

-
ب : علم الأجنة التجريبي :
لم تكتشف بييضة الثدييات إلا في أواخر القرن التاسع عشر ، وبدأت المرحلة التاريخية الثانية – عهد علم الأجنة التجريبي – بكتابات (فون باير) و (داروين) و (هيكل) (اعتباراً من نهاية القرن التاسع عشر حتى الأربعينات من القرن العشرين) .
وكان (فون باير) عملاقاً في عصره في هذا المجال ، فقد قفز بعلم الأجنة من التجارب والمشاهدات إلى صياغة المفاهيم الجنينية لا العكس ، وكانت تلك ومضة ذكاء دقيقة جداً .
وقد انتقل به تفكيره هذا إلى أبعد من المفاهيم التي تعلمها .
كما تميزت المرحلة التاريخية الثانية بالبحث عن (الآليات) وبرز اسم (ويلهيلهم روكس) في هذا المجال ، وانتقلت الدراسة الجنينية من وصف الملاحظات إلى التدخل ومعالجة الكائنات الحية المتطورة .
وقد شغلت مسألة معرفة الآلية التي يحدث فيها التمايز بين الخلايا اهتمام الباحثين أمثال (ويلسون) و (نيودور) و (بوفيري) ، وقد طور (روس هاريسون) تقنية زرع الحبل السري، وبدأ (أوتو واربورغ) دراسات عن الآليات الكيميائية للتخلق ، ودرس (فرانك راتري ليلى) طريقة إخصاب الحوين المنوي للبييضة ، كما درس (هانس سبيمان) آليات التفاعل النسيجي كالذي يحدث خلال التطور الجنيني ، ودرس (يوهانس هولتفرتر) العمليات الحيوية التي تظهر بعض الترابط بين خلايا الأنسجة فيما بينها أو فيما بينها وبين خلايا الأنسجة الأخرى
ج : التقنية واستخدام الأجهزة :
وعلى سبيل المثال : فإن المجهر الإلكتروني ، وآلات التصوير المتطورة الأخرى ، وقياس الشدة النسبية لأجزاء الطيف ، والحاسوب ، ومجموعة وسائل الكشف عن البروتينات ، والأحماض النووية ، والكربوهيدرات المعقدة ، وعزلها وتحليلها ، يمكن أن تعتبر كلها عوامل تجعل علماء (الأحياء البيولوجي النمائي) اليوم في وضع يسمج لهم بإجراء تجارب كانت تبدو قبل عقد من الزمن مجرد حلم خيالي .
فيمكننا اليوم أن نجري تحليلاً دقيقاً مفصلاً لسطح الخلايا خلال تمايزها .
ويمكننا أيضاً أن ندرس دور النواة ،وجبلة الخلية[5] ، والمنابت خارج الخلية باستخدام تهجين الخلايا وغرس النواة وغرس الجينات في الرحم وغير ذلك من التقنيات .
ويمكننا أن ننظر الآن إلى الأجنة بوضوح لم يمكن تصوره في زمن العالم (مالبيجي) (الشكل 1-12) .
الشكل 1-12 : مسح بجهاز الرسم الالكتروني لجنين فار
(مع الشكر للدكتور أ. فضل)
(Permission from GGG)
ويمكننا أن ننظر داخل الأقسام ، (الشكل 1-13 ، 1-14) لنفهم آليات التمايز الطبيعي والشاذ فهما أفضل .
الشكل 1-13 : مسح بجهاز الرسم الالكتروني لقلب جنين فأر
(بإذن من مختبر GGG ) (مع الشكر للدكتور أ. فضل)
(courtesy of Dr. A. Fazel) permission from GGG
الشكل 1-14 : مسح بجهاز الرسم الالكتروني لقلب جنين فأر يظهر إحدى مراحل تكون هلام بطانة القلب (مع الشكر للدكتور أ. فضل)
(بإذن من مختبر GGG )
(courtesy of Dr. A. Fazel) permission from GGG
3- المعلومات الجنينية في القرآن الكريم والسنة النبوية
ولكن ماذا عن القرآن الكريم والسنة النبوية اللذين يرجع تاريخهما إلى قبل 1400 عام فيما يتعلق بالأجنة ؟
لقد وصف القرآن الكريم والحديث الشريف في القرن السابع الميلادي وبأسلوب رفيع رائع الكثير من هذه المكتشفات المدهشة ، التي اكتشفها العلم الحديث بأجهزته وأساليب بحثه .
ونجد أن المكتشفات التي تمت في القرن التاسع عشر بل وحتى في القرن العشرين ورد وصفها في القرآن الكريم والحديث الشريف (انظر على سبيل المثال : سورة النجم الآيتين 45،46) . ﴿وَأَنَّهُ خَلَقَ الزَّوْجَيْنِ الذَّكَرَ وَالْأُنْثَى(45)مِنْ نُطْفَةٍ إِذَا تُمْنَى(46)﴾[6] وقد أوضح القرآن الكريم أن الإنسان يخلق من مزيج من إفرازات الرجل والمرأة ، وأن الكائن الحي الذي ينجم عن الإخصاب يستقر في رحم المرأة على هيئة بذرة. وإن انغراس كيس الجرثومة (النطفة) يشبه فعلاً عملية زرع البذرة[7] .
ويتضمن القرآن الكريم أيضاً معلومات عن المراحل الأخرى من عملية التخلق كمرحلة العلقة والمضغة (تكون الفلقات – أو الكتل البدنية – SOMITES) والهيكل العظمي وكساء العظام بالعضلات (اللحم) .
