، ولم يرتكب شيئًا ما، سلبًا أو نهبًا، وحافَظ عليها (الكنائس) طوال الأيام ) ( تاريخ مصر ليوحنا النقيوسي ص 201-202 : رؤية قبطية للفتح الإسلامي, ترجمة وتحقيق د. عمر صابر عبد الجليل , الطبعة الأولى 2000م , القاهرة - عين للدراسات والبحوث الإنسانية والاجتماعية ) .

إنها شهادة شاهد عيان نصراني على هذه السماحة الإسلامية التي تجسدت على أرض الواقع . ومتى؟! قبل أربعة عشر قرنًا من الزمان ، وهي سماحة نابعة من الدين الإسلامي ، وليست كحقوق المواطنة التي لم تعرفها المجتمعات العلمانية إلا على أنقاض الدين !