4-وبما أن الكافر صاحب الشبهة استدل برواية مسلم فها نحن نمسك بروايات الباب جميعها عند مسلم والتي تدل على هذا المعنى (أن المقصود هو ماء الوضوء وليس الماء بعمومه) وهي ما يلي:
أ‌)الرواية الأولى في الباب: حدثنا ‏يحيى بن يحيى التميمي‏ ‏وأبوالربيع الزهراني ‏قال ‏يحيى ‏أخبرنا ‏حماد بن زيد ‏وقال ‏أبو الربيع ‏حدثنا ‏حماد ‏عن ‏ ‏عمرو بن دينارعن ‏سعيد بن الحويرث عن ‏ابن عباس: "‏أن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏خرج من الخلاء فأتي بطعام فذكروا له الوضوء. فقال: ‏أريد أن أصلي فأتوضأ."‏وهنا في هذه الرواية يظهر جليا ً أن المقصود من هذا الباب هو إجازة الأكل للمحدث قبل الوضوء ، وهو من باب التيسير على الأمة ، والروايات تؤيد بعضها بعضا ً ، وتفضي إلى هذا المعنى.
ولذلك قيل في هذه الرواية: (‏أن النبي ‏صلى الله عليه وسلم ‏خرج من الخلاء فأتي بطعام) ، وليس معنى خرج من الخلاء أنه خرج مباشرة من قضاء الحاجة إلى الطعام دون فاصل والدليل على ذلك من حياتنا اليومية.
فلو قلت مثلا ً أنا ذاهب للحمام لأقضي حاجتي وخرجت ، ماذا يقال عني إذا سأل أحد الناس عني؟ يقال فلان في الحمام ثم خرج منه.
طيب ، إذا خرجت للطعام بعد دخولي للحمام ، ماذا سيقال؟
دخل الحمام ثم خرج للطعام. أليس كذلك؟

طيب! هل هذه الجملة تنفي غسل يدي داخل الحمام ، لا بل وليس غسل الأيدي فحسب وإنما غسل الأيدي والإستنجاء وما شئت فعله كله يدخل تحت جملة (كان في الخلاء).
أما إذا خرجت للوضوء سيقال فلان قام يتوضأ لأن فعل الوضوء من تشمير للثياب وخلع للحذاء وغيرها ولذلك لا يقال شمر ثيابه وخلع حذائه وقام يتوضأ إذ ان هذا تكرار غريب لا يقال ، كذلك ما يقتضيه فعل قضاء الحاجة ، فلن يقال فلان دخل الخلاء وخلع ثيابه وأنزل بنطاله وجلس ليقضي حاجته ثم استنجى بماء ثم قام ليغسل يديه ثم خرج!! أكل هذا يقال في الحقيقة أم فقط يقال: لقد ذهب إلى الحمام؟!!
فالشبهة قائمة على الغباء ولا تقوم إلا بهذا فعلا. أليس مضحكا ً ما يريدون؟
وخلاصة القول في هذه الرواية كما قلنا ، هي أن الباب كان معنيا ً بأن لا يجب على المرء أن يتوضأ قبل الشروع في الأكل بعد قضاء حاجته (كما قلنا ليس معنى قضاء الحاجة الذهاب مباشرة دون غسل اليد) وإن كان صاحب الشبهة ينظر هذا فلماذا لم ينتظر القول: (أنه لبس ثيابه ثم شرع في الطعام) ، أليس خلع الثياب من أفعال قضاء الحاجة أم أن صاحب الشبهة يقضي حاجته في سرواله؟!!!

ب‌)الرواية الثانية في الباب:‏ ‏وحدثنا ‏‏أبو بكر بن أبي شيبة ‏حدثنا ‏سفيان بن عيينة ‏عن ‏عمرو ‏عن ‏ ‏سعيد بن الحويرث ‏سمعت ‏ابن عباس ‏يقولا ‏: "كنا عند النبي ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏فجاء من ‏الغائط ‏وأتي بطعام فقيل له ألا توضأ فقال:‏ ‏لم‏ ‏أأصلي فأتوضأ."تؤيد تلك الرواية ما قلناه سابقا ً وتؤكد على المعنى المذكور وهو عنوان الباب ، إلا أنه قد جاءت هنا بلفظ (جاء من الغائط) بدلا ً من (خرج من الخلاء) وكلها بمعنى ومقصود واحد.

ج) الرواية الثاثة في الباب: وحدثنا يحيى بن يحيى أخبرنا محمد بن مسلم الطائفي عن عمرو بن دينار عن سعيد بن الحويرث مولى آل السائب أنه سمع عبد الله بن عباس قال: "ذهب رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى الغائط فلما جاء قدم له طعام ، فقيل: يارسول الله ألا تتوضأ؟ قال:"لم أللصلاة؟"وواضح وضوح الشمس كلمة (ذهب إلى الغائط) ثم قيل (فلما جاء) .. كما قلنا يذهب الواحد منا لقضاء حاجته ويجئ ولا يقال إلا أنه ذهب لقضاء حاجته لا أكثر ، لا استنجى ولا خلع ثيابه ولا لبس ثيابه ولا غسل يديه إذ أن كل هذا بديهي إلا على المحرومين من نعمة العقل!


ومن هنا ، تأتي الرواية الرابعة والأخيرة في الباب التي اقتبسها السائل عن جهل أو علم! بل ويقتطع منها لكي يضلل العامة من القراء الذين لا عهد لهم بكتب الحديث ولا يعلمون في الكتب إلا الإقتطاع دون فهم ولا وعي ، ولا يفهمون أن نفس الحديث يأتي بألفاظ متشابهة كلها تؤدي إلى نفس المعنى ، وخصوصا ً أن القائل واحد في كل الأحاديث وهو المروي عنه وهو سيدنا عبد الله بن عباس رضي الله عنهما. فكيف يقصد شئ ويقصد شئ آخر في نفس الواقعة ونفس الحديث مع تعدد الروايات المنقولة عن عبد الله بن عباس؟!

فلو فتح الباب فقط لعلم المراد من كلمة (لم يمس ماء) ولو أكمل الرواية إلى آخرها لعلم ذلك أيضا ً . ولكن ما نقول إنه الجهل! إنه العمى!

ونفس الكلام ينطبق على رواية أبي داود (والتي استدل بها صاحب الشبهة ولا أعلم لماذا! أا يعلم أنها تنقض شبهته أصلا؟ هذا الجاهل!) وجاء فيها: حدثنا ‏ ‏مسدد ‏ ‏حدثنا ‏ ‏إسمعيل ‏ ‏حدثنا ‏أيوب عن ‏عبد الله بن أبي مليكة ‏عن ‏عبد الله بن عباس‏: "أن رسول الله ‏ ‏صلى الله عليه وسلم ‏خرج من الخلاء فقدم إليه طعام فقالوا: ألا ‏نأتيك بوضوء؟ فقال: ‏"إنما أمرت بالوضوء إذا قمت إلى الصلاة ."فقال صاحب عون المعبود في شرح سنن أبي داود في تعليقه على الحديث:
(فَقَالَ إِنَّمَا أُمِرْت): أي وجوبا ً ، (بِالْوُضُوءِ): أي بعد الحدث.وغيرها في كتب السنة الكثير.
وهذا هو كل ما قلناه وبيناه وأشرنا إلى المقصد منه.

قال الإمام عبد البر رحمه الله: ((وحدثنا سعيد بن نصر وعبد الوارث بن سفيان، قالا : حدثنا قاسم بن أصبغ، قال: حدثنا محمد بن إسماعيل، قال: حدثنا الحميدي، حدثنا سفيان، عن عمرو، قال: سمعت سعيد بن الحويرث، يقول: سمعت ابن عباس، يقول :كنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج من الغائط فأتي بطعام ، فقيل له: ألا تتوضأ، فقال: أأصلي فأتوضأ.
ورواه أيوب وحماد بن زيد ، وغيرهما، عن عمرو بن دينار بإسناده مثله، قالوا: ففي هذا الحديث أن الوضوء لا يكون إلا لمن أراد الصلاة. وفي ذلك رفع للوضوء عند النوم وعند الأكل.))
انتهى. (3)

وأخيرا ً نورد قول الإمام النووي في شرحه على صحيح مسلم في هذا الباب ما يلي: ((و( أَأُصَلِّي ) وبإثبات الياء في آخره وهو إستفهام إنكار ، ومعناه الوضوء يكون لمن أراد الصلاة ، وأنا لا أريد أن أصلي الآن والمراد بالوضوء الوضوء الشرعي.)) انتهى. (4)



يــــتــبــــــــــع .........