
-
المقصد السني في تفسير آية الكرسي
إن الصلة بين الآية الكريمة وبين ما قبلها وما بعدها صلة واضحة بارزة، وثيقة دقيقة، نزلت في سورة البقرة هذه السورة الكريمة التي اشتملت على كثير من الحكم البالغة والأحكام البليغة ففيها حديث عن القرآن ومواقف الناس المتباينة من هدايته، وفيها القصص والأمثال والأحكام الفقهية المتعددة وفيها عرض شامل للعقيدة الإسلامية، وبيان لجملة من الأخلاق الكريمة وفيها أيضا تحذير من إخوة القردة والخنازير وكشف لفضائحهم ومفاسدهم حتى نكون منهم على حذر ، وحتى يعتبر خلفاؤهم وحلفاؤهم .
وفي السورة الكريمة أيضا بيان لجملة من السنن الربانية في هذا الكون ومنها اصطفاؤه عز وجل لأنبيائه وأصفيائه وسنة النصر والتمكين لأهل الإيمان واليقين ، وسنة التدافع والتوازن في الكون قال تعالى { فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُم بِنَهَرٍ فَمَن شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَن لَّمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلاَّ مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ فَشَرِبُواْ مِنْهُ إِلاَّ قَلِيلاً مِّنْهُمْ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُواْ مَعَهُ قَالُواْ لاَ طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنودِهِ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو اللّهِ كَم مِّن فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللّهِ وَاللّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ {249} وَلَمَّا بَرَزُواْ لِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ قَالُواْ رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ {250} فَهَزَمُوهُم بِإِذْنِ اللّهِ وَقَتَلَ دَاوُودُ جَالُوتَ وَآتَاهُ اللّهُ الْمُلْكَ وَالْحِكْمَةَ وَعَلَّمَهُ مِمَّا يَشَاء وَلَوْلاَ دَفْعُ اللّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَّفَسَدَتِ الأَرْضُ وَلَـكِنَّ اللّهَ ذُو فَضْلٍ عَلَى الْعَالَمِينَ {251} تِلْكَ آيَاتُ اللّهِ نَتْلُوهَا عَلَيْكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّكَ لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ {252}
وفي هذا مايدل على سلطانه العظيم وتدبيره الحكيم وإرادته النافذة البالغة وفضله العظيم .
ومن فضله وإكرامه ورحمته وإنعامه : إرساله الرسل بالآيات البينات وتفضيل بعضهم على بعض بالمنح اللدنية والمواهب الربانية والنفحات السنية والدرجات العلية .
ومع ذلك فلقد كان للناس مواقف متباينة من الرسل الكرام فمنهم من آمن ومنهم من كفر ، وتلك سنة من سنن الله الكونية والإنسانية : سنة الاختلاف، فسبحان من جلت حكمته وعلت مشيئته ونفذ مراده فلا يقع في ملكه إلا ما أراده :
مشيئة الخالق الباري وحكمته وقدرة الله فوق الشك والتهم
قال تعالى { تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِّنْهُم مَّن كَلَّمَ اللّهُ وَرَفَعَ بَعْضَهُمْ دَرَجَاتٍ وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلَ الَّذِينَ مِن بَعْدِهِم مِّن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَلَـكِنِ اخْتَلَفُواْ فَمِنْهُم مَّنْ آمَنَ وَمِنْهُم مَّن كَفَرَ وَلَوْ شَاء اللّهُ مَا اقْتَتَلُواْ وَلَـكِنَّ اللّهَ يَفْعَلُ مَا يُرِيدُ {253} }
ثم يأتي النداء الإلهي إلى الطائفة المؤمنة يأتي بتوجيه جديد إلى المؤمنين أن يبادروا ويسارعوا بالإنفاق في شتى وجوه الخير قبل انقضاء الآجال وانطواء صحائف الأعمال والعرض على الكبير المتعال في يوم لا بيع فيه ولا خلال، ولا شفاعة ، فيا حسرة على من لا يقدم لنفسه الإيمان 0
