اقتباس
لهدا أظن على الإنسان أن يرمي وراء ظهره كل التفاسير التي أعطيت ويبدأ في تدبر القرآن بعقله هو وإلا فكيف يمكن للإنسان تدبر القرآن وهو يعلم مسبقا معني الآيات الكريمة.فقد أنزل الله تعالى القرآن الكريم على كل إنسان وأعطى محمد عليه الصلاة والسلام الحديث ليساعد الإنسان على تدبر القرآن فأظن على كل إنسان أن يستعمل عقله لا عقول الآخرين وأن يقول ما لديه لا ما يقوله الآخرون.
لا يا أخي الكريم لا يمكن أن نلقي كلام الآخرين وراء ظهورنا ونُعمل عقولنا وقد بينت لك خطورة ذلك فإن كان ولا بد فينبغي على المقدم على تفسير القرآن أن يتحلى بالآتي حتى تكون لديه الملكة والقدرة على معرفة مراد الله عز وجل :
كما ذكر أبو حيان الأندلسي في تفسيره البحر المحيط وأورده لكم مختصرا :
قال :
فلنذكر ما يحتاج إليه علم التفسير من العلوم على الاختصار وننبه على أحسن موضوعات التي في تلك العلوم المحتاج إليها فيه فنقول النظر في تفسير كتاب الله تعالى يكون من وجوه :
الوجه الأول :
علم اللغة أسماً وفعلاً وحرفاً الحروف لقلتها تكلم على معانيها النحاة فيؤخذ ذلك من كتبهم أما الأسماء والأفعال فيؤخذ ذلك من كتب اللغة .
الوجه الثاني :
معرفة الأحكام التي للكلم العربية من جهة إفرادها ومن جهة تركيبها ويؤخذ ذلك من علم النحو .
الوجه الثالث :
كون اللفظ أو التركيب أحسن وأفصح ويؤخذ ذلك من علم البيان والبديع .
الوجه الرابع :
تعيين مبهم وتبيين مجمل وسبب نزول ونسخ ويؤخذ ذلك من النقل الصحيح عن رسول الله عليه الصلاة والسلام وذلك من علم الحديث وقد تضمنت الكتب والأمهات التي سمعناها ورويناه ذلك « كالصحيحين » و « الجامع للترمذي » و « سنن أبي داود » و « سنن النسائي » و « سنن ابن ماجة » و « سنن الشافعي » و « مسند الدارمي » و « مسند الطيالسي » و « مسند الشافعي » و « سن الدار قطني » و « معجم الطبراني الكبير » و « المعجم الصغير له » و « مستخرج أبي نعيم » على مسلم وغير ذلك .
الوجه الخامس :
معرفة الإجمال والتبيين والعموم والخصوص والإطلاق والتقييد ودلالة الأمر والنهي وما أشبه هذا ويختص أكثر هذا الوجه بجزء الأحكام من القرآن ويؤخذ هنا من أصول الفقه .
الوجه السادس :
الكلام فيما يجوز على الله تعالى وما يجب له وما يستحيل عليه والنظر في النبوة ويختص هذا الوجه بالآيات التي تضمنت النظر في الباري تعالى وفي الأنبياء وإعجاز القرآن .
الوجه السابع :
اختلاف الألفاظ بزيادة أو نقص أو تغيير حركة أو إتيان بلفظ بدل لفظ وذلك بتواتر وآحاد .
ربما أحد الإخوة الأن يأس من تفسير القرآن وقال أن ذلك رجع بعيد فأقول لهم إنما يُغنيكم عن كل ذلك النظر في تفاسير علمائنا ممن كان قبلنا والتدرج فيها وتعلمها حتى تصير عندنا ملكة في فهم مراد الله لا أن نرميها وراء ظهورنا مثلما قال أخونا الفاضل .
وليس معنى ذلك أننا نلغي عقولنا لكي نفهم بعقول الآخرين , لا بل إننا نحترم عقولنا بتعلم الأصول والقواعد التي وضعها العلماء وفقا لما منهجه لنا رسول الله عليه الصلاة والسلام ونقله وعلمه لنا صحابته رضوان الله عليهم جميعا ونشروه في الأفق .
اقتباس
فالإنسان قد يتدبر آية في القرآن فيجد معنى لها بالدليل والبرهان ثم يعيد التدبر فيجد معنى آخر مخالف للأول وبالدليل والبرهان كذلك وقد يجد عدة تفاسير للآية الواحدة منها ما هو متشابه ويمكن أن يكون فيها ما هو محكم . فهل هدا يعني أن الإنسان على خطأ لا أظن دلك فما عليه إلا أن يستمر في تدبر القرآن وفي كل مرة يجد تفسيرا هو أقوى وأوسع ثم يقول بأن كل هده المعاني هي من عند الله وأنا أؤمن بها.
عفوا يا أخي هذا كلام مرفوض أيضا ..
