سلمت يمينك يا أبا على
الله يبارك فيك
سلمت يمينك يا أبا على
الله يبارك فيك
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
ويستنكر عبد الفاضي استخدام القرآن الكريم لصيغة "إلياسين" (بدل "إلياس") في قوله عز شأنه في الآية 130 من "الصافات" : {وَإِنَّ إِلْيَاسَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ (123) .... (129) سَلَامٌ عَلَى إِلْ يَاسِينَ} ، وكذلك صيغة "سِينين" (بدل "سيناء") في قوله سبحانه في الآية الثانية من سورة "التين" : {وَطُورِ سِينِينَ} قائلاً إن الصيغتين المذكورتين هما صيغتا الجمع من "إلياس" و"سيناء" ، "فمن الخطأ لغوياً تغيير اسم العَلَم حباً في السجع المتكلًَّف" (ص 109). والواقع أن الأمر أبسط من هذا كله ، إذ معروف أن الأعلام حين تنتقل من لغة إلى أخرى تعروها عادةًَ تحويرات في حروفها وضبطها ونَبْرها كما في "يوحنا" مثلاً ، الذي حوًره اللسان العربي فصار "يحيى".
وقد يغدو للعَلَم أكثر من نطق في اللغة التي انتقل إليها كما هو الحال عندنا بالنسبة لـ "أرسطو" و"أرسطوطاليس" و"رسطاليس" ، و"جبرائيل" و"جبرئيل" و"جبريل" و"غبريال".
وفي ضوء هذا فإن من السهل الإشارة إلى أن العرب ينطقون اسم شبة الجزيرة التي تقع في شمال شرق مصر بعدة صور : "سِينا" و"سِيناء" و"سَيْناء" و"سَيْنِين" و"سِينين". والشيء ذاته يقال في اسم النبي الكريم الذي نحن بصدده. إذ يقولون : "إلياس" و"إلياسين". وقد اختار القرآن الكريم في كل من الموضعين اللذين نحن بصددهما الصيغة التي تناسب السياق ، أما في غير ذلك فقد استخدم الصيغة الأشيع ، وهي "سَيْناء" و"إلياس" ، فليس في الأمر جمع ولا تكلف سجع ولا يحزنون.
ومثل "إلياس" فذلك اسم حَمِى موسى ، الذي ورد في بعض الترجمات العربية للكتاب المقدس "يِتْرو" ، وفي بعضها الآخر "يثرون" ، فهل نقول مثلما قال هذا الأحمق إن "يثرون" هي جمع مذكر سالم لـ "يترو"؟ إننا أعقل من ذلك. لكن الأدهى أن يتكرر في الكتاب المقدس لدى اليهود والنصارى ذكر الشخص الواحد بعدة أسماء مختلفة كتسمية حَمِي موسى هذا : "رعوئيل" مرة ، و"يثرون" مرة أخرى ، و"حوباب بن رعوئيل" مرة ثالثة. وفي سفر "أخبار الأيام الأول" أسماء أعلام تخالف لفظ الأسماء المذكورة في غيره من أسفار الكتاب المقدس. وقد حاول شُرًاح ذلك الكتاب بطريقتهم البهلوانية تفسير هذه الظاهرة المضحكة بأن اللفظ قد تغيَّر على مرَّ السنين ، أو أنه كان للشخص الواحد عدة أسماء ، أو أن الأمر مجرد ألفاظ مترادفة. فهذه هي المصيبة حقاً ، أما الوقوف عن "إلياس" و"إلياسين" فهم تنطعَّ فارغ. وفي النهاية المطاف ألفت نظره ، إن كان عنده نظر ، إلى التناقض الرهيب في اسم عيسى عليه السلام بين سفر "نبوءة أشَعْيا" وبين إنجيلَيْْ متَّى ولوقا ، إذ جاء في "أشَعْيا" (7 /14 ، و9 /6 - 7) أن العذراء ستلد لله ابناً وتسميه "عمّانوئيل" ، بينما في "متًّى" (1/21) أنها ستلد ابناً وتدعو اسمه يسوع ، وهو نفسه ما جاء على لسان جبريل عليه السلام حسب رواية "لوقا" (1/3) ، وإن انتكس الكلام عنده عقيب ذلك إذ يعود فيقول : "هذا كله لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل : هو ذا العذراء تحمل وتلد ابناً ويدعون اسمه عمًانوئيل ، الذي تفسيره : الله معنا". وبطبيعة الحال لم يُسَمً المسيح عليه السلام يوماً "عمًانوئيل".
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
وفي قوله تعالى في الآية 59 من سورة "آل عمران" : {إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} يعترض الفاضي مؤكداً إنه "كان يجب أن يُعْتَبر المقام الذي يقتضي صيغة الماضي لا المضارع فيقول : قال له : كن ، فكان" (ص 110). وواضح إنه ، لجهله وحرمانه من المقدرة على تذوق الأساليب الأدبية الرائعة وما تتميز به من مفاجأة القارئ أو السامع في كثير من الأحيان بما يهزّه ويوقظه ويخرجه من النزعة الآلية التي تستولي علينا من كثرة ما نرى الأمور تجري على وتيرتها المعهودة ، يظن إنه لا يوجد إلا طريقة واحدة في التعبير عن كل معنى. وهذه طفولية لغوية وأدبية ، وإلا فكيف فاته أن عبارة "كن ، فيكون" ، وإن استُعْمِلت هنا في الكلام غن خلق آدم في الماضي ، فإنها تمثل مبدأ عاماً لا يتقيد بزمن ، فأُبْقِيَتْ من ثَمّ على حالها التي وردت بها في المواضع الأخرى من القرآن الكريم ، وكلها تقريباً مما لا يتقيد بزمن. فهذه نكتة بلاغية رهيفة لا يقدر على التقاطها بُلَداء الذهن والذوق. ومن أمثلة عطف المضارع على الماضي في الشعر الجاهلي قول تأبط شراً يصف عراكه مع الغول :
بأنّي قد لقِيتُ الغول تسعى ... بسُهْبٍ كالصحيفة صحصحانِ
فآخذُه فأضربها فخرًتْ ... صريعاً لليدين وللجِرانِ
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
وبالمثل يخلق أحمقنا برعونته مشكلة أخرى لا وجود لها إلا في عقله ، إذ يقول إن "سلاسل" و"قوارير" في الآيتين 4 ، 15 من "الإنسان" : {إِنَّا أَعْتَدْنَا لِلْكَافِرِينَ سَلَاسِلَ وَأَغْلَالًا وَسَعِيرًا} ، {وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَا} قد نُوَّنتا رغم إنهما ممنوعتان من الصرف أي أن في الآيتين خطأ نحوياً (ص 110 - 111). وصواب القول إن هاتين الكلمتين في المصحف الذي بين أيدينا غير منونتين. كل ما في الأمر أنهما كتبتا بالألف ، ومعروف أن إملاء المصحف يختلف عن إملائنا الحالي بعض الاختلاف. ولكن حتى لو نُوَّنتا ، وهناك قراءة تنونهما فعلاً ، فليس في تنوينهما من بأس ، إذ من العرب قديماً من كان ينوَّن الأسماء كلها ما عدا "أفعل التفضيل". صحيح أننا الآن لا ننوَّن أشياء كثيرة من بينها ما كان من الجمع على وزن "مَفاعِل" و"مفاعيل" ، لكن هذا لا يعدو أن يكون جانباً واحداً من المسألة ، أما الجانب الآخر فهو أن المنع من الصرف لم يكن لغة كل العرب بل غالبيتهم فقط. ونحن نميل حالياً إلى التزام القواعد العامة وترك اللهجات القبلية التي لا تجرى مع هذه القواعد. إلا أن هذا شيء ، والمسارعة بجهل إلى تخطئة أصحاب اللغة الأصلاء الذين منهم أخذنا قواعدنا وإياهم نحتذي فشيء آخر. فليكن الجهلاء على بينَّه من هذا حتى لا يَضِلوا ويُضِلوا! والشواهد الشعرية على صَرْف ما تعوّدنا على منعه من الصرف كثيرة في النصوص القديمة ، والأمر فيه ليس أمر ضرورة شعرية فقط كما قد يُظَنً ، بل هو لغة من لغات العرب كالمنع من الصرف سواء بسواء.