ياحسرة على من ظلم نفسه فأوردها موارد الهلاك والخـسـران
يا حسرة على من آثر الكفر والعصيان على الإيمان وطاعة الـرحمن
يا حسرة على من أعرض عن الحق مع وضوح الحجة وجلاء البرهان
قال تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ يَوْمٌ لاَّ بَيْعٌ فِيهِ وَلاَ خُلَّةٌ وَلاَ شَفَاعَةٌ وَالْكَافِرُونَ هُمُ الظَّالِمُونَ {254} )
وبعد هذا البيان الإلهي تجيء آية الكرسي وفيها عرض لأصول العقيدة الإسلامية في كلمات وجيزة بليغة ورد فيها بيان لوحدانية الله ، وحياته الأبدية الأزلية الذاتية الكاملة ، وقيوميته وملكه لجميع المخلوقات ، فلا شريك له ولا شفيع عنده إلا بإذنه ، كما تحدثت الآية الكريمة عن إحاطة علمه وسعة ملكه وعظمة مخلوقاته التي تدل وتشهد على عظمة ذاته وصفاته وأفعاله ، ومع ذلك فإنه تعالى لا يثقل عليه شيئ وهو تعالى العلي العظيم في ذاته وصفاته وأفعاله .
قال تعالى اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَن ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاَّ بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلاَ يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِّنْ عِلْمِهِ إِلاَّ بِمَا شَاء وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَلاَ يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ {255} .
بعد هذا البيان والبرهان القوي الجلي لأصول العقيدة الإسلامية فضلا عما سبقه من تفصيل وبيان للحكم والأحكام ، والقصص والأمثال ، يبين الله أنه لا إكراه في الدين لأن الدين الإسلامي لا يحتاج إلى إكراه قال { لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِن بِاللّهِ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ لاَ انفِصَامَ لَهَا وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ :265
فهو دين واضح المحجة قوي الحجة ثم تمضي الآيات الكريمة بعد ذلك في جولة جديدة مع الحجج الساطعة والبراهين القاطعة والأحكام الرشيدة والحكم السديدة التي تدل على صدق هذا الدين الذي جاء بالصلاح والفلاح للفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة 0
جملة مما ذكره المفسرون في مناسبة الآية :
اهتم بعض المفسرين في تفاسيرهم بإبراز المناسبة بين هذه الآية الكريمة وما قبلها وبينها وبين ما بعدها ، وفيما يلي ننقل جانبا مما ورد في كتبهم :
2- هذا الإمام النيسابوري يبين لنا السياق العام لآية الكرسي فيقول رحمه الله ( فد جرت عادته سبحانه و تعالى في كتابه الكريم أنه يخلط الأنواع الثلاثة : أعني علم التوحيد – و علم الأحكام – وعلم القصص -بعضها ببعض و الغرض من ذكر القصص إما تقرير دلائل التوحيد وإما المبالغة في إلزام الأحكام والتكاليف وفي هذا النسق أيضا رحمة شاملة فإن طبع الإنسان جبل علي الملل فكلما انتقل من أسلوب إلي أسلوب انشرح صدره وتجدد نشاطه وتكامل ذوقه ولذته وصار أقرب إلى فهم معناه و العمـل بمقتضاه و إذ قد تقدم من علم الأحكام والقصص ما اقتضى المقام إيراده ذكر الآن ما يتعلق بعلم التوحيد فقال ( الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .
وعن صلة آية الكرسي بما بعدها يقول النيسابوري رحمه الله ( لما بين دلائل التوحيد بيانا شافيا قاطعا للأعذار ذكر بعد ذلك أنه لم يبق للكافر علة في إقامته علي الكفر إلا أن يقسر علي الإيمان ويجبر عليه ، و ذلك لا يجوز في دار الدنيا التي هي مقام الابتلاء و الاختبار وينافيه الإكراه و الإجبار فالحق واضح أبلج ) .
