ما حكم الدعوة الى الله

قال تعالى:(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ عَلَيْكُمْ أَنفُسَكُمْ لاَ يَضُرُّكُم مَّن ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ) (المائدة : 105 )
ان كثير من الدعة الى الله يسمعون هذه الآية اذا قام بالدعوة او انكار المنكر , ويقال له :"دع الخلق للخالق" و "عليكم أنفسكم" الى اخر هذه الجمل والكلمات.
إن مثل هذا الفهم الخاطيء للآية يهدم قاعدة أساسية من قواعد الإسلام فضل الله بها هذه الأمة وميزها بها على غيرها, ألا وهي قاعدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
إن هذه الآية الكريمة تؤخذ في ظلال قوله تعالى:(قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) (يوسف : 108 )
وفي ظلال قوله تعالى :(وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) (آل عمران : 104 )
وقوله تعالى:(كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ) (آل عمران : 110 )
وفي ظل حديث النبي صلى الله عليه وسلم :(ليبلغ الشاهد منكم الغائب) رواه البخاري في العلم ومسلم في الحج.
وفي ظل قوله عليه السلام:(بلغوا عني ولو آية) اخرجه البخاري في الأنبياء والبغوي في شرح السنة (113)
وهكذا نرى ان الآيات التي تحث على الدعوه والأمر بالمعروف كثيرة بالإضافة الى احاديث النبي صلى الله عليه وسلم, فكيف نربط بينها وبين الآية؟
إن المعنى والله اعلم هو : يا من آمنتم بالله وصدقتم المرسلين عليكم اصلاح أنفسكم وتزكيتها ونهيها عن الهوى واعلموا انكم اذا فعلتم ذلك وقمتم بما أوجبه الله عليكم من الأمر والنهي ولم يستجب لكم فليس بضاركم ذلك شيئا,
يقول الطبري:(يقول تعالـى ذكره: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ فأصلـحوها, واعملوا فـي خلاصها من عقاب الله تعالـى, وانظروا لها فـيـما يقرّبها من ربها, فإنه لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ يقول: لا يضرّكم من كفر وسلك غير سبـيـل الـحقّ إذا أنتـم اهتديتـم وآمنتـم بربكم وأطعتـموه فـيـما أمركم به وفـيـما نهاكم عنه, فحرّمتـم حرامه وحللتـم حلاله), ثم يختم بحثه رحمه الله بقوله:(وأولـى هذه الأقوال, وأصحّ التأويلات عندنا بتأويـل هذه الاَية ما رُوي عن أبـي بكر الصدّيق فـيها, وهو: يا أيّها الّذِينَ آمَنُوا عَلَـيْكُمْ أنْفُسَكُمْ: الزموا العمل بطاعة الله, وبـما أمركم به, وانتهوا عما نهاكم الله عنه. لاَ يَضُرّكُمْ مَنْ ضَلّ إذَا اهْتَدَيْتُـمْ يقول: فإنه لا يضرّكم ضلال من ضلّ إذا أنتـم رمتـم العمل بطاعة الله, وأدّيتـم فـيـمن ضلّ من الناس ما ألزمكم الله به فـيه من فرض الأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر, الذي يركبه أو يحاول ركوبه, والأخذ علـى يديه إذا رام ظلـما لـمسلـم أو معاهد ومنعه منه فأبى النزوع عن ذلك, ولا ضير علـيكم فـي تـماديه فـي غيه وضلاله إذا أنتـم اهتديتـم وأدّيتـم حقّ الله تعالـى فـيه., )وإنـما قلنا ذلك أولـى التأويلات فـي ذلك بـالصواب, لأن الله تعالـى أمر الـمؤمنـين أن يقوموا بـالقسط ويتعاونوا علـى البرّ والتقوى ومن القـيام بـالقسط: الأخذ علـى يد الظالـم ومن التعاون علـى البرّ والتقوى: الأمر بـالـمعروف. وهذا مع ما تظاهرت به الأخبـار عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من أمره بـالأمر بـالـمعروف والنهي عن الـمنكر ولو كان للناس تَرْك ذلك, لـم يكن للأمر به معنى إلا فـي الـحال التـي رخص فـيه رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك ذلك, وهي حال العجز عن القـيام به بـالـجوارح الظاهرة فـيكون مرخصا له تركه إذا قام حينئذ بأداء فرض الله علـيه فـي ذلك بقلبه. وإذا كان ما وصفنا من التأويـل بـالاَية أولـى, فبـيّن أنه قد دخـل فـي معنى قوله: إذا اهْتَدَيْتُـمْ ما قاله حذيفة وسعيد بن الـمسيب, من أن ذلك: أذا أمرتـم بـالـمعروف ونهيتـم عن الـمنكر, ومعنى ما رواه أبو ثعلبة الـخشنـي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.)
فليس في الآية مستدل لترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر , وانما غاية ما فيها أن ضلال من ضل لا يضر من اهتدى.لأن من المعلوم ان من اوصاف المهتدي انه يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.قال تعالى:(فَلَوْلاَ كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِن قَبْلِكُمْ أُوْلُواْ بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الأَرْضِ إِلاَّ قَلِيلاً مِّمَّنْ أَنجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مَا أُتْرِفُواْ فِيهِ وَكَانُواْ مُجْرِمِينَ) (هود : 116 )