اقتباس
اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة Lion_Hamza مشاهدة المشاركة

البَقَرَة

كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ

يتردد علينا سؤال غريب وجدنا أن نرد عليه :

إذا كان الناس أمة واحدة ، وقد رتب الله بعث وإرسال النبيين على كونهم أمة واحدة ، فمن أين إذن جاء الخلاف إلى حياة الناس ؟

إذاً للرد على هذا السؤال .. فلا بد أن تـُحمل هذه الآية المجملة على آية أخرى مفصلة في قوله تعالى :


يُونُس

وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ

{{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً }} فقبل بعث الله النبيين كان الناس أمة واحدة يتبعون آدم عليه السلام ، وقد بلغ الحق سبحانه آدم المنهج بعد أن اجتباه وهداه ، وعلم آدم أبناءه منهج الله ، فظل الناس من أبنائه على إيمان بعقيدة واحدة ، ولم ينشأ عندهم ما يوجب اختلاف أهوائهم ، فالعالم كان واسعاً ، وكانت القلة السكانية فيه هي آدم وأولاده فقط ، وكان خير العالم يتسع للموجودين فقط .

إذن لا تطاحن على شيء ، ومن يريد شيئاً يأخذه ، وكانت الملكية مشاعة للجميع ،لأنه لم تكن هناك ملكية لأحد ، فمن يريد أن يبني بيتاً فله أن يبنيه ولو عشرين فداناً ، ومن يريد أن يأكل فاكهة أو يأخذ ثمراً من أي بستان فله أن يأخذ ما يريد .

إذن كان الناس أمة واحدة ، أي لم توجد الأطماع ، ولم يوجد حب الاستئثار بالمنافع مما يجعلهم يختلفون .
إذن فأساس الاختلاف هو الطمع في متاع الدنيا ، ومن هنا ينشأ الهوى .

وكان من المفروض في آدم عليه السلام بعد أن بلغه الله المنهج أن يبلغه لأولاده ، وأن يتقبل أبناؤه المنهج ، ولكن بعض أولاده تمرد على المنهج ، ونشأ حب الاستئثار من ضيق المـُستَأثر والمنتفع به ، ومن هنا نشأت الخلافات .
ولنا في قصة هابيل وقابيل ما يوضح ذلك :

المائِدَة

وَاتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ ابْنَيْ آدَمَ بِالحَقِّ إِذْ قَرَّبَا قُرْبَانًا فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِمَا وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الآخَرِ قَالَ لأَقْتُلَنَّكَ قَالَ إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ المُتَّقِينَ

إذن كان ميلاد أول خلاف بين البشر حينما تنافس اثنان للاستئثار بمنفعة ما ، وكان هذا مثالاً واضحاً لما يمكن أن يحدث عندما تضيق المنافع عن الأطماع .

لهذا {{ كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً }} لكنهم اختلفوا لحظة الاستئثار بالمنافع ، وأصبح لكل إنسان هوى . ولو شاء الله أن يجعل منهجه لآدم منهجاً دائماً إلى أن تقوم الساعة لفعل . ولكنه سبحانه برحمته يعلم أنه خلقنا ، ويعلم أننا بعقل مرة ونسهو مرة ، ونلتزم مرة ، ونهمل مرة أخرى ، فشاء الله أن يواصل لخلقه مواكب الرسل .
ولذلك يأتي قوله الحق : {{ وَّاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ }} ومهمة (( التبشير والإنذار )) هي أن يتذكر الناس أن هناك جنة وناراً ، ولذلك يبشر كل رسول مَن آمن من قومه بالجنة ، وينذر من كفر مِن هؤلاء القوم بالنار . ويذكرنا الحق سبحانه بأنه أشهدنا على أنفسنا على وحدانيته فقال :

الأَعْرَاف

وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ القِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ ، أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِّنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ المُبْطِلُونَ

ومن رحمة الله سبحانه وتعالى بالخلق ، ومن تمام علمه سبحانه بضعف البشر أمام أهوائهم وأمام استئثارهم بالمنافع ، وأرسل الرسل إلى البشر ليبشروا ولينذروا .

(( وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ )) فكأن الله لم يشأ أن يترك البشر ليختلفوا ، وإنما الغفلة من الناس هي التي أوجدت هذا الاختلاف .

((مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ )) ومن هذا القول الحكيم نعرف أن الاختلاف لا ينشأ إلا من إرادة البغي ، والبغي هو أن يريد الإنسان أن يأخذ غير حقه .

وما دام كل منا يريد أن يأخذ غير حقه فلا بد أن ينشأ البغض .

((فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِه )) أي أن الله يهدي الذين آمنوا من كل قوم بالرسول الذي جاء مبشراً ونذيراً وحاملاً منهج ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه . وبذلك يظل المهج سائداً إلى أن تمضي فترة طويلة تغفل فيها النفوس ، وتبدأ من خلالها المطامع ويحدث النسيان لمنهج الله ، وتنشأ الأهواء ، فيرسل الله الرسل ليعيدوا الناس إلى المنهج القويم ، واستمر هذا الأمر حتى جاءت رسالة الإسلام خاتمة وبعث الله سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم للدنيا كلفة ، وبذلك ضمن لنا الحق سبحانه وتعالى ألا ينشأ خلاف في الأصل ، لأننا لو كنا سنختلف في أصل العقيدة لجرى علينا ما جرى على الأمم السابقة .

هم اختلفوا فأرسل الله لهم رسلاً مبشرين ومنذرين ، لكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم أراد الحق لها منهجاً واضحاً يحميها من الاختلاف في أصل العقيدة . وإن اختلف الناس من أمة محمد صلى الله عليه وسلم فعليهم أن يسترشدوا بالمنهج الحق المتمثل في القرآن والسُنة .

فنحن نجد كل الاختلافات بين طوائف المسلمين لا تخرج عن إطار فهم نصوص القرآن أو أحاديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكل مسلم يريد أن يستقي دليله من الكتاب السنة .... لهذا أي اختلاف لن يصل إلى الجوهر .... فلو علم الله أزلاً أننا سوف نختلف اختلافاً في صحيح العقيدة لكان قد أرسل لنا رسلاً .


والحمد لله على نعمة الإسلام
العطف على المحذوف

الفرق بين الفاء وغيرها

المتأمل في قوله تعالى:

( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ

مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ

آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) النساء:11.

فالفرق بين الفاء وغيرها أنها تفيد ارتباط الجملتين بعضهما لبعض، ولهذا يستدل بأن الإخوة مع الأب والأم يحجبونها من الثلث إلى السدس مع

أنهم لا يرثون ؛ لقوله تعالى:

(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ )النساء:11.

تأمل

(فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ )..ماذا يحدث

(فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ )..

إذاً: لو قلنا: بدل الفاء بالواو لا يصح، ولو جئنا بدلها بثم لم يصح، ولو جئنا بدلها بأو لم يصح.

فهذه مربوطة بالتي قبلها، (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ )النساء:11.

قال ابن مالك : [ والفاء قد تحذف مع ما عطفت والواو إذ لا لبس وهي انفردت ].

يعني: تحذف الفاء مع معطوفها، ولكن بشرط أن يؤمن اللبس، فإن لم يؤمن اللبس لم يجز الحذف، وقد ذكر ابن مالك قاعدة في هذا مفيدة وهو قوله:

(وحذف ما يعلم جائز) وهي قاعدة من أصول النحو.

فإذا علم المعطوف فإن الفاء قد تحذف مع معطوفها، ومثلوا لذلك بقوله تعالى:

(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )البقرة:185، قالوا إن التقدير: فأفطر، فحذفت الفاء ومعطوفها، وهذا لا لبس فيه؛ لأنه من

المعلوم أنه لا تجب العدة إلا أذا أفطر، أما إذا صام فلا عدة.

وكذلك قوله تعالى:

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ

أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)البقرة : 213

الفاء في قوله تعالى (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ) عطف على محذوف:

(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً ـ فيها محذوف تقديره فَاخْتَلَفُوا ـ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا

اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن

يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)

شرحته الآية التالية:

(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)يونس:19

وكذلك قوله سبحانه وتعالى:

(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ

رَأْسِهِ
فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ

إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)البقرة : 196

المتأمل في قوله تعالى :

(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ)

هنا تجد قوله تعالى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)

فالفاء في قوله تعالى (فَفِدْيَةٌ) معطوفة على محذوف تقديره ..فحلق..

وهكذا في كل عموم القرءان الكريم

والله تعالى أعلم.