محبة الناس:

وقد ندبك الدين الحنيف إلى محبة الناس كلهم والرحمة بهم، ولكن على درجات مخصوصة وحدود محدودة. والإنسان الكامل هو من لا تختلط عليه الأمور ولا تشتبه لديه الخيرات بالشرور، فيعرف مراتب المخلوقات ونسبتها إليه، ومقدار قربها وبعدها من خالقها، فيعطي كل مرتبة حقها، وكل درجة قسطها، ملاحظًا معاملة الله لهم ورحمته بهم، وأنهم مخلوقاته، فلا يجهل نسبتهم، ولا يظلم رتبتهم، ومن أحب الصانع واعتقد كماله، أحب الصنعة لا محالة.

وللأشياء جهات وحيثيات يجب أن تراعى كلها في نظر الحكيم. وقد قال صلى الله عليه وسلم: «تخلقوا بأخلاق الله» فمن شاركك في الإنسانية كان له عليك حق واحد وهو حق الإنسانية؛ ومن شاركك في الإيمان أيضًا فله عليك حق الإنسانية وحق الإيمان. فإن كان مع هذا أحد من ينتمي إليك بالقرابة، كان له عليك حق القرابة أيضًا. فإن انضم إلى ذلك كونه جارًا لك انضم إلى تلك الحقوق حق رابع ، وهكذا.

وأهل تلك الدرجات متفاوتون أيضًا، فمن كان أقرب إليك كان أعظم حقًّا عليك، ومن كان ألصق بك من جيرانك كان أوجب مراعاة من غيره؛ ومن صنع معك خيرًا من أولئك الأقارب أو الجيران كان حقه عليك آكد ممن سواه: « من صنع معكم معروفًا فكافئوه {هَلْ جَزَاءُ الإِحْسَانِ إِلا الإِحْسَانُ}[الرحمن:٦٠]. فإذًا أهل وطنك لهم عليك حقوق كثيرة، وواجبات عديدة،.