اقتباس

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة عادل يوسف
الآية 88 من سورة النمل والتي هي دليل البعض على دوران الأرض.فأيـن نضع هذه الآية؟ ألـيس مناسباً أن نضعها هنا لتتساوى آيات الجبال في الدنيا مع آيات الجبال في الآخرة.وليس فقط لتتساوى الآيات بل إن هذه الآية توسطت مشهدا من مشاهد يوم القيامة.بدأ المشهد بقوله تعالى وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّور وانتهي المشهد بقوله تعالى هَلْ تُجْزَوْنَ إلا مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ كذلك ورد بهذه الآية فعل للجبال تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ وكذلك بقية آيات الجبال في اليوم الآخر فقد نسب للجبال فعلا في جميع الآيات دون استثناء.
(نسير الجبال ـ ينسفها ـ تسير ـ بست ـ دكت ـ تكون ـ ترجف ـ نسفت سيرت ـ تكون ـ سيرت ـ تمر) أثنى عشر فعلا كلها حركة تختلف إحداها عن الأخرى، ما بين البس وهو التقطيع والتفتيت، والرجف والدك والنسف والسير والمرور...
بينما لا نجد للجبال في الاثنتى عشرة آية التي تتحدث عنها في الدنيا أي فعل، فلم ينسب ربنا فعلا واحداً للجبال، حتى في قوله والْجِبَالَ أَرْسَاهَا فالهاء هنا تعود على الأرض أي أنه تعالى أرسى الأرض بالجبال.
وقد عرضت الآية 88 بنفس الصورة التي عرضت بها عدة آيات تعرض مشاهد للجبال في اليوم الآخر.كمثل الآية 105 سورة طه: يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقًا (102) يَتَخَافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إلا عَشْرًا (103) نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طـَرِيقَةً إِنْ لَبِثْتُمْ إلا يَوْمًا (104) وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا.
وبنفس العرض تأتى الآية 88 من سورة النمل: وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
وكما هو واضح من سياق الآية لكل ذي عقل سليم أن الآية التي يستدل بها بعض علماء المسلمين على دوران الأرض لا شأن لها بذلك.
وقد اتفقت كل التفاسير لعلماء ما قبل عصر الإلحاد و أجمع المحدثون والفقهاء أن هذه الآية تخبر عن يوم القيامة، والأمر لا يكون إلا كذلك، وإلا لتناقضت آيات الله من الثبات للحركة.وقد وردت بسورة النمل آيتان للجبال آية تتحدث عن جبال الدنيا والأخرى التي نحن بصددها.ولم تجمع سورة كلا النوعين إلا هذه السورة وسورة النبأ التي يقول تعالى فيها أَلَمْ نَجْعَلِ الأرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا وفي نفس السورة يقول تعالى: يَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا (18) وَفُتِحَتْ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا (19) وَسُيِّرَتْ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا.
أما سورة النمل فقد ذكرت جبال الدنيا في قوله تعالى: أَمَّنْ جَعَلَ الأرْضَ قَرَارًا وَجَعَلَ خِلالَهَا أَنْهَارًا وَجَعَلَ لَهَا رَوَاسِيَ (النمل:61) يقول" سيد قطب" عـن هذه الآية" والرواسي الثابتة تقابل الأنهار الجارية في المشهد الكوني الذي يعرضه القرآن هنا والتقابل التصويري ملحوظ في القرآن.وهذا واحد منه.لذلك يذكر الرواسي بعد الأنهار".
أما عن الآية الأخرى في نفس السورة فيقول" سيد قطب":
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَــوَاتِ وَمَنْ فِي الأرْضِ إلا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ: ويصاحب الفزع الانقلاب الكوني العام الذي تختل فيه الأفلاك، وتضطرب دورتها ومن مظاهر هذا الاضطراب أن تسيير الجبال هذا يتناسق مع ظل الفزع الأكبر.ويتجلى الفزع فيه وكأنما الجبال مذعورة مع المذعورين".
