الأناجيل غير القانونية


نشطت حركة التأليف في الجيل الأول من النصرانية بشكل واسع، وظهرت أناجيل كثيرة كما تدلنا على ذلك مقدمة إنجيل لوقا " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً، إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علّمتَ به" (لوقا 1/1-4)، لكن هذه الكثرة الكاثرة من الأناجيل التي سطرها تلاميذ المسيح لم يكتب لها القبول فيما بعد من الكنيسة، فاندثرت وأضحت في خبر كان .

أولا: نظرة تاريخية في الأناجيل غير القانونية

رأينا كيف اعترفت الكنيسة بأربعة أناجيل، وأنها رفضت عدداً كبيراً من الأناجيل والكتب التي ألفها الجيل الأول من المسيحيين، وأوصلها صاحب كتاب اكسيهومو ( 1810م ) إلى أربعة وسبعين كتاباً، وعدّدها، فذكر أن منها ما هو منسوب لعيسى وأمه، وللحواريين، ومنها ما هو منسوب للإنجيليين الأربعة، وبعض الباحثين يصل بعدد الأناجيل إلى ما يربو على المائة كتاب، ومنها ما هو منسوب لجماعات مسيحية قديمة كإنجيل المصريين والناصريين.

وقد سميت بعض هذه الكتب أناجيل كإنجيل بطرس واندرياه ويعقوب وميتاه ( متى ) وإنجيل المصريين لمرقس وبرنابا، وعددت دائرة المعارف الأمريكية أسماء ستة وعشرين إنجيلاً لا تعترف بهم الكنيسة رغم نسبتهم إلى المسيح وكبار حوارييه.

وقد كانت بعض هذه الكتابات والأناجيل متداولة لدى عدد من الفرق المسيحية القديمة، وظلت متداولة إلى القرن الرابع الميلادي.

وفي مجمع نيقية 325م أمرت الكنيسة باعتماد الأناجيل الأربعة ورفض ما سواها، من غير أن تقدم مبرراً لرفض تلك الأناجيل سوى مخالفتها لما تم الاتفاق عليه في المجمع، وفي ذلك يقول العالم الألماني تولستوي في مقدمة إنجيله الخاص الذي وضع فيه ما يعتقد صحته: " لا ندري السر في اختيار الكنيسة هذا العدد من الكتب وتفضيلها إياه على غيره، واعتباره مقدساً منزلاً دون سواه مع كون جميع الأشخاص الذين كتبوها في نظرها رجال قديسون ... ويا ليت الكنيسة عند اختيارها لتلك الكتب أوضحت للناس هذا التفضيل...إن الكنيسة أخطأت خطأ لا يغتفر في اختيارها بعض الكتب ورفضها الأخرى واجتهادها.. ".

وأمرت الكنيسة بحرق جميع هذه الأناجيل لما فيها من مخالفات للعقيدة الكنسية، وصدر قرار من الإمبراطور بقتل كل من عنده نسخة من هذه الكتب.

ثانياً: ما وصل إلينا من الأناجيل المحرمة

وهكذا اختفت معظم هذه الأناجيل ولم يصل منها سوى إنجيل برنابا والإنجيل الأغنسطي، وثلاث قصاصات من إنجيل مريم وبعض شرائح لاتينية وإغريقية وقبطية من إنجيل برثولماوس وإنجيل نيقوديموس، كما عثر أخيراً في نجع حمادي بمصر على مقتطفات من إنجيل بطرس وكتاب أعمال يوحنا.

ولعل أهم ما وجد في نجع حمادي مائة وأربعة عشر قولاً منسوباً للمسيح في إنجيل توما الذي يختلف أسلوبه عن الأناجيل الأربعة، إذ لم يسرد قصة المسيح، بل نقل أقواله، ويرجع المحقق كويستر هذا الإنجيل إلى منتصف القرن الأول الميلادي، وأرجعه كيسيبل إلى 140م.

وعثر أيضاً على إنجيل " الحقيقة " والذي اعتبره ايرينوس (180م ) إنجيلاً مزوراً

ثالثاً: الأدلة التاريخية على وجود هذه الأناجيل

وللتأكيد على وجود هذه الأناجيل في القرن الأول وحتى قبل كتابة الإنجيليين الأربعة لأناجيلهم نتذكر ما سطره لوقا في مقدمته " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا.. رأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمتَ به " ( لوقا 1/1 - 4 )، فقد كان بين يديه مجموعة كبيرة من الأناجيل، لا يعلم عددها إلا الله.

وقد استشهد كل من كليمنت الرومي ( 97م ) وبوليكارب ( 112م ) بأقوال للمسيح في صيغ مستقلة غير موجودة في الأناجيل الأربعة.

وقد جمع فايرسيوس ما تبقى من هذه الأناجيل، وطبعها في ثلاثة مجلدات.

مـــلاحظــــات


وبادئ ذي بدء فإن المحققين سجلوا حول هذه الأناجيل ملاحظات.

-أن ثمة كتب كثيرة ظهرت في القرن الأول، وكلها منسوبة للمسيح وحوارييه.

-أن هذه الأناجيل تخالف عقائد مجمع نيقية، وبعضها كان خاصاً بفرق مسيحية موحدة.

- أن الكنيسة حين حرمت هذه الأناجيل، لم تقدم أدلة على صحة القرار الذي اتخذته.

-أنه كما لا يحق لرجال الكنيسة إعطاء صفة القانونية للأناجيل الأربعة، فإنه لا يحق لهم إبطال صحة هذه الأناجيل واعتبارها أبوكريفا ( مزيفة، خفية ).