فيما الإنجيل لم يأت على تحدّيه ولا لمرّة واحدة، ولم يفكّر بتحدّيه، بل أمر القرآن المسلمين بأن ‏
يجادلوا أهل الكتاب بالتي هي أحسن.‏

فلا يمكنك أن تقحم الإنجيل المقدّس هكذا، إذ لا ينطبق عليه هذا الواقع أبداً. ولا تستطيع أنت ‏
ولا أسلافك، أن توجّه مثل تلك التهمة إلى العهد الجديد، الذي هو الإنجيل المقدّس، وإلاّ فأنت ‏
تخالف القرآن، الذي لم يتّهم ألإنجيل بشيء من هذا القبيل. وأنا أتحدّاك أن تأتي بالآية التي ‏
يتّهم فيها القرآن الكريم، الإنجيل المقدّس بهذه التهمة.‏

فالإقحام عادة درج عليها كثيرون، وخصوصاً عند التكلّم عن اليهود، وشعب اليهود، وتاريخ ‏
اليهود، وأرض اليهود، وأنبياء اليهود، تراهم يقحمون وراء كلمة اليهود كلمة "النصارى". ‏
وحتّى أقدس الكتب التي لديكم لم تسلم من هذا الإقحام المجحف. وهذه العمليّة في الإقحام تعتبر ‏
قمّة التحريف، الذي وقع فيه معظم الكتب لديكم. وقد تَمّت معرفة القصد منها، لدى دراستنا ‏
التاريخيّة والواقعيّة لها، ومقارنتها مع المجريات التي كانت ترافقها، ونتائجها التي لا نزال نعاني منها ‏
حتّى الآن. فجعلت عدداً كبيراً من المفكّرين المسلمين أسرى لهذا الإقحام، وأنت واحد منهم، لا ‏
تستطيعون الخروج منه، ولا فكّه عنكم.‏

إذاً فانتبه من المغالاة في توجيه التهم، فلا يجدر بك أن تفعل ما يوصف بالخبط عشواء في توزيع ‏
التهم جزافاً، ذات اليمين وذات الشمال. فلا تتهم الإنجيل المقدس بهذه التهمة، احتراماً للقرآن‏
‏ على الأقل، إن لم نقل إنصافاً للعلم والعلماء.‏

وإذا كنت تريد المزيد عن معرفة العهد الجديد، وأصول كتابته، فهناك الكثير الكثير، الغريب ‏
والجديد والجميل لتعرفه، وتتمتّع به متعة روحيّة، وليس متعة مادّيّة بالمفهوم الذي يفهمه ‏
السطحيّون والسفهاء، بمطالعته والتفاعل معه، لأنّه كلمة الحياة، والحقّ، ولأنّه السراط المستقيم ‏
الذي يبحث عنه بنو البشر، ليصلوا إلى الحقيقة والسلام المنشودين.‏


‏9ً - إنّك أوردت القول التالي للقرطبيّ:‏
‏ "فظهر من هذا البحث أن الإنجيل المدّعى لم يُنقل تواتراً ولم يقم دليلٌ على‎ ‎عصمة ناقليه فإذاً يجوز الغلط والسهو ‏على ناقليه، فلا يحصل العلم بشيء منه ولا غلبة‎ ‎الظن فلا يُلْتفتُ إليه ولا يُعَوَّل في الاحتجاج عليه، وهذا كاف في ‏رده وبيان قبول‎ ‎تحريفه، وعدم الثقة بمضمونه"‏

هذا القول يقـيّـم فيه القرطبيّ وفق وعياره الذي يسير بموجبه، أقوال الحواريّين، حواريي ‏
عيسى، ويطلق عليه حكم عدم التّعويل في الاحتجاج عليه.‏

هل للقرطبيّ وغيره أن يقيّموا الناس؟ ومَن من الناس، الحواريّين؟ وهل هو وسواه مؤهّلون لهذا ‏
التقويم؟ وما هي المقوّمات التي تؤهّله وسواه للقيام بذلك؟ ومن الذي فوّضه هو وغيره على ‏
الأمر؟


‏10ً – وتقول أيضاً: "هل كان بولس رسولاً؟ أهمية بولس في الفكر النصراني؛ أولاً: بولس وسيرته ‏وأهميته كما في الكتاب المقدس والمصادر‎ ‎المسيحية؛ ثانياً : بعض الملامح في شخصية بولس كما وردت ‏في‎ ‎رسائله< ثالثاً: بولس الرسول."‏

وأمّا موضوع بولس الرسول يا عزيزي، فهو الموضوع الذي يعترض عليه اليهود من قبلكم،
‏ بسبب هدايته في طريق إلى دمشق لقتل المسيحيّين فيها. فوضعوا بولس نصب أعينهم، وقاموا ‏
بحملتهم على تشويه كلّ كلمة نطق بها، وهذا الأمر سيبقى "حصرماً" ـ إذا جاز التعبير ـ في‏
‏ فكرهم ومعتقداتهم إلى يوم القيامة، ففي نظرهم الرسول بولس أو شاول، خائن ويستحقّ القتل. ‏
ولكنّهم لم يستطيعوا قتله مباشرة كما قتلوا الربّ، بل بقوا وراء قتله وانتقامهم منه حتّى كان لهم ‏
ذلك، فأسلموه إلى الرومان الذين قطعوا رأسه.‏



وللأسف هناك من يجاريهم في رغبتهم، فيسيء إلى بولس الرسول بالطريقة التي أنت أوردت ‏
أطروحتك فيها. إذ خصّصت لبولس تلك العناوين، التي لا هدف من ورائها سوى الإساءة إليه،
‏ وتشويه كلّ رسائله.‏

وفي المقابل، فنحن نؤمن بتعاليم بولس الرسول، نؤمن أنّها الترجمة الحقيقيّة للتعاليم التي عاشها ‏
السيّد المسيح في رسالته الخلاصيّة، وما إلى هنالك من أمور وأمور ممّا لا يحبّه قلبك ولا عقلك. ‏
فهو الذي وضع للمسيحيّة شريعتها وشرح تلك الشريعة، وسكبها في قالبه الذي نفهمه ونعيشه، ‏
وأضفى عليها ثوب الروح وخوذة الوقاية ودرع الدفاع المتين. وأكتفي بهذا القدر.‏


وفي الختام
أنا يا صديقي، أومن بالإنجيل المقدّس، كما هو الآن في وضعه. فعلى الرغم من كلّ تلك ‏
الادّعاءات ونظريّات التشويه، التي يتعرّض إليها الكتاب المقدّس، أعتقد أنّه وحده الذي لم تطله ‏
يد التزوير والتحريف، من دون سواه من الكتب الأخرى، التي طالتها يد التحوير، والحرق، ‏
والتنقيط، وغيرها...‏

ومع ذلك، فإنّ الله الذي أعبده، والذي أنا أحبّه، قادر على أن يحفظ هذا الكتاب المقدّس من كلّ ‏
ما تدّعيه أنت ومصادرك. وقادر على الحفاظ على رونقه ونضارته. فهو كلام إلهيّ، والكلام ‏
الإلهيّ قويّ وفعّال ومحيٍ، أي يهب الحياة. وليس كلاماً بشريّاً، مصفوفاً بقوالب شعريّة وقواف ‏
منمّقة.‏

وأنا لا أدّعي أنّني مخوّل على الحفاظ عليه، بطريقة العنف والتهديد والتقتيل، بل هناك من يحفظه ‏
سالماً من كلّ يد الغدر والتحوير والتزوير. فلا أسمح لنفسي أن أقوم بقتل أو تهديد كلّ من يريد ‏
أن يمدّ يده على كلام الله. هذا أمر لا يرضى به الله، ولا أنبياؤه.‏