كلّ ما ورد فيها. وكأنّنا في أيّام أحد الولاة الفاطميّين، الذين يضربون بعرض الحائط كلّ ما يقدّم
‏ إليهم بسبب عيب ما. نازعين على أنفسهم صفات التصرّف الإلهيّ، ومدّعين أنّهم المحامون عن ‏
الوحي، وناسبين لذواتهم كلّ الصفات الإلهيّة، من متوكّل إلى معتصم إلى ناطق بالله... وكان ‏
ناقصاً لأحدهم أن يتّخذ لنفسه هذا الاسم "الناطق باسم الله" ولكن لحسن الحظّ ربّما لم يأخذه
‏ أحد منهم. والعلم عند الله.‏

فلفظة “نحو“ و “يظن” لا تصدران عن ملهم جازم بما يقول، وقد أزعجت‏‎ ‎هاتان العبارتان علماء الكنيسة، ‏

وقد حذفها بعض المفكّرين من الكتب المقدّسة، ولكن تمّت إعادتها. فأين المشكلة في ذلك. بل ‏وهناك نصوص توضع لها شروحات في أسفل الكتب، وتعرض الآية كما وردت حرفيّاً، ويعرضون ‏
سبب وضعها على الطريقة التي هي فيها على حالتها.‏

ولكن هذا ليس تحريفاً، ياصديقي، إذ إنّ التحريف هو التبديل من دون الإشارة إلى الأساس، بغية ‏
إخفاء أمر ما، يُـخاف من نتائجه العقائديّة، وهذا ما لم يحدث أيضاً ولن يحدث.‏


عبارات لا يمكن أن تكون وحياً؛ أحداث مهمة لا يصح أن يذهل عنها الملهم؛ انكار المحققين لإلهامية كتبة ‏العهد‎ ‎الجديد؛ إبطال دعوى النبوة لكتبة العهد الجديد؛ أولاً :هل كتبة الأسفار أنبياء؟ ثانياً :معجزات التلاميذ لا ‏تصلح دليلاً على‎ ‎النبوة؛ ثالثاً : النبوة حسب الكتاب المقدس لا تقتضي العصمة من الكذب في‎ ‎البلاغ
‏ ‏
في رأيي الخاصّ، إنّ هذه العناوين بدت كلّها نوعاً من الغوغائيّة والبروباغاندا التي اعتدنا عليها، ‏
لدى تصوير أمر ما، وما ورد في محتواها أكثر سوءا وقبحاً منها، لأنّها فارغة من محتواها. وكذلك ‏
كل العناوين النصوص التي تَلَتْ عن العهد الجديد، كلّها مأخوذة من دراسات أدبية ونقدية، ‏
للعهد الجديد، وهي لم ترد في سياق الكلام الذي تأخذه نحو السلبيّة والتشكيك، بل تذهب بنا إلى ‏
تأكيد صحّة الكتاب العهد الجديد، ونفي كلّ ما تذيعه عنه.‏


وفي رأيي، إنّ القيم والمنطلقات التي أعتمدها لإيماني لا تتعارض مع ما ورد في الإنجيل المقدّس ‏
الذي أومن به. وهذا يكفي للإيمان، الذي هو الإيمان بوجود الله.‏

يا أخي، أنا أومن بالله، ومصدر هذا الإيمان هو الإنجيل المقدس، ألا يكفي هذا لتكفّ عن توجيه ‏
الإساءة إلى الإنجيل؟ هل تريدني أن أعود إلى كتاب آخر لأومن بالله؟ وما الفائدة التي تجنيها أنت ‏
في تلك الحال؟ ثمّ يا أخي هذا الإله الذي يرد في الإنجيل المقدّس، يعطيني صورة واضحة ومقبولة،
‏ ويرضي فضولي وحشريّتي العقليّة والروحيّة، فلماذا تريد أن تحرمني منها؟ وتريد أن تهديني إلى
‏ كتاب آخر، قمت أنا بقراءته، ولم أجد فيه ما يشفيني روحيّاً، أفتريد فرضه عليّ بالقوّة؟

وعلى الرغم من كل ذلك، فالقرآن الكريم يقول عن الإنجيل المقدس أجمل الأقوال: "وقفّينا على
‏ أثرهم بعيسى ابن مريم مصدّقاً لما بين يديه من التوراة وآتيناه الإنجيل فيه هدى ونور ومصدّقاً لما ‏
بين يده من التوراة وموعظة للمتّقين" (المائدة 46). ويقول في موضع آخر: "وإن من أهل ‏
الكتاب لمن يؤمن بالله وما أنزل إليكم وما أنزل إليهم خاشعين لله لا يشترون بآيات الله ثمناً قليلاً ‏
أولئك لهم أجرهم عند ربهم إن الله سريع الحساب" (آل عمران 199)، فالإنجيل لم يقع عليه ‏
التحريف يا صديقي خوليو5 باعتراف القرآن نفسه، فمن هو هذا الذي يجرؤ على مخالفة القرآن ‏
ويتّهم الإنجيل المقدّس بالتحريف أهو أنت يا خوليو5؟

والتحدّي بالتحريف واضح في القرآن فهو يطال العهد القديم أو التوراة: " من الذين هادوا ‏
يحرّفون الكلام عن مواضعه ويقولون سمعنا وعصينا واسمع غير مسمع وراعنا ليّاً بألسنتهم وطعناً ‏
في الدين ولو أنّهم قالوا سمعنا وأطعنا واسمع وانظرنا لكان خيراً لهم وأقْوَمَ ولكن لعنهم الله بكفرهم ‏
فلا يؤمنون إلاّ قليلاً" (النساء 46)؛ "قل فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين" ( آل عمران ‏
‏93)، وكذلك الآية التي تقول: "وإذ أخذ الله ميثاق الذين أوتوا الكتاب لتبيننه للناس ولا ‏
تكتمونه فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً فبئس ما يشترون" (آل عمران 187).‏