يقول الله عز وجل : { أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا (82) }
قال ابن كثير رحمه الله :
يقول تعالى آمرًا عباده بتدبر القرآن، وناهيا لهم عن الإعراض عنه، وعن تفهم معانيه المحكمة وألفاظه البليغة، ومخبرًا لهم أنه لا اختلاف فيه ولا اضطراب، ولا تضادّ ولا تعارض؛ لأنه تنزيل من حكيم حميد، فهو حق من حق .
إذن يا أخي نتيجة التدبر أننا لن نجد إختلاف في القرآن وليس نتيجة التدبر أننا نتفاجئ بمعاني جديدة ومختلفة يضرب بعضها بعضا .
وما قولته هذا يحتاج منك لمثال حتى نعرف المقصود ونبين فيه الحق ..
أما مسألة المحكم والمتشابه :
فالمتشابه ليس المقصود منه إعمال عقول فيه ومن ثم إختلاق معاني متضاربة فيقول المسلم أن ذلك كله من عند الله .
اعلم يا أخي أن الله عز وجل ذكر في هذا الموضع الراسخون في العلم ولم يقل أهل العلم ولم يقل العوام من المسلمين بل قال الراسخين في العلم الذي لديهم الملكة وعندهم علم بالوجوه السبعة السابقة التي تؤهلهم لفهم مراد الله عز وجل وبيانه للناس حتى يتدبر الناس المعاني ومراد الله الحق .
قال ابن كثير :
كما قال تعالى مخبرا عن الراسخين في العلم حيث قالوا: { آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا } [آل عمران:7] أي: محكمه ومتشابهه حق؛ فلهذا ردوا المتشابه إلى المحكم فاهتدوا، والذين في قلوبهم زيغ ردوا المحكم إلى المتشابه فغووا؛ ولهذا مدح تعالى الراسخين وذم الزائغين .
وأعطيك مثالا على ذلك ..
قال تعالى
{ لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ } [ الشورى:11 ]
فالمحكم الواضح الدلالة هنا قوله ليس كمثله شيء .
أما المتشابه الذي يخفى مدلوله على الناس ونهى الله عن تأويله هو قول سميع بصير .
فأما الذين في قلوبهم زيغ أولوه فقالوا كيف يسمع الله ويُبصر والسمع يحتاج لأداة سمع والبصر يحتاج لأداة بصر ( وهذا ما اتحملته عقولهم ) فأولوه فقالو هو سميع بلا سمع وبصير بلا بصر .
وأما الراسخون في العلم آمنوا به كما هو ولم يأولوه ولم يفسروه ولم يمثلوا له ولم يعطلوا معناه وقالو كل من عند ربنا وردوا المتشابه إلى المحكم فقالو وهو سميع وبصير ولكن ليس كمثله شيء كما أخبر بنفسه عن نفسه .
وهذا مثال توضيحي للمحكم والمتشابه ...
وأختم هنا بما رواه الإمام أحمد في مسنده عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ :
لَقَدْ جَلَسْتُ أَنَا وَأَخِي مَجْلِسًا مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهِ حُمْرَ النَّعَمِ أَقْبَلْتُ أَنَا وَأَخِي وَإِذَا مَشْيَخَةٌ مِنْ صَحَابَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جُلُوسٌ عِنْدَ بَابٍ مِنْ أَبْوَابِهِ فَكَرِهْنَا أَنْ نُفَرِّقَ بَيْنَهُمْ فَجَلَسْنَا حَجْرَةً إِذْ ذَكَرُوا آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ فَتَمَارَوْا فِيهَا حَتَّى ارْتَفَعَتْ أَصْوَاتُهُمْ فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُغْضَبًا قَدْ احْمَرَّ وَجْهُهُ يَرْمِيهِمْ بِالتُّرَابِ وَيَقُولُ " مَهْلًا يَا قَوْمِ بِهَذَا أُهْلِكَتْ الْأُمَمُ مِنْ قَبْلِكُمْ بِاخْتِلَافِهِمْ عَلَى أَنْبِيَائِهِمْ وَضَرْبِهِمْ الْكُتُبَ بَعْضَهَا بِبَعْضٍ إِنَّ الْقُرْآنَ لَمْ يَنْزِلْ يُكَذِّبُ بَعْضُهُ بَعْضًا بَلْ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا فَمَا عَرَفْتُمْ مِنْهُ فَاعْمَلُوا بِهِ وَمَا جَهِلْتُمْ مِنْهُ فَرُدُّوهُ إِلَى عَالِمِهِ "
أرجوا منك أن تتدبر هذا الحديث يا أخي الحبيب وتستخرج منه الفوائد وفيه الكثير وكيف يجب أن نتعامل مع القرآن
وللحديث بقية والحوار ماتع ومفيد ولكن أنتظر ردك وتعليقك ..
وفقنا الله إلى ما يحبه منا ويرضاه ...
المفضلات