هذا التفسير ورد بكتاب" في ظلال القرآن" وهو من التفاسير المؤلفة بعد عصر النهضة ولم يفلت صاحبه من تأثير هذا العصر، وإن كان أقلهم تأثيرا، لذلك كان من القلائل الذين عصمهم الله من التقول عليه بما لم يقله تعالى في هذه الآية.
أما تفسير المنتخب فقد علق مؤلفوه على الآية بالآتي:
" تقرر الآية الكريمة أن جميع الأجسام التي تخضع للجاذبية الأرضية مثل الجبال والبحار والغلاف الجوى.. الخ، تشترك مع الأرض في دورتها اليومية حول محورها ودورتها السنوية حول الشمس ولكن هذه الدورة لا تدرك فهي مثل حركة السحاب في الجو يراها الناظرون بعيونهم ولكن لا يسمعون صوتها أو يلمسونها وإن إيراد هذه الحقائق العلمية على لسان النبي - التي لم تكن قد وصلت إلى علمه - دليل على أنها موحى بها من عند الله".
تحويل الجبال إلى سحاب
إن تفسير الآية بمثل ما قال به مؤلفو" المنتخب" يخرج مدلول الآية عن مراد الله وتعطيل للمعني الصحيح الذي في هذه الآية بإخفائه، وهذه الآية من أعجب الآيات وفيها دليل على قدرة الله العظيمة، وإتقان الله في صنع الأشياء إذ تتحول السحب إلي جبال وهو أمر يتكرر في الأرض كل يوم، أما في اليوم الآخر فستتحول كل جبال الدنيا إلي سحاب وهو أمر لن يحدث إلا مرة واحدة.
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ.
وَتَرَى إنه خطاب لكل منا على حده، فرغم هول الموقف وجلال الأمر والقلق على المصير، فان كلا منا سيرى هذه الآية، بل إن عرضها أمامنا سيكون كأن كلا منا وحده المعني بها وكأنها معروضة له وحده.
الْجِبَالَ والرؤية ستكـون للجبال وليس لغيرها، والجبال ليست كما يقول مفسرو العصر إن الأمر ينطبق على الجبال والبحار والغلاف الجوى... الخ بل إن الجبال وحدها هي المعنية.
تَحْسَبُهَا أي تظنها، والكلمة بهذا الشكل تَحْسَبُهَا لم ترد في كل القرآن إلا هنا.
جَامِدَةً لقد فسرها المفسرون بمعني: قائمة ثابتة، ولكن المعني أدق من ذلك، فمعني جـامدة: أي صلبة، وليس معناها ثـابتة وإلا لقال تـعالى (ثابتة) ولكنه قـال جَامِدَةً أي تحسبها في الحالة الأولى للمادة، ونحن نعرف أن للمادة ثلاث حالات جامدة، وسائلة، وغازية.ونعرف أن جزيئات المادة (الجامدة) أقوي ترابطا من غيرها، ومسافتها البينية أقل من غيرها، وحركة هذه الجزيئات أقل حركة بالنسبة لغيرها من جزيئات السائل أو الغاز.والجبال من المعلوم أنها تندرج تحت الحالة الأولى للمادة، وهذا العلم بحال الجبال لا يخفى حتى على الأمي.
لذلك سنخطئ جميعا في ظنننا بحال الجبال يوم القيامة إذ أننا سنظنها بحالتها التي عهدناها وعرفناها بها، أي جامدة بمعني صلبة وليس بمعني ثابتة لأنه مستحيل أن تنخدع البشرية كلها بالظن في المتحرك أنه ثابت، فهذا الأمر لا يمكن تصوره ولا الخطأ فيه خاصة والله تعالى يخبر وفي آيات كثيرة أنها تتحرك وتسير يوم القيامة، ولن ننخدع في ذلك لإخبار الله لنا وللرؤية البصرية.ولكن من الممكن أن تنخدع حواسنا جميعا في حالة المادة فنظن السائل صلباً والصلب سائلاً، أو الغاز سائلاً والسائل غازاً وهكذا وكثيرا ما يحدث ذلك لنا.
وكما ذكرنا ستتحول الجبال إلى سحاب، أي تتحول من أول حالات المادة وهي الصلبة، إلى أخر حالاتها وهي الغازية، مروراً بالحالة الثانية وهي السائلة.كيف؟
إن مراحل تحول الجبال إلى سحاب لم يتركها القرآن ليستنتجها العالمون، ولكن ذكر الله تعالى مراحل التحول بدقة شديدة، ومرحلة مرحلة، وكأننا نراها رأى العين فإن الله تعالى سيحمل الجبال ويدكها دكاً وَحُمِلَتْ الأرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً (الحاقة:14).وسيرج الله الأرض بما عليها رجا، فتتفتت منها الجبال وَبُسَّتْ الْجِبَالُ بَسًّا (الواقعة:5) أي تكون قطعا ، ويرجف الله الأرض والجبال، فتصبح الجبال كالرمل السائل الذي يهال كَثِيبًا مَهِيلا (المزمل:14) وينسف الله الجبال نسفا حتى تكون الرمال المهيلة كالصوف المنفوش بتحول الرمال إلى ذرات دقيقة من الغبار كأنها غاز، وفي هذه الحالة ستسيرها الرياح، وستصعد بها فوق الخلائق الذين ينظرون ويحسبون أنها جامدة، بينما هي أصبحت سحابا فوق رءوسهم وبذلك تكون الجبال قد تحولت من الحالة الصلبة أي الجامدة إلي الحالة الغازية بقدرة الله تعالى. وكلمة جَامِدَةً لم ترد أيضا في القرآن إلا مرة واحدة هي هذه المرة.
وَهِيَ تَمُرُّ إنها أيضا كلمة وحيدة بهـذا الشكل تَمُرُّ فلم تذكر في كل القرآن إلا هنا فقط، مثلها مثل كلمة جامدة غير أن الثانية لم تذكر بمادتها كلها (جمد) في القرآن كله إلا هنا.ومعنى تمر أي تسير، ولكن قد ذكر أكثر من مرة أن الجبال تسير.. في أربع آيات إذن فالمرور هنا غير السير، وغير الدوران الذي يريد علماء العصر أن يحملوه على الآية، فالمرور لا يعنى أبدا مجرد السير، وإنما معناه مجاوزة شيء ما. ولو فسرت الآية باللهجة العامية المصرية، فيكون معناها: تفوت، أو تعدى، أو تخطى. أي أنها تتخطى الناس منتقلة من مكان إلى آخر. وهذا هو معنى المرور فهـو مسألة وقتية مكانية، كقـوله تعالى: أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قـَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ (البقرة:259) وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلـَّمَا مـَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ (هود:38) وَإِذَا مَرُّوا بِهِمْ يَتَغَامَزُونَ (المطففين:30)
ومَرَّ هنا في الآيات فعل. أما مَرَّ في هذه الآية فاسم مَرَّ السَّحَابِ إن هاتين الكلمتين في كل القرآن الكريم اللتين تفسران حدثا فريداً لا ولم يحدث في الكون إلا مرة واحد لم تفسره إلا هذه الآية وبالذات هاتين الكلمتين.
مَرَّ السَّحَابِ ذكرنا أن الجبال تحولت بالدك والرج والبس والنسف والرجف إلى سحاب وكأي سحاب ينشأ من الأرض بالرياح، ثم يتحرك السحاب إلى حيث يشاء الله.وبوصوله لما يريد الله ينزل مرة أخرى موزعا على الأرض.فإن هذا ما سيحدث للجبال تماماً فبعد تحولها إلى السحاب تمر فوق رءوس الخلائق، يحسبونها جامدة وهي سحاب، تمر مر السحاب من فوقهم وبعد أن تتخطاهم تنزل إلى الأرض مرة أخرى، ولكن ليس كجبال بل ذرات دقيقة من التراب تسوى بها الأرض.
صُنْع هذه أيضا لم تذكر في القرآن إلا مرة واحدة هي هذه.والصناعة تعنى العمل وتحديداً تحويل المادة من حالة إلى حالة، أو تغير شكلها، وهو المفهوم حتى الآن لمعنى الصناعة، وهو المعنى الذي يرد في أي آية بها مادة (صنع) وَيَصْنَعُ الْفُلْك أي يحول الخشب الخام إلى بناء سفينة.فكذلك تحول الجبال من الحالة الجامدة إلى حالة تشبه الغازية حتى أنها لتسير وتعلو كسحاب.فهي صناعة لا يقدر عليها إلا الله.وهو تعالى القادر على كل شيء.
الَّذِي أَتْقَن وهذه الكلمة أيضا لم ترد إلا مرة واحدة في القرآن كله هـي هذه يقول :" إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه" وهو سبحانه الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ وما حولنا من الخلق لا يقدر على إتقانه إلا الله القادر الحكيم، وما أغبى وما أظلم من يقول بأن الكون تكون بالانفجار والدمار، والمصادفة هي التي أتت بهذا الإتقان البديع. وإن كان تعالى قد أتقن كل شيء إلا أن هذه الكلمة لم ترد إلا في هذه الآية التي تتحدث عن تحويل الجبال إلى سحاب وهي حادثه لن تحدث إلا مرة واحدة في الدنيا والآخرة.لذلك جاءت معظم كلمات الآية مرة واحدة في القرآن هذه الكلمات هي:
1- تحسبها 2- جامدة 3- تمر 4- مر (كاسم) 5- صنع 6- أتقن.
فجاءت ست كلمات لأول مرة ولآخر مرة في آية واحدة لتدل على أنه حدث فريد في الدنيا والآخرة.
..[/COLOR][/FONT][/SIZE]
للرد ننقل ما كتبه الأخ الكريم أ. السيف البتار
الحمد لله الذي جعل الليل لباسا، والنوم سباتا، والنهار نشورا. الحمد لله الأبدي السابق القوي الخالق، الوفي الصادق، لا يبلغ كنه مدحه الناطق، ولا يعزب عنه ما تجن الغواسق، فهو حي لا يموت ودائم لا يفوت، وملك لا يبور، و عدل لا يجور، عالم الغيوب وغافر الذنوب وكاشف الكروب وساتر العيوب، دانت الأرباب لعظمته، وخضعت الصعاب لقوته، وتواضعت الصلاب لهيبته، وانقادت الملوك لملكه، فالخلائق له خاشعون، ولأمره خاضعون، وإليه راجعون، تعالى الله الملك الحق، لا إله إلا هو رب العرش الكريم، اصطفى محمدا صلى الله عليه وسلم من خلقه، واختاره لنبوته، وأيده بحكمته، وسدده بعصمته، أرسله بالحق بشيرا برحمته، ونذيرا بعقوبته، مباركا على أهل دعوته، فبلغ ما أرسل به، ونصح لأمته، وجاهد في ذات ربه، وكان كما وصفه ربه عز وجل رحيما بالمؤمنين، عزيزا على الكافرين، صلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ (86) وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ (87) وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ (88)
[النمل86-88]
تقول :
حضرتك تقصد السورة أم الآية ؟
فلو كان المقصود بأن السورة تصف احداث نهاية الزمن فقط فهذا خطأ ، وإن كان المقصود بأن الآية تصف يوم القيامة فقط فهذا خطأ آخر ، وإن كان المقصود أن الآيات تصف يوم القيامة فقط فهذا خطأ ثالث .
يا أستاذ / حيران
الجميع عندما يسمعون لكلام شخص مثل زكريا بطرس وأتباعه الذي ينفقون ملايين الدولارات لمحاربة الإسلام فقط تصادفهم مشكلة وهي أنهم لا يملكون ملكة اللغة العربية وعدم الإلمام بلغة القرآن وأساليب العرب .
دعنا نلقي نظرة مُصغرة للآيات التي سبقت الآيات التي نحن بصددها الآن .
وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِن كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِّمَّن يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ (83) حَتَّى إِذَا جَاؤُوا قَالَ أَكَذَّبْتُم بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ (84) وَوَقَعَ الْقَوْلُ عَلَيْهِم بِمَا ظَلَمُوا فَهُمْ لَا يَنطِقُونَ (85).. النمل
فهذه الآيات تصف لنا وقوع العذاب الشديد على التابع والمتبوع يوم القيامة للذين كذبوا بآيات الله لهذا وجب لهم العذاب بما كفروا فخرست ألسنتهم من هول ما رأواْ .
ثم نجد بالآية التالية وهي 86 تقول :
أَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِيَسْكُنُوا فِيهِ وَالنَّهَارَ مُبْصِرًا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ
وبهذه الآية نجد أن السياق انتقل من الكلام عن الآخرة إلى آية كونية ، وهذه سمات أسلوب القرآن ، حيث يراوح بين الدعوة إلى الإيمان وبين الآيات الكونية ، فبعد أن حدثنا الله جل وعلا عن الآخرة ذكر هذه الآية الكونية ، وكأنه يقول لنا : لا عُذْر لمن يُكذِّب بآيات الله ؛ لأن الآيات موجودة مشاهدة .
ثم بالآية 87 يعود السياق مرة أخرى إلى الحديث عن القيامة فيقول الله سبحانه وهو أصدق القائلين :
وَيَوْمَ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَن شَاء اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ
وكأن الله تعالى يقول لنا : ألتفت إلى العبرة في الآيات الكونية ، حيث ستنفعك في يوم آت هو يوم القيامة الذي فيه يُنزع كل شيء تملكه وكل قدرة لك على ما تملك حتى جوارحك لا قدرة لك عليها .
ثم في الآية 88 ينتقل السياق القرآني بنا مرة أخرى إلى آية كونية .
وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ
وهنا نأتي لقول :
فهل الجبال خاصة بنفسها كالشمس والقمر والكواكب أم أنها مرتبطة بالأرض ؟
ألم يقل الله عز وجل : أَلَمْ نَجْعَلِ الْأَرْضَ مِهَادًا (6) وَالْجِبَالَ أَوْتَادًا (7)
والأوتاد جمع وتد و هو المسمار إلا أنه أغلظ منه كما في المجمع
وقول الحق سبحانه : تَحْسَبُهَا جَامِدَةً .... أي : تظنها ثابته ، وتحكم عليها بعدم الحركة ؛ لذلك نسميها الرواسي والأوتاد ، (وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ) أي : ليس الأمر كما تظن ؛ لأنها تتحرك وتمر كما يمر السحاب ، لكنك لا تشعر بهذه الحركة ولا تلاحظها لأنك تتحرك معها بنفس حركتها .
وهَبْ أننا نجلس أنا وأنت داخل مبنى ، وأنت أمامي وأنا امامك ، وكان هذا المبني على رحاية أو عجلة تدور بنا ، أيتغير وضعنا وموقعنا بالنسبة لبعضنا البعض ؟ .... بالطبع لا
إذن : لا تستطيع أن تلاحظ هذه الحركة إلا إذا كنت أنت خارج الشيء المتحرك ، ألا ترى أنك حين تركب القطار مثلاً ترى أن أعمدة التليفون أو الكهرباء هي التي تجري وأنت ثابت .
ولأن هذه الظاهرة عجيبة سيقف عندها الخَلْق يزيل الله هذا العجب ، فيقول : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) يعني : أن كل خَلْق عنده بحساب دقيق مُتقَن .
ولكن البعض فهم الآية على أن مر السحاب سيكون في الآخرة ، واستدل بقول الحق (وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ ) .. سورة القارعة ، وقد جانبه الصواب لأن معنى (كَالْعِهْنِ الْمَنفُوشِ) .. انها ستتفتت وتتناثر ، لا أنها تمر ، وتسير هذه واحدة ، والأخرى أن الكلام هنا مبني على الظن (تَحْسَبُهَا جَامِدَةً) وليس في يوم القيامة ظن ، لأنها قامت فكل أحداثها متيقنة .
ثم أن السحاب لا يتحرك بذاته ، وليس له موتور يُحركه ، إنما يُحركه الهواء ، كذلك الجبال حركتها ليست ذاتية فيها ، فلم نر جبلاً تحرك من مكانه ، فحركة الجبال تابعة لحركة الأرض ، لأنها أوتاد عليها ، فحركة الوتد تابعة للموتود فيه .
لذلك لما تكلم الحق – سبحانه وتعالى – عن الجبال قال : (وَأَلْقَى فِي الأَرْضِ رَوَاسِيَ أَن تَمِيدَ بِكُمْ)
ولو خُلقت الأرض على هيئة السكون ما احتاجت لما يُثبتها ، فلا بد أنها مخلوقة على هيئة حركة .
في الماضي وقبل تطور العلم كانوا يعتقدون في المنجمين وعلماء الفلك الكفرة أنهم يعلمون الغيب ، أما الآن وقد توصل العلم إلى قوانين حركة الأرض وحركة الكواكب الأخرى في المجموعة الشمسية واستطاعوا حساب ذلك كله بدقة مكنتهم من معرفة ظاهرة الخسوف والكسوف مثلاً ونوع كل منها ووقته وفعلاً تحدث الظاهرة في نفس الوقت الذي حددوه لا تتخلف .
واستطاعوا بحساب هذه الحركة أن يصعدوا إلى سطح القمر ، وأن يُطلقوا مركبات الفضاء ويُسيروها بدقة حتى إن إحداها تلتحم بالأخرى في الفضاء الخارجي .
كل هذه الظواهر لو لم تكن مبنية على حقائق مُتيقنة لأدتْ إلى نتائج خاطئة وتخلفتْ .
ومن الأدلة التي تثبت صحة ما نميل إليه في معنى حركة الجبال ، أن قول الله جل وعلا : (صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ) ، امتنان من الله تعالى بصنعته ، والله لا يمتن بصنعته يوم القيامة ، إنما الامتنان علينا الآن ونحن في الدنيا .
أسأل الله جل وعلا الذي خصنا بخير كتاب أنزل، وأكرمنا بخير نبي أرسل، ومنّ علينا بأعظم دين شرع، وجعلنا به خير أمة أخرجت للناس أن أكون قد وفقت في رفع الغمامة التي أحاطت بك حول الإدعاءات الكاذبة ضد الله ورسوله وما أُنزل عليه وهو القرآن الكريم .
والسلام على من اتبع الهدى
التعديل الأخير تم بواسطة وا إسلاماه ; 29-07-2009 الساعة 12:48 PM
سبب آخر: إصلاح تمديد الصفحة
( يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة )
ثم وصف تعالى ذكره نفسه بأنه المتوحد بخلق جميع الأنام من شخص واحد ، معرفا عباده كيف كان مبتدأ إنشائه ذلك من النفس الواحدة ، ومنبههم بذلك على أن جميعهم بنو رجل واحد وأم واحدة وأن بعضهم من بعض ، وأن حق بعضهم على بعض واجب وجوب حق الأخ على أخيه ، لاجتماعهم في النسب إلى أب واحد وأم واحدة وأن الذي يلزمهم من رعاية بعضهم حق بعض ، وإن بعد التلاقي في النسب إلى الأب الجامع بينهم ، مثل الذي يلزمهم من ذلك في النسب الأدنى وعاطفا بذلك بعضهم على بعض ، ليتناصفوا ولا يتظالموا ، وليبذل القوي من نفسه للضعيف حقه بالمعروف على ما ألزمه الله له (تفسير الطبرى)
المفضلات