العطف على المحذوف
الفرق بين الفاء وغيرها
المتأمل في قوله تعالى:
( يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلاَدِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ فَإِن كُنَّ نِسَاء فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثَا مَا تَرَكَ وَإِن كَانَتْ وَاحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ
مِّنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِن كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِن لَّمْ يَكُن لَّهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِن كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلأُمِّهِ السُّدُسُ مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَا أَوْ دَيْنٍ
آبَآؤُكُمْ وَأَبناؤُكُمْ لاَ تَدْرُونَ أَيُّهُمْ أَقْرَبُ لَكُمْ نَفْعاً فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيما حَكِيمًا) النساء:11.
فالفرق بين الفاء وغيرها أنها تفيد ارتباط الجملتين بعضهما لبعض، ولهذا يستدل بأن الإخوة مع الأب والأم يحجبونها من الثلث إلى السدس مع
أنهم لا يرثون ؛ لقوله تعالى:
(وَلِأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ وَلَدٌ وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ فَلِأُمِّهِ الثُّلُثُ فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ )النساء:11.
تأمل
(فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ )..ماذا يحدث
(فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ )..
إذاً: لو قلنا: بدل الفاء بالواو لا يصح، ولو جئنا بدلها بثم لم يصح، ولو جئنا بدلها بأو لم يصح.
فهذه مربوطة بالتي قبلها، (فَإِنْ كَانَ لَهُ إِخْوَةٌ فَلِأُمِّهِ السُّدُسُ )النساء:11.
قال ابن مالك : [ والفاء قد تحذف مع ما عطفت والواو إذ لا لبس وهي انفردت ].
يعني: تحذف الفاء مع معطوفها، ولكن بشرط أن يؤمن اللبس، فإن لم يؤمن اللبس لم يجز الحذف، وقد ذكر ابن مالك قاعدة في هذا مفيدة وهو قوله:
(وحذف ما يعلم جائز) وهي قاعدة من أصول النحو.
فإذا علم المعطوف فإن الفاء قد تحذف مع معطوفها، ومثلوا لذلك بقوله تعالى:
(وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ )البقرة:185، قالوا إن التقدير: فأفطر، فحذفت الفاء ومعطوفها، وهذا لا لبس فيه؛ لأنه من
المعلوم أنه لا تجب العدة إلا أذا أفطر، أما إذا صام فلا عدة.
وكذلك قوله تعالى:
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ
أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)البقرة : 213
الفاء في قوله تعالى (فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ) عطف على محذوف:
(كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَّاحِدَةً ـ فيها محذوف تقديره فَاخْتَلَفُوا ـ فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا
اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ البَيِّنَاتُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ فَهَدَى اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا لِمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنَ الحَقِّ بِإِذْنِهِ وَاللَّهُ يَهْدِي مَن
يَّشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ)
شرحته الآية التالية:
(وَمَا كَانَ النَّاسُ إِلاَّ أُمَّةً وَّاحِدَةً فَاخْتَلَفُوا وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ فِيمَا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)يونس:19
وكذلك قوله سبحانه وتعالى:
(وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ ۚ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۖ وَلَا تَحْلِقُوا رُءُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ۚ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ
رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ ۚ فَإِذَا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ ۚ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ
إِذَا رَجَعْتُمْ ۗ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ ۗ ذَٰلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)البقرة : 196
المتأمل في قوله تعالى :
(فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ)
هنا تجد قوله تعالى (فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيَامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ)
فالفاء في قوله تعالى (فَفِدْيَةٌ) معطوفة على محذوف تقديره ..فحلق..
وهكذا في كل عموم القرءان الكريم
والله تعالى أعلم.
المفضلات