------------------------------------------------------
((الضياء والنور في اصطلاح العلم الحديث وبيان إعجاز القرآن الكريم فى ذلك))

الضوء (الضياء): هو الجزء المرئي من الطاقة الكهرومغناطيسية (الكهربية/المغناطيسية) والتي تتكون من سلسلة متصلة من موجات الفوتونات التي لا تختلف عن بعضها البعض إلا في طول موجة كل منها، وفي معدل ترددها.
وتتفاوت موجات الطيف الكهرومغناطيسي في أطوالها بين جزء من مليون مليون جزء من المتر بالنسبة إلى أقصرها وهي أشعة "جاما"، وبين عدة كيلومترات بالنسبة إلى أطولها وهي موجات الراديو (المذياع أو الموجات اللاسلكية)، ويأتي بين هذين الحدين عدد من الموجات التي تترتب حسب تزايد طول الموجة من أقصرها إلى أطولها: الأشعةُ السينية، والأشعة فوق البنفسجية، والضوء المرئي، والأشعة تحت الحمراء.
وعين الإنسان لا تستطيع أن تلتقط من هذه الموجات سوي الضوء المرئي - أطوال تتراوح بين7000,4000 أنجستروم-
والضوء الأبيض هو عبارة عن خليط من موجات ذات أطوال محددة عديدة متراكبة على بعضها البعض، ويمكن تحليلها بإمرارها في منشور زجاجي أو غير ذلك من أجهزة التحليل الطيفي، وقد أمكن التعرف على سبع من تلك الموجات، أقصرُها هو الطيف البنفسجي (ويقترب طول موجته من 4000 أنجستروم)، وأطولها هو الطيف الأحمر (ويقترب طول موجته من7000 أنجستروم)، وبينهما البرتقالي، والأصفر، والأخضر، والأزرق، وغير ذلك من الألوان المتدرجة في التغير فيما بين تلك الألوان السبع، وإن كانت عين الإنسان لا تستطيع أن تميز منها سوى هذه الألوان السبعة.
الضياء وتركيبة الشمس
وتنتج طاقة الشمس من عملية الاندماج النووي والتي يتم فيها اتحاد أربعة من نوى ذرات الأيدروجين لتنتج نواة واحدة من نوى ذرات الهيليوم، وينطلق الفرق بين مجموع كتلة الأربع نوي لذرات الإيدروجين وكتلة نواة الهيليوم على هيئة طاقة ، وهذه الطاقة الناتجة عن تلك العملية يكون أغلبها على هيئة أشعة جاما (حوالي 96%) وجزء قليل على هيئة النيوترينوات (Neutrinos) (في حدود 4%)، وسرعان ما تتحول أشعة جاما إلى حرارة بينما تهرب النيوترينوات في الحال وتفقد.
وتشير الدراسات الشمسية إلى أن هذا النجم المتواضع (الشمس) قد بدأ بتركيب كيميائي يغلب عليه عنصرا الهيدروجين (حوالي 90%)، والهيليوم (حوالي 9%) مع آثار طفيفة من عناصر أخرى مثل الكربون النتروجين والأوكسجين (في حدود 1%).
وبالتركيز التجاذبي لتلك الكتلة الغازية بدأت درجة حرارتها في الارتفاع، وعند وصول الحرارة إلى المليون درجة مئوية بدأت عملية الاندماج النووي في التفاعل وانطلقت الطاقة النووية للشمس التي رفعت درجة حرارة لبها إلى أكثر من 15 مليون درجة مئوية، ورفعت درجة حرارة سطحها إلى 6000 درجة مئوية.
وعملية الاندماج النووي في داخل الشمس عملية معقدة للغاية، ومحصلة هذه العملية هي الارتفاع بنسبة الهيليوم في قلب الشمس من 9% إلى حوالي 30%، وإنتاج طاقة الشمس المتمثلة في الطيف الكهرومغناطيسي، الذي زود الأرض وغيرها من أجرام المجموعة الشمسية بأغلب الطاقة التي تحتاجها.
والطيف المرئي من مجموعة أطياف الطاقة الكهرومغناطيسية المنطلقة من الشمس هو المعروف باسم ضوء الشمس
وجاء في موسوعة (كوليير) : "تنقسم أشعّة الشمس إلى نوعين : موجات أشعّة مرئية وتتكوّن من ألوان الطيف (البرتقالي ، الأحمر ، الأصفر ، الأخضر ، الأزرق ، النيلي ، البنفسجي) . وموجات أشعّة غير مرئيّة للعين المجرّدة (أشعة كونية ، جاما ، سينية ، فوق بنفسجية ، تحت حمراء ، راديو) . فالنور هو أشعّة الطيف فقط ، أو الأشعّة المرئية . أما الضوء فهو خليط منها جميعاً ، أي خليط من الأشعّة المرئية وغير المرئية " .
وضوء الشمس عند مروره في الطبقات الدنيا من الغلاف الغازي للأرض يتعرض للعديد من عمليات الامتصاص والتشتت والانعكاس على كل من هباءات الغبار، وقطيرات الماء وبخاره، وجزيئات الهواء الموجودة بتركيز عال نسبيا في هذا الجزء من الغلاف الغازي للأرض فيظهر بهذا اللون الأبيض المبهج الذي يميز فترة النهار.
نور القمر
كذلك يتعرض ضوء الشمس للعديد من عمليات التشتت والانعكاس عندما يسقط على سطح القمر المكسو بالعديد من الطبقات الزجاجية الرقيقة والناتجة عن ارتطام النيازك بهذا السطح، والانصهار الجزئي للصخور على سطح القمر بفعل ذلك الارتطام. فالقمر -وغيره من أجرام مجموعتنا الشمسية- هي أجسام معتمة باردة لا ضوء لها ولكنها يمكن أن تُرى لقدرتها على عكس أشعة الشمس فيبدو منيرا، وهذا هو الفرق بين ضوء الشمس ونور القمر. فنور القمر ناتج عن تشتيت ضوء الشمس على سطحه
التعبير القرآني
انطلاقا من هذه الحقائق العلمية التي تمايز بين الضوء الصادر من جسم مشتعل ملتهب مضيء بذاته، في درجات حرارة عالية -قد تصل إلى ملايين الدرجات المئوية كما هو الحال في قلب الشمس-، وبين الشعاع المنعكس من جسم بارد يتلقى شعاع الضوء فيعكسه نورا، ركز القرآن الكريم على التمييز الدقيق بين ضياء الشمس ونور القمر، وبين كون الشمس سراجا وكون القمر نورا فقال عز من قائل: ﴿هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِيَاءً وَالْقَمَرَ نُورًا وَقَدَّرَهُ مَنَازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَالْحِسَابَ مَا خَلَقَ اللهُ ذَلِكَ إِلاَّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ﴾ (يونس:5). وقال تبارك اسمه: ﴿أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللهُ سَبْعَ سَمَوَاتٍ طِبَاقًا * وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا﴾ (نوح:15-16). وقال سبحانه: ﴿تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا﴾ (الفرقان:61).
وقابل الظلمات بالنور وليس بالضياء في آيات كثيرة من مثل قوله تعالى: ﴿الْحَمْدُ لِلهِ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَاْلأَرْضَ وَجَعَلَ الظُّلُمَاتِ وَالنُّورَ ثُمَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ﴾ (الأنعام:1).
ووصف الشمس بأنها "سراج" وبأنها "سراج وهاج" فقال سبحانه وتعالى: ﴿وَجَعَلْنَا سِرَاجًا وَهَّاجًا﴾ (النبأ:13).
وحينما وصف خاتم أنبيائه صلى الله عليه وسلم وصفه بأنه سراج (بمعني أنه مضيء بذاته) وأضاف إلى وصف السراج أنه منير فقال عز سلطانه: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا * وَدَاعِيًا إِلَى اللهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا﴾ (الأحزاب:45-46).
وحينما وصف النار وصَفها بالضياء ووصف أشعتها الساقطة على من حولها بالنور فقال عز من قائل: ﴿مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لاَ يُبْصِرُونَ﴾( البقرة:17).
ووصف أشعة البرق بأنها ضوء فقال -وهوأصدق القائلين- : ﴿يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا﴾ (البقرة:20)، ووصف سبحانه وتعالى الزيت بأنه يضيء، ووصف سقوط ضوئه على ما حوله بالنور، فقال تعالى: ﴿اللهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لاَ شَرْقِيَّةٍ وَلاَ غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ (النور:35). وقال عن غيبة الشمس: ﴿قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللهُ عَلَيْكُمُ اللَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاءٍ أَفَلاَ تَسْمَعُونَ﴾(القصص:71).
هذه الدقة البالغة في التفريق بين الضوء المنبعث من جسم ملتهب مشتعل مضيء بذاته، وبين سقوط هذا الضوء على جسم مظلم بارد وانعكاسه نورا من سطحه لا يمكن أن يكون لها مصدر من قبل ألف وأربعمائة سنة إلا الله الخالق، فهذا الفرق الدقيق لم يدركه العلماء إلا في القرنين الماضيين، ولا يزال في زماننا كثير من الناس لا يدركونه.
------------------------------------------------------