ثيئودور الموبسيسيتى
المجامع المسكونية والهرطقات - الأنبا بيشوي
39- هرطقة ثيئودور الموبسويستي
أراد ثيئودور الموبسويستى Theodore of Mopsuestia أن يؤكد الإنسانية الكاملة للمسيح، واعتبر أن الإنسانية الكاملة لا تتحقق إلا إذا كان المسيح شخصًا إنسانيًا لأنه اعتقد أنه لا وجود كاملًا بلا شخصية. وبهذا لم يكتفِ بتأكيد وجود طبيعة إنسانية كاملة للسيد المسيح، ولكنه تمادى إلى تأكيد اتخاذ الله الكلمة لإنسان تام يستخدمه كأداة لخلاص البشرية واعتبر أن الله الكلمة قد سكن في هذا الإنسان بالإرادة الصالحة (good will)، وأنه قد اتحد به اتحادًا خارجيًا فقط. واستخدم عبارة اتصال conjoining- sunafeia بدلًا من كلمة اتحاد e{nwsiõ union . وبهذا فقد جعل في المسيح شخصين أحدهما إلهي والآخر إنساني وقد كونا معًا شخصًا واحدًا هو شخص الاتحاد (اتحاد خارجى) مشبهًا إياه باتحاد الرجل بالمرأة.[1]
قال المؤرخ هيفلى[2] C.J. Hefele: [ثيئودور في خطئه الجوهرى.. لم يحفظ فقط وجود طبيعتين في المسيح، إنما شخصين أيضًا، وهو نفسه قال ليس هناك كيان subsistence يمكن أن يظن أنه كامل بدون شخصية. لكن كما أنه لم يتجاهل حقيقة أن ضمير الكنيسة قد رفض هذا الازدواج في شخصية المسيح، إلا أنه سعى إلى التخلص من الصعوبة وكرر القول صريحًا: "إن الطبيعتين اللتين اتحدتا معًا كونتا شخصًا واحدًا فقط، كما أن الرجل والمرأة هما جسد واحد.. فإذا أمعنا الفكر في الطبيعتين في تمايزهما يجب علينا أن نعرف طبيعة الكلمة على أنه كامل وتام، وكذلك شخصه. وأيضًا طبيعة وشخص الإنسان على أنها كاملة وتامة. وإذا -من ناحية أخرى- نظرنا إلى الاتصال sunafeia نقول أنه شخص واحد"[3]. إن نفس صورة الوحدة بين الرجل وزوجته تبيِّن أن ثيئودور لم يفترض اتحادًا حقيقيًا لطبيعتين في المسيح، ولكن تصوره كان لصلة خارجية بين الاثنين. علاوة على ذلك فإن التعبير "اتصال" conjoining - sunafeia الذى يختاره هنا بدلًا من كلمة "اتحاد" union enwsiV.. مشتق من ) sunaptw الراقصين الممسكين بأيدى بعضهم البعض في شكل دائرة - أى يصل بعضهم بالبعض الآخر) تعبر فقط عن ارتباط خارجى، وتوطد معًا. لذلك فهو مرفوض بوضوح.. بواسطة علماء الكنيسة.]
ثيئودور الموبسويستى يتكلم عن اتحاد الله الكلمة بالإنسان يسوع وليس اتحاد اللاهوت بالناسوت، ويقول إنه اتحاد في الكرامة والسلطة والمشيئة، وإنه اتحاد خارجى في الصورة. لكنه عندما يتكلم عن العلاقة بين الطبيعتين يقول "اتصال". وعندما يتكلم عن الله والإنسان يقول "اتحاد" لكنه يصف نوع هذا الاتحاد فيقول عنه أنه اتحاد خارجى في الصورة الخارجية. أما عن اللاهوت والناسوت فيقول "اتصال" وليس "اتحاد"، ويعتبر أن الروح الإنسانى هو حلقة الاتصال بين اللوغوس وبين الجسد.
حرم المجمع المسكونى الخامس 553م ثيئودور الموبسويستى وتعليمه وكان ضمن ما قيل ضده هو أن استخدامه تشبيه اتحاد الرجل بالمرأة عن اتحاد الله الكلمة بالإنسان يسوع يعتبر وقاحة. وكان ضمن ما قاله ثيئودور أيضًا أن توما الرسول حينما قال "ربى وإلهى" (يو20: 28) لم يقلها بمعنى أن المسيح هو ربه وإلهه، إنما قالها من شدة الانبهار، مثلما يرى إنسان كنزًا من الجواهر أو حادث أليم.
