سيرة السيدة عائشة رضي الله عنها زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم
لفضيلة الأستاذ محمد راتب النابلسي الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد ، الصادق الوعد الأمين ، اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا ، إنك أنت العليم الحكيم ، اللهم علمنا ما ينفعنا ، وانفعنا بما علمتنا ، وزدنا علما ، وأرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه ، وأرنا الباطل باطلاً وارزقنا اجتنابه ، واجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه ، وأدخلنا برحمتك في عبادك الصالحين .
أيها الإخوة الكرام ... مع الدرس الحادي عشر من دروس سير الصحابيِّات الجليلات رضوان الله تعالى عليهن أجمعين ، ومع أمهات المؤمنين ، زوجات رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، ومع الزوجة الثالثة السيدة عائشة بنت أبي بكرٍ رضي الله عنهما.
أيها الإخوة الكرام ... قد يسأل أحدكم : هذا الفارق الكبير في السن بين السيدة عائشة وبين رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ؟ كيف تزوَّج النبي امرأةً في سن أمه ؟ ثم كيف تزوج امرأةً في سن ابنته ؟ الأمور التي لا يدلي الشرع فيها بحكمٍ ترجع إلى الأعراف .
فأنت إذا قلت : أنا أكلت اللحم . ماذا تقصد ؟ لحم الضأن أو لحم البقر ، لأنك إذا أكلت سمكاً تقول : أكلت سمكاً . فإذا إنسان حلف بالطلاق ألّا يأكل لحماً ، فهل بإمكانه أن يأكمل سمكاً؟ نعم بإمكانه ، مع أن السمك لحم ، لكن العرف هو أن اللحم هو لحم الضأن أو البقر والسمك شيءٌ آخر ، ففي الموضوعات التي لم يكن هناك حكمٌ شرعي يعود الأمر إلى العرف.
وهذا موضوع طويل في أصول الفقه ، بابٌ كبير ، فأحد المصادر التشريعية العرف فهو الذي يحكم القضايا التي ليس فيها حكمٌ شرعي .
لو أن في زواج الرسول صلى الله عليه وسلَّم من السيدة عائشة ، أيُّ مأخذٍ في أعراف العرب وقتها لأُخِذ على النبي صلى الله عليه وسلَّم هذا الزواج ، بل إن البيئة وقتها تسمح بأن تأخذ امرأةً في سن أمك ، وتسمح بأن تأخذ امرأةً في سن ابنتك ؛ ولكن السيدة عائشة لها دور كبير جداً في موضوع الفقه ..
فقال بعض العلماء : " إن ربع الأحكام الشرعيَّة عُلِم منها " . إن ربع الأحكام الشرعية التي عرفناها من رسول الله صلى الله عليه وسلَّم إنما عُرِفَت من أحاديث روتها السيدة عائشة رضي الله عنها ، فامرأة النبي ، زوجة النبي ، أم المؤمنين لها دورٌ خطيرٌ جداً في الدعوة ؛ لأنها يمكن أن تختص بالنساء ، تعلمون أن النساء يسألن النبي عليه الصلاة والسلام عن موضوعاتٍ تخصُّ حالَهن ، وأفضل إنسانة تعبِّر عن الأحكام الشرعية المتعلِّقة بالمرأة زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلَّم ، إذاً لها دورٌ في الدعوة .
ويقول العلماء أيضاً : " ما رأوا أحداً أعلم بمعاني القرآن وأحكام الحلال والحرام من السيدة عائشة ، وما رأى العلماء أحداً أعلم بالفرائض والطب والشعر والنسب من السيدة عائشة " . مع أنها صغيرة إلا أنها كانت شيئاً نادراً في الذكاء ، وشيئاً نادراً في الحفظ ، وشيئاً نادراً في الوفاء للنبي عليه الصلاة والسلام .
إذاً فليعلم القارئ حقاً ويطمئن أن زوجات النبي صلى الله عليه وسلَّم قد اختارهنّ الله جلَّ جلاله له ، لما سيكون لهن من دورٍ في الدعوة مستقبلاً .
فهذا الذي يفكر أن النبي تزوج زوجةً في سن ابنته ، أو امرأةً في سن أمه ، هذا لا يعرف من هو النبي ، فالنبي عليه الصلاة والسلام بقي مع السيدة خديجة وهي في سن أمه ربع قرنٍ ، وكان بإمكانه أن يتزوَّج أجمل فتيات مكة ، فهو بعيدٌ جداً عن هذا الذي يفكِّر فيه أعداء الإسلام .
المفضلات