يا صديق خوليو5‏
لقد قرأت أطروحتك التي عرضتها عن الكتب المقدسة، وأثارت إعجابي.‏
ولكنني وجدت فيها عدداً كبيراً مما أدعيه مغالطات، وأردت أن أعبر لك عنها.‏
عساني أكون عند حسن ظنك، وأشكر لك سلفاً حسن متابعتك للآراء الخاصة التي أرسلها

هذه الادّعاءات كلّها، التي أردتها أنت في أطروحتك الطويلة والغنية، ليست سوى تكرار لمن
‏ سبقك من المؤلّفين: "وأورد الإمام البخاري ، وفي التفسير المظهري، وفي كتاب الرد على الجهمية، ‏وفي كتاب الاعتصام، وقال الإمام الهمام فخر الدين الرازي قدس سره في‏‎ ‎كتابه المسمى بالمطالب ‏
العالية، وقال الإمام القرطبي في كتابه المسمى بكتاب الإعلام، وقال العلامة المقريزي، وقال صاحب‏‎ ‎
كشف الظنون، وقال صاحب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، وغيرها ..." هذه ‏
العبارات أنا أخذتها من أطروحتك التي أدليت بها، ولم آت بها من بيت أفكاري.‏

ولكنّ هذه المراجع التي تستند إليها، قد تمّ الردّ عليهم سابقاً، فقد ردّ الأب يوسف درّة الحدّاد ‏
،كما ردّ عليها الأب خوّام، وكذلك الأب لويس شيخو وسواهم الكثير من المفكّرين المسيحيّين، ‏
على كلّ هذه الادّعاءات الكاذبة، وأحيلك إلى قراءتها...‏

ولكنّك أنت يا خوليو 5 لم تأت بشيء جديد، سوى أنّك أدليت بأقوال أولئك السلف، بل نقلتها ‏
كما هي وكما أوردوها، من دون أن أرى تعليقك الجديد، ولم أجد شيئاً جديداً، سوى أنك
‏ تتبنّاها، وتؤيّدها، وهذا حقّ لك. فأنا قد اطّلعت على قسم كبير من هذه المراجع، كما اطّلعت
‏ على ردود المسيحيّين عليها، فهل تريد أن أكرّرها لك؟ وهل هذا هو الحوار الذي تريده؟ هل
‏ الحوار يقوم على الببّغائيّة؟ أم على الإبداع والبحث وإيجاد الجديد؟‏





ومع ذلك فــ :‏
‏1ً – هناك خلاف كبير بين مفهومنا للكتاب المقدّس، وطريقة تأليفه، وطريقة الوحي والإلهام، ‏
وطريقة التفسير، والكتابة، والترجمة؛ وبين مفهومكم أنتم للكتب المقدّسة. فأنتم تؤمنون أنّ ‏
الكتب المقدّسة تهبط من السماء بحرفيّتها، وتهبط على الأنبياء، فيحفظونها، وينقلونها إلى البشر. ‏
وهذه الرؤية هي رؤية قرآنيّة بحت. حيث ورد في القرآن الكريم ما يدعم هذه الرؤية من آيات ‏
كثيرة، وأنت جدير بأن توردها كما حفظتها منذ صغرك، وأعتقد أنّك كنت شاطراً في ذلك.‏

فيما نحن نختلف عنك كثيراً في هذه الرؤية، إذ لا نؤمن بكتب هبطت من السماء، بحرفيّتها.‏

وبالتالي فلا نؤمن بأنّ هناك إنجيلاً لعيسى، وكتاباً لموسى. فهذه الرؤية لا تعنينا، ولا نوليها اهتماماً، ‏
حتّى وإن كانت تحظى باهتمامكم، وتدافعون عنها وتتّخذونها مقياساً ثابتاً في تقويماتكم.‏

بل نؤمن بأنّ الله يوحي للإنسان، بحسب لغته، وطريقة تفكيره، ونمط عيشه، وبيئته؛‏

ودور الإنسان يقوم على تفسير هذا الوحي، أو كتابته، أو نقله إلى بني البشر.‏

فلا مجال لحرفيّة الرسالة، بل الجوهر في الرسالة يقوم على مضمونها، ومحتواها وتحديد أفكارها. ‏
وهذا لا يمنع من تأديتها حرفيّاً أحياناً.‏

ثمّ إنّ التأكيد على حرفيّة الرسالة، نجد فيه تحديداً لهوّيّة الله. أفالله لا يجيد إلاّ اللغة العربيّة مثلاً؟ ألا ‏
يوحي باللغة السيريلنكيّة؟ أو باللغة الصينيّة؟ أو باللغة الإنكليزيّة؟ أوتراه عاجزاً عن فهم تلك ‏
اللغات؟