كنا نحن قد حرمنا ثيئودور قبل ذلك التاريخ بزمان لأننا في حرمنا للنسطورية حرمنا نسطور وتعليمه وكل ما يمت إليها بصلة. أما المجمع الخامس 553م فقد عقد لإرضاء كنائسنا، إذ حاول الإمبراطور أن يصالح الخلقيدونيين مع اللاخلقيدونيين. فحرم هذا المجمع كتابات ثيئودور الموبسويستى وثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها التي تسمى Three chapters controversies (صراع الفصول الثلاثة). أى أنهم عملوا في المجمع الخامس ما كان يجب عمله في مجمع خلقيدونية وكان سببًا في اعتراضنا عليه. كان ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها (435-457م)، الذين كتبا ضد القديس كيرلس عامود الدين وضد التعليم الأرثوذكسى، كتب إيباس أسقف الرها رسالة إلى ماريس الفارسى ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير، ولهذا فقد حرمه المجمع الثاني في أفسس 449م برئاسة البابا ديسقورس. وللأسف حالله البابا لاون الأول بابا روما قبل انعقاد مجمع خلقيدونية. وفي خلقيدونية قُبل في الجلسة الثامنة للمجمع بعد أن وقّع على حرم نسطور، ولكن قرئت رسالته ولم يتم حرمها، وإنما تم ذلك في المجمع التالى في القسطنطينية 553م لمحاولة إصلاح صورة الخلقيدونيين.
ففى هذا المجمع تم حرم كتابات ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها ضد تعاليم القديس كيرلس الكبير، كما تم حرم ثيئودور الموبسويستى وتعاليمه. وللأسف فإن إيباس قد اعتلى كرسى الرها بعد نياحة الأسقف القديس رابولا Rabula من أقوى المدافعين عن تعليم القديس كيرلس الكبير.
ففى خلقيدونية قد تم عزل البابا ديسقوروس وإلغاء الحرومات التي وضعها على ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها. فأصبحت أمامنا المشاكل التالية: أنهم فى مجمع خلقيدونية لم يحرموا شخص وتعليم ثيئودور الموبسويستى، وكذلك تعاليم ثيئودوريت أسقف قورش وإيباس أسقف الرها التي هي ضد تعليم القديس كيرلس عامود الدين. هذا بالإضافة إلى عزل البابا ديسقوروس، وأنهم لم يتكلموا عن الطبيعة الواحدة التي علّم بها البابا كيرلس الكبير، كما أنهم لم يذكروا الاتحاد الأقنومى. قالوا أن المسيح هو أقنوم واحد لكنهم لم يذكروا شيء عن الاتحاد الطبيعى أو الأقنومى. فاعتبرنا أن مجمع خلقيدونية تشوبه شبهة النسطورية خاصة في قبوله لاثنين من أكبر أعداء الأرثوذكسية، كانا قد حُرما بواسطة مجمع مسكونى برئاسة بابا الإسكندرية، ثم حاللهم لاون الأول بابا روما قبل مجمع خلقيدونية، وضغط على المجمع حتى يدخلهما إليه ويشركهما فيه، إذ أجبر جنود الإمبراطور المجمع على قبولهما. وكان القديس كيرلس الكبير قد عانى الكثير بسببهما، بل كان الشقاق بين القديس كيرلس ويوحنا الأنطاكى بسبب ثيئودوريت أسقف قورش الذي كتب اثنا عشرة حرمًا ضد حرومات القديس كيرلس عامود الدين. وحينما أمر الإمبراطور بحرق كتب نسطور كانت هناك موجة في الشرق تتجه إلى كتابات ثيئودور الموبسويستى الذى يعتبر أب لنسطور ومعلمه ونشرت كتاباته.
9 وما ذكره كاتب كتاب "العريس" من أن اللوغوس أو اللاهوت هو العريس وأن الناسوت هو العروس أو الكنيسة، وبهذا تكون الكنيسة قد ولدت في بيت لحم، هو أبعد من مفهوم ثيئودور بأضعاف. لأن كاتب كتاب العريس فقال إننا جميعًا اتحدنا باللاهوت في بطن العذراء وولدت الكنيسة في بيت لحم. أما الإيمان الصحبح فهو أن المسيح بلاهوته وناسوته هو العريس والكنيسة هي العروس على اعتبار أنه افتداها واشتراها بدمه. قال ثيئودور نفس هذه الفكرة وهي أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح ليس اتحاد بل اتصال وأنه اتحاد خارجى فقط مثل اتحاد الرجل بالمرأة.
[2] C.J. Hefele, A History of the Councils of the Church, Vol III, AMS Press 1972, reprinted from the edition of 1883 Edinburgh p.6,7.
[3] Hardouin and Mansi, ll. cc. § 29; Dorner, l.c. p.52

نقلا عن
التعديل الأخير تم بواسطة 3abd Arahman ; 30-04-2012 الساعة 02:09 AM
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
المفضلات