الزوجة في الإسلام ( 2 )
الشيخ نذير مكتبي
لم تكن الآداب والضوابط التي أوجبها الإسلام على الزوج تجاه زوجته مجرد نظريات على الورق ليس لها من واقع التطبيق العملي أيُّ نصيب ، بل كانت سلوكاً ظاهراً ومَعلماً بارزاً في الحياة التي تعيشها الأسرة المسلمة على كافة المستويات الاجتماعية .
فرسول الله صلى الله عليه وسلم كان في مقدمة الأزواج التزاماً وتطبيقاً سامياً للمعاملة الكريمة التي ينبغي أن تجدها الزوجة المسلمة ، فهو الذي يقول : ( خيرُكم خيرُكم لأهله ، وأنا خيرُكم لأهلي ) رواه الترمذي ، ولقد وصفه خادمه الصحابي أنس بن مالك رضي الله عنه فقال : ( ما رأيت أحداً أرحمَ بالعيال من رسول الله صلى الله عليه وسلم ) رواه ابن حبان.
و لقد كانت السيدة عائشة رضي الله عنها تشهد بالأخلاق الراقية التي كان يعاملها بها زوجها رسول الله صلى الله عليه وسلم فهي تقول : ( كان رسول الله في مهنة أهله فإذا حضرت الصلاة قام إلى الصلاة ) رواه البخاري ، وتقول أيضاً : ( كان يخصف نعله ، ويخيط ثوبه ، ويعمل ما يعمل الرجال في بيوتهم ) رواه ابن حبان.
و ثم إن الزوج المسلم ليس جافَّ المشاعر متبلد الأحاسيس ، بل هو رجل يحمل من العواطف الجياشة والقلب الفيَّاض بالحب ما يجعل حياته الزوجية تشع فيها السعادة وتظللها الطمأنينة والسكينة ، وهذا رسول الله صلى الله عليه وسلم يعبِّر عن حبه لزوجته السيدة عائشة رضي الله عنها فيقول : ( حبُّكِ يا عائشة في قلبي كالعروة الوثقى ) ، وهاهو يمدح زوجته الأولى خديجة رضي الله عنها ويعترف بفضلها ويزف لها البشرى فيقول : ( بشروا خديجة ببيت في الجنة من قصب لا صخبَ فيه ولا نصب ) رواه البخاري.
فإنه ليس من لوازم القوامة التي منحها الله تبارك وتعالى للزوج على زوجته أن يكون فظاً وعنيفاً في أسلوب معاملته معها ، فهو لا يستعمل الضرب ولا الشتم ولا الإهانة ، وهكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ما عُهد عليه أنه أهان امرأته أو ضربها أو صرخ في وجهها ، حتى وإن بدر منها تصرف شائن ، فكان صلى الله عليه وسلم يعالجه بقلب مُحبٍّ رحيمٍ وعقل متزنٍ حكيم ، وخير مثال على ذلك ما حدث بين زوجتيه السيدتين عائشة وصفية رضي الله عنهما حين كسرت عائشة وعاءً لصفية سكبت له فيه طعاماً وأهدته إياه .
و لقد سار المسلمون وخاصة في عهد السلف الصالح على هذا النهج النبيل في معاملة الزوجة ، إخلاصاً لها ومؤانسة لمشاعرها ، واحتراماً لكيانها ، يقول ترجمان القرآن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما : ( إني لأتزين لزوجتي كما تتزين هي لي ) ، ويقول الإمام أحمد بن حنبل رضي الله عنه صاحب المذهب المشهور : ( لقد عاشت زوجتي أمُّ صالح ثلاثين سنة لم أختلف معها في كلمة واحدة ) ، ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه الرجل الشديد الحازم : ( على الرجل أن يكون في أهله كالطفل ـ أي يمازحهم ويلاعبهم ويتواضع لهم ـ ، فإذا التمسوا ما عنده وجدوه رجلاً ) .
و إن هذه المعاملة الكريمة والمعاشرة بالمعروف التي ألزم الإسلام الأزواج أن تكون عنوانَ حياتهم مع زوجاتهم ، هي أمنية تتمنى تحقيقها المرأة الغربية التي تلاقي في ظل القيم المادية الإهانة والضرب بل والقتل أحياناً ، خصوصاً إذا كبرت في السن وانزوى عنها جمالها وولت عنها نضارتها ، وهاهي البيانات والإحصاءات تظهر مقدار التعاسة والشقاء والمعاملة القاسية التي تعانيها الزوجة في حضارة المادة والإباحية ، تقول إحدى الإحصائيات أن عدد الزوجات اللواتي يتعرضن للضرب في نيويورك وحدها سنوياً 527000 امرأة ، وهكذا الحال في كثير من الدول في شرق العالم وغربه .
اللهم اغفر لأبي وأمي وارحمهما كما ربياني صغيرا
المفضلات