وعن صلة آية الكرسي بما بعدها يقول البقاعي رحمه الله { ولما اتضحت الدلائل لكل عالم وجاهل صار الدين إلى حد لا يحتاج فيه منصف لنفسه إلى إكراه فيه فقال تعالى: ( لا إكراه في الدين ) }
4 - ويقول الإمام الألوسي في تفسيره روح المعاني ( ومناسبة الآية الكريمة لما قبلها أنه سبحانه لما ذكر أن الكافرين هم الظالمون ؛ ناسب أن ينبههم جل شأنه إلى العقيدة الصحيحة التي هي محض التوحيد الذي درج عليه المرسلون علي اختلاف درجاتهم وتفاوت مراتبهم بما أينعت من ذلك رياضه ؛ وتدفقت حياضه و صدح عندليبه وصدع علي منابر البيان خطيبه فلله الحمد علي ما أوضح الحجة و أبان عن وجه المحجة ) (غرائب القرآن وغرائب الفرقان ) .
• ثم يقـول الإمام الألوسي موضحا الصلة بين آية الكرسي والآية التي تليها ( لا إكراه في الدين ) " جملة مستأنفة جىء بها إثر بيان دلائل التوحيد للإيذان بأنه لا يتصور الإكراه في الدين لأنه في الحقيقة إلزام الغير فعلا لا يري فيه خيرا يحمله عليه ؛ والدين خير كله " .
5 – و في تفسير المنار يقول الشيخ رشيد رضا موضحا صلة آية الكرسي بما قبلها ( بعد أن أمرنا تعالى بالإنفاق في سبيله قبل أن يأتي يوم لا مال فيه و لا كسب ؛ و لا ينجي من عقابه فيه شفاعة و لا فداء انتقل –كدأب القراّن - إلي تقرير أصول التوحيد و التــنزيه التي تشعر متدبرها بعظيم سلطانه تعالى ؛ ووجوب الشكر له و الإذعان لأمره ؛ و الوقوف عند حدوده و بذل المال في سبيله ؛ و تحول بينه وبين الغرور و الاتكال علي الشفاعات و المكفرات التي جرّأت الناس علي نبذ كتاب الله وراء ظهورهم فقال (الله لا إله إلا هو الحي القيوم ) .
6- وفي التحرير و التنوير يقول الشيخ ابن عاشور ( لما ذكر هول يوم القيامة ، وذكر حال الكافرين ، استأنف بذكر تمجيد الله تعالى وذكر صفاته إبطالا لكفر الكافرين وقطعا لرجائهم ، لأن فيها (من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه ) ، وجعلت هذه الآية ابتداء لآيات تقرير الوحدانية والبعث ، وأودعت هذه الآية العظيمة هنا لأنها كالبرزخ بين الأغراض السابقة واللاحقة . )
كما يقول عن صلة آية الكرسي بالآية التي تليها :-
وتعقيب آية الكرسي بهذه الآية بمناسبة أن ما اشتملت عليه الآية السابقة من دلائل الوحدانية وعظمة الخالق وتنزيهه عن شوائب ما كفرت به الأمم ، من شأنه أن يسوق ذوي العقول إلى قبول هذا الدين الواضح العقيدة ، المستقيم الشريعة ، باختيارهم دون جبر ولا إكــراه ، ومن شأنه أن يجعل دوامهم على الشرك بمحل السؤال : أيتركون عليه أم يكرهون على الإسلام ، فكانت الجملة استئنافا بيانيا ) .
