فتوهم نفسك بصغر جسمك ، وارتعاد جوارحك ، وخفقان قلبك ، وقد سمعت كلامه بتذكير ذنوبك ، وإظهار مساوئك ، وتوقيفك وتقريرك بمخبَّآتك .
فتوهم نفسك بهذه الهيئة ، والأهوال بك محدقة من خلفك ، فكم من بلية قد نسيتَها قد ذكَّركها ؟ وكم من سريرة قد كنتَ كتمتها قد أظهرها وأبداها ؟ وكم من عمل قد ظننتَ أنه قد خلص لك وسلم بالغفلة منك إلى ميل الهوى عما يفسده قد رده في ذلك الموقف عليك وأحبطه بعد ما كان تأملك فيه عظيماً ؟ فيا حسرات قلبك وتأسفك على ما فرطتَ في طاعة ربك . حتى إذا كرر عليك السؤال بذكر كل بلية ونشر كل مخباة ، فأجهدك الكرب ، وبلغ منك الحياء منتهاه ، لأنه الملك الأعلى فلا حياء يكون من أحد أعظم من الحياء منه ، لأنه القديم الأول الباقي الذي ليس له مثل ، المحسن المتعطف المتحنن الكريم الجواد المنعم المتطول .
فما ظنك بسؤال من هو هكذا ، وقد أبان عن مخالفتك إياه ، وقلة هيبتك له ، وحيائك منه ، ومبارزتك له ، فما ظنك بتذكيره إياك مخالفته وقلة اكتراثك في الدنيا بالطاعة له ، ونظرك إليه إذ يقول : يا عبدي ، أما أجللتني ، أما استحييت مني ، استخففت بنظري إليك ، ألم أحسن إليك ، ألم أنعم عليك ، ما غرك مني ، شبابك فيم أبليته ، وعمرك فيم أفنيته ، ومالك من أين اكتسبته وفيم أنفقته ، وعملك ماذا عملت فيه ؟ .
17- قال : قال رسول الله: " ما منكم من أحد إلا سيسأله رب العالمين ، ليس بينه وبينه حجاب ولا ترجمان " .
18- وقال : سمعت عدي بن حاتم قال : شهدتُ رسولَ اللهفي حديث له : " ليقفنَّ أحدكم بين يدي الله تبارك وتعالى ليس بينه وبينه حجاب يحجبه ، ولا بينه وبينه ترجمان يترجم عنه ، فيقول : ألم أنعم عليك ، ألم آتك مالاً ؟ فيقول : بلى ، فيقول : ألم أرسل إليك رسولاً ؟ فيقول : بلى ، ثم ينظر عن يمينه فلا يرى إلا النار ، ثم ينظر عن شماله فلا يرى إلا النار ، فليتق أحدكم النار ولو بشق تمرة ، فإن لم يجد فبكلمة طيبة " .
19*- وقال : سمعت عبد الله بن مسعود بدأ باليمين قبل الحديث ، فقال : ( ما منكم من أحد إلا سيخلو الله عز وجل به ، كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، ثم يقول : يا ابن آدم ما غرك بي ، يا ابن آدم ما عملت فيما علمت ، يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ؟ ) .
20*- وعن ابن مسعود أنه بدأ باليمين ، فقال : ( والله ما منكم من أحد إلا سيخلو به الله عز وجل كما يخلو أحدكم بالقمر ليلة البدر ، ثم يقول : يا ابن آدم ما غرك بي ، يا ابن آدم ما عملت لي ، يا ابن آدم ما استحييت مني ، يا ابن آدم ماذا أجبت المرسلين ، يا ابن آدم ألم أكن رقيباً على عينيك وأنت تنظر بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على أذنيك وأنت تستمع بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على لسانك وأنت تنطق بما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على يديك وأنت تبطش بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على رجليك وأنت تمشى بهما إلى ما لا يحل لك ؟ ألم أكن رقيباً على قلبك وأنت تهم بما لا يحل لك ؟ أم أنكرت قربي منك وقدرتي عليك ؟ ) .
وأنت يا ابن آدم بين خطرين عظيمين : إما أن يتلاقاك برحمته ويتطول عليك بجوده ، وإما أن يناقشك الحساب ، فيأمر بك إلى الهاوية وبئس المصير .
21**- عن مجاهد قال : ( لا يزول قدم عبد يوم القيامة من بين يدي الله عز وجل حتى يسأله عن أربع خصال : عن عمره فيما أفناه ، وعن عمله ما عمل فيه ، وعن جسده فيما أبلاه ، وعن ماله من أين اكتسبه وفيما أنفقه ) .
يتبع >>>>
المفضلات