

-
بسم الله الرحمن الرحيم
أبدأ بوصف شيخ العربية ... وصاحب القدح المعلى فيها .. ألا وهو الجاحظ .. ووصفه للمعاني ... من كتابه الماتع الرائع النافع ... "البيان والتبيين" ... فيقول :
المعاني القائمة في صدور النّاس المتصوَّرَة في أذهانهم والمتخلِّجة في نفوسهم، والمتَّصِلة بخواطرهم، والحادثة عن فِكَرهم، مستورةٌ خفيّة، وبعيدةٌ وحشية، محجوبةٌ مكنونة، وموجودةٌ في معنَى معدومةٍ، لا يعرف الإنسانُ ضميرَ صاحِبه، ولا حاجة أخيه وخليطِه، ولا معنَى شريكِهِ والمعاونِ له على أموره، وعلى مالا يبلغه من حاجات نفسه إلاّ بغيره، وإنما يُحيي تلك المعانيَ ذكرُهم لها، وإخبارُهم عنها، واستعمالُهم إيّاها، وهذه الخصالُ هي التي تقرّبها من الفهم، وتُجَلِّيها للعقْل، وتجعل الخفيَّ منها ظاهراً، والغائبَ شاهداً، والبعيدَ قريباً، وهي التي تلخِّص الملتبِس، وتحلُّ المنعقد، وتجعل المهمَل مقيَّداً، والمقيَّد مطلقاً، والمجهولَ معروفاً، والوشيَّ مألوفاً، والغُفْل موسوماً، والموسومَ معلوماً، وعلى قَدر وُضوح الدَّلالة وصوابِ الإشارة، وحسن الاختصار، ودِقّةِ المَدْخَل، يكون إظهارُ المعنى، وكلّما كانت الدَّلالة أوضَحَ وأفْصَح، وكانت الإشارةُ أبيَنَ وأنْوَر، كان أنفَعَ وأنْجَع، والِدَّلالة الظاهرةُ على المعنى الخفيِّ هو البيانُ الذي سمِعْتَ اللَّه عزّ وجلّ يمدحُه، ويدعو إليه ويحثُّ عليه، بذلك نَطَقَ القُرآنُ، وبذلك تفاخَرَت العَرب، وتفاضَلَتْ أصنافُ العَجَم، والبيان اسمٌ جامعٌ لكلِّ شيءٍ كشَفَ لك قِناعَ المعنى، وهتكَ الحِجَاب دونَ الضمير، حتّى يُفْضِيَ السّامعُ إلى حقيقته، ويَهجُم على محصولِهِ كائناً ما كان ذلك البيانُ، ومن أيِّ جنسٍ كان الدّليل؛ لأنّ مَدَارَ الأمرِ والغايةَ التي إليها يجرِي القائل والسّامع، إنَّما هو الفَهْمُ والإفهام؛ فبأيِّ شيءٍ بلغْتَ الإفهامَ وأوضَحْتَ عن المعنى، فذلك هو البيانُ في ذلك الموضع، ثم اعلم - حفِظَكَ اللَّه - أنّ حُكْمَ المعاني خلافُ حُكمِ الألفاظ؛ لأنْ المعانِيَ مبسوطةٌ إلى غير غاية، وممتدّةٌ إلى غير نهاية، وأسماءَ المعاني مقصورةٌ معدودة، ومحصَّلةٌ محدودة، وجميعُ أصنافِ الدِلاَّلات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياءَ لا تنقُص ولا تَزيد: أولها اللفظ، ثم الإشارة، ثم العَقْد، ثم الخَطّ، ثمَّ الحالُ التي تسمّى نِصْبةً، والنِّصبة هي الحال الدّالةُ، التي تقوم مقامَ تلك الأصنافِ، ولا تقصِّرُ عن تلك الدَّلالات، ولكلِّ واحدٍ من هذه الخمسة صورة بائِنةٌ من صورة صاحبتها، وحليةٌ مخالفةٌ لحِلْية أُختها؛ وهي التي تكشِف لك عن أعيان المعاني في الجملة، ثمَّ عن حقائقها في التَّفسير، وعن أجناسها وأقدارها، وعن خاصِّها وعامِّها، وعن طبقاتها في السارّ والضارّ، وعمّا يكون منها لَغْواً بَهْرَجاً، وساقطاً مُطَّرَحاً
وقالوا: البيان بَصَرٌ والعِيُّ عمىً، كما أنّ العلم بصرٌ والجهلَ عمى، والبيانُ من نِتاج العِلم، والعِيُّ من نِتاج الجهل، وقال سهلُ بن هارون: العقل رائد الرُّوح، والعلمُ رائدُ العقل، والبيان تَرجمان العلم، وقال صاحبُ المنطق: حَدُّ الإنسانِ : الحيُّ النَّاطق المبِين، وقالوا: حياةُ المروءة الصّدق، وحياة الرُّوح العفاف، وحياة الحِِلم العِلم، وحياة العِلم البيان، وقال يونسُ بنُ حبيب: ليس لعييّ مروءة، ولا لمنقوص البيان بهاء، ولو حَكَّ بيافوخِهِ أَعْنَانَ السَّماء، وقالوا: شعرُ الرَّجل قطعةٌ من كلامه، وظنُّهُ قطعةٌ من علمِه، واختيارُه قطعةٌ من عقلِه، وقال ابنُ التَّوْأم: الرُّوح عِماد البدَن، والعِلْم عِماد الرُّوح، والبيان عماد العلم
التعديل الأخير تم بواسطة ابو علي الفلسطيني ; 21-04-2010 الساعة 08:09 PM
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة ابوغسان في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 10-06-2012, 01:01 AM
-
بواسطة Rabi3 في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 24-11-2011, 03:21 AM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 08-01-2010, 02:55 PM
-
بواسطة طالب عفو ربي في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 18-12-2009, 02:24 AM
-
بواسطة فارس الحرية في المنتدى اللغة العربية وأبحاثها
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 13-03-2007, 12:28 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات