آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


-
------------------------------------------------------
((الضياء والنور في الحديث الشريف))
عن أبي مالك الأشعري رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "الطهور شطر الإيمان ، والحمد لله تملأ الميزان ، وسبحان الله والحمد لله تملآن - أو تملأ - ما بين السموات والأرض ، والصلاة نور ، والصدقة برهان ، والصبر ضياء ، والقرآن حجة لك أو عليك ، كل الناس يغدو فبائع نفسه فمعتقها أو موبقها" .
الحديث رواه مسلم ، وأحمد ، والترمذي ، والدارمي ، والنسائي في عمل اليوم والليلة ، وابن ماجة ، والبيهقي في كتاب السنن ، والطبراني ، وابن حبان ، وابن مندة في كتاب الإيمان .
والسؤال الذي يتبادر إلى الأذهان : ما هو السرّ الذي من أجله خصّ الرسول صلى الله عليه وسلم الصلاة بالنور ، والصبر بالضياء ؟؟؟
يقول أبو الفرج الحنبلي رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم : "الصلاة نور والصدقة برهان والصبر ضياء" ، هذه الأنواع الثلاثة من الأعمال أنوار كلها ، لكن منها ما يُختصّ بنوع من أنواع النور ، فالصلاة نور مطلق . فهي للمؤمنين في الدنيا نور في قلوبهم وبصائرهم تشرق بها قلوبهم وتستنير بصائرهم ولهذا كانت قرّة عين المتّقين كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول : جعلت قرّة عيني في الصلاة ، خرّجه أحمد والنسائي ... وهي نور للمؤمنين لاسيّما صلاة الليل كما قال أبو الدرداء : صلّوا ركعتين في ظلم الليل لظلمة القبور ... وهي في الآخرة نور للمؤمنين في ظلمات القيامة وعلى الصراط ، فإن الأنوار تقسم لهم على حسب أعمالهم . وفي المسند وصحيح ابن حبان عن عبد الله بن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم " أنه ذكر الصلاة فقال : من حافظ عليها كانت له نوراً وبرهاناً ونجاة يوم القيامة ، ومن لم يحافظ عليها لم تكن له نوراً ولا برهاناً ولا نجاة
وأما الصبر فإنه ضياء ، والضياء هو النور الذي يحصل فيه نوع حرارة وإحراق كضياء الشمس بخلاف القمر فإنه نور محض فيه إشراق بغير إحراق ، قال الله عزّ وجلّ : (هو الذي جعل الشمس ضياءً والقمر نوراً) .. ولمّا كان الصبر شاقّاً على النفوس يحتاج إلى مجاهدة النفس وحبسها وكفّها عمّا تهواه كان ضياءً ، فإن معنى الصبر في اللغة : الحبس.
ويقول ابن عثيمين رحمه الله :
قوله صلى الله عليه وسلم "والصلاة نور" : فالصلاة نور للعبد في قلبه وفي وجهه وفي قبره وفي حشره .. وكذلك تكون نوراً للإنسان في قلبه تفتح عليه باب المعرفة لله عزّ وجلّ ، وهي نور في قبر الإنسان لأن الصلاة عمود الإسلام إذا قام العمود قام البناء وإذا لم يقم العمود فلا بناء ... وأما الصبر فقال إنه ضياء ، أي فيه نور لكن نور مع حرارة .. فالضوء لابدّ فيه من حرارة ، وهكذا الصبر لابدّ فيه من حرارة وتعب ومرارة وحزن ومشقّة كبيرة فى احتماله ولهذا كان أجره بغير حساب . فالفرق بين النور في الصلاة والضياء في الصبر ، أن الضياء في الصبر مصحوب بحرارة لما في ذلك من التعب القلبي والبدني .
فالرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى .... فعندما وصف الصبر بالضياء هذا يعني:
1- أن الصبر صعب وثقيل على النفس لذلك كان من صفته الضياء أي الحرارة فهو كالنار في جوف الصابر وهذا اختبار من الله سبحانه وتعالى. إذ لا يكون الصبر إلا في الأمور الثقيلة على النفس والتي تُتعب صاحبها وتُزلزل كيانه ....
2- أن ما ينتج عن هذا الضياء هو النور وهذا هو نتاج وفائدة وثمرة الصبر الذى سيكون في بدايته حارا وثقيلا على النفس ولكن في النهاية يكون النور والفرج وتتم الفائدة من ذلك بنور اليقين بالله ونور الرضاء بقضاء الله وقدره ونور حسن الظن بالله ونور الثقة ونور الفوز فى الآخرة.
فإسناد النور في الحديث إلى الصلاة وإسناد الضياء إلى الصبر هو من الاستعمال المجازي على سبيل التشبيه .... و العامل المشترك بين الضياء والنور هو أن كلا منهما يشتمل على قدر من الضوء، فالضياء والنور كلاهما ضوء ... ولكن النور نقيض الظلام مطلقا ويستعمل (استعمالا عاما) ... فيصح على المصدر كما يصح على المكتسِب العاكس، ولذلك وصف الله تعالى به نفسه على معنى (النور المطلق) كما سنوضح فيما بعد
والضياء ضوء ولكنه يستعمل حينما تدعو الحاجة إلى الإشارة إلى (تخصيص الموصوف بأنه مصدر للضوء)، كما وصفت به الشمس : (هو الذي جعل الشمس ضياء) .... فإذا أريد الإطلاق صح استعمال النور للشمس مع أنها مصدر للضوء كما في الحديث الشريف : (يأتي الله قوم يوم القيامة نورهم كنور الشمس ...) على حين أن استعمال الضياء لا يستعمل إلا للمصدر، لذلك لم يوصف به القمر.
ولربما خص الصبر بالضياء لأن الصبر عبادة قلبية صادرة من الداخل ، والصبر مُعين داخلي ولازم لمختلف العبادات والطاعات كالصوم والجهاد والصلاة أيضا حيث قال تعالى : (وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها) ... فالصبر مصدر يمد الصابر بالقوة والعزم ، وهذا كله يسوغ لتشبيه الصبر بالضياء في إشارة إلى معنى (المصدرية للضوء) إذ هو ضوء منبعث من داخل المسلم نفسه، هذا بالإضافة إلى أن الصبر في الحديث قد قيل إن المراد به الصوم وقد اختص الله الصوم بأنه له وهو يجزي به فناسب التخصيص هذا المقام.
وأما الصلاة فلو تأملنا كنهها لوجدنا أنها عبادة تؤدى عمليا بالجوارح وفق نظام توقيفي مأمور به من خارج ذات المسلم، أي من الله عز وجل وبصفة بينها النبي صلى الله عليه وسلم فهي بهذا تشبه النور المكتسب من الخارج والمنعكس على سلوك المصلي، وفي الوقت نفسه تعد عماد الدين وعليها يتوقف قبول الأعمال وصلاحها .... فهي من هذه الجهة تشبه مصدر الضوء إذ هي أساس مؤثر في سائر العبادات، فلما اجتمع فيها هذان الاعتباران شبهت بالنور بمعناه المطلق غير المخصص ليستوعب التشبيه كلا الاعتبارين، والله أعلم.
------------------------------------------------------
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة وردة الإيمان في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 14-05-2013, 10:00 PM
-
بواسطة شعشاعي في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 17-04-2012, 04:11 PM
-
بواسطة نضال 3 في المنتدى منتديات المسلمة
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 01-04-2010, 05:28 PM
-
بواسطة الاشبيلي في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 20-02-2010, 11:11 AM
-
بواسطة نجم ثاقب في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 9
آخر مشاركة: 09-11-2007, 05:49 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات