8ً - وأمّا العهد الجديد، الإنجيل المقدّس، فهو كتاب العقائد المسيحيّة، الذي كتب أسفاره متّى،
ومرقس، ولوقا، ويوحنّا، وبولس، وبطرس، ويهوذا أخو الربّ، ويعقوب أخو الربّ. يحوي 27
سفراً مختلفة الحجم. وضعت كلّها باليونانيّة، ولم تجر عادة أن يطلق عليها عبارة "العهد الجديد" إلاّ
في القرن الثاني الميلاديّ. اعتبرها المسيحيّون زمناً طويلاً كتابهم المقدّس إلى جانب الكتاب المقدّس
العهد القديم، الذي كان الأوحد لديهم.
يعود الأمر برمّته إلى اللاهوتيّين المسيحيّين الأوّلين، الذين ارتأوا ما ذهب إليه بولس الرسول، وهو
أنّ تلك النصوص، نصوص العهد الجديد، تحتوي على أحكام عهد جديد، تحدّد عباراته العلاقات
بين الله وشعبه في المرحلة الأخيرة من تاريخ الخلاص. وأدّى بالمسيحيّين الكلام إلى اعتبار المجموعة
المسمّاة بالعهد القديم أنها تحتوي على أحكام العهد الموسويّ، الذي جدّده السيّد المسيح وتخطّاه.
وهذا تأكيد لقولك في أطروحتك:
"يقر النصارى بأن الأناجيل كتبت على يد تلاميذ المسيح وتلاميذهم، فكيف أضحت
كتابات بعض البشر مقدسة ؟ تبنت الكنيسة في مجمع الفاتيكان المنعقد عام 1869
– 1870م قراراً يقول عن أسفار الكتاب المقدس بعهديه " كتبت بإلهام من الروح
القدس، مؤلفها الله، وأعطيت هكذا للكنيسة".
هذا الإقرار الذي عرضته ملوّناً، ليس نتيجة لاتّهاماتكم التي تتباهون بها، بل هو من صلب إيماننا،
فهذا هو إيماننا، نعرضه أمام الجميع، ونفتخر به، وقد صدقت حين قلت: ” وصلت أسفار
العهد الجديد إلينا عبر آلاف المخطوطات التي يفتخر النصارى بكثرتها، ويرون في
هذه الكثرة دليلاً ساطعاً على حفظ كلمة الله التي سجلها تلاميذ المسيح." فنحن هكذا
وبكل بساطة وصراحة نفتخر بها، ونعتبرها دليلاً ساطعاً على أنّ العهد الجديد لم يجر عليه أيّ
تعديل أو تحوير أو تحريف. فلا حاجة لأن تطلق مثل هذه المواقف التي تتبهور بها.
ثمّ إنّ هذا القرار يعود إلى سنة 325 م في مجمع مدينة نيقية، بعد مرور مرحلة الاضطهاد الكبير
الذي دام طيلة ثلاثة قرون، ولاتزال امتداداته حتّى يومنا هذا، فيما أنت ادّعيت أنّه حدث سنة
1869، وهذا إجحاف كبير بحقّك أنت، قبل أن يكون بحقّ البحث الموضوعيّ والعلميّ الذي
تدّعيه وتتلطّى بخياله. ولكن ما العيب في أمر تاريخية هذه الكتب، فأنت ادعيت تقول: إن سبب
فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة
سنة "، ويعتبره رحمة الله الهندي تفسيراً مقبولاً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب،
فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين. وهل نسيت يا صديقي أهمّيّة النقل
الشفويّ لتلك التعاليم التي تداولها المسيحيّون على طيلة تلك الفترة؟ أم إنّك تقبل بها لدى
عرضك لكتاب آخر، للقرآن الكريم مثلاً، وترفضها على غيره من الكتب؟ أفلا تعلم أنّ القرآن
الكريم كان متداولاً طيلة فترة ثلاثة قرون في صدور النّاس؟ قبل أن يجمع في كتاب واحد على
عهد عثمان الخليفة الراشديّ؟ أم أنّك تريد الكيل بمكيالين؟
ودراستك المعمّقة عن المخطوطات التي عرضتها على الموقع، هي مسروقة من دراسات ذوي
الاختصاص، أخذت منها ما يحلو لك، وعلّقت عليه بطريقتك المعهودة، والتي لا تبتعد عن
السخافة والسطحيّة، ولا ترتبط بالواقع بأيّ رباط.
"إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من
مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص" لم أعلم سبب وضعك هذه الجملة
بالخط العريض وعلى مقياس 32؟ ولم أفهم الغاية من ذلك، مع أن مقياس الخط كان مقروءاً
وواضحاً، ولا حاجة لتكبيره. وعلى كل حال هذه صارت موضة دارجة في عصرنا، وطريقة
للتعامل والدعاية والترويج.
أما الأمر في الاختلافات التي ذكرتها يا صديقي والتي بلغت 150000 اختلافاً، بالرجوع إلى
دائرة المعارف وإلى العالم البروتستانتي، وقد أتيت على ذكر الأمثلة:
" نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ؛
" وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " ( يوحنا 19/34 – 36)، فالجملة الأخيرة أراد الناسخ من خلالها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا، وهي ليست من كتابته
"فيفهم من هذه المقدمة أمور، منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه."
"فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن ؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم، إلا ما ادعاه بولس لنفسه"
أنت تقول إنّ هذه العبارات هي من زيادة النسّاخ، أو رسائل شخصيّة، فكيف تصير كتباً موحى
بها؟
ولكن هل تلغي الكتابات الشخصيّة وحي الله للإنسان؟
وأمّا فيما يخصّ الزيادة التي فعلها النسّاخ، فهي معروفة لدينا، ويمكننا أن نحتاط لها، وبما أنّها لا
تسيء إلى الوحي بل تكمّله فهي تبقى ضمن حدود المعقول، لأنّها لم تبدّل في الجوهر، ولا في
المضمون.
ولكن تكمن المشكلة في عدم تحديد كيفيّة الزيادة ومكانها، وعندئذ تكون المصيبة أكثر هولاً. فإذا
أخذنا مثلاً عقيدة الثالوث الأقدس، واكتشفنا أنّها من زيادة أحد النسّاخ، فهنا تكمن المشكلة،
وعندئذ يصير التحريف مودياً إلى كارثة في الإيمان، وهذا لم يحدث لدينا.
ولكن لا في بعض الإيضاحات التفصيليّة التي يمكن بها وبدونها أن يسير النصّ، وتبقى العقيدة.
وهذا واضح لدينا، ويعرفه جميع الناس، وليس مخفيّاً، بل تجده مكتوباً في كلّ الكتب الروحيّة التي
لدينا، ويعرفه جميع الباحثين، ولا يرون فيه مشكلة في إعلان العقيدة، ولا يتناقض معها.
على العكس تماماً من موقفكم، الذي تضخّمون فيه مثل هذه الإجراءات، وتعلّقون عليها، نافين
لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. (متى 10: 28)
المفضلات