7 – ويقول صاحب الظلال مبينا صلة الآية الكريمة بما قبلها { وبمناسبة الاختلاف بعد الرسل والاقتتال والكفر بعد مجيء البينات والإيمان .. بهذه المناسبة تجيء آية تتضمن قواعد التصور الإيماني، وتذكر من صفات الله سبحانه ما يقرر معنى الوحدانية في أدق مجالاته وأوضح سماته وهي آية جليلة الشأن عظيمة الدلالة واسعة المجال }
ثم يقول صاحب الظلال موضحا صلة آية الكرسي بما بعدها { .. وعندما يصل السياق بهذه الآية إلى إيضاح قواعد التصور الإيماني في أدق جوانبها، وبيان صفة الله وعلاقة الخلق به هذا البيان المنير.. ينتقل الى إيضاح طريق المؤمنين وهم يحملون هذا التصور ويقومون بهذه الدعوة وينهضون بواجب القيادة للبشرية الضالة الضائعة 00}
المقال ( المقصد السني في تفسير آية الكرسي)
تأليف
أحمد بن محمد الشرقاوي
أستاذ التفسير المشارك بجامعة الأزهر
وكلية التربية بعنيزة
التعديل الأخير تم بواسطة mosaab1975 ; 01-12-2009 الساعة 10:46 PM
-
اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو
لفظ الجلالة (الله) علم على الذات الإلهية ، وهو اسم تفرد به الله سبحانه واختصه لنفسه ، ووصف به ذاته ، وقدمه على جميع أسمائه ، وأضاف صفاته كلها إليه 0
( رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا )
أى هل تعلم أحداً اسمه الله غير الله ؟ أو اسماً غير ماسمى به نفسه ؟
أو هل تعلم أحداً يستحق كمال الأسماء والصفات ما يستحقه الله ويتصف به حقيقة .
أو هل تعلم اسماً هو أعظم من هذا الإسم المفرد .
اللّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ هُو
لارب غيره ولامعبود سواه وهو سبحانه المتفرد بالربوبية والألوهية . وتوحيد الله تعالى هو أساس العقيدة الصحيحة ، ودعوة جميع الأنبياء عليهم السلام من آدم وحتى خاتم النبيين والمرسلين .
قال تعالى وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إلا أَنَا فاعبدون ) [الأنبياء 25] وقال تعالى:( يُنَزِّلُ الْمَلآئِكَةَ بِالْرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلَى مَن يَشَاء مِنْ عِبَادِهِ أَنْ أَنذِرُواْ أَنَّهُ لاَ إِلَـهَ إِلاَّ أَنَاْ فَاتَّقُون [النحل2 .
ولقد قسم العلماء التوحيد إلى أقسام ثلاثة : -
أولها : توحيد الربوبية :
وهو الاعتقاد الجازم بأن الله تعالى رب كل شيئ فلا رب غيره 0
قال تعالى إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ فِي سِتَّة أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهَارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثًا وَالشَّمْسَ وَالْقَمَرَ وَالنُّجُومَ مُسَخَّرَاتٍ بِأَمْرِهِ أَلاَ لَهُ الْخَلْق وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ [سورة الأعراف54 ]
وقال تعالى : قُلْ مَن يَرْزُقُكُم مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ أَمَّن يَمْلِكُ السَّمْعَ والأَبْصَارَ وَمَن يُخْرِج الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيَّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَن يُدَبِّرُ الأَمْرَفَسَيَقُولُونَ اللّهُ فَقُلْ أَفَلاَ تَتَّقُونَ {31} فَذَلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمُ الْحَقُّ فَمَاذَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلاَّ الضَّلاَلُ فَأَنَّى تُصْرَفُونَ (32) [سورة يونس ].
فالخالق الرازق المدبر المحي المميت المليك المقتدر هو الله .
الثانى : توحيد الألوهية :
وهو الاعتقاد الجازم بأنه تعالى الإله الحق المستحق لجمع العبادات الظاهرة و الباطنة ، المتفرد بها فلا معبود إلا هو 0
الثالث : توحيد الأسماء والصفات
أما توحيد الأسماء فيقتضي الإيمان بما عليه كل اسم من معنى ، وما يتعلق به من آثار.
قال تعالى في سورة الأعراف (وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُواْ الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمَآئِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ {180} )
وقال في سورة الإسراء { قُلِ ادْعُواْ اللّهَ أَوِ ادْعُواْ الرَّحْمَـنَ أَيًّا مَّا تَدْعُواْ فَلَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً {110}
وقال تعالى في سورة طه (اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاء الْحُسْنَى {8} ) .
وقال تعالى ( إن لله تسعة وتسعين اسما مائة إلا واحد من أحصاها دخل الجنة } (*)انظر الهامش اسفل .
وأسماء الله تعالى ليست منحصرة في التسعة و التسعين اسما ولكن لله عز وجل أسماء أخرى غير تلك الأسماء ، دل على ذلك الحديث الذى رواه الإمام أحمد في مسنده وأبو يعلى والطبرانى من حديث ابن مسعود رضي الله عنه عن رسول الله
قال ( ما أصاب أحدًا قط هم ولاحزن فقال اللهم إنى عبدك وابن عبدك وابن أمتك نا صيتى بيدك ، ماض في حكمك عدل في قضاؤك ، أسألك بكل اسم هو لك ، سميت به نفسك ، أنزلته في كتابك ، أو علمته أحدا من خلقك ، أواستأثرت به في علم الغيب عندك أن تجعل القرآن العظيم ربيع قلبى ونور صدرى وجلاء حزنى و ذهاب همى : إلا أذهب الله حزنه و همه وأبدله مكانه فرحا-( الحديث : رواه الإمام أحمد في مسنده عن ابن مسعود حديث 3712 مسند الإمام أحمد بتحقيق الشيخ أحمد شاكر وقال إسناده صحيح ورواه أبو يعلى في مسنده 5/135 حديث 5276 ورواه الطبرانى في كتاب الدعاء عنه 2/1279 حديث 1035و ورواه ابن أبى شيبة في المصنف 10/253 وابن حبان في صحيحه كما في الموارد برقم 589 والإحسان 2/230 حديث 2372 ورواه الطبرانى في المعجم الكبير 10/209 و رواه الحارث بن أبى أسامة في مسنده كما في زوائده برقم 251 و رواه البزار في مسنده 4/31 حديث 3122 وابن السنى في عمل اليوم و الليلة345 و أورده ابن تيمية في الكلم الطيب برقم 123 وصححه وأورده أبن القيم في شفاء العليل في القضاء والتنزيل ص 274 وصححه وأورده الهيثمى في المجمع و قال رواه أحمد و الطبرانى وأبو يعلى والبزار ورجال أحمد وأبى يعلى رجال الصحيح غير أبى سلمة الجهنى وقد وثقه ابن حبان - مجمع الزوائد للهيثمى 10/186وأورده الألبانى في الصحيحه حديث 198- 1/1/383ولأبى سلمة الجهنى ترجمة في التاريخ الكبير للبخارى ولم يذكر فيه جرحا –التاريخ الكبير 9/39)
– وأما توحيد الصفات فيقتضى الإيمان بها بلا تعطيل أو تشبيه بالحوادث وتفويض علم كيفيتها لله تعالى فهو تعالى أعلم بنفسه منا ، و الإيمان بعدم وجود صفتين لله تعالى من جنس واحد كقدرتبن و إرادتين
– وأما توحيد الأفعال فمعناه عدم وجود فعل لأحد غيره يشبه فعله تعالى قال تعالى ( ليس كمثله شئ وهو السميع البصير ) سورة الشورى : 11 .(الإيمان أركانه ، حقيقته ، نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين ص 10،11 ويراجع : عقيدة المؤمن للشيخ أبي بكر الجزائري ص 78 كما يراجع مذكرات في التوحيد للأستاذ الشيخ محمود أبو دقيقة رحمه الله ص 71،72ويراحع أيضا : عقيدتنا للأستاذ الدكتورمحمد ربيع الجوهري 1/ 129 )
وقال تعالى ( قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد ) .
