.
أما وقع هذا الحادث ـ حادث إيلاء النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ من أزواجه، فيصوره الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن عباس ـ رضي الله عنهما ـ وهو يرسم كذلك جانباً من صورة المجتمع الإسلامي يومذاك.. قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله ابن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: " لم أزل حريصاً على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللتين قال الله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما } حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة، فتبّرز، " ثم أتاني فسكبت على يديه فتوضأ، فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ اللتان قال الله تعالى: { إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما }؟ فقال عمر: واعجباً لك يا ابن عباس! " قال الزهري: " كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه) قال: هي عائشة وحفصة. قال: ثم أخذ يسوق الحديث، قال: كنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم. قال: وكان منزلي في دار أمية بن زيد بالعوالي. قال: فغضبت يوماً على امرأتي، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني. فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل! قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ؟ قالت: نعم! قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم! قلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر! أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله فإذا هي قد هلكت؟ لا تراجعي رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ولا تسأليه شيئاً وسليني من مالي ما بدا لك، ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم ـ أي أجمل ـ وأحب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وآله وسلم ـ منك ـ يريد عائشة ـ قال: وكان لي جار من الأنصار وكنا نتناوب النزول إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ ينزل يوماً وأنزل يوماً، فيأتيني بخبر الوحي وغيره وآتيه بمثل ذلك. قال: وكنا نتحدث أن غسان تنحل الخيل لتغزونا. فنزل صاحبي يوماً ثم أتى عشاء فضرب بابي ثم نادى، فخرجت إليه، فقال: حدث أمر عظيم. فقلت: وما ذاك؟ أجاءت غسان؟ قال: لا. بل أعظم من ذلك وأطول! طلق رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ نساءه! فقلت: قد خابت حفصة وخسرت! قد كنت أظن هذا كائناً. حتى إذا صليت الصبح شددت على ثيابي ثم نزلت فدخلت على حفصة وهي تبكي. فقلت: أطلقكن رسول الله ـ صلى الله تعالى عليه وعلى آله وسلم؟ ـ فقالت: لا أدري. هو هذا معتزل في هذه المشربة. فأتيت غلاماً أسود فقلت: استأذن لعمر. فدخل الغلام ثم خرج إلي فقال: ذكرتك له فصمت! فانطلقت حتى أتيت المنبر، فإذا عنده رهط جلوس يبكي بعضهم. فجلست عنده قليلاً، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ فقال: ذكرتك له فصمت! فخرجت فجلست إلى المنبر، ثم غلبني ما أجد، فأتيت الغلام فقلت: استأذن لعمر. فدخل ثم خرج إليّ فقال: ذكرتك له فصمت! فوليت مدبراً فإذا الغلام يدعوني. فقال: ادخل قد أذن لك. فدخلت فسلمت على رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فإذا هو متكئ على رمل حصير قد أثر في جنبه. فقلت: أطلقت يا رسول الله نساءك؟ فرفع رأسه إليّ وقال: " لا ". فقلت: الله أكبر! ولو رأيتنا يا رسول الله وكنا معشر قريش قوماً نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قوماً تغلبهم نساؤهم، فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم، فغضبت على امرأتي يوماً، فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني، فقالت: ما تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. فقلت: قد خاب من فعل ذلك منكن وخسر! أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؛ فإذا هي قد هلكت؟ فتبسم رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فقلت: يا رسول الله قد دخلت على حفصة فقلت: لا يغرنك أن كانت جارتك هي أوسم أو أحب إلى رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ منك! فتبسم أخرى. فقلت: أستأنس يا رسول الله! قال: " نعم " فجلست، فرفعت رأسي في البيت فوالله ما رأيت في البيت شيئاً يرد البصر إلا هيبة مقامه فقلت: ادع الله يا رسول الله أن يوسع على أمتك فقد وسع على فارس والروم وهم لا يعبدون الله. فاستوى جالساً وقال: " أفي شك أنت يا بن الخطاب؟ أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في الحياة الدنيا " فقلت: " استغفر لي يا رسول الله.. وكان أقسم ألا يدخل عليهن شهراً من شدة موجدته عليهن حتى عاتبه الله عز وجل "
.
. (وقد رواه البخاري ومسلم والترمذي والنسائي من طرق عن الزهري بهذا النص)..
المفضلات