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
ويأخذ المتنطع الفارغ العقل على قوله جلّ من قائل في الآية 196 من "البقرة" عمّن تمتّع بالعمرة إلى الحج ولم يتيسر له شراء هَدْى : {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ} أن كلمة "كاملة" لا لزوم لها لأنها توضح ما لا يحتاج إلى توضيح ، وإلا فمن ذا الذي يظن العشرة تسعة؟ (ص 11). وهذا تنطع بلغ الغاية في السُّخْف والتفاهة. إن المتنطع التافه لا يعجبه العجب : فإذا رأى حذفاً قال : لماذا كان هناك حذف؟ وإذا رأى توكيداً قال : لا داعي ...
وهذا كقول النابغة الذبياني مثلاً :
قالت : ألا لَيْتَمَا هذا الحمام لنا ... إلى حمامتنا أو نصفه ، فَقَدِ
فحسَّبوه فألْفَوْه كما حَسَبَتْ ... تسعاً وتسعين لم تنقص ولَم تزِد
وقوله أيضاً :
أسائل عن سُعْدَى وقد مرَ بعدنا ... على عرصات الدار سبعً كواملُ
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن "عشرة كاملة" إلى لغة "أكلوني البراغيث" كما يسميها النحاة. ذلك أن الجاهل المتغشمر يظن بعقله الضيق أن هناك غلطة نحوية في قوله تعالى في الآية 3 من "الأنبياء" : {وَأَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ}؟ ، إذ يزعم أن الصواب يقتضي حذف "الواو" من "أسرّوا" فيكون الكلام : "وأسرَّ النجوى الذين ظلموا" (ص 111). وهذا اعتراض يدل على تفاهة عقله ، ذلك أن الآية تخلو تماماً مما يمكن أن يؤخذ عليها ، فالتركيب عربي سليم مائة في المائة ، ولو كان فيه أدنى شيء ما سكت عليه العرب. أما إذا أردنا توجيهه فنحن بالخيار : فإما أن يكون تقدير الكلام : "وأسرَّوا النجوى ، (أعني) الذين ظلموا : هل هذا إلا بشرَّ مثلكم؟" ، وإما أن يبقى الكلام على حاله دون تقدير ، وتكون "واو الجماعة" في "اسرَّوا" حرفاً يدل على جمع الذكور (لا فاعلاً) كما تدل التاء في "أقبلتْ فاطمة" على المفردة المؤنثة ، أو تكون "واو الجماعة" هي الفاعل ، و"الذين ظلموا" بدلاً منها.
وعلى أية حال فقد وردت شواهد على هذا التركيب في الشعر العربي القديم. يقول عروة بن الورد :
وأحقرهم وأهونهم عليه ... وإن كانا له نَسَبٌ وخِيرُ
ويقول أُحَيْحة بن الجراح :
يلومونني في اشتراء النخيـ ... ـل أهلي ، فكلهم يَعْذِلُ
وكذلك هذا الشاهد :
نصروك قومي فاعتززتَ بنصرهم ... ولو إنهم خذلوك كنتَ ذليلاً
سَلامٌ مِنْ صَبا بَرَدى أَرَقُّ ....ودمعٌ لا يُكَفْكَفُ يا دمشقُ
ومَعْذِرَةَ اليراعةِ والقوافي .... جلاءُ الرِّزءِ عَنْ وَصْفٍ يُدَّقُ
وذكرى عن خواطرِها لقلبي .... إليكِ تلفّتٌ أَبداً وخَفْقُ
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات