بسم الله الرحمن الرحيم

باب في الصمت
قال: وكان أعرابيٌّ يجالس الشَّعبيَّ فيطيل الصَّمت، فسئل عن طول صمته فقال: أسمع فأعلم، وأسكت فأَسلم، وقالوا: لو كان الكلام من فِضّة لكان السُّكوت مِن ذَهَب، وقالوا: مَقتل الرّجُل بين لَحْييْه وفَكَّيْه، وأخذ أبو بكر الصّدِّيق، رحمه اللَّه، بطرَف لسانِه وقال: هذا الذي أوردَني المَوَارد، وقالوا: ليس شيءٌ أحقَّ بطول سَجْنٍ من لسان، وقالوا: اللِّسان سَبع عَقُور، وقال النبيُّ : وهل يكُبُّ الناسَ على مناخرهم في نار جَهنَّم إلا حصائد ألسنتهم

وكان سهلُ بنُ هارونَ يقول: سياسة البلاغة أشدُّ من البلاغة، كما أنّ التَّوقِّيَ على الدَّوَاء أشدُّ من الدَّواء، وكانوا يأمرون بالتبيُّن والتثبّت، وبالتحرز من زَلَل الكلام، ومن زَلَل الرّأي، ومن الرأْي الدَّبَريّ، والرأيُ الدَّبَرِيُّ هو الذي يَعرِض من الصَّواب بعد مُضيِّ الرأي الأوَّل وفَوتِ استدراكِه، وكانوا يأمرُون بالتحلُّم والتعلَّم، وبالتقدُم في ذلك أشد التقدُّم، وقال الأحنف: قال عمر بن الخطاب: تفقَّهُوا قَبل أن تسُودوا، وكان يقول رحمه اللَّه: السؤدد مع السَّواد، وأنشَدُوا لكثيِّر عزّةَ:
وفِي الحِلْمِ والإسلامِ للمرء وازعٌ ... وفي تركِ طاعات الفُؤادِ المتيَّمِ
بصائرُ رُشْدٍ للفتى مستبينةٌ ... وأخلاقُ صِدْقٍ عِلْمُها بالتعلُّمِ

الوازع: الناهي؛ والوزَعة: جمع وازع، وهم الناهون والكافُّونَ