من سجل التاريخ

معركة الإيمان المقدس – المعركة الأخيرة في الأندلس


الزمان/ 12 جمادى الآخرة - 896هـ

المكان/ غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس

الموضوع / ملك قشتالة الصليبي يقود معركة فاصلة لمدة سبعة شهور لاحتلال غرناطة.

الأحداث/

كانت مملكة غرناطة هي بقية ملك المسلمين والعرب في الأندلس بعد أن تمزقت دولتهم ووقع أكثر من المدن الكبرى في أيدي الصليبيين ففي الفترة من 636 هـ حتى 668 هـ فتح فرديناند الثالث ملك قشتالة وجايم الأول ملك أراجون مدن يلنسية وقرطبة ومرسيه وأشبيلية وأصبح حكم المسلمين محصوراً في غرناطة والتي استطاعت لمناعتها وحصانة موقعها أن تقاوم الصليبيين قرنين ونصف من الزمان وكان من الأمور التي ساعدت على بقاء غرناطة صامدة طوال هذه الفترة حمية المسلمين الذين أفاقوا متأخرين جداً وتذامروا فيما بينهم على الدفاع عن آخر معاقل الإسلام في الأندلس , ومن الأمور أيضاً التي ساعدت على بقاء غرناطة هي مساعدة سلاطين المغرب المسلمين لهم , وأيضا وجود سلاطين أقوياء حكموا غرناطة .

دارت الأيام وذهب الأقوياء وجاء الضعفاء طلاب الدنيا والشهوات واللهو واللعب وتمزقت الوحدة مع سلاطين المغرب وأوشكت شمس الإسلام أن تغرب عن الأندلس وبدأ الصليبيون في توحيد صفوفهم للقضاء على آخر معاقل الإسلام في الأندلس وبدأت خطوات الاتحاد بتزوج فريناند ملك أراغون من إيزابيلا ملكة قشتالة واتحدت المملكتان ضد غرناطة وتوافد المتطوعون الصليبيون وساعدهم على ذلك وقوع فتنة الأندلس بين سلطان غرناطة أبي الحسن وولده الأكبر أبي عبد الله وفي إحدى المعارك المتواصلة على غرناطة يقع أبو عبد الله أسيراً بيد الصليبيين وكان وقوعه أكبر نكبة على غرناطة لا من حيث أسره نفسه ولكن من حيث أن ملكي النصاري فرديناند وإيزابيلا استطاعا أن يستزلا نفسه ويقوما بهزيمته نفسياً وغسلوا دماغه بالتهديد مرة وبالترغيب مرة أخرى حتى ذل عنقه وأصبح آلة في أيديهما ثم أطلقا سراحه ليكون وبالاً على المسلمين وحرباً على أبيه فمات أبوه هماً وحزناً على ولده .

تولى عبد الله الزغل عم أبي عبد الله الحكم في غرناطة ولكن أبا عبد الله حاربه ونازعه مما سهل على الصليبيين مؤامرتهم وضيقوا الخناق على غرناطة وحاولوا احتلال ضواحي غرناطة ولكن المسلمين استطاعوا هزيمتهم في معركة لوشة الكبرى سنة 887هـ ولكن الصليبيين عاودوا الكرة واحتلوا لوشة سنة 891هـ وما لبث أن سقط الجانب الغربي من مملكة غرناطة في يد الصليبيين وسقطت رنده ومالقة الجميلة ومن أعجب العجب أن يرسل أبو عبد الله يهنئ فرديناند وإيزابيلا على الفتح .

'عباد الله إن هذه الأمة سقطت يوم أن ضاع من قلوبها مفهوم الولاء والبراء فلم تميز بين عدو وصديق هذه الأمة ضاعت يوم أن آثرت الدنيا على الآخرة وضاعت يوم أن هزمت نفسياً أمام عدوها ورأت أن الخير في السير في ركابه بدلاً من معاداته بالجملة سقطت وضاعت يوم أن تخلت عن دينها مصدر عزها وقوتها' .

