.
بسم الله والصلاة والسلام على خير خلق الله رحمة ربنا المهداه ،
وسلامُ على آل بيته الطيبين ، وزوجاته أمهات المؤمنين الطاهرين ، أما بعد . .
***
عندما يستيقظ قوم من سباتهم ، ويجدون أنفسهم في البراري ، وقد أحاطت بهم الوحوش الضواري والطيور الكواسر . .
لابد من أن يتخذوا موقفا ً سريعا و واحدا ً موحدا ً ، ليحترزون من الهلاك الذي يُلم بهم . . والحل واحدا ً من ثلاث ،
الأول : أن يلتف بعضهم حول بعضٍ متحلقين ، ووجوههم للخارج حيث يدافع كل منهم عن إخوانه من حيث ثغره .
مصداقا ً لقوله تعالي :
( وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُواْ وَاذْكُرُواْ نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً
وَكُنتُمْ عَلَىَ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) آل عمران103
الثاني: أن يجتمعوا في جيش واحد تحت إمرة رجل واحد ، ويتجهزوا بما استطاعوا متوكلين على خالقهم أن يحفظهم وينصرهم .
مصداقا ً لقوله تعالى :
( وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ
لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ ) الأنفال60
الثالث: أن يضربوا حولهم بسياج ، لا يخترقه الضواري من حولهم ويجعلون عليه حراسا ً أشداء أمناء .
مصداقا ً لقوله تعالى:
( وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) آل عمران 104
غير أن العرب لم يفعلوا شيء من ذلك البتة !! . . بل ابتكروا حلاً رابعا ً لا يليق إلا بالدواب .. فما هو ؟ !! . .
لقد ذهب كل واحدٍ منهم ضاربا ً حوله بسياج ، ليصنع لنفسه قفصا ًحدوديا ً حديديا ً، فانفصل كل واحد بنفسه عن إخوانه أثرا ًخيره عن غيره ،
فصدق عليهم قوله تعالى : ( فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ) المؤمنون 53
فلما عاشوا بأقفاصهم . . احتاجوا الطعام والملبس والشراب ، وسألوا ( من حولهم ) الضواري الطعام ( القمح ) – أعطوهم أو منعوهم !!
واحتاجوا أن يبيعوا ثرواتهم ليترفوا فيما أتاهم الله . . وظنوا أن ما تحت أرجلهم من خيرات لهم فقط فعاشوا على بيعها ،
كما تعيش الغواني من ريع فروجها . . وباعوا الضواري خيرات أمتهم بأبخس الأسعار . . وسمنت الضواري وترعرعت !! .
وباتت طليقة تتجول بين أقفاصهم ، فاضطروا لأن يلقموها ليأمنوها ، فتركت من حولهم وجلست لهم ، حتى إذا ما فتح أحدهم باب قفصه . . دخلت عليه فما أبقت عليه لحما ً ولا عظم . .
وصدق الموحى له من ربه :salla-icon: إذ يقول :
( يُوشك أن تتكالب عليكم الأمم كما تتكالب الأكلة إلى قصعتها، قيل أو من قلة نحن يومئذٍ يا رسول الله؟ قال : بل أنتم غثاء كغثاء السيل)
فماذا تريد الضواري الأكلة بقربها الدائم من أقفاصهم ؟!! . .
إن أحكم أحدهم على نفسه بابه ، أرسلت عليه القوارض تؤرق مضجعه ، فإن أراد عونا ً من إخوانه ، نهشت الضواري يده ويد أخوانه إذا امتدت خارج القفص !! . .
فتعسا ً لهم جميعا ً ، فلقد أصبح العالم كله من حولهم حرا ، يملكون أمنهم وقوتهم بينما هم أسرى أقفاصكم التي ضربوها على أنفسهم ، فأصبحوا فصيلً قريب الانقراض . .
مصداقا ً لقوله تعالى :
( فَأَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُم بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ ) الحشر2
ولكن هذه المرة ، - يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المشركين – فاعتبروا يا أولى الأبصار ..
ما أصبت فيه فمن الله ، وما أخطأت فيه فمن نفسي ومن الشيطان
.
المفضلات