ويشير كل من القرآن الكريم والحديث الشريف إلى توقيت التخلق الجنسي والتخلق الجنيني واكتساب المظهر البشري .
وهذه النصوص تثير الدهشة إذ إنها تشير إلى أحداث التخلق بترتيبها المتسلسل الصحيح وبوصف واضح دقيق .
خاتمـــة :
موجز القول : إن تاريخ علم الأجنة يدل على أن التخلق البشري كان دائماً مثار اهتمام كبير ، وقد اقتصرت الدراسات الأولى على استخدام الوصف التخيلي نظراً لقلة الوسائل التقنية المتقدمة حينئذ ، وبعد اختراع المجهر في وقت لاحق اتسمت الدراسات بدقة أكبر وظلت تستخدم الوصف إلى جانب الأساليب التقنية التجريبية ، بيد أن كثيراً من هذه الملاحظات الوصفية كان على قدر كبير من التخيل والبعد عن الدقة ، ولم يتم التوصل إلى فهم ووصف أدق للتخلق الجنيني إلا في هذا القرن وباستخدام الأجهزة الحديثة فقط .
ويمكننا أن نستنتج من تحليل الآيات القرآنية والأحاديث النبوية أنها تتضمن وصفاً دقيقاً شاملاً للتخلق البشري من وقت امتزاج الأمشاج وخلال تكون الأعضاء وما بعد ذلك ، في مثل قوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِنْ سُلَالَةٍ مِنْ طِينٍ(12)ثُمَّ جَعَلْنَاهُ نُطْفَةً فِي قَرَارٍ مَكِينٍ(13)ثُمَّ خَلَقْنَا النُّطْفَةَ عَلَقَةً فَخَلَقْنَا الْعَلَقَةَ مُضْغَةً فَخَلَقْنَا الْمُضْغَةَ عِظَامًا فَكَسَوْنَا الْعِظَامَ لَحْمًا ثُمَّ أَنشَأْنَاهُ خَلْقًا آخَرَ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ(14)﴾[المؤمنون:12-14].
ومثل قوله صلى الله عليه وسلم :
(إذا مرّ بالنطفة ثنتان وأربعون ليلة بعث الله إليها ملكاً فصورها ، وخلق سمعها ، وبصرها وجلدها ، ولحمها ، وعظامها ..)[8].
ولم يكن هناك أي تدوين مميز شامل للتخلق البشري كالتصنيف المرحلي وعلم المصطلحات والوصف قبل القرآن الكريم. فقد سبق هذا الوصف القرآني والنبوي بقرون كثيرة في معظم الحالات إن لم يكن في كلها ، تسجيل المراحل المختلفة لتخلق الجنين البشري في المؤلفات العلمية المعروفة .
وقبل ظهور المجهر المركب لم تكن هناك أية وسيلة نعرفها لمراقبة المراحل الأولى للتخلق البشري (النطفة على سبيل المثال) .
وإن تقديم وصف علمي لمراحل التخلق البشري، يتطلب الحصول على عدد كبير من الأجنة البشرية في عمر معين ودراستها ، ويصعب تماماً حتى في يومنا هذا تجميع مثل هذه السلسلة. وقوله تعالى : ﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنْ الْخَلْقِ غَافِلِينَ(17)﴾ [المؤمنون:17] ، يلمح إلى سبب وجود نصوص عديدة في القرآن الكريم والسنة النبوية تصف تفاصيل التطور الجنيني .
المراجـع
القرآن الكريم .
فتح الباري : ط دار المعرفة ، بيروت .
صحيح مسلم : ط دار إحياء التراث العربي ، بيروت .
أبو داود : ط دار الحديث ، حمص – سوريا .
الطبراني : مطبعة ابن تيمية ، مصر .
بحث النطفة .
[1] أخرجه البخاري في فضائل القرآن باب 1 حديث رقم 4978 ومسلم في باب الإيمان برقم 239 .
[2]ألقى هذا البحث في المؤتمر العالمي الأول عن الإعجاز العلمي في القرآن والسنة بمدينة إسلام آباد بالباكستان (صفر 1408هـ الموافق أكتوبر 1987م) .
[3](انظر ما ذكره ابن حجر المتوفي في عام 852هـ في فتح الباري) (المصور من الطبعة السلفية) ج11 ص 477-491 حيث قال في ص 480 (وزعم كثير من أهل التشريح أن مني الرجل لا أثر له في الولد إلا في عقده ، وأنه إنما يتكون من دم الحيض ، وأحاديث الباب تبطل ذلك)
[4]انظر بحث النطفة .
[5]السيتوبلازم : المادة الحية للخلية باستثناء النواة .
[6] انظر بحث النطفة .
[7] انظر تفاصيل ذلك في بحث النطفة .
[8] أخرجه مسلم ، وأبو داود ، والطبراني ، وجعفر الغريابي وذكره ابن حجر في الفتح 11:48 .
يـــــــــــــــــــتـــــــــــــــــــبـــــــــــــــــــ ع
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة عبد العزيز عيد في المنتدى العقيدة والتوحيد
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 19-11-2009, 02:19 AM
-
بواسطة حاشجيات في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 4
آخر مشاركة: 14-08-2008, 04:49 AM
-
بواسطة قاصد الحق في المنتدى فى ظل أية وحديث
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 13-03-2008, 05:47 PM
-
بواسطة احمد العربى في المنتدى الإعجاز العلمي فى القرأن الكريم والسنة النبوية
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 30-11-2005, 06:37 PM
-
بواسطة الفلاسي في المنتدى المنتدى الإسلامي
مشاركات: 7
آخر مشاركة: 14-07-2005, 03:18 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات