اولاً :- كلمة "كتب" ليست قاطعة في الدلالة على أن رسول الله قد كتب الكلام بنفسه ، فالعرب كانت تنسب الفعل إلى الرجل إذا كان قد جاء به من ائتمر بأمره فيه .... ومعلوم أن الذي يأمر بفعل فعل ما ينسب إليه هذا الفعل فيما بعد ، مثلما يصدر رئيس الدولة قراراً ما .. فهل لابد أن يكتبه بخط يده حتى يستطيع هذا الرئيس ان ينسب هذا الكلام المكتوب لنفسه أم يكفي ان يُقال ان هذا الرئيس لمَّا أمر بكتابة هذا القرار فقط استحق أن ينسب إليه ؟
ثانياً :- جاءت الرواية في سنن البيهقي :
عن أبي إسحاق حدثني البراء رضى الله تعالى عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال ولا يدخلها إلا بجلبان السلاح ولا يدعو منهم أحدا قال فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب رضى الله تعالى عنه كتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله فقال أنا والله محمد بن عبد الله وأنا والله رسول الله قال وكان لا يكتب قال فقال لعلي أمح رسول الله قال علي لا والله لا أمحاه أبدا قال فأرنيه قال فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده فلما دخل ومضى الأجل ...
فقوله (فأرنيه) دلالة واضحة بأنه لم يكن يعرف القراءة ، وكان من قبلها قد طلب من على بن أبي طالب -رضيَ الله عنه- أن يمحها .. فلماذا لم يمحها هو بنفسه ؟
ثالثاً :- جاءت الرواية في صحيح ابن حبان مصرحة بأن رسول الله كان آمراً بالكتابة لا مباشراً لها :
عن البراء قال اعتمر النبي صلى الله عليه وسلم في ذي القعدة فأبى أهل مكة أن يدعوه ان يدخل مكة حتى قاضاهم على أن يقيم بها ثلاثة أيام فلما كتبوا الكتاب كتبوا هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله فقالوا لا نقر بهذا لو نعلم أنك رسول الله ما منعناك شيئا ولكن أنت محمد بن عبد الله فقال أنا رسول الله وأنا محمد بن عبد الله فقال لعلي امح رسول الله قال والله لا أمحوك أبدا فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب وليس يحسن يكتب فأمر فكتب مكان رسول الله محمدا فكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله ...
واضح طبعاً من الرواية بأن رسول الله قد أمر بالكتابة (ولم يكن يحسنها) ، وهذا يؤكد ما قلته في البند الأول ... وهو أن الذي يأمر بفعل ما ينسب إليه .
رابعاً :- الإمام بن حجر العسقلاني قال في هذا الأمر كلام منطقي جداً ، قال : وعلى تقدير حمله على ظاهره فلا يلزم من كتابة اسمه الشريف في ذلك اليوم وهو لا يحسن الكتابة أن يصير عالمًا بالكتابة ويخرج عن كونه أميًا، فإن كثيرًا ممن لا يحسن الكتابة يعرف تصور بعض الكلمات ويحسن وضعها وخصوصًا الأسماء، ولا يخرج بذلك عن كونه أميًا ككثير من الملوك .
.
الخلاصة ... سيدنا على بن أبي طالب -رضيَ الله عنه- كان هو الكاتب ورفض مسح كلمة رسول الله ، فقال : والله لا أمحوك أبدا .. ثم طلب منه رسول الله أن يُريه مكان الكلمة ثم محاها بيده الشريفة : قال فأرنيه ، قال فأراه إياه فمحاه النبي صلى الله عليه وسلم بيده .. ثم أمر رسول الله بكتابة (محمد بن عبد الله) بدلاً من (رسول الله محمداً) .
المفضلات