مات السلطان الزغل شريداً طريداً بعد حرب ابن أخيه له , وأصبح ابن أخيه أبو عبد الله هو سلطان ما تبقي من غرناطة استدار فرديناند وإيزابيلا إلى أبي عبد الله وأعلنوا الحرب عليه وأفاق هذا الغافل بعد فوات الأوان 'أصدق وصف على هذا الموقف هو قوله عز وجل 'كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين' وكان هناك الفارس العربي موسى بن أبي الغسان آخر ما أنجبته الأندلس من أبطال فأرسل إلى فرديناند قائلاً له 'إذا أردت أسلحة المسلمين فلتأت لأخذها بنفسك 'فشن فرديناند غارات مدمرة واحدة بعد الأخرى على مربض غرناطة سنة 895هـ وأحس المسلمون الذين خضعوا لفرديناند دبيب الحياة يدب في إخوانهم وشاهدوا أبو عبد الله يقود بنفسه القتال ويحارب بيده 'بعد فوات الأوان' فطرحوا عن كواهلهم طاعة فرديناند وانضموا لإخوانهم في الجهاد واستطاع الأبطال بقيادة موسي بن أبي الغسان صد قوات فرديناند واستردوا بعض الحصون ولكن ذلك كان آخر خفقة في السراج .

قرر فرديناند حسم المعركة فرمى سهول غرناطة وضواحيها بخمسين ألفاً من حملة الصليب وذلك في 12 جمادى الآخرة سنة 896هـ ونزل قبالة قصر الحمراء وبني أمامها في فترة وجيزة مدينة سماها شنتفي ومعناها بالأسباني 'الإيمان المقدس' وقام بحرق الزروع وحرث الحقول وضرب حصاراً شديداً على أهالي غرناطة الذين أبدوا صفوفاً رائعة في الصمود والقتال والشجاعة وقتلوا كثيراً من الصليبيين مما دفع بفرديناند لطلب نجدة ملك الروم البرتغال الذي حاصر غرناطة من ناحية الجنوب ليقطع طريق الإمدادات إلى أهالي غرناطة المحاصرين , فأصبح المسلمون بين رحى طاحونة وبين فكي الكماشة وطال الحصار على المسلمين الذين صمدوا لمدة سبعة شهور كاملة والصليبيون يتناوبون القتال عليهم حتى استبد الجوع بهم ونفدت المؤن من عندهم ولم يجد أبو عبد الله بداً من مفاوضة الصليبيين ولكن قائده موسى لم يرض بالتسليم للعدو فلبس سلاحه وركب جواده وغاص في الأعداء ضرباً وطعناً حتى استشهد رحمه الله مفضلاً ميتة كريمة على حياة ذليلة , واضطر المسلمون بعدها الاستسلام لفرديناند الذي عقد صلحاً مع أبي عبد الله مكون من سبعة وستين شرطاً ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب .

وكانت هذه المعركة هي آخر المعارك على أرض الأندلس هذا الفردوس المفقود بفعل فاعل هو التفرق والتنازع في الصف المسلم وكراهية الموت وحب الدنيا والشهوات التي غرق فيها أهل الأندلس قبل السقوط



من سجل التاريخ

فتح عكا وتطهير الشام – انقراض دولة الصليب من بلاد المسلمين



الزمان / الجمعة 17 جمادى الأولى – 690هـ

المكان / عكا - الشام

الموضوع / فتح عكا آخر معاقل الصليبيين في الشام إيذاناً بانقراض دولة الصليب

الأحداث /

منذ أن أطلق البابا 'أوربان الثاني' صيحته الصليبية وهو السيد المطاع بين الشعوب الصليبية وتقاطر الصليبيون كالسيل المنهمر على بلاد المسلمين من ناحية الشام ومصر وكان الذي تولى كبر الدعوة لتلك الحرب المقدسة عندهم رجل اسمه 'بطرس الناسك' فسار في البلاد يدعو للجهاد ضد المسلمين , ولقد استمرت الحرب الصليبية على بلاد المسلمين لمدة قرنين من الزمان على شكل سبع حملات صليبية متتابعة وهي كالأتي :

الحملة الصليبية الأولى سنة 489هـ : وكان تعداد الجيوش مليون مقاتل واستطاعت هذه الحملة أن تحتل نيقية وإنطاكية وتمثل نجاح تلك الحملة في احتلال بيت المقدس سنة 492هـ ولكنهم فقدوا معظم جيوشهم حتى أصبح عدده أربعين ألفاً فقط وتشكلت للصليبيين أربعة إمارات بعد هذه الحملة إمارة الرها – إمارة طرابلس – إمارة بيت المقدس – إمارة إنطاكية .

الحملة الصليبية الثانية سنة 543هـ : وقد تحركت من أوروبا لاستعادة ما فقده الصليبيون من إمارات قد احتلوها مثل إمارة الرها وغيرها وذلك لظهور قوة إسلامية جديدة هي عائلة عماد الدين زنكي وأولاده نور الدين محمود وسيف الدين غازي , وحاولت هذه الحملة احتلال دمشق ولكنها اصطدمت مع جيوش نور الدين محمود واستطاع المسلمون الدفاع عن دمشق وسحق الصليبيين , وقد كان السلاجقة قد مزقوا جيش الصليبيين الألماني قبل أن يصل لدمشق .

الحملة الصليبية الثالثة سنة 585هـ : وقد تحركت قوات الصليبيين بأعداد ضخمة للقيام بعمل قوي وسريع رداً على قيام صلاح الدين بالانتصار في حطين وفتح بيت المقدس حتى أن ملوك أوروبا خرجوا بكل ما لديهم من قوة إمكانيات وخرج على رأس الجيوش إمبراطور ألمانيا وملك فرنسا وملك إنكلترا واستطاعت تلك القوات احتلال عكا سنة 587هـ بعد معارك كلفت المسلمين ستين ألف نفس .

الحملة الصليبية الرابعة سنة 614هـ : منذ وفاة صلاح الدين والبابا 'أنوست الثالث' يدعو أوروبا إلى حرب صليبية جديدة لاسترجاع ما استلبه صلاح الدين ولكن هذه الحملة اصطدمت مع جيوش البيزنطيين الأرثوذكس ودارت حرب نصرانية طائفية بين الأرثوذكس والكاثوليك خضعت في النهاية فيها الكنيسة الشرقية للغربية وفشلت تلك الحملة وكانت نذيراً بفشل الحركة الصليبية كلها وهذه الحملة هي التي أورثت الحقد والبغضاء بين الأرثوذكس والكاثوليك حتى الآن .

الحملة الصليبية الخامسة سنة 616هـ : ودخلت دمياط وحاولت احتلال الديار المصرية التي كانت تمثل مركز الثقل ومنطلق الجيوش الإسلامية ولكن الملك الكامل استطاع أن يهزم تلك الجيوش ويجبرها على الانسحاب .

الحملة الصليبية السادسة سنة 625هـ : وهي حملة قام بها منفرداً الإمبراطور فريدريك الثاني ملك ألمانيا دون الرجوع لباقي ملوك أوروبا واستطاعت هذه الحملة أن تحقق نصراً أدبياً متمثل في استعادة بيت المقدس دون إراقة نقطة دم واحدة ذلك لأن الملك الكامل عقد مع فريدريك اتفاقية صلح سلم بموجبها بيت المقدس للصليبين على أن يرجعوا عن بلاد المسلمين وعد ذلك من أشنع غلطات الكامل .

الحملة الصليبية السابعة سنة 648هـ : وفيها حاول الصليبيون بقيادة لويس التاسع ملك فرنسا دخول الديار المصرية عن طريق دمياط ولكن الملك الصالح أيوب استطاع أن يصمد أمام هجمات الصليبيين وكان مريضاً فلما مات قام ولده نوران شاه بهزيمة الصليبيين شر هزيمة وأسر ملكهم لويس التاسع , وكانت تلك الحملة هي آخر الحملات الصليبية على الشام ولم يبق لهم في الشام سوى بعض القلاع الصغيرة ومدينة عكا وصور وبيروت وطرابلس .

انشغل المسلمون عن الصليبيين وذلك بعد ظهور عدو جديد أشد خطراً وأعظم ضراوة وهم التتار الذين أسقطوا الخلافة العباسية وأحرقوا البلاد ودمروا المدن وأتوا على الأخضر واليابس واستمر المسلمون بقيادة المماليك في حربهم ضد التتار حتى سنة 680هـ حيث موقعة حمص الرهيبة والتي انتصر فيها المسلمون بقيادة السلطان المنصور قلاوون على التتار وأمن الناس شر التتار ثم تفرغ بعدها المنصور قلاوون لتطهير الشام من ذيول الصليبيين الباقية وبالفعل استطاع أن يحرر معظم سواحل الشام من فلول الصليبيين ثم وافته المنية سنة 689هـ قبل فتح عكا .

تولى الأمر بعد المنصور ولده الأشرف خليل وكان شجاعاً مقداماً جهز جيوشاً كثيرة لتحقيق حلم أبيه بفتح عكا وتطهير بلاد المسلمين من الصليبيين تماماً , وعندما تسامع الناس بعزم الأشرف خليل على فتح عكا تقاطر عليه الناس حتى الفقهاء والعلماء والمدرسين وقام المسلمون بحصار عكا بشدة وبالغوا في الحصار أكثر من شهر ثم زحف المسلمون يوم الجمعة 17جمادى الأول عند طلوع الشمس وصعد المسلمون سور المدينة ونصبوا الرايات الإسلامية عليه وكبروا وهللوا وعندها ألقى الله الرعب في قلوب الصليبيين ففروا هاربين في المراكب ودخل المسلمون المدينة وقتلوا كل من بقي من الفرنجة وغنموا كل أموالهم وأولادهم ونساءهم ثم أمر السلطان بتخريب المدينة وتهديمها بحيث لا ينتفع بها أحد خوفاً من عودة الصليبيين لها مرة أخرى وقد يسر الله عز وجل فتحها نهار جمعة كما أخذها الصليبيون في يوم الجمعة وسلمت صور وصيدا قيادتهما إلى السلطان الأشرف خليل فاستوثق الساحل كله للمسلمين وتنظف من الصليبيين وقطع الله دابرهم للأبد وقالت سواحل الشام وبلاد المسلمين للصليبيين وداعاً للأبد
.


وثائق إبادة هنود القارة الأمريكية على أيدي المسيحيين الأسبان

34 لاَ تَظُنُّوا أَنِّي جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاماً عَلَى الأَرْضِ. مَا جِئْتُ لأُرْسِيَ سَلاَماً، بَلْ سَيْفاً. 35 فَإِنِّي جِئْتُ لأَجْعَلَ الإِنْسَانَ عَلَى خِلاَفٍ مَعَ أَبِيهِ، وَالْبِنْتَ مَعَ أُمِّهَا، وَالْكَنَّةَ مَعَ حَمَاتِهَا. 36 وَ هَكَذَا يَصِيرُ أَعْدَاءَ الإِنْسَانِ أَهْلُ بَيْتِهِ! (إنجيل متى :10)

هذا الكتاب من تأليف المطران برتولومي دي لاس كازاس. ترجمة سميرة عزمي الزين. من منشورات المعهد الدولي للدراسات الإنسانية. لمن أراد أن يستزيد فالكتاب ملئ بالفضائع التي تقشعر لها الأبدان واسمحوا لي هنا أقوم بعرض موجز لبعض ما جاء في هذا الكتاب

من مقدمة الكتاب:

((يقول المؤرخ الفرنسي الشهير (( مارسيل باتييون )) أن مؤلف كتابنا ((برتولومي دي لاس كازاس )) أهم شخصية في تاريخ القارة الأمريكية بعد مكتشفها (( كر يستوف كولومبوس )) وأنه ربما كان الشخصية التاريخية التي تستأهل الاهتمام في عصر اجتياح المسيحيين الأسبان لهذه البلاد. ولولا هذا المطران الكاهن الثائر على مسيحية عصره وما ارتكبه من فظائع ومذابح في القارة الأمريكية لضاع جزء كبير من تاريخ البشرية. فإذا كان كولومبوس قد اكتشف لنا القارة , فان برتولومي هو الشاهد الوحيد الباقي على أنه كانت في هذه القارة عشرات الملايين من البشر الذين أفناهم الغزاة بوحشية لا يستطيع أن يقف أمامها لا مستنكرا لها , شاكا في إنسانية البشر الذين ارتكبوها ))

ولد (( برتولومي دي لاس كازاس )) عام 1474 م في قشتالة الأسبانية , من أسرة اشتهرت بالتجارة البحرية. وكان والده قد رافق كولومبوس في رحلته الثانية إلى العالم الجديد عام 1493 م أي في السنة التالية لسقوط غر ناطة وسقوط الأقنعة عن وجوه الملوك الأسبان والكنيسة الغربية. كذلك فقد عاد أبوه مع كولومبوس بصحبة عبد هندي فتعرف برتولومي على هذا العبد القادم من بلاد الهند الجديدة. بذلك بدأت قصته مع بلاد الهند وأهلها وهو ما يزال صبيا في قشتاله يشاهد ما يرتكبه الأسبان من فضائع بالمسلمين وما يريقونه من دمهم وإنسانيتهم في العالم الجديد. لقد جرى الدميان بالخبر اليقين أمام عيني هذا الراهب الثائر على أخلاق أمته ورجال كنيستها , وبعثات تبشيرها : دم المسلمين ودم الهنود , سكان القارة الأمريكية.

كانوا يسمون المجازر عقابا وتأديبا لبسط الهيبة وترويع الناس, كانت سياسة الاجتياح المسيحي : أول ما يفعلونه عندما يدخلون قرية أو مدينة هو ارتكاب مجزرة مخيفة فيها.. مجزرة ترتجف منها أوصال هذه النعاج المرهفة)).

وانه كثيرا ما كان يصف لك القاتل والمبشر في مشهد واحد فلا تعرف من تحزن : أمن مشهد القاتل وهو يذبح ضحيته أو يحرقها أو يطعمها للكلاب , أم من مشهد المبشر الذي تراه خائفا من أن تلفظ الضحية أنفاسها قبل أن يتكرم عليها بالعماد , فيركض إليها لاهثا يجرجر أذيال جبته وغلاظته وثقل دمه لينصرها بعد أن نضج جسدها بالنار أو اغتسلت بدمها , أو التهمت الكلاب نصف أحشائها.

إن العقل الجسور والخيال الجموح ليعجزان عن الفهم والإحاطة , فإبادة عشرات الملايين من البشر في فترة لا تتجاوز الخمسين سنة هول لم تأت به كوارث الطبيعة. ثم إن كوارث الطبيعة تقتل بطريقة واحدة . أما المسيحيون الأسبان فكانوا يتفننون ويبتدعون ويتسلون بعذاب البشر وقتلهم . كانوا يجرون الرضيع من بين يدي أمه ويلوحون به في الهواء, ثم يخبطون رأسه بالصخر أو بجذوع الشجر , أو يقذفون به إلى أبعد ما يستطيعون. وإذا جاعت كلابهم قطعوا لها أطراف أول طفل هندي يلقونه , ورموه إلى أشداقها ثم أتبعوها بباقي الجسد. وكانوا يقتلون الطفل ويشوونه من أجل أن يأكلوا لحم كفيه وقدميه قائلين : أنها أشهى لحم الإنسان.

رأى لاس كازاس كل ذلك بعينيه , وأرسل الرسائل المتعددة إلى ملك أسبانيا يستعطفه ويسترحمه ويطالبه بوقف عذاب هؤلاء البشر. وكانت آذان الملك الأسباني لا تسمع إلا رنين الذهب. ولماذا يشفق الملك على بشر تفصله عنهم آلاف الأميال من بحر الظلمات ما دامت جرائم عسكره ورهبانه في داخل أسبانيا لا تقل فظاعة عن جرائم عسكره ورهبانه في العالم الجديد؟ كان الأسبان باسم الدين المسيحي الذي يبرأ منه المسيح عليه السلام , يسفكون دم الأندلسيين المسلمين الذين ألقوا سلاحهم وتجردوا من وسائل الدفاع عن حياتهم وحرماتهم. وكان تنكيلهم بهم لا يقل وحشية عن تنكيلهم بهنود العالم الجديد. لقد ظلوا يسومون المسلمين أنواع العذاب والتنكيل والقهر والفتك طوال مائة سنة فلم يبق من الملايين الثلاثة الثلاثين (حسبما ذكر الكتاب) مسلم واحد , كما ساموا الهنود تعذيبا وفتكا واستأصلوهم من الوجود. كانت محاكم التفتيش التي تطارد المسلمين وتفتك بهم , ورجال التبشير الذين يطاردون الهنود ويفتكون بهم من طينة واحدة

إن أحدا لا يعلم كم عدد الهنود الذين أبادهم الأسبان المسيحيين , ثمة من يقول انه مائتا مليون, ومنهم من يقول انهم أكثر . أما لاس كازاس فيعتقد أنهم مليار من البشر , ومهما كان الرقم فقد كانت تنبض بحياتهم قارة أكبر من أوروبا بسبعة عشر مرة , وها قد صاروا الآن أثرا بعد عين.

أما المسيحيون فعاقبوهم بمذابح لم تعرف في تاريخ الشعوب. كانوا يدخلون على القرى فلا يتركون طفلا أو حاملا أو امرأة تلد إلا ويبقرون بطونهم ويقطعون أوصالهم كما يقطعون الخراف في الحظيرة. وكانوا يراهنون على من يشق رجلا بطعنة سكين , أو يقطع رأسه أو يدلق أحشاءه بضربة سيف.

كانوا ينتزعون الرضع من أمهاتهم ويمسكونهم من أقدامهم ويرطمون رؤوسهم بالصخور . أو يلقون بهم في الأنهار ضاحكين ساخرين. وحين يسقط في الماء يقولون: ((عجبا انه يختلج)). كانوا يسفدون الطفل وأمه بالسيف وينصبون مشانق طويلة , ينظمونها مجموعة مجموعة , كل مجموعة ثلاث عشر مشنوقا , ثم يشعلون النار ويحرقونهم أحياء . وهناك من كان يربط الأجساد بالقش اليابس ويشعل فيها النار.

كانت فنون التعذيب لديهم أنواعا منوعة. بعضهم كان يلتقط الأحياء فيقطع أيديهم قطعا ناقصا لتبدو كأنها معلقة بأجسادهم, ثم يقول لهم : (( هيا احملوا الرسائل)) أي : هيا أذيعوا الخبر بين أولئك الذين هربوا إلى الغابات. أما أسياد الهنود ونبلاؤهم فكانوا يقتلون بأن تصنع لهم مشواة من القضبان يضعون فوقها المذراة, ثم يربط هؤلاء المساكين بها, وتوقد تحتهم نار هادئة من أجل أن يحتضروا ببطء وسط العذاب والألم والأنين.

ولقد شاهدت مرة أربعة من هؤلاء الأسياد فوق المشواة. وبما انهم يصرخون صراخا شديدا أزعج مفوض الشرطة الأسبانية الذي كان نائما ( أعرف اسمه , بل أعرف أسرته في قشتاله) فقد وضعوا في حلوقهم قطعا من الخشب أخرستهم , مث أضرموا النار الهادئة تحتهم.

رأيت ذلك بنفسي , ورأيت فظائع ارتكبها المسيحيون أبشع منها. أما الذين هربوا إلى الغابات وذرى الجبال بعيدا عن هذه الوحوش الضارية فقد روض لهم المسيحيون كلابا سلوقية شرسة لحقت بهم, وكانت كلما رأت واحدا منهم انقضت عليه ومزقته وافترسته كما تفترس الخنزير. وحين كان الهنود يقتلون مسيحيا دفاعا عن أنفسهم كان المسيحيون يبيدون مائة منهم لأنهم يعتقدون أن حياة المسيحي بحياة مائة هندي أحمر.

وشهد شاهد من أهلها …كما يقولون ..

ألم تذكرنا هذه الفضاعات والوحشية بما حصل في البوسنة و الشيشان؟ من وراء ذلك كله أليسوا هم دعاة المسيحية الذين يتشدقون بالحرية والإنسانية والمساواة والعدالة؟ ويتهمون الإسلام بالإرهاب؟

يقول المثل إذا كان بيتك من زجاج لا ترمي الناس بحجر .

لا تنـــه عن خلق وتأتي مثلـــه * عـــار عليك إذا فعلت عظيـــم



احوكم فى الله ولـــــــــــــــــــيــــــــــــــد



بلدى لمقاومة التنصير