بسم الله الرحمن الرحيم
أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله.
التجسد في المسيحية باختصار هو أن الله ظهر في جسد إنسان، وكان
هذا الإنسان هو يسوع المسيح. ولما كان الله في المسيحية "يتكوّن" من ثلاثة أقانيم، فقد يظن
البعض أن هذه الأقانيم الثلاثة قد تجسدت في جسد يسوع، ولكن هذا الظن غير صحيح. فالأقنوم
الآب والأقنوم الروح القدس لم يتجسّدا، وإنما الذي تجسد هو أقنوم الإبن فقط. فإذا سألنا: لماذا يُقال
إذن إن الله قد ظهر في الجسد، ولماذا لا يُقال إن الإبن فقط هو الذي ظهر في الجسد؟ فيقال في الرد
على هذا التساؤل إن الأقانيم الثلاثة غير منفصلة عن بعضها البعض، كما لا ينفصل عقل الإنسان
عنه، وكما لا تنفصل روح الإنسان عنه، إلا بالموت. ولذلك نعود فنسأل: لماذا يعتقد الأخوة
المسيحيون إذن أن التجسد كان من مهام أقنوم الإبن فقط، ولم يكن من مهام الآب والروح القدس؟
انى لا أستعين بما يقوله علماء المسيحية، فإني أقدم
ما يقوله الأنبا بيشوي في كتابه "مائة سؤال وجواب في العقيدة المسيحية الأرثوذكسية".
يقول نيافته:
"التجسد الإلهي هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين في
طبيعة واحدة، وهو اتحاد أقنومي واتحاد حقيقي واتحاد بحسب الطبيعة، وهذا لا ينطبق على ظهور
الله الإبن في العهد القديم لأبينا يعقوب مثلا، لأن في هذه الظهورات لم يحدث اتحاد بين طبيعتين ولا
تجسد حقيقي ولا اتحاد أقنومي، ولذلك لا يُسمّى هذا تجسدا على الإطلاق بل يسمّى ظهورا فقط"
وكنا نأمل ونتوقع أن يؤيد جناب الأنبا بيشوي كلامه هذا بمرجع من
الكتاب المقدس، فمن الغريب أن تحدث هذه الظهورات التي يذكرها نيافة الأنبا منذ ما يقرب من 450
عام قبل أن يكتب موسى التوراة، بل وتستمر هذه الظهورات أثناء كتابة التوراة وبعدها، ويسجلها
موسى في التوراة، ومع ذلك لا يذكر شيئا عن حقيقتها، كما لا يذكر الأنبياء أيضا شيئا عن حقيقتها.
بل إن الأغرب من كل هذا أن يتجسد الأقنوم الإبن في جسد المسيح، ولا يذكر المسيح شيئا عن
الفرق بين الظهور والتجسد، ولا يشرح للناس حقيقة التجسد وما يميزه عن الظهور، وإنما يترك
هذا الأمر الهام للآباء الذين سوف يأتون في القرون التالية لعصر السيد المسيح!!
ويشرح نيافة الأنبا معنى التجسد الإلهي فيقول:
"التجسد الإلهي هو اتحاد غير مفترق لطبيعتين مختلفتين في طبيعة واحدة، وهو اتحاد أقنومي
واتحاد حقيقي واتحاد بحسب الطبيعة" (ص21)
أما أنه اتحاد أقنومي فذلك لأن أقنوم الإبن هو أحد أطراف هذا الاتحاد. وهو اتحاد حقيقي بغير
اختلاط ولا امتزاج ولا تغيير، مثل اتحاد الروح بالجسد في الإنسان الحي، فلا الروح صارت جسدا
ولا الجسد صار روحا، ويماثل أيضا اتحاد قطعة الحديد بالنار فتكتسب صفات النار، دون أن يتحول
الحديد إلى نار ولا النار إلى حديد.
و "الاتحاد الطبيعي هو الذي يتكون من طبيعتين أو أكثر في طبيعة
واحدة" (ص24)، وفي حالتنا هذه هما الطبيعة الإلهية، أو اللاهوت، والطبيعة الإنسانية، أو
الناسوت. وكما أن اتحاد الروح بالجسد يُكوّن الطبيعة البشرية، فكذلك اتحاد اللاهوت بالناسوت
يُكوّن "طبيعة الله الكلمة المتجسد" (ص24).
. فهل يمكن أن يضع الله الحكيم نفسه في موقف يجعل أحدا من
خلقه يقول له: لماذا يا رب اخترت
أن تحط من شأنك بينما كان من الممكن أن تحقق هدفك بأسلوب آخر يحفظ كرامتك ويسمو بك عن
آلهة اليونان والوثنيين؟
تعالى الله عما يصفون.
المفضلات