وكلمة التوحيد ( لا إله إلا الله ) متضمنة لجميع أنواع التوحيد ، لأن معناها توحيد الله في ألوهيته الذى يتضمن توحيد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته ( الإيمان أركانه ، حقيقته ، نواقضه للدكتور محمد نعيم ياسين ص:11 ).
(*)الحديث : رواه الإمام البخارى بلفظه في صحيحه بسنده عن أبى هريرة ك/ التوحيد باب: إن لله مائة إسم إلا واحدة ، ومعنى أحصاها أى حفظها وآمن بها وعمل بما فيها { والإحصاء قد يكون بالقول وقد يقع بالعمل فالذى بالعمل أن لله أسماء يختص بها كالأحد والمتعال والقدير ونحوها فيجب الإقرار بها والخضوع عندها ، وله أسماء يستحب الاقتداء بها في معانيها : كالرحيم والكريم والغفور ونحوها يستحب للعبد أن يتحلى بما فيها ليؤدى حق العمل بها فبهذا يحصل الإحصاء العملى ، وأما الإحصاء القولى بجمعها وحفظها والسؤال بها … } فتح البارى 13 / 389 ، 390 والحديث رواه البخارى أيضاً بمعناه في كتاب الدعوات عنه باب لله مائة إسم غير واحدة حديث رقم 6410 – الفتح 11 / 218 ، ورواه الإمام مسلم بلفظه عنه ك/ الذكر والدعاء باب الحث مع ذكر الله تعالى صحيح مسلم بشرح النووى 17 / 625.
ورواه الإمـام الـتـرمـذى في سـننه عنه ك/ الذكر والدعاء باب 83 – ح 3506 - 5 /496 كـمـا رواه ابن ماجة في السنن عنه حديث 3860 - 2 / 1269 ورواه الترمذى في السنن عنه وفيه ذكر الأسـمــاء حديث 3507 وقال هذا حديث غريب حدثنا به غير واحد عن صفوان بن صالح ولانعرفــه إلا مــــن حديثه وهو ثقة عن أهل الحديث وقد روى الحديث من غير وجه عن أبــى هريرة عن النبي ، ولانعلم في كثير شيئ من الروايات له إسناد صحيح ذكر الأسماء إلا في هذا الحديث ، ورواه ابن ماجة أيضاً عنه ح 3861 من طريق موسى بن عقبة عن الأعرج به نحوه وقال في الزوائد لم يخرج أحد من أئمة السنة عدد أسماء الله الحسنى من هذا الوجه ولامن غيره : غير ابن ماجة والترمذى مع تقديم وتأخير في الأسماء ، وطريق الترمذى أصح شيئ في الباب وإسناد ابن ماجة ضعيف لضعف عبدالملك بن محمد . وأخرجه الحاكم في المستدرك على الصحيحين وقال هذا حديث قد خرجناه في الصحيحين بأسانيد صحيحة دون ذكر الأسامى فيه ولم يذكرها غيره وليس هذا بعلة فإنى لأعلم اختلافاً بين أئمة الحديث أن الوليد بن مسلم أوثق وأحفظ وأعلم وأجل من أبى اليمان وبشر بن شعيب وعلى بن عياش وأقرانهم من أصحاب شعيب 0 المستدرك 1 / 16 – وأخرجه ابن حبان من طريق الحسن بن سفيان وغيره عن صفوان بن صالح به نحوه حديث 2384 كما في الإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ، وقال ابن كثير والذى عول عليه جماعة من الحفاظ أن سرد الأسماء في هذا الحديث مدرج فيه – تفسير القرآن العظيم لابن كثير 2 / 69 ، وكذا رجح الحافظ ابن حجر أن سرد الأسماء مدرج في الحديث – الفتح 11 / 219 .
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات