آخـــر الـــمـــشـــاركــــات


-
اختلاف مخطوطات العهد الجديد
نلحظ أولاً أن هذه النسخ جميعاً ليست من خط كاتبها أو ليس منها شيء كتب في وجوده، بل إن أولها كتب بعد وفاة كُتاب الأناجيل بما لا يقل عن قرنين من الزمان.
ولا يستطيع النصارى أن يثبتوا سنداً لهذه المخطوطات إلى كتبتها، واعترف بذلك القسيس فرنج فقال معتذراً: " إن سبب فقدان السند عندنا وقوع المصائب والفتن على المسيحيين إلى مدة ثلاثمائة وثلاث عشرة سنة "، ويعتبره رحمة الله الهندي تفسيراً مقبولاً لا يقيلهم من إحضار سند هذه الكتب، فمثل هذه المسائل لا تقبل من طريق الظن والتخمين.
وهذه المخطوطات وغيرها التي يتحدث النصارى عن كثرتها لا يتفق منها مخطوطان، فقد تعرضت جميعها للزيادة والنقصان حسب أهواء النساخ، وهو ما يعترف به النصارى ومنهم سويجارت الذي يحاول التقليل من أهمية هذه الاختلافات فيقول : " المبادئ العلمية تخبرنا أنه فيما يختص بكتب العهود القديمة إذا توفر لدينا عشر نسخ منها، فإننا لا نحتاج بالضرورة إلى الأصل لنضمن تحققنا من النسخة الأصلية، وعندما نفكر أن لدينا أربعة وعشرين ألف نسخة، وأن بعض الاختلافات موجودة فيما بين هذه النسخ، وهذا ما نعترف به، فالمهم أن جوهر النص لم يتغير".
لكن الدكتور روبرت في كتابه " حقيقة الكتاب المقدس " يرد ذلك ويخالفه، وكان روبرت قد أعد لمطبعة
" تسفنجلي " مذكرة علمية تطبع مع الكتاب المقدس، ثم منع من طبعها، ولما سئل عن السبب في منعها قال : " إن هذه المذكرة ستفقد الشعب إيمانه بهذا الكتاب ".
يقول د. روبرت : " لا يوجد كتاب على الإطلاق به من التغييرات والأخطاء والتحريفات مثل ما في الكتاب المقدس "، وينقل روبرت أن آباء الكنيسة يعترفون بوقوع التحريف عن عمد، وأن الخلاف بينهم محصور فيمن قام بهذا التحريف.
ويقول كينرايم : إن علماء الدين اليوم على اتفاق واحد يقضي بأن الكتاب المقدس وصل إلينا منه أجزاء ضئيلة جداً فقط هي التي لم يتم تحريفها.
ويقول الدكتور روبرت : " لن يدعي أحداً أبداً : أن الله هو مؤلف كل أجزاء هذا الكتاب قد أوحى إلى الكتبة هذه التحريفات ".
يقول موريس نورن في " دائرة المعارف البريطانية " : " إن أقدم نسخة من الأناجيل الرسمية الحالية كتب في القرن الخامس بعد المسيح، أما الزمان الممتد بين الحواريين والقرن الخامس فلم يخلف لنا نسخة من هذه الأناجيل الأربعة الرسمية، وفضلاً عن استحداثها وقرب عهد وجودها منا، فقد حرفت هي نفسها تحريفاً ذا بال، خصوصاً منها إنجيل مرقس وإنجيل يوحنا".
وعن إنجيل مرقس، يتحدث مفسره دنيس نينهام، فيقول : " لقد وقعت تغييرات تعذر اجتنابها، وهذه حدثت بقصد أو بدون قصد، ومن بين مئات المخطوطات لإنجيل مرقس، والتي لا تزال باقية حتى اليوم لا نجد نسختان تتفقان تماماً، وأما رسائل بولس فلها ستة قراءات مختلفة تماماً".
ويقول: " ليس لدينا أي مخطوطات يدوية يمكن مطابقتها مع الآخرين "، ويستعين بما ذكره القس شورر عن مخطوطات الأناجيل، وأن بها 50000 اختلاف، فيما قال كريسباخ بأنها 150000 اختلاف، وتؤكد ذلك دائرة المعارف البريطانية بقولها: " إن مقتبسات آباء الكنيسة من العهد الجديد والتي تغطي كله تقريباً تظهر أكثر من مائة وخمسين ألف من الاختلافات بين النصوص".
وممن اعترف بكثرة هذه الاختلافات العالم ميل، وذكر بأنها ثلاثون ألفاً، ووافقه في عددها القس باركر البروتستانتي، وأوصل هذه الاختلافات العلامة وتيس تين إلى أزيد من ألف ألف.
ويقول شميت: "لا توجد صفحة واحدة من الأناجيل العديدة التي لا تحتوي نصها الأقدم على اختلافات عديدة".
ويحاول النصارى تبرير هذه الاختلافات الكثيرة بين المخطوطات فيقول صاحب كتاب "مرشد الطالبين" : " لا تعجب من وجود اختلافات في نسخ الكتب المقدسة، لأن قبل ظهور صناعة الطبع في القرن الخامس عشر من الميلاد كانت تنسخ بالخط، فكان بعض النساخ جاهلاً وبعضهم غافلاً وساهياً ".
وهذا الكلام صحيح، لكنه يمثل نصف الحقيقة فحسب، إذ هو يغفل وقوع التحريف المتعمد من قبل النساخ، وهو ما أقر به المدخل الفرنسي للعهد الجديد، فقد جاء فيه: " إن نسخ العهد الجديد التي وصلت إلينا ليست كلها واحدة. بل يمكن المرء أن يرى فيها فوارق مختلفة الأهمية.. هناك فوارق أخرى بين الكتب الخط تتناول معنى فقرات برمتها واكتشاف مصدر هذه الفوارق ليس بالأمر العسير.
فإن نص العهد الجديد قد نسخ طوال قرون كثيرة بيد نساخ صلاحهم للعمل متفاوت، وما من واحد منهم معصوم من مختلف الأخطاء... يضاف إلى ذلك أن بعض النساخ حاولوا أحياناً عن حسن نية أن يصوبوا ما جاء في مثالهم، وبدا لهم أنه يحتوي أخطاء واضحة أو قلة دقة في التعبير اللاهوتي، وهكذا أدخلوا إلى النص قراءات جديدة تكاد تكون كلها خطأ.
ثم يمكن أن يضاف إلى ذلك كله أن الاستعمال لكثير من الفقرات من العهد الجديد في أثناء إقامة شعائر العبادة أدى أحياناً إلى إدخال زخارف غايتها تجميل الطقس أو إلى التوفيق بين نصوص مختلفة ساعدت على التلاوة بصوت عال.
ومن الواضح أن ما أدخله النساخ من التبديل على مرِّ القرون تراكم بعضه على بعضه الآخر، فكان النص الذي وصل آخر الأمر إلى عهد الطباعة مُثقلاً بمختلف ألوان التبديل.. والمثال الأعلى الذي يهدف إليه علم نقد النصوص هو أن يمحص هذه الوثائق المختلفة، لكي يقيم نصاً يكون أقرب ما يمكن من الأصل الأول، ولا يمكن في حال من الأحوال الوصول إلى الأصل نفسه".
ويؤكد هذا كله جورج كيرد رئيس الجمعية الكندية لدراسة الكتاب المقدس بقوله : " كان يحفظ النص في مخطوطات نسختها أيدي مجهدة لكتبة كثيرين، ويوجد اليوم من هذه المخطوطات 4700 ما بين قصاصات من ورق إلى مخطوطات كاملة على رقائق من الجلد أو القماش.
إن نصوص جميع هذه المخطوطات تختلف اختلافاً كبيراً، ولا يمكننا الاعتماد بأن أياً منها قد نجا من الخطأ.. إن أغلب النسخ الموجودة من جميع الأحجام قد تعرضت لتغييرات أخرى على يد المصححين الذين لم يكن عملهم دائماً إعادة القراءة الصحيحة ".
أمثلة لتحريف النساخ
وذكر المحققون أمثلة صريحة لتدخل النساخ في النص عن عمد، منه ما جاء في متى " متى نظرتم رجسة الخراب التي قال عنها دانيال قائمة في المكان المقدس، ليفهم القارئ، فحينئذ ليهرب الذي في اليهود إلى الجبال " ( متى 24/15 - 16)، فعبارة " ليفهم القارئ " من زيادة الناسخ الذي أراد التنبيه على أهمية الموضوع الذي يكتبه، ولم يقلها المسيح وهو يخاطب تلاميذه.
ومثله ما جاء في آخر يوحنا " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق
" ( يوحنا 21/24 ) فقوله " نعلم أن شهادته حق " من زيادة النساخ.
ومثله ما جاء في يوحنا " للوقت خرج دم وماء، والذين عاين شهد، وشهادته حق، وهو يعلم أنه يقول الحق لتؤمنوا أنتم " ( يوحنا 19/34 - 36 )، فالجملة الأخيرة أراد الناسخ من خلالها التأكيد والتنبيه على صدق يوحنا، وهي ليست من كتابته.
إبطال دعوى الإلهام لكتبة العهد الجديد
إن أحداً من كتاب العهد الجديد - سوى بولس - لم يدع لنفسه الإلهام، بل سجلت كتاباتهم اعترافات أن هذا العمل جهد بشري خالص لم يقصد كاتبوه أن يسجلوا من خلاله كتباً مقدسة.
فها هو لوقا في مقدمة إنجيله يقول: " إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا، كما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين وخداماً للكلمة، رأيت أنا أيضاً - إذ قد تتبعت كل شيء من الأول بتدقيق - أن أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس، لتعرف صحة الكلام الذي علِّمتَ به "
( لوقا 1/1-4 ).
فيفهم من هذه المقدمة أمور، منها: أن إنجيله خطاب شخصي، وأنه دوّنه بدافع شخصي، وأن له مراجع نقل عنها بتدقيق، وأن كثيرين كتبوا غيره، ولم يذكر لوقا في مقدمته شيئاً عن إلهام إلهي ألهمه الكتابة أو وحي من روح القدس نزل عليه.
وإذا كان الحواريون والتلاميذ غير عارفين بإلهامية ذواتهم وبعضهم، فكيف عرف النصارى ما جهله أصحاب الشأن ؟ لا دليل في الأناجيل على إلهامية أحد منهم، إلا ما ادعاه بولس لنفسه.
رسائل شخصية لا علاقة للإلهام والوحي بها
لكن المتأمل في رسائل بولس خصوصاً والحواريين عموماً يجد عشرات المواضع التي تشهد لهذه الرسائل بأنها شخصية لا علاقة للوحي بها، ومن ذلك : "يسلم عليك أولاد أختك " ( يوحنا (2) 13).
ويرسل يوحنا المزيد من السلامات لأحبابه " غايس الحبيب الذي أحبه بالحق. أيها الحبيب في كل شيء أروم أن تكون ناجحاً وصحيحاً... سلام لك، يسلم عليك الأحباء، سلم على الأحباء بأسمائهم" ( يوحنا (3) 1-14).
وفي رسائل بولس مثل ذلك، ومنه : " تسلم عليكم كنائس آسيا، يسلم عليكم … أكيلا وبريسكلا.. يسلم عليكم الإخوة أجمعون، سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة " ( كورنثوس (1) 16/19 - 20).
ويواصل بولس تسجيل رغباته الشخصية وأخبار أصدقائه في كورنثوس، فيقول: " الرداء الذي تركته في تراوس عند كابرس أحضره متى جئت، والكتب أيضاً لاسيما الرقوق.... سلم على ريسكا وأكيلا وبيت أنيسيفورس، اراستس بقي في كورنثوس، وأما ترو فيمس فتركته في ميليتس مريضاً. بادر أن تجيء قبل الشتاء..." ( تيموثاوس (2) 4/13 - 21).
وهكذا تستمر رسائل بولس وسلاماته إلى أصدقائه وأقربائه، وتطول كما في رسالة رومية، وفيها: " أوصي إليكم بأختنا فيبي التي هي خادمة الكنيسة التي في كنخريا، كي تقبلوها في الرب كما يحق للقديسين وتقوموا لها في أي شيء احتاجته منكم، لأنها صارت مساعدة لكثيرين ولي أنا أيضاً.
سلموا على بريسكلا وأكيلا العاملين معي في المسيح يسوع، اللذين وضعا عنقيهما من أجل حياتي، اللذين لست أنا وحدي أشكرهما، بل أيضاً جميع كنائس الأمم، وعلى الكنيسة التي في بيتهما. سلموا على أبينتوس حبيبي الذي هو باكورة إخائية للمسيح.
سلموا على مريم التي تعبت لأجلنا كثيراً. سلموا على أندرونكوس ويونياس نسيبيّ المأسورين معي اللذين هما مشهوران بين الرسل، وقد كانا في المسيح قبلي. سلموا على أمبلياس حبيبي في الرب. سلموا على أوربانوس العامل معنا في المسيح وعلى أستاخيس حبيبي. سلموا على أبلّس المزكى في المسيح. سلموا على الذين هم من أهل أرستوبولوس.
سلموا على هيروديون نسيبي. سلموا على الذين هم من أهل نركيسوس الكائنين في الرب. سلموا على تريفينا وتريفوسا التاعبتين في الرب. سلموا على برسيس المحبوبة التي تعبت كثيراً في الرب. سلموا على روفس المختار في الرب وعلى أمه أمي. سلموا على اسينكريتس فليغون هرماس بتروباس وهرميس وعلى الإخوة الذين معهم. سلموا على فيلولوغس وجوليا ونيريوس وأخته وأولمباس وعلى جميع القديسين الذين معهم.
سلموا بعضكم على بعض بقبلة مقدسة.كنائس المسيح تسلم عليكم،... يسلم عليكم تيموثاوس العامل معي ولوكيوس وياسون وسوسيباترس أنسبائي. أنا ترتيوس كاتب هذه الرسالة أسلم عليكم في الرب. يسلم عليكم غايس مضيفي ومضيف الكنيسة كلها. يسلم عليكم اراستس خازن المدينة وكوارتس الأخ "
( رومية 16/1 – 21)، ولعل القارئ الكريم قد لاحظ مشاركة الكاتب ترتيوس، والذي لم ينس هو أيضاً أن يسجل تحياته وأشواقه في رسالته التي لم يدر في خلده أنها ستعتبر يوماً من الأيام جزء من كلمة الله.
وتتكرر المشاهد الشخصية في رسالة فيلبي، حيث يقول: " أنا أيضاً سآتي إليكم سريعاً، ولكني حسبت من اللازم أن أرسل إليكم ابفرودتس أخي والعامل معي والمتجند معي ورسولكم والخادم لحاجتي، إذ كان مشتاقاً إلى جميعكم ومغموماً، لأنكم سمعتم أنه كان مريضاً..، فأرسلته إليكم بأوفر سرعة، حتى إذا رأيتموه تفرحون أيضاً، وأكون أنا أقل حزناً " (فيلبي 2/26 -28).
ولا ينسى بولس أن يسجل هنا أيضاً بعض تحياته، فيقول: " سلموا على كل قديس في المسيح يسوع. يسلم عليكم الإخوة الذين معي، يسلم عليكم جميع القديسين، ولا سيما الذين من بيت قيصر.. كتبت إلى أهل فيلبي من رومية على يد ابفرودتس " ( فيلبي 4/21 – 22).
ومثل هذا كثير، انظر (كورنثوس (1)16/20)، و (فيلمون 1/21 - 24 )، و (تيطس 3/12)......فهل هذه العبارات من إلهام الله ووحيه؟!
التعديل الأخير تم بواسطة kholio5 ; 16-05-2007 الساعة 09:03 PM
-
عبارات لا يمكن أن تكون وحياً
لو تتبعنا الأناجيل لما وجدنا ما يشعر بأن أياً منها صادر من مُلهَم يكتب وحياً، فمثلاً يقول لوقا : "ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة، وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف.. " (لوقا 3/23 )، فلفظة “نحو“ و “يظن” لا تصدران عن ملهم جازم بما يقول، وقد أزعجت هاتان العبارتان علماء الكنيسة، فحذفوهما من طبعة الكتاب المقدس المنقحة الإنجليزية.
ومثله في خاتمة يوحنا يقول: " وأما هذه فقد كتبت لتؤمنوا أن يسوع هو المسيح ابن الله"
(يوحنا 20/30 - 31 )، وقد كتبه بطلب من أساقفة آسيا لا الروح القدس، وهو لا يقول بأن الله ألهمه ذلك.
ويقول: " هذا هو التلميذ الذي يشهد بهذا، وكتب هذا، ونعلم أن شهادته حق " فلم يذكر شيئاً عن إلهام هذا الإنجيل، ثم قال بعدها ما أثبت صفة البشرية لكلامه "وأشياء أخرى كثيرة صنعها يسوع، إن كتبت واحدة واحدة فلست أظن أن العالم نفسه يسع الكتب المكتوبة " (يوحنا 21/24 - 25)، فمثل هذه المبالغة لا يغيب أنها صنعة بشرية لعادة البشر في ذلك.
وعلاوة على هذا كله فإن في الرسائل فقرات تنفي هي عن نفسها دعوى الإلهام وتكذبه، وتشهد لصاحبها بأنه يتحدث ببشرية تامة، وأن الوحي لا علاقة له بما يكتب
ومن ذلك قول بولس للمتزوج بغير المؤمنة: " أقول لهم أنا لا الرب..." ( كورنثوس (1) 7/12 ).
ويقول: "وأما العذارى فليس عندي أمر من الرب فيهنّ" ( كورنثوس (1) 7/25 )، فهل نصدق بولس، وهو يصف كلامه هنا بأنه رأي شخصي أم نصدق النصارى الذين يقولون عن هذه العبارات أنها أيضاً ملهمة؟
ويؤكد بولس ثانية أن بعض ما يصدر عنه هو محض رأي بشري واجتهاد شخصي منه، فيقول: "لست أقول على سبيل الأمر، بل باجتهاد... أعطي رأياً في هذا أيضاً " ( كورنثوس (2) 8/8 - 10).
ويقول بولس أيضاً وهو ينفي عن كلامه صفة القداسة: " الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه " ( كورنثوس (2) 11/16 - 17 ).
وقد وردت هذه الكلمات ضمن سياق مهم يصرخ بأن هذا الكلام رسالة شخصية لا علاقة لله به، إذ يقول: " أقول أيضاً: لا يظن أحد أني غبي، وإلا فاقبلوني ولو كغبي، لأفتخر أنا أيضاً قليلاً. الذي أتكلم به لست أتكلم به بحسب الرب، بل كأنه في غباوة في جسارة الافتخار هذه. بما أن كثيرين يفتخرون حسب الجسد، أفتخر أنا أيضاً. فإنكم بسرور تحتملون الأغبياء، إذ أنتم عقلاء. لأنكم تحتملون إن كان أحد يستعبدكم. إن كان أحد يأكلكم. إن كان أحد يأخذكم. إن كان أحد يرتفع. إن كان أحد يضربكم على وجوهكم، على سبيل الهوان أقول: كيف أننا كنا ضعفاء. ولكن الذي يجترئ فيه أحد أقول في غباوة، أنا أيضاً اجترئ فيه. أهم عبرانيون؟ فأنا أيضاً، أهم إسرائيليون؟ فأنا أيضاً. أهم نسل إبراهيم؟ فأنا أيضاً، أهم خدام المسيح؟ أقول كمختل العقل: فأنا أفضل، في الأتعاب أكثر، في الضربات أوفر" ( كورنثوس (2) 11/15 - 24 )، فهل أوحي إليه أن يصف نفسه حال بلاغه للوحي أنه مختل العقل وأنه غبي....
ويقول متحدثاً إلى مستمعيه متلطفاً لهم: " ليتكم تحتملون غباوتي قليلاً" ( كورنثوس (2) 11/1 )، فهل أوحى الله له أن يصف نفسه بالغباء، وهل يعتذر الله ويخشى أن يكون ملهَمه قد أثقل على أولئك الذين يقرؤون رسالته.
ويقول معتذراً، والمفروض أن القائل وحي الله الذي يسجله بولس: "لقد اجترأت كثيراً فيما قلت أيها الإخوة"
( رومية 15/15 ).
أحداث مهمة لا يصح أن يذهل عنها الملهم
ومما يردّ دعوى الإلهام ذهول بعض الإنجيليين عن ذكر أحداث هامة رغم اجتماعهم على ذكر أحداث لا قيمة لها.
ومن ذلك أن الإنجيليين أجمعوا على ذكر حادثة ركوب المسيح على الجحش وهو يدخل أورشليم، لكن صعود المسيح للسماء لم يذكره التلميذان متى ويوحنا اللذان حضرا المسيح وهو يصعد للسماء، بينما ذكر ذلك لوقا ومرقس الغائبان يوم ذاك.
بالأحرى إن أحداً من الإنجيلين لم يلهم كتابة خبر الصعود، لأن خبر الصعود قد أضيف فيما بعد، كما اعترفت بذلك لجنة تنقيح الكتاب المقدس التي أصدرت النسخة (R. S. V).
ومما ذهل عنه الإنجيليون فلم يسجله على أهميته إلا واحد منهم معجزة تحويل الماء إلى خمر، فقد انفرد يوحنا بذكرها (انظر يوحنا 2/1 - 11).
ومثله انفرد بذكر معجزة إحياء لعاذر أمام الجموع الكثيرة التي آمنت به بعد ذلك.(انظر يوحنا 11/1 - 46).
وكذا انفرد يوحنا بذكر قدرة التلاميذ على مغفرة الذنوب. ( انظر يوحنا 20 / 23 )، لكنه لم يذكر شيئاً عن العشاء الأخير على أهميته وشهوده له إبان حياة المسيح.
وينفرد متى العشار دون بقية الإنجيليين بذكر نص التثليث الوحيد في الأناجيل. ( انظر متى 28/19 ).
كما انفرد بذكر زيارة المجوس للمسيح وسجودهم له. ( انظر متى 2/1 - 12 ).
وهو الوحيد الذي كتب عن سفر المسيح وأمه لمصر. ( انظر متى 2/14 )، وكل هذا مما ينقض دعوى الإلهام، إذ لا يليق بالملهِم أن يغفل عن إلهام التلاميذ هذه الأمور الهامة.
إنكانكار المحققين لإلهامية كتبة العهد الجديد
وهذه المواضع التي ذكرناها وغيرها دفعت بعض فرق النصارى وبعض مقدميهم وغيرهم من المحققين لإنكار إلهامية الأناجيل والرسائل.
ويقول مؤلفو الترجمة المسكونية: " جمع المبشرون، وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة ما أعطاهم إياه التراث الشفهي " فليس ثمة إلهام إذن.
ويقول لوثر مؤسس مذهب البرتستانت عن رسالة يعقوب: "إنها كلّاء.. هذه الرسالة وإن كانت ليعقوب.. إن الحواري ليس له أن يعين حكماً شرعياً من جانب نفسه، لأن هذا المنصب كان لعيسى عليه السلام فقط "، فقول لوثر هذا، يفهم منه عدم اعتباره ليعقوب الحواري ملهماً.
ويقول ريس في دائرة معارفه: " والكتب التي كتبها تلاميذ الحواريين - مثل إنجيل مرقس ولوقا وكتاب الأعمال - توقف ميكايلس في كونها إلهامية ".
ويقول" حبيب سعيد" في كتابه "سيرة رسول الجهاد" منبهاً إلى حقيقة هامة وصحيحة عن بولس: " لم يدر بخلده عند كتابتها - أو على الأصح عند إملائها - أنه يسطر ألفاظاً ستبقى ذخراً ثميناً تعتز به الأجيال القادمة"، ويا للعجب، بولس لا يعلم بقدسية كلماته، بينما النصارى عنه يناضلون، وينسبون إليه ما لم ينسبه هو إلى نفسه.
وفي الفاتيكان شكل البابا جون لجنة لدراسة الإنجيل برئاسة العلامة هانز كومب، وبعد دراسة متأنية، قررت اللجنة: " أن الإنجيل كلام بشر، وأنه لا يوجد دليل على أن الإنجيل ينحدر مباشرة عن الله ".
إبطال دعوى النبوة لكتبة العهد الجديد
بداية لا يسلم المسلمون بأن أحداً من الحواريين كان رسولاً، كما لم يصرح الإنجيليون فيما سوى بولس بذلك.
والمسلمون لا يؤمنون بالشهادات التي جعلت النصارى يقولون بنبوتهم، كما لا يؤمنون بغشيان روح القدس لهم بعد خمسين يوماً من صعود المسيح، ذاك الحدث الغريب الذي سجله لوقا، حين قال: " وامتلأ الجميع من الروح القدس، وابتدءوا يتكلمون بألسنة أخرى كما أعطاهم الروح أن ينطقوا " ( أعمال 2/4 ).
كما لا يؤمن المسلمون بالمعجزات التي تنسبها إليهم تلك الأسفار، فكل هذه الأخبار لم ترد في دليل له اعتبار عندنا.
وننبه إلى أن بولس ولوقا ليسا من أولئك الذين تزعم النصارى حلول الروح القدس فيهم يوم الخمسين، إذ لم يكونا يومئذ من المؤمنين.
ثم عند تفحص هذه الكتب والرسائل نجدها ناطقة بأن هؤلاء التلاميذ لم يكونوا رسلاً بالمعنى الاصطلاحي للكلمة، إذ هم بشر كسائر البشر، لا يتميزون سوى برفقتهم للمسيح، وأنه طلبهم أن يبلغوا دعوته بعده.
وأما المنسوب لبطرس في رسالته الثانية " لأنه لم تأت نبوة قط بمشيئة إنسان، بل تكلم أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس" (بطرس (2) 1/21 )، وهو النص الذي يعتبره النصارى أصرح أدلتهم على إلهامية الكتبة ونبوتهم، فلا يصلح في الدلالة على إلهام الإنجيليين.
إذ أن بطرس مات قبل أن يدون مرقس (أول الإنجيليين تدويناً) - ثم بقية الإنجيليين – كتاباتهم، فليس هؤلاء مَن تحدث عنه بطرس.
-
أولاً :هل كتبة الأسفار أنبياء؟
وتمتلئ الأناجيل والأسفار بالدلائل التي تكذب القول بإلهامية هؤلاء الذين ينبغي أن تعرض نبوتهم على الميزان الذي اقتبسه تلاميذ المسيح من معلمهم، فقد جاء في رسالة يوحنا الأولى: "فلا تؤمنوا أيها الأحباء بكل روح من الأرواح، بل امتحنوا الأرواح حتى تعلموا هل هي من عند الله أم لا ؟ لأن كثيرين من الأنبياء الكذبة برزوا إلى هذا العالم " ( يوحنا (1) 4/1 ).
ثم كيف للنصارى أن يعتبروا بولس أو غيره من التلاميذ رسلاً معصومين وأمناء على الوحي والنبوة، ومن هؤلاء الرسل الذين أرسلهم المسيح يهوذا الخائن، يهوذا الذي عُد من الاثني عشر تلميذاً الذين أرسلهم المسيح ؟ فمثل هذه الخيانة لا تصدر عن الرسل، وهي دليل يمنع دعوى نبوة ورسالة التلاميذ.
كما لا يصدر عن الأنبياء والرسل ما فعله بطرس عندما تخلى عن المسيح وأنكره في ليلة من أصعب الليالي ثلاث مرات ( انظر لوقا 22/34 )، ولوقا يقول على لسان المسيح: " من أنكرني قدام الناس ينكر قدام ملائكة الله " ( لوقا 12/9 )، فكيف ينكره الملهم الرسول الممتلئ من الروح القدس الذي سماه المسيح في نص آخر شيطاناً ؟ " فالتفت وقال لبطرس: اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس" ( متى 16/23 ).
ونلحظ أن النصوص الإنجيلية تشكك في إيمان أخصّ تلاميذ المسيح مما يجعلهم غير جديرين بحمل أمانة الإنجيل، فضلاً عن الرسالة والنبوة، إذ يقول المسيح عن بطرس : "يا قليل الإيمان لماذا شككت "
( متى 14/31 )، لذا اندفع القديس أكستاين للقول عن بطرس : " إنه كان غير ثابت، لأنه كان يؤمن أحياناً ويشك أحياناً ".
وإذا قيل هذا في بطرس فماذا عساه يقال عن بقية التلاميذ والحواريين ؟ وهل كانوا أفضل حظاً وأحسن شأناً؟
العهد الجديد يخبرنا بأنهم هم أيضاً كانوا قليلي الإيمان، فقد وصفهم المسيح بذلك مراراً، يقول متى: "فتقدم تلاميذه وأيقظوه قائلين: يا سيد نجنا فإننا نهلك، فقال لهم: ما بالكم خائفين يا قليلي الإيمان؟"
(متى 8/25-26).
ولما أمرهم بالتحرز من خمير اليهود خاطب التلاميذ "قال: لماذا تفكرون في أنفسكم يا قليلي الإيمان، إنكم لم تأخذوا خبزاً " (متى 16/8).
وفي موطن آخر قال لهم: "فإن كان العشب الذي يوجد اليوم في الحقل ويطرح غداً في التنور يلبسه الله هكذا، فكم بالحري يلبسكم أنتم يا قليلي الإيمان" (لوقا 12/28)، (وانظر مرقس 4/40، ومتى 6/30).، فهل مثل هؤلاء يعتد بروايتهم وتأليفاتهم فضلاً عن اعتبارها من وحي الله ؟
لكن الداهية الدهياء في شهادة المسيح عليهم لما عجزوا عن شفاء المصروع، وجاءوا للمسيح شاكين مستفسرين: "لماذا لم نقدر نحن أن نخرجه ؟ فقال لهم يسوع : لعدم إيمانكم. فالحق أقول لكم: لو كان إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " (متى 17/19 - 20)، فهل هؤلاء الذين لا يملكون من الإيمان حبة خردل أنبياء وأمناء على تسجيل وحي الله؟
ثانياً :معجزات التلاميذ لا تصلح دليلاً على النبوة
وإذا كان اعتبار النصارى لهؤلاء التلاميذ أنبياء لمجرد أن قاموا ببعض المعجزات التي لم تقترن بدعوى النبوة منهم، فهذا لا يكفي في تقرير نبوتهم وعصمتهم، فالأسفار المقدسة تذكر أن المعجزات والآيات قد تعطى للكاذبين الذين يدعون النبوة، فالمسيح قال: " سيقوم مسحاء كذبة، وأنبياء كذبة، ويُعطون آيات عظيمة وعجائب حتى يُضلوا - لو أمكن - المختارين أيضاً. ها أنا قد سبقت وأخبرتكم " ( متى 24/24 - 25 )، كما أن لوقا لم يثبت أن له معجزة، وكذلك مرقس.
كما أن الأعاجيب لا تصلح أكثر من دليل على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن – حسب الإنجيل- يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله: "فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 17/20).
وقال: "الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 14/12)، فكل مؤمن من النصارى يقدر على صنع معجزات المسيح، بما فيها إحياء الموتى وشفاء المرضى! لا بل يقدر على أعظم منها!!
ويقول المسيح محذراً من الأنبياء الكذبة: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين…ويقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين…سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، يضلون لو أمكن المختارين أيضاً" (متى 24/4-25).
وقد حذر المسيح من خداع هؤلاء الكذبة للعوام بما يزعمونه من معجزات وإيمان بالمسيح وادعاء أنهم على دينه، وبين المسيح كيفية معرفة هؤلاء الكذبة حين قال: " ليس كل من يقول لي: يا رب، يا رب يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يفعل إرادة أبي الذي في السماوات.
كثيرون سيقولون لي في ذلك اليوم: يا رب، يا رب، أليس باسمك تنبأنا؟ وباسمك أخرجنا شياطين؟ وباسمك صنعنا قوات كثيرة؟ فحينئذ أصرح لهم: إني لم أعرفكم قط. اذهبوا عني يا فاعلي الإثم، احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتون بثياب الحملان…من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7/5-23).
ثالثاً : النبوة حسب الكتاب المقدس لا تقتضي العصمة من الكذب في البلاغ
ثم إن كون التلاميذ من الأنبياء لا يعني بالضرورة - حسب المعتقدات النصرانية - عصمتهم عن الخطأ في البلاغ أو حتى الكذب، ودليل ذلك ما نسبه سفر الملوك لأحد الأنبياء من الكذب بالبلاغ "كان نبي شيخ ساكناً في بيت إيل. فأتى بنوه وقصوا عليه كل العمل الذي عمله رجل الله ذلك اليوم في بيت إيل....(ثم ذهب يبحث عنه) وسار وراء رجل الله، فوجده جالساً تحت البلوطة فقال له: أأنت رجل الله الذي جاء من يهوذا؟ فقال: أنا هو.
فقال له (أي النبي الشيخ ): سر معي إلى البيت وكل خبزاً، فقال: لا أقدر أن أرجع معك ولا أدخل معك ولا آكل خبزاً، ولا أشرب معك ماء في هذا الموضع. لأنه قيل لي بكلام الرب: لا تأكل خبزاً ولا تشرب هناك ماء، ولا ترجع سائراً في الطريق الذي ذهبت فيه.
فقال له: أنا أيضاً نبي مثلك، وقد كلمني ملاك بكلام الرب قائلاً: ارجع به معك إلى بيتك فيأكل خبزاً ويشرب ماء، كذب عليه. فرجع معه وأكل خبزاً في بيته وشرب ماء" ( ثم تحدث السفر عن عقوبة النبي المسكين الذي أطاع النبي الكذاب ظاناً إياه يحدثه بوحي الله وأمره) (الملوك (1) 13/11 - 29 ).
كما رأينا في حلقتنا الأولى من سلسلة الهدى والنور، الكثير من القبائح التي تنسبها التوراة للأنبياء والتي يستحيل أن نصدق بعدها أنهم يؤمنون بعصمتهم، فضلاً عن تلاميذهم.
-
هل كان بولس رسولاً؟
بولس أشهر كتبة العهد الجديد، وأهم الإنجيليين على الإطلاق، فقد كتب أربع عشرة رسالة تقارب النصف من صفحات العهد الجديد، وفيها فقط تجد العديد من العقائد النصرانية، إنه مؤسس النصرانية وواضع عقائدها؟ وهو الوحيد الذي ادعى النبوة دون سائر الإنجيليين.
فمن هو؟ وكيف أصبح رسولاً؟ وما هي أهميته في الفكر النصراني؟
أهمية بولس في الفكر النصراني
تقوم النصرانية المحرفة وعمادها الرئيس رسائل بولس، فقد كانت رسائله أول ما خط من سطور العهد الجديد والذي جاء متناسقاً إلى حد ما مع رسائل بولس لا سيما إنجيل يوحنا، فيما رفضت الكنيسة النصرانية تلك الرسائل التي تتعارض مع نصرانية بولس التي طغت على النصرانية الأصلية التي نادى بها المسيح وتلاميذه من بعده.
و هذا الأثر الذي تركه بولس في النصرانية لا يغفل ولا ينكر، مما حد بالكاتب مايكل هارت في كتابه"الخالدون المائة" أن يجعل بولس أحد أهم رجال التاريخ أثراً، إذ وضعه في المرتبة السادسة فيما وضع المسيح في المرتبة الثالثة.
وقد برر هارت وجود النبي محمد صلى الله عليه وسلم في المرتبة الأولى، وتقدمه على المسيح الذي يعد المنتسبون لدينه الأكثر على وجه الأرض، فقال: "فالمسيحية لم يؤسسها شخص واحد، وإنما أقامها اثنان: المسيح عليه السلام والقديس بولس، ولذلك يجب أن يتقاسم شرف إنشائها هذان الرجلان.
فالمسيح عليه السلام قد أرسى المبادئ الأخلاقية للمسيحية، وكذلك نظراتها الروحية وكل ما يتعلق بالسلوك الإنساني.
وأما مبادئ اللاهوت فهي من صنع القديس بولس"، ويقول هارت: "المسيح لم يبشر بشيء من هذا الذي قاله بولس الذي يعتبر المسئول الأول عن تأليه المسيح".
وقد خلت قائمة مايكل هارت من تلاميذ المسيح الذين غلبتهم دعوة بولس مؤسس المسيحية الحقيقي، بينما كان الإمبراطور قسطنطين صاحب مجمع نيقية الذي تبنى رسمياً القول بألوهية المسيح (325م) في المرتبة الثامنة والعشرين
-
أولاً: بولس وسيرته وأهميته كما في الكتاب المقدس والمصادر المسيحية
ولد بولس لأبوين يهوديين في مدينة طرسوس في آسيا الصغرى، ونشأ فيها وتعلم حرفة صنع الخيام، ثم ذهب إلى أورشليم، فأكمل تعليمه عند رجل يدعى غمالائيل أحد أشهر معلمي الناموس في أورشليم.
(انظر أعمال 22/39، 18/3، 23/3).
وقد أسماه والده "شاول"، ومعناه: "مطلوب"، ثم سمى نفسه بعد تنصره "بولس"، ومعناه "الصغير"
(أعمال 13/9).
ولا تذكر المصادر النصرانية لقيا بولس المسيح، وأول ذكر لبولس فيما يتصل بالنصرانية شهوده محاكمة وقتل استفانوس أحد تلاميذ المسيح، ويذكر بولس أنه كان راضياً عن قتله. (انظر أعمال 8/1) فقد كان يهودياً معادياً للمسيحيين الأوائل.
ويحكي سفر الأعمال عن اضطهاد بولس للكنيسة وأنه "كان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت، ويجر رجالاً ونساءً، ويسلمهم إلى السجن" (أعمال 8/3).
و يذكر سفر الأعمال تنصر بولس بعد زعمه بأنه رأى المسيح (بعد رفع المسيح بسنوات)، فبينما هو ذاهب إلى دمشق في مهمة لرؤساء الكهنة رآه في السماء، ويزعم أنه أعطاه حينئذ منصب النبوة، فكان مما قاله المسيح له كما زعم: "ظهرت لك لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت، وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب، ومن الأمم الذين أنا أرسلك إليهم، لتفتح عيونهم كي يرجعوا من ظلماتٍ إلى نور، ومن سلطان الشيطان إلى الله، حتى ينالوا بالإيمان بي غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين" (أعمال 16/16-18).
و مكث بولس ثلاثة أيام في دمشق، ثم غادرها إلى العربية (يطلق اسم العربية في الكتاب المقدس، ويراد منه جزيرة العرب كما قد يراد به بعض المواقع شمال الجزيرة كسيناء وجنوب الشام. انظر قاموس الكتاب المقدس، ص615).
ثم عاد إليها "ثم بعد ثلاثة سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس، فمكثت عنده خمسة عشر يوماً" (غلاطية 1/18).
ثم بدأ دعوته في دمشق، فحاول اليهود قتله، فهرب إلى أورشليم، فرحب به برنابا، وقدمه للتلاميذ الذين يصفه أعمال الرسل بأنهم "يخافونه غير مصدقين أنه تلميذ" (أعمال 9/26).
ثم ذهب للدعوة في قيصرية (جنوب حيفا)، ثم سافر مع برنابا إلى آسيا الصغرى، ثم حضر مجمع أورشليم مع التلاميذ، ثم رجع إلى أنطاكيا، واختلف فيها مع برنابا بسبب (زعمته الأناجيل) وهو إصراره على اصطحاب مرقس معهما في رحلتهما التبشيرية، وعندها افترقا.
واستمر بولس يدعو إلى المسيحية في أماكن عدة من أوربا سجن خلالها مرتين، إحداهما في روما سنة 64م، ثم ثانيةً عام 67، وقتل عام 68م.
وتذكر بعض المصادر أنه أسر مرة واحدة عام 64م وفيها مات.
ثانياً : بعض الملامح في شخصية بولس كما وردت في رسائله
ولا بد من سبر هذه الشخصية الهامة في تاريخ المسيحية بقراءة الرسائل المنسوبة إليه أو ما جاء عنه في سفر أعمال الرسل.
وعند قيامنا بهذا السبر سنجد ملاحظات هامة.
( 1 ) تناقضات قصة الرؤية والنبوة المزعومة :
زعم بولس أنه لقي المسيح بعد ثلاث سنوات من رفعه، حين كان متجهاً إلى دمشق، لكن عند التحقيق في قصة رؤية بولس للمسيح يتبين أنها إحدى كذبات بولس وأوهامه، ودليل لذلك يتضح بالمقارنة بين روايات القصة في العهد الجديد، حيث وردت القصة ثلاث مرات: أولاها في أعمال الرسل (9/3-22)، من رواية لوقا أو كاتب سفر الأعمال، والثانية من كلام بولس في خطبته أمام الشعب (انظر أعمال 22/6-11)، والثالثة أيضاً من رواية بولس أمام الملك أغريباس (انظر أعمال 26/12-18)، كما أشار بولس للقصة في مواضع متعددة في رسائله.
و لدى دراسة القصة في مواضعها الثلاث يتبين تناقضها في مواضع:
-1جاء في الرواية الأولى (أعمال 9) "وأما الرجال المسافرون معه، فوقفوا صامتين يسمعون الصوت، ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9/7)، بينما جاء في الرواية الثانية (أعمال 22): "المسافرون لم يسمعوا الصوت" (أعمال 22/9)، فهل سمع المسافرون الصوت ؟أم لم يسمعوه؟.
-2جاء في الرواية الأولى والثانية أن المسيح طلب من بولس أن يذهب إلى دمشق حيث سيخبَر هناك بالتعليمات: "قال له الرب: قم وادخل المدينة فيقال لك: ماذا ينبغي أن تفعل" (أعمال 9/6)، " قلت ماذا أفعل يا رب؟ فقال لي الرب: قم واذهب إلى دمشق وهناك يقال لك عن جميع ما ترتب لك أن تفعل" (أعمال 22/10)، بينما يذكر بولس في الرواية الثالثة (أعمال 26) أن المسيح أخبره بتعليماته بنفسه، فقد قال له: "قم وقف على رجليك، لأني لهذا ظهرت لك، لأنتخبك خادماً وشاهداً بما رأيت وبما سأظهر لك به، منقذاً إياك من الشعب ومن الأمم الذين أنا الآن أرسلك إليهم…" (أعمال 26/16-18).
-3جاء في الرواية الثانية أن المسافرين مع بولس "نظروا النور وارتعبوا" (أعمال 22/9)، لكنه في الرواية الأولى يقول: "ولا ينظرون أحداً" (أعمال 9/7).
-4جاء في الرواية الأولى والثانية أن بولس "وحده سقط على الأرض" (أعمال 9/4)، بينما المسافرون وقفوا، وفي الرواية الثالثة أن الجميع سقطوا، فقد جاء فيها "سقطنا جميعاً على الأرض" (أعمال 26/14).
-5جاء في الرواية الأولى "أن نوراً أبرق حوله من السماء" (أعمال 9/3)، ومثله في الرواية الثانية (انظر أعمال 22/6)، غير أن الرواية الثالثة تقول: "أبرق حولي وحول الذاهبين معي" (أعمال 26/13).
فحدث بهذه الأهمية في تاريخ بولس ثم النصرانية لا يجوز أن تقع فيه مثل هذه الاختلافات، يقول العلامة أحمد عبد الوهاب: "إن تقديم شهادتين مثل هاتين (الرواية الأولى والثالثة) أمام محكمة ابتدائية في أي قضية، ولتكن حادثة بسيطة من حوادث السير على الطرق لكفيل برفضهما معاً، فما بالنا إذا كانت القضية تتعلق بعقيدة يتوقف عليها المصير الأبدي للملايين من البشر"، إذ بعد هذه الحادثة أصبح شاول الرسول بولس مؤسس المسيحية الحقيقي.
لكن إذا أردنا تحليل الهدف الذي جعل بولس يختلق هذه القصة فإنا نقول: يبدو أن بولس اندفع للنصرانية بسبب يأسه من هزيمة أتباع المسيح، فقد رآهم يثبتون على الحق رغم فنون العذاب الذي صبه عليهم، وهذا الشعور واضح في قول بولس أن المسيح قال له: "صعب عليك أن ترفس مناخس" (أعمال 26/14).
و يُستغرب هنا كيف ينقل شخص من الكفر والعداوة إلى القديسية والرسالة من غير أن يمر حتى بمرحلة الإيمان، فمن الممكن تصديق التحول من فرط العداوة إلى الإيمان، أما إلى النبوة والرسالة من غير إعداد وتهيئة فلا، ومن المعلوم أن أحداً من الأنبياء لم ينشأ على الكفر، فهم معصومون من ذلك.
و لنا أن نتساءل كيف لبولس أن يجزم بأن من رآه في السماء وكلمه كان المسيح وليس غيره، إذ هو لم يلق المسيح طوال حياته.
( 2 ) نفاقه وكذبه :
و من الأمور التي وقف عليها المحققون في شخصية بولس تلونه ونفاقه واحترافه للكذب في سبيل الوصول لغايته.
فهو يهودي فريسي ابن فريسي (انظر أعمال 23/6)، لكنه عندما خاف من الجلد قال: "أيجوز لكم أن تجلدوا إنساناً رومانياً" (أعمال 22/25).
وبولس يستبيح الكذب والتلون للوصول إلى غايته فيقول: "صرت لليهود كيهودي…وللذين تحت الناموس كأني تحت الناموس…و للذين بلا ناموس كأني بلا ناموس…صرت للكل كل شيء"
(كورنثوس (1) 9 /20-21).
ويستبح بولس الكذب فيقول: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ"
(رومية 3/7).
ومن نفاقه وتلونه تزلفه لحكام روما الوثنيين واعتبارهم وسائر الحكام سلاطين موضوعين من قبل الله، ويمضي فيجعل الضرائب والجزية التي يفرضونها حقاً مشروعاً لهم، فيقول: " لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة، لأنه ليس سلطان إلا من الله، والسلاطين الكائنة هي مرتبة من الله، حتى إن من يقاوم السلطان يقاوم ترتيب الله، والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة...فإنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضاً، إذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه. فأعطوا الجميع حقوقهم، الجزية لمن له الجزية، الجباية لمن له الجباية، والخوف لمن له الخوف، والإكرام لمن له الإكرام " (رومية 13/1-7).
( 3 ) غــروره :
و تمتلئ رسائل بولس بثنائه على نفسه ومن ذلك قوله: "بولس رسول لا من الناس ولا بإنسان، بل بيسوع المسيح والله الآب الذي أقامه من الأموات" (غلاطية 1/1)، وفي رسالة أخرى يقول: "بولس عبد الله ورسول يسوع المسيح…و إنما أظهر كلمته الخاصة بالكرازة التي أؤتمنت أنا عليها بحسب أمر مخلصنا الله"
(تيطس 1/1-3).
و يظن بولس أن عنده روح الله فيقول : "أظن أني أنا أيضاً عندي روح الله" (كورنثوس (1) 7/40).
و يرتفع بنفسه إلى درجة القديسين الذين - كما يرى - سيدينون العالم بما فيهم الملائكة فيقول: "ألستم تعلمون أن القديسين سيدينون العالم؟…ألستم تعلمون أننا سندين ملائكة" (كورنثوس (1) 6/2-3) فهو سيدين الملائكة الذين كان قد ذكر بأن المسيح دونهم بقليل (انظر عبرانيين 2/9)، ويقول أيضاً مفاخراً بنفسه: "اختارنا الله قبل تأسيس العالم لنكون قديسين وبلا لوم قدامه في المحبة" (أفسس 1/4).
( 4 ) عدم تلقيه الدين والهدي من تلاميذ المسيح :
ورغم أن بولس لم يلق المسيح فإنه يعتبر نفسه في مرتبة التلاميذ، لا بل يفوقهم "الإنجيل الذي بشرت به، إنه ليس بحسب إنسان، لأني لم أقبله من عند إنسان ولا علمته، بل بإعلان يسوع المسيح…لم استشر لحماً ولا دماً، ولا صعدت إلى أورشليم إلى الرسل الذين قبلي، بل انطلقت إلى العربية (شمال جزيرة العرب) ثم بعد ثلاث سنين صعدت إلى أورشليم لأتعرف ببطرس" (غلاطية 1/11-18).
ويؤكد بولس على تميزه عن سائر التلاميذ وانفراده عنهم، و يصفهم بالإخوة "الكذبة المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاساً…الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة، فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء، بل على العكس إذ رأوا أني أؤتمنت على إنجيل الغرلة، كما بطرس على إنجيل الختان" (غلاطية 2/4-7).
و هكذا يؤكد بولس بأن ما يحمله في تبشيره لم يتلقاه عن تلاميذ المسيح، بل هو من الله مباشرة.
اعترافات نصرانية بابتداع بولس لما قدمه
و يتساءل المحققون لماذا لم يذهب بولس بعد تنصره مباشرة إلى التلاميذ ليتلقى عنهم دين المسيح؟ بل ذهب إلى العربية ومكث بعيداً عن التلاميذ ثلاث سنين، ثم لقي اثنين منهم فقط لمدة خمسة عشر يوماً.
(انظر غلاطية 1/18-19).
تقول دائرة المعارف البريطانية في الإجابة عن هذا السؤال: "إن ارتحاله إليها كان لحاجته إلى جو هادئ صامت يتمكن فيه من تفكير في موقفه الجديد، وإن القضية الأساس عنده هي تفسير الشريعة حسب تجاربه الحديثة".
و يقول المؤرخ جامس كينون في كتابه "من المسيح إلى قسطنطين": "إنه ارتحل بعد تحوله الفكري إلى العربية، وكان الغرض المنشود من وراء ذلك - كما يبدو من التبشير- أن يدرس مضمونات عقيدته الجديدة، ثم ذهب بعد ذلك بثلاثة أعوام إلى أورشليم حتى يجتمع ببطرس ويعقوب".
و يبرر جامس كينون موقف بولس فيقول: "كان بولس يؤمن أن الله قد وهبه ميداناً محدداً للعمل، ولا يجوز لرجل أن يتدخل في شئونه مادام روح الله بدورها هادية له
ثالثاً: بولس الرسول
كما يرفض المحققون وسم النصارى لبولس بالرسول، فقد رفضوا كما أسلفنا قصة تجلي المسيح له، كما وجدوا في أقواله ما لا يصدر من نبي ورسول.
فمن ذلك إساءته الأدب مع الله في قوله: "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس (1)1/25)، فلا يقبل أن يقال بأن لله ضعفاً أو جهالة من أحد، سواء كان رسولاً أو غير رسول، وصدور مثله عن الرسل محال، إذ هم أعرف الناس بربهم العليم القوي المتعال.
ومثله يقول بولس: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/10).
ويقول مستحلاً المحرمات: "كل الأشياء تحل لي" (كورنثوس (1) 6/12).
و هذا يتطابق مع ما جاء به من إلغائه الناموس واحتقاره ووصفه له بالعتق والشيخوخة، ومثل هذا الموقف لا يكون من الأنبياء والرسل الذي تأتي دعوتهم لتؤكد على طاعة الله وتدعو إلى السير وفق شريعته، يقول: " فإنه يصير إبطال الوصية السابقة ( التوراة وشرائعها) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله " ( عبرانيين 7/18 - 19).
ويقول عن الناموس أيضاً: " وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عبرانيين 8/13 ) ويقول: " فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ " ( عبرانيين 8/7 ).
ويحكي بولس عن نفسه وضعفه أمام الشهوات بما لا يليق بأحوال الأنبياء، فيقول: "لست أعرف ما أنا أفعله، إذ لست أفعل ما أريد، بل ما أبغضه فإياه أفعل..لست أفعل الصالح الذي أريده، بل الشر الذي لست أريده فإياه أفعل.. أرى ناموساً آخر في أعضائي يحارب ناموس ذهني، ويسبيني إلى ناموس الخطية الكائن في أعضائي، ويحي أنا الإنسان الشقي" (رومية 7/15-24).
وأما المعجزات المذكورة له في الرسائل (أعمال 14/3) (انظر قصة شفائه للمقعد في أعمال 14/8-1). وقصة إحيائه أفتيخوس في أعمال 20/9-12) فلا تصلح دليلاً على نبوته لقول المسيح محذراً: "انظروا لا يضلكم أحد، فإن كثيرين سيأتون باسمي قائلين: أنا هو المسيح، ويضلون كثيرين…و يقوم أنبياء كذبة كثيرون ويضلون كثيرين…سيقوم مسحاء كذبة وأنبياء كذبة، ويعطون آيات عظيمة وعجائب، يضلون لو أمكن المختارين أيضاً" (متى 24/4-25)، فقد يكون بولس أحد هؤلاء الكذابين الذين يعطون الآيات والعجائب، التي تضل حتى المختارين من التلاميذ.
كما أن الأعاجيب - وكما سبق - لا تصلح أكثر من دليل على الإيمان فحسب، إذ كل مؤمن – حسب الإنجيل- يستطيع أن يأتي بإحياء الموتى وشفاء المرضى، فقد نقل متى عن المسيح قوله: "فالحق الحق أقول لكم: لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل انتقل من هنا إلى هناك فينتقل ولا يكون شيء غير ممكن لديكم" (متى 17/20). وقال: "الحق أقول لكم: من يؤمن بي فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً ويعمل أعظم منها" (يوحنا 14/12).
ويقول يوحنا محذراً من الأنبياء الكذبة: "قد صار الآن أضداد المسيح، منا خرجوا، لكنهم لم يكونوا منا، لأنهم لو كانوا منا لبقوا معنا…من هو الكذاب إلا الذي ينكر أن يسوع هو المسيح، هذا هو ضد المسيح…احذروا الذين يضلونكم" (يوحنا (1)2/22).
وقد حذر بطرس أيضاً فقال: "كان أيضاً في الشعب أنبياء كذبة، كما سيكون فيكم أيضاً معلمون كذبة، الذين يدسون بدع هلاك…" (بطرس (2) 2/1-3).
وهكذا كما قال المسيح عن هؤلاء المبطلين : "من ثمارهم تعرفونهم" (متى 7/5-23)، فقد كانت ثمار بولس بدع الهلاك التي أدخلها في المسيحية: ألوهية المسيح، الصلب والفداء، عالمية النصرانية، إلغاء الشريعة.
نبوءة المسيح عن بولس
لقد كان بولس ( معناها كما ذكرنا: "الصغير") هو الذي أخبر عنه المسيح في قوله: "الحق أقول لكم : إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد من الناموس حتى يكون الكل، فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا يدعى: أصغر في ملكوت السماوات" (متى 5/17-19)، وقد دعي بولس في الدنيا بالصغير، ولسوف يدعى في الآخرة أصغر جزاء تبديله للناموس والوصايا وتقليله من شأنها ومكانها.
رابعاً: موقف التلاميذ من بولس
وإذا كان بولس قد أنشأ البدع في النصرانية، وبدل دين المسيح كيفما شاء، فما هو موقف التلاميذ منه، وهل شاركوه التغير والتبديل؟
بداية نذكر بأن بولس لم يتلق شيئاً من النصرانية من المسيح أو تلاميذه، فهو لم يصحبهم بل لم ير منهم سوى بطرس ويعقوب ولمدة خمسة عشر يوماً، و ذلك بعد ثلاث سنين من تنصره، ثم عاد مرة أخرى أورشليم، وعرض عليهم ما كان يدعو به بعيداً عنهم يقول بولس: "ثم بعد أربع عشر سنة صعدت أيضاً إلى أورشليم مع برنابا…و إنما صعدت بموجب إعلان وعرضت عليهم الإنجيل الذي أكرز به بين الأمم"
(غلاطية 2/1-2) فماذا كان ردة فعل التلاميذ؟
يقول بولس وهو ينقل لنا ردود أفعال التلاميذ: "فإن هؤلاء المعتبرين لم يشيروا علي بشيء بالعكس، إذ رأوا أني اؤتمنت على إنجيل الغرلة كما بطرس على إنجيل الختان..أعطوني برنابا يمين الشركة لنكون نحن للأمم، وأما هم للختان..وهذا عينه ما كنت اعتنيت أن أفعله" (غلاطية 2/7-10).
إذا كان ما يقوله بولس صحيحاً فإن التلاميذ أبعدوا بولس بعيداً عن اليهود الذين بعث إليهم المسيح وأوصى تلاميذه مرة بعد مرة أن يقوموا بدعوتهم، وأما إرسال برنابا معه فيبدو أنه كان بقصد التوجيه والإصلاح لبولس، وهو يقوم بدعوة الوثنيين الغلف في الغرب.
ثم يسجل بولس في رسائله آراء تلاميذ المسيح والمسيحيين في مبادئه الجديدة ودعوته فيقول: "جميع الذين في آسيا ارتدوا عني" (تيموثاوس (2)1/15)، وقد انفض عنه الجميع، لذا يستنجد بتيموثاوس فيقول: "بادر أن تجيء إلي سريعاً، لأن ديماس قد تركني، إذ أحب العالم الحاضر، وذهب إلى تسالونيكي…لوقا وحده معي، اسكندر النحاس أظهر لي شروراً كثيرة، ليجازه الرب حسب أعماله، فاحتفظ منه أنت أيضاً، لأنه قاوم أقوالنا جداً، في اجتماعي الأول لم يحضر أحد معي، بل الجميع تركوني" (تيموثاوس (2) 4/9-16)، "لما خرجت من مكدونية لم تشاركني كنيسة واحدة في حساب العطاء والأخذ" (فيلبي 4/15).
ويحذر بولس أنصاره من التلاميذ فيقول: "كونوا متمثلين بي، …لأن كثيرين يسيرون ممن كنت أذكرهم لكم مراراً، والآن أذكرهم أيضاً باكياً وهم أعداء صلب المسيح، الذين نهايتهم الهلاك، الذين إلههم بطونهم، ومجدهم في خزيهم…" (فيلبي 3/17-19) لقد رفض كثيرون دعواه صلب المسيح، فكان عاقبتهم اتهامات بولس لهم بالغواية وسلوك طريق الهلاك .
وفي أنحاء متفرقة من رسائله يتحدث عن أولئك الرافضين لدعوته من غير أن يسميهم، فيقول في بعض ما تمتلئ به رسائله موصياً تيموثاوس: "طلبت إليك أن تمكث في أفسس، إذ كنت أنا ذاهباً إلى مكدونية، لكي توصي قوماً أن لا يعلموا تعليماً آخر، ولا يصغوا إلى خرافات وأنساب لا حد لها، تسبب مباحث دون بنيان الله في الإيمان" (تيموثاوس (1) 1/3-5).
ويقول معتبراً نفسه صاحب التعاليم الصحيحة للمسيح الذي لم يلقه: "إن أحد يعلم تعليماً آخر، لا يوافق كلمات ربنا يسوع المسيح الصحيحة، والتعليم الذي هو حسب التقوى فقد تصلف، وهو لا يفهم شيئاً، بل هو متعلل بمباحثات وممحاكات الكلام التي منها يحصل الحسد والخصام والافتراء والظنون المروجة، ومنازعات أناس فاسدي الذهن عادمي الحق، يظنون أن التقوى تجارة تجذب مثل هؤلاء" (تيموثاوس (1) 6/3-5)، ويقول مندداً بمخالفيه: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر…" (فيلبي 3/2).
وعلى هذا المنوال تمتلئ رسائله بالهجوم على معارضيه من النصارى، فيتهمهم بسائر أنواع التهم من كفر ونفاق و…(انظر كولوسي 4/10-11، فيلبي 2/19-31، تيطس 1/9-11، تيموثاوس (1) 1/3-7، 2/23، 6/20-34،..).
ويقول عن تلاميذ المسيح: "لكن بسبب الإخوة الكذبة، المدخلين خفية، الذين دخلوا اختلاساً ليتجسسوا حريتنا التي لنا في المسيح كي يستعبدونا، الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة.." (غلاطية 2/4-5)، ومما يؤكد أن قصده التلاميذ، لا غيرهم، قوله: " الذين لم نذعن لهم بالخضوع ولا ساعة".
وينال بولس من بعض تلاميذ المسيح الذين يقول عنهم المسيح: "ليس أنتم اخترتموني، بل أنا اخترتكم وأقمتكم، لتذهبوا وتأتوا بثمر، ويدوم ثمركم" (يوحنا 15/16)، لكن بولس ومدرسته لم تبق لهم ثمراً، ولم تخلد لهم فكراً ولا كتباً، فيما سوى بعض الصفحات القليلة.
ويتهم بولس بطرس كبير الحواريين بالرياء فيقول: "لما أتى بطرس إلى أنطاكية قاومته مواجهة، لأنه كان ملوماً…، راءى معه باقي اليهود أيضا، حتى إن برنابا انقاد إلى ريائهم، لكن لما رأيت أنهم لا يسلكون باستقامة حسب حق الإنجيل قلت لبطرس قدام الجميع: إن كنت وأنت يهودي تعيش أممياً لا يهودياً! فلماذا تلزم الأمم أن يتهوّدوا …" (غلاطية 2/11-14).
ويقول مندداً ومحذراً من أولئك الذين تركوا دعوته: "وأما الأقوال الباطلة الدنسة فاجتنبها، الذين ينصرفون إلى أكثر فجور…الذين منهم هيمينايس وفيليتس الذين زاغا عن الحق" (تيموثاوس (2) 2/16).
خامساً: موقف برنابا من بولس
وأما موقف برنابا من بولس فهو في غاية الأهمية، إذ لبرنابا علاقة متميزة ببولس، إذ هو الذي قدمه للتلاميذ المتشككين في توبة شاول الذي اضطهد الكنيسة ثم ادعى النصرانية. (انظر أعمال 9/ 26)، ثم صحبه ست سنوات في رحلته التبشيرية في قبرص وأنطاكية، ثم اختلفا بعد ذلك، وانفصل كل منهما عن الآخر فما سبب الاختلاف؟
يقول سفر أعمال الرسل: "قال بولس لبرنابا: لنرجع ولنفتقد إخوتنا في كل مدينة نادينا فيها بكلمة الرب كيف هم!، فأشار برنابا أن يأخذ معهما أيضاً يوحنا الذي يدعى مرقس، وأما بولس فكان يستحسن أن الذي فارقهما (مرقس)…لا يأخذانه معهما، فحصل بينهما مشاجرة حتى فارق أحدهما الآخر، وبرنابا أخذ مرقس وسافر في بحر قبرس" (أعمال 15/ 36-39).
ولكن هل يعقل أن يكون هذا هو السبب في مشاجرة برنابا وبولس؟
يرفض المحققون هذا التبرير، ويرون أن الأمر أكبر من ذلك، فهو كما يقول برنابا يعود إلى ضلالات بولس التي ينشرها في تبشيره، فقد جاء في مقدمة إنجيله: "كانوا عديمي التقوى والإيمان الذين ضلوا بدعوى التبشير بتعاليم المسيح ببث تعاليم أخرى شديدة الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر به الله، مجوزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم بولس" (برنابا، المقدمة/2-7).
ويرفض المحققون ما جاء في أعمال الرسل في تحرير سبب الخصام بين برنابا وبولس، ويرونه محاولة لإخفاء السبب الحقيقي، وهو الذي ذكره برنابا في إنجيله.
ويستدلون لرأيهم بأنه لا يعقل أن ينفصل الصديقان ويتشاجران بسبب اختلافهما فيمن يرافقهما، خاصة أن بولس رضي فيما بعد برفقة مرقس، فقد أرسل إلى تيموثاوس يقول له: "خذ مرقس، وأحضره معك، لأنه نافع لي للخدمة" (تيموثاوس (2) 3/10).
وهو يوصي أخيراً فيقول: "يسلم عليكم استرخس المأسور معي، ومرقس ابن أخت برنابا الذي أخذتم لأجله وصايا، وإن أتى إليكم فاقبلوه" (كولوسي 3/10).
ورغم تراجع بولس عن عدم اصطحاب مرقس إلا أننا لم نسمع بتاتاً عن تحسن العلاقة بين بولس وبرنابا.
وقد اعترف القس بتر سمث بأن الخلاف بين الرجلين كان خلافاً فكرياً.
إذن نستطيع القول بأن تلاميذ المسيح قد عارضوا دعوة بولس وقفوا في وجهها، ودليل ذلك اختفاء ذكرهم عن عالم المسيحية بعد ظهور بولس، فقد اختفت كتاباتهم وحوربت، ولم ينج منها إلا إنجيل برنابا ورسالة يعقوب المضمنة في رسائل العهد الجديد، والتي تمتلئ بمخالفة بولس وخاصة في مسألة الفداء.
كما اختفى ذكر الحواريين والتلاميذ من أعمال الرسل إلا قليلاً، فلا نكاد نعرف شيئاً عن هؤلاء الذين أرسلهم المسيح وعن دعوتهم سوى ما نقل إلينا لوقا عن مقاومة أهل أنطاكية لتبشير بطرس المخالف لبولس، وعن رحلة برنابا مع بولس، ثم اختفاء ذكرهما من رسائل العهد الجديد بعد مشاجرتهما مع بولس.
وهكذا فالعهد الجديد وضعه بولس وتلاميذه، وأبعدوا عنه كل ما يعترض نهجه وأفكاره، وطال هذا الإبعاد تلاميذ المسيح ورسله وحملة دينه إلى أمته.
ومما سبق نستطيع القول أن دعوة بولس لم تلق ترحيباً من التلاميذ وأتباعهم الذين واجهوا فكره المنحرف بصرامة لم تمنعه من نشر أفكاره في آسيا بعيداً عن تلاميذ المسيح وأصفيائه الذين كانوا بحق حملة دينه والمبشرين بتعاليمه.
-
أى مسيحى عاقل يريد أن يرى بنفسه مثال واضح على التحريف بالانجيل يدخل هنا
طالعوا اخوانى مثال من أمثلة تحريف الإنجيل
تحريف نبؤة اشعياء في انجيل متي : هو ذا فتاي وأصلها في اشعياء: هو ذا عبدي طبعا هم يرفضون أن يكون المسيح عبدا لله فتم تحريف النبؤة من: هو ذا عبدي قى اشعياء الى: هو ذا فتاي فى متى ليوهموا الناس أن المسيح ليس عبدا لله وإنما هو اله والله يشهد أنهم لكاذبون كما نرى في إنجيل متى:
14فَلَمَّا خَرَجَ الْفَرِّيسِيُّونَ تَشَاوَرُوا عَلَيْهِ لِكَيْ يُهْلِكُوهُ، 15فَعَلِمَ يَسُوعُ وَانْصَرَفَ مِنْ هُنَاكَ. وَتَبِعَتْهُ جُمُوعٌ كَثِيرَةٌ فَشَفَاهُمْ جَمِيعًا. 16وَأَوْصَاهُمْ أَنْ لاَ يُظْهِرُوهُ، 17لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ بِإِشَعْيَاءَ النَّبِيِّ الْقَائِلِ: 18«هُوَذَا فَتَايَ الَّذِي اخْتَرْتُهُ، حَبِيبِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. أَضَعُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْبِرُ الأُمَمَ بِالْحَقِّ. 19لاَ يُخَاصِمُ وَلاَ يَصِيحُ، وَلاَ يَسْمَعُ أَحَدٌ فِي الشَّوَارِعِ صَوْتَهُ. 20قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً مُدَخِّنَةً لاَ يُطْفِئُ، حَتَّى يُخْرِجَ الْحَقَّ إِلَى النُّصْرَةِ. 21وَعَلَى اسْمِهِ يَكُونُ رَجَاءُ الأُمَمِ». (مت 12 : 14-21 )
والآن تعالوا معي إلى أصل النبؤة من اشعياء وقارنوا؟؟؟؟؟؟؟؟ هنا فى البداية مواصفات النبي القادم. وتقول النبؤة عنه أنه عبد من عباد الله سينصره الله ويختاره وتسر به نفسه وسيضع الله عليه روحه فيخرج الحق للأمم..........
«هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».
5هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: 6«أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. (اشعياء 42 : 1-7 )
هذا يوضح سهولة التحريف لدى النصارى وسهولة الزج بنصوص من العهد القديم ليس لها علاقة بما قبلها من نصوص كما يتضح في هذا النص.
إذن النص السابق من اشعياء نص هام جدا سيساعدنا في فهم من يقصده المسيح بروح الحق أو المعزى الذي سيأتي بعد المسيح في إنجيل يوحنا
توضيح المقصود من المعزي الروح القدس أو روح الحق وهو المؤيد بروح الله ومن صفاته أنه عبد من عباد الله يضع الله عليه روحه فيخرج الحق للأمم أي أن رسالته عالمية لجميع الأمم كما جاء باشعياء.
«إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ، 16وَأَنَا أَطْلُبُ مِنَ الآبِ فَيُعْطِيكُمْ مُعَزِّيًا آخَرَ لِيَمْكُثَ مَعَكُمْ إِلَى الأَبَدِ، 17رُوحُ الْحَقِّ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيعُ الْعَالَمُ أَنْ يَقْبَلَهُ، لأَنَّهُ لاَ يَرَاهُ وَلاَ يَعْرِفُهُ، وَأَمَّا أَنْتُمْ فَتَعْرِفُونَهُ لأَنَّهُ مَاكِثٌ مَعَكُمْ وَيَكُونُ فِيكُمْ.
(يو: 14 : 15-17)
وَالْكَلاَمُ الَّذِي تَسْمَعُونَهُ لَيْسَ لِي بَلْ لِلآبِ الَّذِي أَرْسَلَنِي. 25بِهذَا كَلَّمْتُكُمْ وَأَنَا عِنْدَكُمْ. 26وَأَمَّا الْمُعَزِّي، الرُّوحُ الْقُدُسُ، الَّذِي سَيُرْسِلُهُ الآبُ بِاسْمِي، فَهُوَ يُعَلِّمُكُمْ كُلَّ شَيْءٍ، وَيُذَكِّرُكُمْ بِكُلِّ مَا قُلْتُهُ لَكُمْ. (يو 14 : 24-26)
«وَمَتَى جَاءَ الْمُعَزِّي الَّذِي سَأُرْسِلُهُ أَنَا إِلَيْكُمْ مِنَ الآبِ، رُوحُ الْحَقِّ، الَّذِي مِنْ عِنْدِ الآبِ يَنْبَثِقُ، فَهُوَ يَشْهَدُ لِي. 27وَتَشْهَدُونَ أَنْتُمْ أَيْضًا لأَنَّكُمْ مَعِي مِنَ الابْتِدَاءِ
(يو: 15 : 26-27 )
5«وَأَمَّا الآنَ فَأَنَا مَاضٍ إِلَى الَّذِي أَرْسَلَنِي، وَلَيْسَ أَحَدٌ مِنْكُمْ يَسْأَلُنِي: أَيْنَ تَمْضِي؟ 6لكِنْ لأَنِّي قُلْتُ لَكُمْ هذَا قَدْ مَلأَ الْحُزْنُ قُلُوبَكُمْ. 7لكِنِّي أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: إِنَّهُ خَيْرٌ لَكُمْ أَنْ أَنْطَلِقَ، لأَنَّهُ إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي، وَلكِنْ إِنْ ذَهَبْتُ أُرْسِلُهُ إِلَيْكُمْ. 8وَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُبَكِّتُ الْعَالَمَ عَلَى خَطِيَّةٍ وَعَلَى بِرّ وَعَلَى دَيْنُونَةٍ: 9أَمَّا عَلَى خَطِيَّةٍ فَلأَنَّهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ بِي. 10وَأَمَّا عَلَى بِرّ فَلأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى أَبِي وَلاَ تَرَوْنَنِي أَيْضًا. 11وَأَمَّا عَلَى دَيْنُونَةٍ فَلأَنَّ رَئِيسَ هذَا الْعَالَمِ قَدْ دِينَ.
(يو 16 : 5-11 )
«إِنَّ لِي أُمُورًا كَثِيرَةً أَيْضًا لأَقُولَ لَكُمْ، وَلكِنْ لاَ تَسْتَطِيعُونَ أَنْ تَحْتَمِلُوا الآنَ. 13وَأَمَّا مَتَى جَاءَ ذَاكَ، رُوحُ الْحَقِّ، فَهُوَ يُرْشِدُكُمْ إِلَى جَمِيعِ الْحَقِّ، لأَنَّهُ لاَ يَتَكَلَّمُ مِنْ نَفْسِهِ، بَلْ كُلُّ مَا يَسْمَعُ يَتَكَلَّمُ بِهِ، وَيُخْبِرُكُمْ بِأُمُورٍ آتِيَةٍ. 14ذَاكَ يُمَجِّدُنِي، لأَنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. 15كُلُّ مَا لِلآبِ هُوَ لِي. لِهذَا قُلْتُ إِنَّهُ يَأْخُذُ مِمَّا لِي وَيُخْبِرُكُمْ. 16بَعْدَ قَلِيل لاَ تُبْصِرُونَنِي، ثُمَّ بَعْدَ قَلِيل أَيْضًا تَرَوْنَنِي، لأَنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الآبِ». (يو: 16: 12 -16 )
بسم الله الرحمن الرحيم
(وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل انى رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدى اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ) سورة الصف : 6
من هذه الآية يتضح أن المسيح أوضح لبنى إسرائيل عدة أمور منها
1- أن المسيح رسول الله إليهم
2- أن المسيح مصدقا للتوراة
3- مبشرا برسول يأتي من بعده اسمه أحمد أي يأتي هذا المعزى بعد انطلاق المسيح
إِنْ لَمْ أَنْطَلِقْ لاَ يَأْتِيكُمُ الْمُعَزِّي: تعنى أن المعزى الآخر سوف يأتي بعد انطلاق المسيح أو صعوده إلى السماء وهذا يتطابق مع قول الله تعالى: (برسول يأتي من بعدى)
من هو المعزي الأخر: كلام السيد المسيح عن معزي أخر يستلزم وجود معزي أول إذن: المعزي الأول هنا هو السيد المسيح نفسه
تعالوا معي كي نتعرف علي المعزي الأخر وصفاته كما ذكرت هنا:
1- معزي أخر يمكث معكم إلى الأبد (أي بتعاليمه ووصاياه لأنه خاتم الأنبياء ولا نبي بعده)
2- روح الحق (أي أن الله يؤيده بروح القدس جبريل فيخرج الحق للأمم)
3- يمكث إلي الأبد أي لا معزي أخر بعده
4- «اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ 17هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، 18لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. 19كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 20فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. ( مت: 7 : 15-20 )
وهنا نجد السيد المسيح لا ينكر وجود نبوة بعده وإلا لكان أخبرهم بذلك أي لكان قال لهم لا أنبياء بعدى ولكنه طالبهم بالدقة بأن يتحروا صدق النبوة كي لا ينجرفوا وراء أنبياء كذبه وحذرهم من الأنبياء الكذبة وكأنه أراد هنا أن يوضح لهم الفرق بين النبي الكاذب ( شجرة رديه لا تصنع ثمرا جيدا) والنبي الصادق (شجرة جيدة تصنع ثمرا جيدا ) بل وأكد لهم أنه من ثمارهم تعرفونهم.
«لَيْسَ كُلُّ مَنْ يَقُولُ لِي: يَارَبُّ، يَارَبُّ! يَدْخُلُ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ. بَلِ الَّذِي يَفْعَلُ إِرَادَةَ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. 22كَثِيرُونَ سَيَقُولُونَ لِي فِي ذلِكَ الْيَوْمِ: يَارَبُّ، يَارَبُّ! أَلَيْسَ بِاسْمِكَ تَنَبَّأْنَا، وَبِاسْمِكَ أَخْرَجْنَا شَيَاطِينَ، وَبِاسْمِكَ صَنَعْنَا قُوَّاتٍ كَثِيرَةً؟ 23فَحِينَئِذٍ أُصَرِّحُ لَهُمْ: إِنِّي لَمْ أَعْرِفْكُمْ قَطُّ! اذْهَبُوا عَنِّي يَا فَاعِلِي الإِثْمِ! (مت : 7 : 21-23 )
«فَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَيَعْمَلُ بِهَا، أُشَبِّهُهُ بِرَجُل عَاقِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الصَّخْرِ. 25فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَوَقَعَتْ عَلَى ذلِكَ الْبَيْتِ فَلَمْ يَسْقُطْ، لأَنَّهُ كَانَ مُؤَسَّسًا عَلَى الصَّخْرِ. 26وَكُلُّ مَنْ يَسْمَعُ أَقْوَالِي هذِهِ وَلاَ يَعْمَلُ بِهَا، يُشَبَّهُ بِرَجُل جَاهِل، بَنَى بَيْتَهُ عَلَى الرَّمْلِ. 27فَنَزَلَ الْمَطَرُ، وَجَاءَتِ الأَنْهَارُ، وَهَبَّتِ الرِّيَاحُ، وَصَدَمَتْ ذلِكَ الْبَيْتَ فَسَقَطَ، وَكَانَ سُقُوطُهُ عَظِيمًا!». (مت : 7 : 24-27)
11وَأَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ كَثِيرِينَ سَيَأْتُونَ مِنَ الْمَشَارِقِ وَالْمَغَارِب وَيَتَّكِئُونَ مَعَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ فِي مَلَكُوتِ السَّمَاوَاتِ، 12وَأَمَّا بَنُو الْمَلَكُوتِ فَيُطْرَحُونَ إِلَى الظُّلْمَةِ الْخَارِجِيَّةِ (مت 8: 11-12)
5هؤُلاَءِ الاثْنَا عَشَرَ أَرْسَلَهُمْ يَسُوعُ وَأَوْصَاهُمْ قَائِلاً:«إِلَى طَرِيقِ أُمَمٍ لاَ تَمْضُوا، وَإِلَى مَدِينَةٍ لِلسَّامِرِيِّينَ لاَ تَدْخُلُوا. 6بَلِ اذْهَبُوا بِالْحَرِيِّ إِلَى خِرَافِ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ الضَّالَّةِ. (مت 10: 5-6)
7وَفِيمَا أَنْتُمْ ذَاهِبُونَ اكْرِزُوا قَائِلِينَ: إِنَّهُ قَدِ اقْتَرَبَ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ.
(مت 10 : 7)
هنا المسيح لم يقل لهم انه قد جاء ملكوت السماوات ولكنه قال لهم أقترب ملكوت السماوات أي مملكة الله التي يعيش فيها المؤمنون مع النبي الخاتم محمد صلى الله عليه وسلم المعزى الآخر عبد الله:
هُوَذَا عَبْدِي الَّذِي أَعْضُدُهُ، مُخْتَارِي الَّذِي سُرَّتْ بِهِ نَفْسِي. وَضَعْتُ رُوحِي عَلَيْهِ فَيُخْرِجُ الْحَقَّ لِلأُمَمِ. 2لاَ يَصِيحُ وَلاَ يَرْفَعُ وَلاَ يُسْمِعُ فِي الشَّارِعِ صَوْتَهُ. 3قَصَبَةً مَرْضُوضَةً لاَ يَقْصِفُ، وَفَتِيلَةً خَامِدَةً لاَ يُطْفِئُ. إِلَى الأَمَانِ يُخْرِجُ الْحَقَّ. 4لاَ يَكِلُّ وَلاَ يَنْكَسِرُ حَتَّى يَضَعَ الْحَقَّ فِي الأَرْضِ، وَتَنْتَظِرُ الْجَزَائِرُ شَرِيعَتَهُ».(اشعياء 42 : 1-4 )
محمد صلى الله عليه وسلم روح الحق الذي أخرج الله على يديه دين الحق وشريعة الحق أي دين الإسلام للأمم
بسم الله الرحمن الرحيم
(وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلا الإِيمَانُ وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ أَلا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الأُمُورُ) سورة الشورى الآيه 52-53
5هكَذَا يَقُولُ اللهُ الرَّبُّ، خَالِقُ السَّمَاوَاتِ وَنَاشِرُهَا، بَاسِطُ الأَرْضِ وَنَتَائِجِِهَا، مُعْطِي الشَّعْبِ عَلَيْهَا نَسَمَةً، وَالسَّاكِنِينَ فِيهَا رُوحًا: 6«أَنَا الرَّبَّ قَدْ دَعَوْتُكَ بِالْبِرِّ، فَأُمْسِكُ بِيَدِكَ وَأَحْفَظُكَ وَأَجْعَلُكَ عَهْدًا لِلشَّعْبِ وَنُورًا لِلأُمَمِ، 7لِتَفْتَحَ عُيُونَ الْعُمْيِ، لِتُخْرِجَ مِنَ الْحَبْسِ الْمَأْسُورِينَ، مِنْ بَيْتِ السِّجْنِ الْجَالِسِينَ فِي الظُّلْمَةِ. (اشعياء 42 : 5-7 )
نورا للأمم : نور النبوة والإسلام والقرآن تعالوا نتابع الآيات القرآنية القريبة من هذه المعانى:
أيها الأحباب تعالوا نتأمل قليلا:
تعهد الله بمساعدة نبيه محمد عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم وحفظه لهذا النبي روح الحق حتى ينتصر الحق دين الإسلام هذا العهد الرباني كان والمسلمون قلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس :
بسم الله الرحمن الرحيم
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلاَ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنتُمْ تَسْمَعُونَ ، وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لاَ يَسْمَعُونَ ، إِنَّ شَرَّ الدَّوَابَّ عِندَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لاَ يَعْقِلُونَ ، وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لَّأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَّهُم مُّعْرِضُونَ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَجِيبُواْ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُم لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ ، وَاتَّقُواْ فِتْنَةً لاَّ تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُواْ مِنكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُواْ أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ ، وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَخُونُواْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُواْ أَمَانَاتِكُمْ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ ، وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ وَأَنَّ اللَّهَ عِندَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ، يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِن تَتَّقُواْ اللَّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَاناً وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ ، وَإِذْ يَمْكُرُ بِكَ الَّذِينَ كَفَرُواْ لِيُثْبِتُوكَ أَوْ يَقْتُلُوكَ أَوْ يُخْرِجُوكَ وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ) سورة الأنفال الآية: 20 -30
( وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللَّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ ، وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنفَقْتَ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا مَّا أَلَّفْتْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ، يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللَّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ) سورة الأنفال الآية: 62-64
( يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ) سورة المائدة الآية: 67
المسلمون كانوا فى ذلك الوقت قلة مستضعفة يخافون أن يتخطفهم الناس وكفار العرب كثر وفى وجود أكبر قوتين على وجه الأرض الفرس والروم آنذاك وتحقق وعد الله لنبيه بالنصر والتمكين:
(يُرِيدُونَ أَن يطفئوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّهُ إِلاَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ،هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ) سورة التوبة الآية: 32-33
(هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ، مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاء عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاء بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِم مِّنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الإِنجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) سورة الفتح الآية: 28 -29
وهنا تعالوا نقرأ آيات القرآن الكريم عن النور للأمم
بسم الله الرحمن الرحيم
( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا ، وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا ،هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا ،تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْرًا كَرِيمًا ،يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِدًا وَمُبَشِّرًا وَنَذِيرًا وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُّنِيرًا) سورة الأحزاب 41-46
( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوبًا عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلالَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ، قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ) سورة الأعراف الآية: 157-158
(وَمِنَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُواْ حَظًّا مِّمَّا ذُكِّرُواْ بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ ،يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِّمَّا كُنتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ قَدْ جَاءَكُم مِّنَ اللَّهِ نُورٌ وَكِتَابٌ مُّبِينٌ يَهْدِي بِهِ اللَّهُ مَنِ اتَّبَعَ رِضْوَانَهُ سُبُلَ السَّلامِ وَيُخْرِجُهُم مِّنِ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ بِإِذْنِهِ وَيَهْدِيهِمْ إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ ، لَّقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قَالُواْ إِنَّ اللَّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَن يَمْلِكُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا إِنْ أَرَادَ أَن يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ وَمَن فِي الأَرْضِ جَمِيعًا وَلِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا يَخْلُقُ مَا يَشَاء وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) سورة المائدة الآية: 14-17
( يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِن رَّبِّكُمْ فَآمِنُواْ خَيْرًا لَّكُمْ وَإِن تَكْفُرُواْ فَإِنَّ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا ، يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لاَ تَغْلُواْ فِي دِينِكُمْ وَلاَ تَقُولُواْ عَلَى اللَّهِ إِلاَّ الْحَقَّ إِنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِّنْهُ فَآمِنُواْ بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ وَلاَ تَقُولُواْ ثَلاثَةٌ انتَهُواْ خَيْرًا لَّكُمْ إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ سُبْحَانَهُ أَن يَكُونَ لَهُ وَلَدٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَات وَمَا فِي الأَرْضِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلاً ، لَّن يَسْتَنكِفَ الْمَسِيحُ أَن يَكُونَ عَبْدًا لِّلَّهِ وَلاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَمَن يَسْتَنكِفْ عَنْ عِبَادَتِهِ وَيَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعًا ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلِيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللَّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا ، يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءَكُم بُرْهَانٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ نُورًا مُّبِينًا ، فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ بِاللَّهِ وَاعْتَصَمُواْ بِهِ فَسَيُدْخِلُهُمْ فِي رَحْمَةٍ مِّنْهُ وَفَضْلٍ وَيَهْدِيهِمْ إِلَيْهِ صِرَاطًا مُّسْتَقِيمًا ) النساء : 170-175
( يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ، هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُم مُّؤْمِنٌ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ، خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ ، يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَيَعْلَمُ مَا تُسِرُّونَ وَمَا تُعْلِنُونَ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ ، أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَبَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَبْلُ فَذَاقُوا وَبَالَ أَمْرِهِمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ، ذَلِكَ بِأَنَّهُ كَانَت تَّأْتِيهِمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَقَالُوا أَبَشَرٌ يَهْدُونَنَا فَكَفَرُوا وَتَوَلَّوْا وَّاسْتَغْنَى اللَّهُ وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَمِيدٌ ، زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَن لَّن يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ ، فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ ، يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذَلِكَ يَوْمُ التَّغَابُنِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ، وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ خَالِدِينَ فِيهَا وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ، مَا أَصَابَ مِن مُّصِيبَةٍ إِلاَّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ ، وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ ، اللَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) سورة التغابن : 1-13
قد جاء ملكوت السماوات بدين الإسلام وما زال المسيحيون يدعون في صلواتهم قائلين: أبانا الذي في السماء ليأت ملكوتك
-
إبطال نسبة الأناجيل والرسائل للحواريين
تعود أسفار العهد الجديد السبعة والعشرون إلى ثمانية مؤلفين تفاوتت مقادير كتاباتهم، ففي حين لم تزد رسالة يهوذا عن صفحتين فإن لبولس ما يربو على المائة صفحة.
وأيضاً يتفاوت قرب هؤلاء من المسيح، ففي حين أن يهوذا وبطرس ويوحنا من تلاميذه الاثني عشر، فإن لوقا ومرقس لم يلقيا المسيح، فيما لم يتنصر بولس إلا بعد رفع المسيح.
والنصارى يعتبرون هؤلاء المؤلفين الثمانية بشراً ملهمين، كتبوا ما أملاه عليهم روح القدس وفق أسلوبهم، وقد ثبت لدينا عدم إلهامية كتبة العهد الجديد فيما سبق.
ولكن هل تصح نسبة الكتب إلى هؤلاء الثمانية؟ وبالذات إلى متى ويوحنا وبطرس الذين يفترض أنهم من أخص تلاميذ المسيح أم أن النسبة هي أيضاً محرفة ؟ وهل من الممكن أن يصدر هذا الكلام - الذي في العهد الجديد - من حواريي المسيح الذين رباهم طوال سني رسالته، وذكرهم القرآن بالثناء الحسن ؟
إن تأمل المحققين من المسلمين في كتابات العهد الجديد، جعلهم يرون أن هذه الأسفار لا يمكن أن تصدر عن تلاميذ المسيح المؤمنين، فاهتموا لذلك بدراسة وتوثيق نسبة هذه الأسفار إليهم.
ولسوف لن نتوقف طويلاً مع توثيق نسبة بعض الأسفار، لأن كتبتها ليسوا من تلاميذ المسيح، وعليه فلا يهمنا إن كان كاتب إنجيلي مرقس ولوقا هما مرقس ولوقا أو أياً من النصارى الذين عاشوا في نهاية القرن الميلادي الأول، إذ أي من هؤلاء ليس بمعصوم ولا ملهم ولا يملك ثناء واحداً من المسيح عليه السلام، ومثله نصنع في رسائل بولس عدو المسيح الذي ادعى الرسالة والعصمة، وهو لم يلق المسيح البتة.
التحريف في العهد الجديد
ولقد يتساءل المرء أين وقع التحريف في الأناجيل ؟ هل وقع من الإنجيليين وأصحاب الرسائل، أم من النساخ الذين تصرفوا في النصوص حسب أهوائهم وعقائدهم، أم من أولئك الذين أضافوا القداسة للكتب الشخصية التي خطها الحواريون، أم من ذلك كله؟ ولعل الأخير هو أولاها بالصواب.
أولاً : تحريف الإنجيليين : هل كان الإنجيليون أمناء في النقل عن بعضهم؟
أصبح من المسلم به - كما أسلفنا - أن لوقا نقل ما نسبته 51% من فقرات إنجيل مرقس، بينما نقل متى ما نسبته 90% من محتويات إنجيل مرقس. فهل كان متى ولوقا أمينان في نقلهما عن مرقس، أم كانا يتصرفان بنص مرقس كما يحلو لهما؟
الحقيقة البينة أن كلا الاثنين تصرف برواية مرقس حسب ما تبدى له، وخاصة متى الذي كان يضخم دائماً فيما ينقله من أحداث ينقلها من رواية مرقس، لتناسب غلوه في شخص المسيح أو لتحقق نبوءة توراتية لم تحققها رواية مرقس، وذلك يظهر من أمثلة كثيرة ذكرها المحققون، منها:
يقول مرقس عن المصلوب: " أعطوه خمراً ممزوجةً بمر " ( مرقس 15/23 ).
لكن متى نقل عن مرقس وغيّر، فقال: " أعطوه خلاً ممزوجاً بمرارة " ( متى 27/34 )، ومن المعلوم أن الخل غير الخمر.
ولقد قصد متى من هذا التغيير أن يحقق النبوءة التوراتية المزعومة " يجعلون في طعامي علقماً، وفي عطشي يسقونني خلاً " ( المزمور 69/21 )، فأبدل كلمة الخمر التي كتبها مرقس بالخل.
-1يقول مرقس: " إن من يصنع مشيئة الله هو أخي وأختي وأمي " ( مرقس 3/35 ).
وينقلها متى: " إن من يصنع مشيئة أبي الذي في السماوات هو أخي وأختي وأمي " ( متى 12/50 ). فكلمة أبي وضعت لأسباب لاهوتية.
-2ومثله يقال عندما سأل المسيح تلاميذه عما يقولون فيه، فأجاب بطرس: " أنت المسيح " (مرقس 8/29 ).
لكن متى عدل في إجابة بطرس وجعلها : " أنت هو المسيح ابن الله الحي " ( متى 16/16).
-3ومثله لما ظهر لهم المسيح مع موسى قال بطرس لسيده كما ينقل مرقس : " يا سيدي جيد أن نكون هنا " ( مرقس 9/5 ).
ولكن متى يعدّل نص مرقس، ويقول: " يا رب جيد أن نكون ههنا " (متى 17/4).
-4ومن غلو متى تغييره لما جاء في مرقس عن عدم قيام المسيح بالمعجزات في الجليل حيث يقول: " ولم يقدر أن يصنع هناك ولا قوة واحدة غير أنه وضع يديه على مرضى قليلين فشفاهم، وتعجب من عدم إيمانهم " ( مرقس 6/5 - 6 ). حيث لم يصنع ولا قوة واحدة، لكنه شفى قليلين، لكن شفاء القليلين لم يكن كافياً لإيمان أولئك القساة، فتعجب المسيح لعدم إيمانهم.
لكن متى عزّ عليه أن لا يصنع المسيح أي قوة، فقال : " ولم يصنع هناك قوات كثيرة لعدم إيمانهم " ( متى 13/58 ). إذاً هو صنع معجزات، ولكن ليس كثيراً، وبرر قلة المعجزات بعدم إيمانهم. فأصبحت سبباً لقلة المعجزات بعد أن كانت عند مرقس نتيجة لها.
-5ومثله تلاعب لوقا بما نقله عن مرقس، فقد أورد مرقس - الذي تصفه المصادر المسيحية بأنه يقدم أصدق صورة عن المسيح - أورد آخر عبارات المصلوب على الصليب، وكانت صراخه اليائس "إلهي إلهي، لماذا تركتني " ( مرقس 15/34 ).
لكن لوقا - وكما يرى ولديورانت - لم تعجبه عبارة مرقس، ورآها لا تتفق مع تعليم بولس عن المسيح الفادي الذي جاء ليصلب، فأبدلها بقوله: " يا أبتاه في يديك أستودع روحي " ( لوقا 23/46 ).
-6والغلو عند متى في شخص المسيح جعله يخالف مرقس في كثير من الأحداث التي نقلها عنه، فزاد فيها بما اعتقد أنه يرفع من قدر المسيح، من ذلك أن مرقس ذكر خبر المجنون الممسوس بالشياطين والذي شفاه المسيح وأخرج منه الشياطين وجعلها تدخل في الخنازير، فيقول: " لما خرج من السفينة للوقت استقبله من القبور إنسان به روح نجس... فلما رأى يسوع من بعيد ركض وسجد له، وصرخ بصوت عظيم وقال: ما لي ولك يا يسوع ابن الله العلي. أستحلفك بالله أن لا تعذبني...
وكان هناك عند الجبال قطيع كبير من الخنازير يرعى. فطلب إليه كل الشياطين قائلين: أرسلنا إلى الخنازير لندخل فيها. فأذن لهم يسوع للوقت، فخرجت الأرواح النجسة، ودخلت في الخنازير" (مرقس 5/2 - 13).
لكن متى جعل صاحب القصة مجنونان بدلاً من واحد فقال: "ولما جاء إلى العبر إلى كورة الجرجسيين استقبله مجنونان خارجان من القبور هائجان جداً...وإذا هما قد صرخا قائلين: ما لنا ولك يا يسوع ابن الله! أجئت إلى هنا قبل الوقت لتعذبنا؟
وكان بعيداً منهم قطيع خنازير كثيرة ترعى. فالشياطين طلبوا إليه قائلين: إن كنت تخرجنا فأذن لنا أن نذهب إلى قطيع الخنازير. فقال لهم: امضوا، فخرجوا ومضوا إلى قطيع الخنازير" ( متى 8/28 - 32 ).
-7وذكر مرقس ولوقا شفاء الأعمى، يقول مرقس: "وفيما هو خارج من أريحا مع تلاميذه وجمع غفير كان بارتيماوس الأعمى ابن تيماوس جالساً على الطريق يستعطي. فلما سمع أنه يسوع الناصري ابتدأ يصرخ ويقول: يا يسوع ابن داود، ارحمني... فأجاب يسوع، وقال له: ماذا تريد أن أفعل بك؟ فقال له الأعمى: يا سيدي أن أبصر. فقال له يسوع: اذهب. إيمانك قد شفاك. فللوقت أبصر، وتبع يسوع في الطريق "
(مرقس 10/46 - 52، وانظر لوقا 18/35 - 42 ).
لكن متى روى نفس القصة وجعل الأعمى أعميين اثنين، فقال: " فيما هم خارجون من أريحا تبعه جمع كثير. وإذا أعميان جالسان على الطريق، فلما سمعا أن يسوع مجتاز صرخا قائلين: ارحمنا يا سيد، يا ابن داود... فوقف يسوع وناداهما وقال: ماذا تريدان أن أفعل بكما؟ قالا له: يا سيد أن تنفتح أعيننا. فتحنن يسوع ولمس أعينهما، فللوقت أبصرت أعينهما، فتبعاه " ( متى 20/29 - 34 )، فهذا غلو من متى وتحريف للقصة التي ينقلها عن مرقس.
-8وأخبر مرقس عن قدوم المسيح لأورشليم راكباً على جحش فيقول: "أرسل اثنين من تلاميذه، وقال لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت وأنتما داخلان إليها تجدان جحشاً مربوطاً لم يجلس عليه أحد من الناس. فحلاه وأتيا به... فأتيا بالجحش إلى يسوع وألقيا عليه ثيابهما (أي التلميذين) فجلس عليه" (مرقس11/1- 7 ).
لكن متى بالغ في روايته لنفس الخبر، فجعل المسيح راكباً على أتان وجحش في وقت واحد! يقول متى:
" حينئذ أرسل يسوع تلميذين قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاًَ معها، فحلاهما وأتياني بهما....وأتيا بالأتان والجحش، ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس عليهما"
( متى 21/1 - 7 ).
ولم يبين لنا متى كيف كان هذا الركوب، وما هي هيئته، فذلك لا يهُم ، المهم أنه أراد أن يحقق نبوءة توراتية في سفر زكريا " هو ذا ملكك، يأتي إليك وهو عادل ومنصور وديع، وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان " (زكريا 9/9 ).
وقد صرح متى بذلك في نفس الخبر فقال: " فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان" (متى 21/4)، ومن أجل تحقيق هذه النبوءة خالف مرقس ، وأركب المسيح على أتان وجحش معاً!
-9ومثله في التحريف زيادات متى الخيالية على الأحداث التي صاحبت موت المعلق على الصليب "فصرخ يسوع أيضاً بصوت عظيم، وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل. والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، والقبور تفتحت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين" (متى 27/50 - 53)، هذا ولم يذكر لنا متى شيئاً عما فعله هؤلاء العائدون من الموت، ولا عن ردة فعل الناس على ظهورهم وعلى تلك الأحداث العظيمة....
وهذه الأعجوبة على ضخامتها وأهميتها لم يشر إليها مرقس، ولو كانت حقاً لما صح أن يهملها لأهميتها، كذلك لم يذكرها لوقا - المتتبع لكل شيء بتدقيق - ولا يوحنا، فثبت أنها من وضع متى ونسج خياله.
اعترافات بالتلاعب في الأناجيل
أمام وضوح الحقيقة لا يجد المفسر جون فنتون مفسر إنجيل متى من سبيل إلا يعترف بهذا التطوير للروايات، ويحاول تبريره فيقول: "لقد حدث تحوير ملحوظ في مخطوطات ( الأناجيل )، وذلك في المواضع التي ذكرت فيها ألقاب الرب " ( يسوع )، فهو يعترف بوقوع التحريف، لكنه يتهم نساخ المخطوطات ، ويبرئ متى الكاتب.
والصحيح أن التلاعب بالنص يرجع إلى كُتاب الأناجيل، وليس نساخ المخطوطات، إذ أن الزيادة تطرِد دائماً في متى عما في مرقس، ولو كان الخلل في المخطوطات لما اطردت الزيادة في متى دائماً.
وقد صدق العلامة كيز مان حين قال : " إن لوقا ومتى قد قاما بتغيير نص مرقس الذي كان بحوزتهما مائة مرة عن عمد لأسباب عقائدية ".
ثانياً: تحريف الإنجيليين في نقلهم من المصادر التوراتية
وكذا وقع كتاب العهد الجديد في تحريف الأسفار التوراتية وهم ينقلون عنها، ليكون صورة أخرى من صور التحريف.
- فقد وقع به بولس وهو ينقل عن مزامير داود، يقول بولس: " لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع الخطايا، لذلك عند دخوله إلى العالم، يقول : ذبيحة وقرباناً لم تُرد، ولكن هيأت لي جسداً، بمحرقات وذبائح لم تسر... " ( عبرانيين 10/4 – 6 ).
وقد نقل بولس النص عن المزامير، وحرفه، ففي المزامير " بذبيحة وتقدمه لم تسر، أذني فتحت، محرقة وذبيحة خطية لم تطلب … " ( المزمور 40/6 )، فقد أبدل " أذني فتحت " بقوله: "هيأت لي جسداً ".
واعترف بوقوع التحريف في أحد النصين جامعو تفسير هنري واسكات، ولم يعينوا الموضع المحرف منهما، فقد اعتبر آدم كلارك ما جاء في المزمور محرفاً، فيما اعتبره دوالي ورجر وديمنت في تفسيرهما ما جاء في رسالة بولس هو المحرف.
-كما وقع التحريف من الإنجيليين بنسبة أقوال إلى التوراة لم تذكرها، منه ما جاء في متى عن المسيح "وأتى وسكن في مدينة يقال لها ناصرة، لكي يتم ما قيل بالأنبياء : إنه سيدعى ناصرياً " (متى 2/23)، ولا يوجد شيء من ذلك في كتب الأنبياء.
ومما يؤكد أن التحريف هنا متعلق بمتى أن التلميذ نثنائيل حين بشره فليبس بالمسيح الناصري استغرب أن يبعث مسيح من الناصرة "فقال له نثنائيل: أمن الناصرة يمكن أن يكون شيء صالح؟" (يوحنا 1/46)، ولو كانت نبوءة الناصري موجودة قبلُ لما كان وجه للغرابة.
-ومن صور التحريف ما وقع به يعقوب ولوقا حين تحدثا عن انقطاع المطر بدعاء النبي إيليا ، فذكروا أنه استمر ثلاث سنين وستة أشهر، محرفين ماورد في العهد القديم، والذي أفاد بأن انقطاع المطر لم يكمل الثلاث سنوات، فيقول يعقوب في رسالته: " كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا ، وصلى صلاة أن لا تمطر ، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر " ( يعقوب 5/17 )، ووافقه لوقا فزعم أن المسيح قال: "أقول لكم: إن أرامل كثيرة كنّ في إسرائيل في أيام إيليا، حين أغلقت السماء مدة ثلاث سنين وستة أشهر، لما كان جوع عظيم في الأرض كله" (لوقا 4/25).
والقصة منقولة ومحرفة عن سفر الملوك وفيه " قال إيليا :.. إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي " ( الملوك (1) 17/1)، ثم " بعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً : اذهب وتراءى لأخاب فأعطي مطراً على الأرض " ( الملوك (1) 18/1 )، وفعل فنزل المطر ، وكان ذلك في السنة الثالثة، ولعله في أولها، أي لم يكمل انقطاع المطر ثلاث سنوات، فضلاً عن الأشهر الستة التي زادها يعقوب ولوقا.
-ومن صور التحريف ما نسبه بولس لكتب الأنبياء من وصف الجنة التي أعدها الله للمؤمنين، فقال: " بل كما هو مكتوب: ما لم تر عين، ولم تسمع أذن، ولم يخطر على بال إنسان ما أعده الله للذين يحبونه " (كورنثوس (1) 2/9)، وليس في كتب الأنبياء في العهد القديم مثل هذا البتة.
-وينقل متى من سفر النبي إشعيا، فيغير في النبوءة ليقدم لنا مثالاً للحرية التي تعامل بها الإنجيليون مع النصوص التوراتية ، إذ يقول: " فقد تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون سمعاً ولا تفهمون، ومبصرين تبصرون ولا تنظرون، لأن قلب هذا الشعب قد غلظ، وآذانهم قد ثقل سماعها، وغمضوا عيونهم، لئلا يبصروا بعيونهم ويسمعوا بآذانهم ويفهموا بقلوبهم، ويرجعوا فأشفيهم" (متى 13/14-15)، وهو اقتباس تصرف فيه من سفر إشعيا الذي يقول في سفره متوعداً بني إسرائيل "فقال: اذهب وقل لهذا الشعب: اسمعوا سمعاً ولا تفهموا، وأبصروا إبصاراً ولا تعرفوا، غلِّظ قلب هذا الشعب، وثقّل أذنيه، واطمس عينيه، لئلا يبصر بعينيه ويسمع بأذنيه ويفهم بقلبه، ويرجع فيشفى" (إشعيا 6/9-10)، فقد كان نص إشعيا حديثاً بصيغة المستقبل عما سيؤول إليه حال بني إسرائيل، فجعلها متى بصيغة الإخبار عن الحال الحاضر، ولو كان يعتبر ما يعاصره من عصيان اليهود وقسوة قلوبهم تفسيراً لتلك النبوءة، لكان فعله مقبولاً، لكنه بالحقيقة كان ينقل النبوءة ويغير بألفاظها " تمت فيهم نبوة إشعياء القائلة: تسمعون.. ".
ومن صور التحريف ما صنعه متى وهو يتلاعب بنسب المسيح، فيحذف من النسب ما لا يروق له، ثم يعمد إلى خداع القارئ والتمويه عليه، لقد أدرك متى أن ذرية الملك يهوياقيم محرومة من الجلوس على كرسي داود (انظر إرميا 36/30 - 31 ) ، فحذف اسمه من نسب المسيح مخافة أن يدرك القارئ أنه لاحظّ للمسيح في الجلوس على كرسي داود، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل" (متى 1/11)، ومن المعلوم أن يكنيا من أحفاد يوشيا، وليس ابنا مباشراً له، إذ هو ابن الملك المحروم يهوياقيم بن يوشيا (انظر الأيام (1) 3/14-15).
كما أخطأ متى ثانية حين زعم أن ولادة يكينيا عند سبي بابل، إذ يكينيا قد ولد قبل السبي بوقت طويل، وتولى الملك وعمره ثماني سنوات أو ثمانية عشرة سنة ، على خلاف بين الأسفار (انظر (الملوك (2) 24/8)، و ( الأيام (2) 26/9 )) ، وتسمى بيهوياكين، وفي عهده (597 ق.م) دخل البابليون فلسطين أول مرة، وسبوه وكبار مملكته إلى بابل، وذلك قبل السبي الكبير بإحدى عشرة سنة، خلافاً لمتى الذي يزعم أنه ولد عند السبي.
ثالثاً: انتشار التحريف في الصدر الأول
رأينا قبل أصحاب النصوص الإنجيلية وهم يقعون في التحريف، في الصدر الأول من النصرانية، وقد كثر حينذاك المنتحلون للنبوة والزاعمون أنهم يكتبون القصة الحقيقية لعيسى عليه السلام.
ومنذ ذلك الحين صدرت الدعوات تحذر من التحريف الذي يتعرض له الإنجيل.
وهذا الذي دعا بولس للقول: " إني أتعجب أنكم تنتقلون هكذا سريعاً عن الذي دعاكم بنعمة المسيح إلى إنجيل آخر ليس هو، غير أنه يوجد قوم يزعجونكم، ويريدون أن تحولوا إنجيل المسيح " ( غلاطية 1/6 - 7 )، فتحدث بولس عن أناس يريدون تحريف إنجيل المسيح الذي سبق الحديث عن فقده.
ويقول أيضاً: " ولكن ما أفعله سأفعله لأقطع فرصة الذين يريدون فرصة كي يوجدوا كما نحن أيضاً فيما يفخرون به، لأن مثل هؤلاء رسل كذبة، فعلة ماكرون مغيرون من شكلهم إلى شبه رسل المسيح " ( كورنثوس (2) 11/12- 13 ).
ويقول يوحنا: " أيها الأحباء لا تصدقوا كل روح... لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم " ( يوحنا (1) 4/1 )، لقد أصبح إدعاء النبوة والتحريف مرضاً مستشرياً في القرن الميلادي الأول.
ويحذر التلميذ يهوذا من أولئك الذين زوروا كلاماً على المسيح " إنه قد دخل خلسة أناس قد كتبوا منذ القديم لهذه الدينونة، فجار يحولون نعمة إلهنا... هو ذا قد جاء الرب ليضع دينونة على الجميع، ويعاقب جميع فجارهم على جميع أعمال فجورهم... وعلى جميع الكلمات الصعبة التي تكلم بها عليه خطاة فجار... إنه في الزمن الأخير سيكون قوم مستهزؤون سالكين بحسب شهوات فجورهم " (يهوذا 4-18).
ويحذر بطرس من التحريف المعنوي بتغيير المعاني الصحيحة، فيقول: " كتب إليكم أخونا الحبيب بولس. أيضاً بحسب الحكمة المعطاة له، كما في الرسائل كلها أيضاً متكلماً فيها عن هذه الأمور التي فيها أشياء عسرة الفهم، يحرفها غير العلماء وغير الثابتين كباقي الكتب أيضاً لهلاك أنفسهم " ( بطرس (2) 3/15 - 16).
وكثرة التحريف والكتب التي تدعي الحق زوراً وكذباً هيّج لوقا لكتابة إنجيله، ففي مقدمته يقول: "إذ كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في الأمور المتيقنة عندنا ... أكتب على التوالي إليك أيها العزيز ثاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمتَ به " ( لوقا 1/1 - 4 ).
فلوقا رأى هذه الكتب الكثيرة محرفة، فكتب ما رآه صحيحاً، وقد بلغت هذه الكتب من الكثرة أن قاربت المائة.
وسريان التحريف وانتشاره انتشار النار في الهشيم جعل فاستس ( من فرقة ماني كيز في القرن الرابع ) يصرخ، ويقول : " أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر، وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته، لأن هذا الأمر محقق، إن هذا العهد الجديد ما صنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين ليعتبر الناس، وقد آذى بذلك الدين... فقد ألف الكتب التي تمتلئ بالأغلاط والمتناقضات ".
وكان سلوس الوثني ( ق2 ) يقول: " بدل المسيحيون أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد من هذا تبديلاً، كأن مضامينها بُدلت ".
رابعاً: ظهور الطباعة، والتحريف الطباعي للعهد الجديد
وفي القرن السادس عشر ظهرت الطباعة وأدواتها، ليظهر معها نوع جديد من أنواع التحريف، يؤكد أن القوم قد استمرؤوا باطلهم وتحريفهم.
وقد أصدر ارازموس سنة 1516م أول طبعاته كما ذكر ذلك فردريك جرانت في كتابه "الأناجيل أصولها ونماؤها" وجورج كيرد في تفسيره.
وفي عهد الملك جيمس الأول ملك انجلترا واسكتلندا عقد مؤتمر ديني عام 1604م أسفر عن تشكيل لجنة ترجمة من البروتستانت تولت إنتاج النص الرسمي للكتاب المقدس باللغة الإنجليزية، وختم الملك جيمس هذه النسخة بخاتمه، وطبعت سنة 1611م.
ومنذ عهد الملك جيمس توالت الطعون لهذه الترجمة الأشهر في تاريخ المسيحية، فقد رفعت للملك جيمس عريضة تقول: " إن الزبورات التي هي داخلة في كتاب صلاتنا مخالفة للعبري بالزيادة والنقصان والتبديل في مائتي موضع تخميناً ".
وقال بروتن للقسس: " إن ترجمتكم الإنجليزية المشهورة حرفت عبارات كتب العهد العتيق في ثمانمائة وثمان وأربعون موضعاً، وصارت سبباً لرد أناس غير محصورين كتب العهد الجديد ودخولهم النار ".
وتوالت الطعون لهذه الترجمة والتي عنها ترجم العهد الجديد إلى أكثر لغات العالم.
وفي عام 1881م عُدلت نسخة الملك جيمس، وسميت بالنسخة القياسية المنقحة، ثم نقحت 1952م، وسميت أيضاً " النسخة القياسية المنقحة " (R.S.V)، وكان تنقيحها على يد اثنين وثلاثين عالماً لاهوتياً تساندهم هيئة استشارية تمثل خمسين طائفة دينية، ثم أعيد تنقيحها عام 1971م، وصدرت بنفس الاسم (R.S.V)، وجاء في مقدمة هذه الطبعة: " لكن نصوص الملك جيمس بها عيوب خطيرة جداً ... وإن هذه العيوب والأخطاء عديدة وخطيرة، مما يستوجب التنقيح في الترجمة الإنجليزية ".
ومما حذفته النسخة المنقحة نص يوحنا المشهور في التثليث ( انظر يوحنا (1) 5/7 ) ونهاية إنجيل مرقس
( انظر 16/9 - 20 ).
وتبدو إمكانية تطوير النص أيضاً عند الكاثوليك، حيث جاء في مقدمة العهد الجديد للكاثوليك " بوسعنا اليوم أن نعد نص العهد الجديد نصاً مثبتاً إثباتاً حسناً، وما من داع إلى إعادة النظر إلا إذا عثر على وثائق جديدة ".
وقد كان الكاثوليك قد أصدروا نسخة لاتينية خاصة بهم تسمى نسخة " دوي "، وطبعت لأول مرة عام 1582م ثم 1609م، وتختلف هذه النسخة عن نسخة الملك جيمس المعاصرة لها في أمور أهمها زيادة سبعة من الأسفار ( الأبوكريفا ) غير موجودة في ترجمة الملك جيمس البروتستانتية.
أمثلة لتحريف الطبعات
وقد لجـأ المحرفون إلى وسائل مستحدثة في التحريف منها أنهم تعمدوا وضع إضافات للنص المطبوع، وجعلت هذه الإضافات في أقواس للدلالة على عدم وجودها في أقدم المخطوطات المعتمدة، وأنها إضافات تفسيرية.
ثم وفي طبعات أخرى تختفي الأقواس، ويصبح ما بين الأقواس جزء من النص المقدس، وفي طبعات أخرى تم حذف الأقواس وما بينها، فأي هذه النصوص كلمة الله؟ ومن الذي يحق له أن يزيد وينقص في الكتاب المقدس؟ أولا تزاد له الضربات المكتوبة حين يزيد في الكتاب، أو يحذف اسمه من سفر الحياة والمدينة المقدسة حين يحذف منه ما هو منه. (انظر الرؤيا 22/18-19).
-1ومن ذلك أنه جاء في نسب المسيح " ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو (حسبما يظن ) ابن يوسف " ( لوقا 3/23 ).
وفي تراجم وطبعات كثيرة تبلغ المئات يلحظ العلامة ديدات اختفاء الأقواس، وبقاء ما بينها، ليصبح المدرج من النساخ جزء من كلمة الله.
-2وأهم أمثلة تحريف الطبعات قاطبة ما جاء في رسالة يوحنا الأولى " فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة الأب والكلمة والروح القدس، وهؤلاء الثلاثة هم واحد، والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة الروح والماء والدم، والثلاثة هم في الواحد " ( يوحنا (1) 5/7 - 8 )، والفقرة الأولى التي تتحدث عن شهود السماء غير موجودة في النسخ القديمة، كما أنها غير موجودة في جلسات المجمع النيقي.
والنص موجود في سائر تراجم العهد الجديد المطبوعة بعد القرن السادس عشر الميلادي، ولا يخفى أن إضافة هذا النص كان لتثبيت عقيدة التثليث التي تفتقر لمثل هذا الدليل القوي في دلالته.
وقد اعترف محققو النصرانية بإلحاقية هذا النص، ومنهم كريسباخ وشولز، وهورن المتعصب، وجامعو تفسير هنري، واكستاين، والقس فندر، ومارتن لوثر الذي حذف النص من ترجمته.
وقد كتب إسحاق نيوتن رسالة بلغت خمسين صفحة أثبت فيها تحريف هذه العبارة التي بقيت في سائر الطبعات والتراجم بلغات العالم المختلفة إلى أواسط هذا القرن.
وكانت بعض الطبعات العربية القديمة قد وضعتها بين هلالين لتدل على عدم وجودها في المخطوطات القديمة كما في ترجمة الشرق الأوسط 1933م، لكنها موجودة بدون أهلة في سائر التراجم العربية سوى ترجمة الكاثوليك العربية، فإنها أزالتها وأشارت إلى خلو الأصول اليونانية عنها.
وفي عام 1952م أصدرت لجنة تنقيح الكتاب المقدس نسخة ( R. S. V )، النسخة القياسية المراجعة، وكان هذا النص ضمن ما حذفه المنقحون، لكن هذا التنقيح لم يسرِ على مختلف تراجم الإنجيل العالمية
-3ومن النصوص المهمة أيضاً التي تعرضت لتحريف الطبعات، النصان الوحيدان اللذان يتحدثان عن صعود المسيح للسماء في خاتمة مرقس 16/19، ولوقا 24/51 ، وقد حذف النصان من ( R. S. V) عام 1952م، وبقيا في سائر التراجم العالمية.
ثم في 1971م عرض أمام اللجنة ( المنقحة ) طلبات عديدة قدمها اثنان من الأفراد، وطائفتان دينيتان، ونتيجة لهذه الطلبات تم إعادة نص التثليث وخاتمة مرقس 16/9 - 20، ولوقا 24/51 في طبعة ثانية صدرت باسم ( R. S. V ) أيضاً.
استحلال آباء الكنيسة للتحريف
ولكن الداهية التي ساهمت بانتشار التحريف هي ما يذكره المؤرخ وليم ميور في كتابه " تاريخ كليسيا " ( الكنيسة )، حيث قال: إن أرجن وغيره أفتوا بجواز جعل الكتب الكاذبة، ونسبتها للحواريين أو التابعين أو إلى قسيس من القسيسين المشهورين.
يؤكد المؤرخ موشيم سهولة وقوع التحريف في الصدر الأول لانتشار مقولة أفلاطون وفيثاغورث " أن الكذب والخداع لأجل أن يزداد الصدق عبادة لله، ليس بجائزين فقط، بل قابلان للتحسين، وتعلم أولاً منهم يهود مصر هذه المقولة قبل المسيح.. ثم أثر وباء هذه الغلط السوء في المسيحيين كما يظهر ".
وقد كان بولس نموذجاً صارخاً لهذا النوع من التحريف باسم الدين، وقد اعترف به فقال: "إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده، فلماذا أدان بعد كخاطئ" (رومية 3/7).
من كتب العهد الجديد؟
نشرت مجلة تايم في عددها الصادر في اكتوبر 1986 مقالاً عن ندوة دولية حضرها 120 عالماً نصرانياً درسوا صحة الأقوال المنسوبة للمسيح في الأناجيل الأربعة، فوجدوا أنه لا يصح منها سوى 148 قولاً من بين 758 قولاً منسوباً إليه.
وذكر كتاب " الأناجيل الخمسة " الذي أصدرته ندوة يسوع عام 1993م أن 18% فقط من الأقوال التي تنسبها الأناجيل ليسوع ربما يكون قد نطق بها فعلاً.
وفي ندوة 1995 قرروا أن رواية ميلاد يسوع غير حقيقية سوى ما يتعلق باسم أمه، ومثله قصة آلام المسيح ومحاكمته.
-
الأثر التشريعي والأخلاقي للعهد الجديد
جاء في كلام المسيح " احترزوا من الأنبياء الكذبة الذين يأتونكم بثياب الحملان، ولكنهم من داخل ذئاب خاطفة، من ثمارهم تعرفونهم، هل يجتنون من الشوك عنباً أو من الحسك تيناً، هكذا كل شجرة جيدة تصنع أثماراً جيدة، وأما الشجرة الردية فتصنع أثماراً ردية.
لا تقدر شجرة جيدة أن تصنع ثماراً ردية، ولا شجرة ردية أن تصنع أثماراً جيدة، كل شجرة لا تصنع ثمراً جيداً تقطع وتلقى في النار، فإذاً من ثمارهم تعرفونهم " ( متى 7/15 - 20 ).
يسوق المسلمون هذا النص الإنجيلي ويطلبون من النصارى التحاكم إليه، ومن ثم تكون الثمار دالة على حسن الغرس أو سوئه.
واقع المجتمعات النصرانية
وعند النظر إلى المجتمع النصراني بشكل عام يسجل المحققون على المجتمع النصراني عدة ملاحظات:
1انتشار الزنا والفواحش.
2كثرة الانتحار والجرائم.
3التمييز العنصري البغيض.
4التفكك الأسري، والعلاقات الإجتماعية السيئة.
5 انتشار الخمور.
6الانسلاخ من الدين.
7الوحشية مع الأمم الأخرى.
ويتبين من هذا كله من خلال بعض الأرقام التي أوردها المحققون نقلاً عن إحصائيات صادرة في الغرب إضافة إلى قراءتهم الصحيحة للمجتمع النصراني.
فقد نشرت مجلة بونتي الألمانية إحصاءً حول معتقدات الألمان، ونتيجة الإحصاء أن 65% من الألمان يؤمنون بالله، و50% يؤمنون بالحياة بعد الموت والجزاء فيه.
وفي جنوب أفريقيا حيث نسبة النصارى 98% ينتشر زنا المحارم بين البيض بنسبة 8%، بينما يبلغ عدد مدمني الخمر في أمريكا كما يقول القس جيمي سويجارت أربعة وأربعين مليون إضافة إلى أحد عشر مليون سكير.
ويذكر جون ستون بحثاً ميدانياً أجري عام 1978م، وكان من نتيجته أن 4% من المجتمع الأمريكي يمارسون السحاق أو الشذوذ طوال حياتهم، و10% يمارسونه لمدة ثلاث سنوات، وتشير أرقام اتحاد تنظيم الأسرة في بريطانيا إلى أن نصف الفتيات المراهقات تحت 16 سنة يمارسن الزنا.
كيف يواجه العهد الجديد هذا الواقع؟
وماذا لدى الإنجيل من مقومات الإصلاح لهذا الفساد وتلك الأرقام الوبائية؟ وهل للإنجيل علاقة بهذه الأرقام ؟
الإجابة تتلخص في قصور التشريعات الإنجيلية عن معالجة الأوضاع الفاسدة في المجتمعات النصرانية، بل ليس من التجني في شيء إذا قلنا بأن الكتاب المقدس هو أحد أسباب الفساد في تلك المجتمعات، سواء كان ذلك بصورة مباشرة أو غير مباشرة.
وقد تجلت مسئولية الكتاب عن هذا الفساد بأمور تتفاوت في أثرها، لكنها مجتمعة حوت أسباب البلاء وجذوره.
-
أولاً : العهد الجديد ومنافاته للفطرة الإنسانية
وقف المحققون على نصوص كثيرة تجلى فيها مصادمة الإنجيل الموجود بين أيدينا للفطرة الإنسانية التي خلق الله عليها عباده مما يترك أثراً سلبياً أخلاقياً أو اجتماعياً على قارئيها، ومثلوا بأمثلة كثيرة، منها:
-أنه ثمة نصوص تصطدم مع طبيعة الإنسان وفطرته التي فطره الله عليها، ومنه ما جاء في العهد الجديد من حث على التبتل وترك الزواج يقول بولس: " أقول لغير المتزوجين وللأرامل: إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا "
( كورنثوس (1) 7/8 ).
وفي نص آخر يقول: " لأن اهتمام الجسد هو عداوة لله " ( رومية 8/7 )، وعليه فالأكل والشرب والنوم والزواج... وغيرها من حاجات الإنسان الفطرية إنما يمارسها الإنسان وهو يعادي ربه، وهذه حرب على الفطرة الإنسانية.
-وفي مرة أخرى ينسب متى للمسيح أنه قال: " يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السماوات، من استطاع أن يقبل فليقبل " ( متى 19/12 ).
-ويذكر متى دعوة المسيح إلى التخلي عن الدنيا بما فيها الحاجات الأساسية والضرورية للحياة الإنسانية السوية، فقد جاءه رجل فقال للمسيح بأنه حفظ الوصايا كلها " فماذا يعوزني بعد؟ قال له يسوع : إن أردت أن تكون كاملاً فاذهب وبع أملاكك وأعط الفقراء، فيكون لك كنز في السماء، وتعال واتبعني، (لكن الشاب الصالح) مضى حزيناً، لأنه كان ذا أموال كثيرةً.
فقال يسوع لتلاميذه: الحق أقول لكم : إن مرور جمل من ثقب إبرة أيسر من دخول غني إلى ملكوت الله، فلما سمع تلاميذه بهتوا جداً قائلين : إذاً من يستطيع أن يخلص " ( متى 19/20 - 25 ).
فهذا النص وأمثاله محارب لدفعة الحياة التي بها يقوم العمران والحضارات.
ومثله تلك الدعوة التي نرى فيها دعوة للتكاسل والقعود، تبأس البشرية إن فعلتها، وهي ما جاء في لوقا: " لاتهتموا لحياتكم بما تأكلون، ولا للجسد بما تلبسون، الحياة أفضل من الطعام، والجسد أفضل من اللباس، تأملوا الغربان إنها لا تزرع ولا تحصد، وليس لها مخدع ولا مخزن، والله يقوتها... تأملوا الزنابق كيف تنمو لا تتعب ولا تغزل... فلا تطلبوا أنتم ما تأكلون وما تشربون، ولا تقلقوا... بل اطلبوا ملكوت الله، وهذه كلها تزاد لكم " ( لوقا 12/22 - 31 ).
-ومثله يذكر متى أن المسيح أمر تلاميذه: " لاتقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً " ( متى 10/9 - 10 )، فكيف تعمر الأرض لو امتثل الناس جميعاً بهذا الأمر المحال.
ثانياً : العجز التشريعي للعهد الجديد
ورأى المحققون أيضاً أن تشريعات الأناجيل عاجزة عن إقامة الحياة المستقيمة المتكاملة بما تحمل هذه الأناجيل من مثالية يستحيل أن تصلح الحياة معها، ومن ذلك قول المسيح كما ذكر متى: " من لطمك على خدك، فحول له الآخر أيضاً " ( متى 5/39 )، وقد ورد النص في مقابل القصاص، ولذلك فهو إلغاء لشريعة القصاص، أو إضافة أخلاقية تفتقر إلى المعقولية، وكأني به يحث على الرضا بالضيم والظلم، وهو ولا ريب سبب عظيم في ظهور الفساد والبغي.
ومثله قول لوقا: " من ضربك على خدك الأيمن فاعرض له الآخر، ومن أخذ رداءك فلا تمنعه ثوبك.... ومن أخذ الذي لك فلا تطالبه به " ( لوقا 6/28 - 29 ).
وهنا نتساءل : لو كان هذا النص من كلام المسيح، فلم خالفه عندما ضربه خدم رؤساء الكهنة فلم يعرض له الخد الآخر، بل قال له: " إن كنت قد تكلمت ردياً فاشهد على الردي، وإن حسناً فلماذا تضربني " (يوحنا 18/23 ).
وهنا تساؤل يبحث عن إجابة: هل طبقت الكنيسة هذا الخلق في جولة من جولاتها أم أن واقع الحال يؤذن بأن هذا المقال من المحال، وإذا عجزت الكنيسة والمسيح عن ذلك، فغيرهما أعجز.
ويحرم العهد الجديد الطلاق إلا بعلة الزنا، فيقول: " فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان.. أقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني، والذي يتزوج بمطلقة يزني " ( متى 19/6 - 9 ).
وهذا التشريع سبب من أسباب انتشار البغاء، إذ هو المخرج والسبيل الذي يلجأ إليه أولئك الذين حالت مشاكل الحياة واختلافات البشر دون إكمال مسيرتهم الزوجية، وحرم عليهم العهد الجديد أن يبنوا حياتهم على الطُهر من جديد.
وهذا التشريع لا يمكن أن تستقيم معه الحياة، إذ ثمة أمور كثيرة تجعل الحياة بين الزوجين ضرباً من المحال، ولا مخرج إلا بالطلاق الذي بمنعه تترتب الكثير من المضار، وهو ما دفع الكنيسة البروتستانتية لإباحة الطلاق، وهو ما تحاول الكنائس الأخرى إقراره بغية الخروج من هذا التشريع الغريب.
وأما ما ذكره متى من علة تحريم الطلاق وهو قوله: " فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان " ( متى 19/6 ) فليس بصحيح، لأن الزواج ليس جمعاً إلهياً بين اثنين، بل هو اتفاق بين اثنين على الزواج وفق شريعة الله وسّنته، فمثله في ذلك مثل سائر الشعائر التي أمر بها الله.
-وثمة عجز تشريعي آخر تواجهه أسفار العهد الجديد في مواجهة متطلبات الحياة الإنسانية، وهو منع الزواج بأكثر من واحدة كما يفهم من (كورنثوس (1) 7/1 - 5 )، وهو ما تجمع عليه الكنائس النصرانية المختلفة، بينما تشير الإحصائيات إلى زيادة مطردة في أعداد النساء، ففي انجلترا تزيد النساء على الرجال أربعة ملايين امرأة، وفي ألمانيا خمسة ملايين، وفي أمريكا ثمانية ملايين، فكيف يحل العهد الجديد هذه المشكلة التي ستتفاقم آثارها إذا تابع النصارى قول بولس في الحث على التبتل وترك الزواج " أقول لغير المتزوجين وللأرامل : إنه حسن لهم إذا لبثوا كما أنا، ولكن إذا لم يضبطوا أنفسهم فليتزوجوا " ( كورنثوس (1) 7/8 - 9 )، إن نتيجة هذا التعليم هي الفضائح التي تهز جنبات الكنيسة وتقرعها كل يوم، لتثبت أن الفطرة لا تُغلب، وأن هذا التوجيه ليس من كلمة الله.
ثالثاً : دور نسخ الشريعة في انتشار التحلل والفساد
ولكن كل ما ذكرناه ليس إلا أسباباً جانبية للبلاء، وأما أسّ البلاء الذي تعاني منه المجتمعات النصرانية فيكمن في عقيدة الخلاص والفداء، والتي تجعل الإيمان بصلب المسيح كافياً للخلاص ومحرراً من لعنة الناموس والشريعة التي نسخها بولس بأقواله ، نسخ منها كل ما حرمته من زنا وشرب للخمور بل وقتل وفساد، إذ الإيمان بالمسيح المصلوب نيابة عنا يكفر خطايانا مهما عظمت، وهكذا يمضي المؤمن بهذه النصوص إلى ضروب الرذيلة وفنونها غير خائف من عقاب الله ودينونته.
لقد سمى بولس شريعة الله التي تهذب السلوك البشري لعنة، فقال: " المسيح افتدانا من لعنة الناموس" (غلاطية 3/13).
وأعلن عن عدم الحاجة إليها بعد صلب المسيح فقال: " قد كان الناموس مؤدبنا إلى المسيح لكي نتبرر بالإيمان، ولكن بعد ما جاء الإيمان لسنا بعد تحت مؤدب " ( غلاطية 3/24 - 25 ).
وأكد إبطال الناموس بقوله: "سلامنا الذي جعل الاثنين واحد... مبطلاً بجسده ناموس الوصايا " ( أفسس 2/14-5 )، ويقول أيضاً: " الإنسان لا يتبرر بأعمال الناموس، بل بإيمان يسوع، لأنه بأعمال الناموس لا يتبرر جسد ما "
( غلاطية 2/16 )
وهؤلاء الذين يصرون على العمل بالناموس يرى بولس أنهم يسيئون للمسيح: " قد تبطلتم عن المسيح أيها الذين تتبررون بالناموس " ( غلاطية 5/4 ).
ويمضي مؤكداً عدم الحاجة إلى الأعمال الصالحة، فيقول: " إن كان بالناموس بر، فالمسيح إذاً مات بلا سبب "
( غلاطية 2/21 ).
ويقول: " أبناموس الأعمال؟ كلا بل بناموس الإيمان، إذا نحسب أن الإنسان يتبرر بالإيمان بدون أعمال الناموس "
( رومية 3/27-28 ).
وجعل بولس الإيمان بالمسيح سبيلاً للبر والنجاة من غير الحاجة للناموس والأعمال :" الذي خلصنا ودعانا دعوة مقدسة، لا بمقتضى أعمالنا، بل بمقتضى القصد والنعمة التي أعطيت لنا في المسيح يسوع الذي أبطل الموت، وأنار الحياة والخلود " ( تيموثاوس (2) 1/9 - 10 ).
ويؤكد هذا المعنى الغريب عن أقوال المسيح في نص آخر، فيقول: " ظهر لطف فخلصنا الله وإحسانه، لا بأعمال في بر عملناها نحن، بل بمقتضى رحمته خلصنا بغسل الميلاد الثاني وتجديد الروح القدس " ( تيطس 3/4 - 5 ).
ولذلك فإن بولس يعلن إباحته لكل المحرمات من الأطعمة مخالفاً التوراة وأحكامها (انظر التثنية 14/1-24)، ويقول: "أنا عالم ومتيقن في الرب يسوع أن لاشيء نجس في حد ذاته، ولكنه يكون نجساً لمن يعتبره نجساً" ( رومية14/14 ).
ويقول - وهو يعرض نموذجاً من إباحة المحرمات يقاس عليه كل محرم -: "كل شيء طاهر للأطهار، وما من شيء طاهر للأنجاس" ( تيطس 1/ 15 )، "لأن كل خليقة الله جيدة، ولا يرفض شيء إذا أخذ مع الشكر" ( تيموثاوس (1) 4/4 ).
ويقول بولس معرفاً البار حسب دينه الجديد: " المسيح الذي قدمه الله كفارة بالإيمان بدمه، لإظهار بره من أجل الصفح عن الخطايا السالفة بإمهال الله، لإظهار بره في الزمن الحاضر، ليكون باراً، ويبرر من هو من الإيمان بيسوع "
( رومية 3/24-25).
ويقول معدداً الشروط الجديدة للخلاص: " إن اعترفت بفمك بالرب يسوع، وآمنت بقلبك أن الله أقامه من الأموات، خلصت" ( رومية 10/9 ). ومثله ما جاء في مرقس: " من آمن واعتمد خلص، ومن لم يؤمن يُدَن " (مرقس16/16 ).
وفي موضع آخر تتسع دائرة الخلاص لتشمل كل البشرية وتغريها بالمسيحية التي لا تحرم حراماً، فيقول بولس عن المسيح: " بذله لأجلنا أجمعين " ( رومية 8/32 ) ويوضحه قول يوحنا: "يسوع المسيح البار، وهو كفارة لخطايانا، ليس لخطايانا فقط، بل لخطايا كل العالم أيضاً " ( يوحنا (1) 2/2 )، ويؤكده قوله: " نشهد أن الآب قد أرسل الابن مخلصاً للعالم " ( يوحنا 4/14 ) فجعل الخلاص عاماً لكل الخطايا وشاملاً لكل البشر.
وقد كان لهذه النصوص صدى كبير في النصرانية ونظرتها للشريعة، فقد فهم رواد النصرانية قبل غيرهم من هذه النصوص أن كل الموبقات قد أضحت حلالاً، فيقول لوثر أحد مؤسسي المذهب البروتستانتي: " إن الإنجيل لا يطلب منا الأعمال لأجل تبريرنا، بل بعكس ذلك، إنه يرفض أعمالنا.... إنه لكي تظهر فينا قوة التبرير يلزم أن تعظم آثامنا جداً، وأن تكثر عددها".
ويقول ميلا نكتون في كتابه الأماكن اللاهوتية : " إن كنت سارقاً أو زانياً أو فاسقاً لا تهتم بذلك، عليك فقط أن لا تنسى أن الله هو شيخ كثير الطيبة، وأنه قد سبق وغفر لك خطاياك قبل أن تخطئ بزمن مديد".
وهكذا تبين لنا أن البلاء والفساد الذي آلت إليه أوربا والغرب النصراني عامة، إنما كان بسبب هذا الكتاب الذي يصر النصارى على أنه يمثل - رغم سلبياته الهائلة - كلمة الله الهادية إلى البر والجنة والملكوت.
-
هل هذا هو المسيح؟
وآخر ما نختم به جولتنا لإثبات براءة الوحي من أسفار العهد الجديد، أن نستعرض بعض ما ينسبه كتاب العهد الجديد إلى المسيح من أخلاق أو صفات لا يليق أن تصدر من كرام البشر وعقلائهم، فضلاً عن أن يقع فيها نبي كريم جعله الله قدوة صالحة للعالمين.
وثمة صور كثيرة تسيء للمسيح، لن يغفرها مدح الأسفار للمسيح في مواطن أخرى، ومن أهم تلك الصور المزرية التي نسبها الإنجيليون للمسيح زوراً وبهتاناً:
-أن متى يتهم المسيح بعدم الحرص على وصول ضعاف الإيمان إلى المغفرة والهداية، بل قام بحجب أسبابها عنهم " ولما كان وحده سأله الذين حوله مع الاثني عشر عن المثل، قال لهم: قد أُعطي لكم أن تعرفوا سرّ ملكوت الله، وأما الذين هم من خارج فبالأمثال يكون لهم كل شيء. لكي يبصروا مبصرين ولا ينظروا، ويسمعوا سامعين ولا يفهموا، لئلا يرجعوا فتغفر لهم خطاياهم.
ثم قال لهم: أما تعلمون هذا المثل.فكيف تعرفون جميع الأمثال... وبأمثال كثيرة مثل هذه كان يكلمهم حسبما كانوا يستطيعون أن يسمعوا.... وبدون مثل لم يكن يكلمهم. وأما على انفراد فكان يفسر لتلاميذه كل شيء" (مرقس 4/10-33)، فقد كان يخص التلاميذ بالبيان، ويحرمه آخرين " لئلا يرجعوا، فتغفر لهم خطاياهم ".
أن الأناجيل ذكرت وصية المسيح بالأم والأب، ثم لما كان المسيح في عرس بقانا تذكُر أنه أساء لوالدته، ففي يوحنا أنها طلبت منه تحويل الماء الذي في الجرار إلى خمر يشربه أهل العرس فقال لها : " مالي ولك يا امرأة، لم تأت ساعتي بعد " ( يوحنا 12/4 )، وهي ذات الكلمة التي قالها للزانية التي أتي بها لترجم " قال لها: يا امرأة" (يوحنا 8/10).
ثم في موطن آخر تتهمه الأناجيل بشرب الخمر، فتقول بأن المسيح قال لليهود: "جاء ابن الإنسان يأكل ويشرب. فيقولون: هوذا إنسان أكول وشريب خمر، محب للعشارين والخطاة" (متى 11/9).
هذا ما تذكره الأناجيل، تسيء به للمسيح وأمه، فيما نرى القرآن يقول عنها، عن المرأة التي ينسب لها يوحنا أمر صنع الخمر، فيصفها ويقول : يا مريم إن الله اصطفاك وطهرك واصطفاك على نساء العالمين (آل عمران: 33).
والابن الذي يذكر الإنجيليون إساءاته لوالدته يكذبهم القرآن في خبره، إذ يقول على لسانه : وبراً بوالدتي ولم يجعلني جباراً شقياً (سورة مريم: 32).
وأكمل بولس المأساة حين دعا لشرب الخمر فقال: " لا تكن فيما بعد شراب ماء، بل استعمل خمراً قليلاً من أجل معدتك وأسقامك الكثيرة" (ثيموثاوس (1) 23/5)، وكان سفر الأمثال قد اعتبر شرب الخمر وسيلة لعلاج مشكلات الفقراء، إذ ينسيهم أتعابهم وآلامهم، إذ يقول: " أعطوا مسكراً لهالك، وخمراً لمرّي النفس، يشرب وينسى فقره، ولا يذكر تعبه بعد " (الأمثال 31/6-7).
لكن المجتمعات النصرانية لم تلتزم بالقليل الذي أحله ودعا لشربه بولس، فتحولت إلى مجتمعات مدمنة بها عشرات الملايين من المدمنين، إنه أثر آخر من آثار الكتاب المقدس.
-ولما جاء واحد من تلاميذه يخبره أن أمه وإخوته ينتظرونه ليكلموه، فقال: "من هي أمي ؟ ومن هم إخوتي ؟!" ( متى 12/48 )، فهل يعقل أن المسيح يتجاهل أمه بهذه الطريقة؟
-وينقل لوقا عن المسيح أمراً غريباً قاله للجموع التي تتبعه: " إن كان أحد يأتي إلي، ولا يبغض أباه وأمه وأولاده وإخوانه حتى نفسه أيضاً فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 - 27 )، ثم يتابع لوقا الشروط المستحيلة للتلمذة، فيقول: "فكذلك كل واحد منكم لا يترك جميع أمواله لا يقدر أن يكون لي تلميذاً" (لوقا 14/33).
فإضافة إلى كون هذه الشروط للتلمذة مستحيلة، فإنها غير ملائمة للفطرة، والأمر ببغض الأقارب غير مقبول من الناحية الأخلاقية، والمسيح لا يعقل أن يأمر ببغض الآباء والأمهات.
-ومثله لا يصح أن ينسب للمسيح ذلك القول المريع الذي ينسبونه لنبي المحبة والسلام، وهو قوله: " لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً، بل سيفاً، فإني جئت لأفرق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنة ضد حماتها، وأعداء الإنسان أهل بيته " (متى10/34 - 36)، فهل جاء المسيح لنشر الفساد والبغضاء! إنها إساءة كبرى لهذا النبي العظيم، تدل على كذب الكتبة الذين يزعم النصارى أنهم يكتبون كلمة الله.
ويشبهه قول لوقا: "جئت لألقي ناراً على الأرض، فماذا أريد لو اضطرمت.. أتظنون أني جئت لأعطي سلاماً على الأرض.كلا، أقول لكم: بل انقساماً. لأنه يكون من الآن خمسة في بيت واحد منقسمين، ثلاثة على اثنين، واثنان على ثلاثة. ينقسم الأب على الابن، والابن على الأب. والأم على البنت، والبنت على الأم، والحماة على كنتها، والكنة على حماتها" (لوقا 12/49- 53)، فهل صدق الإنجيليون حين زعموا أن المسيح كان نبي فساد، حاشاه، فهذا بهتان عظيم.
وتبع رجل المسيح ثم جاءه يستأذنه ليدفن أباه، فيذكر متى أن المسيح نهاه وقال: " اتبعني. ودع الموتى يدفنون موتاهم " ( متى 8/22 )، فهل يفعل هذا كرام الناس؟ وهل هذا من البر بالوالد؟ وما الأثر الذي يتركه هذا النص على قارئه؟ أليس سبباً في كثير مما نراه من العقوق والجفاف في المجتمعات الغربية المسيحية؟
واستأذنه تلميذ آخر في وداع أهله، فلم يأذن له، بل أنَّبه "وقال آخر أيضاً: أتبعك يا سيد، ولكن ائذن لي أولاً أن أودع الذين في بيتي، فقال له يسوع: ليس أحد يضع يده على المحراث وينظر إلى الوراء يصلح لملكوت الله" (لوقا 69/61-62)، لا يصلح لملكوت الله لأنه أراد وداع أهله! أي دين هذا، وأي تعاليم هذه؟ هل هذا ما تحث عليه كلمة الله؟
ولا ريب أن هذه النصوص وأمثالها سبب لكثير مما تعانيه أوربا والغرب من تفكك أسري وتقاطع بين الأرحام بل وفي الأنساب.
-ومن الجفاء الذي يتنره عنه المسيح، بل وكرام البشر، ما جاء في متى: " تقدم إليه رجل جاثياً له، وقائلاً: يا سيد ارحم ابني، فإنه يصرع ويتألم شديداً، ويقع كثيراً في النار، وكثيراً في الماء. وأحضرته إلى تلاميذك، فلم يقدروا أن يشفوه. فأجاب يسوع، وقال: أيها الجيل غير المؤمن الملتوي. إلى متى أكون معكم. إلى متى احتملكم. قدموه إليّ ههنا. فانتهره يسوع، فخرج منه الشيطان، فشفي الغلام" (متى 17/14-16)، إذ ليس من مبرر لهذا التبرم من قضاء حوائج الناس.
-ومرة أخرى تبالغ الأناجيل في الإساءة للمسيح في قصة المرأة الكنعانية أو الفينيقية التي جاءت إلى المسيح تطلب منه شفاء ابنتها المجنونة، وهي تبكي، وتقول : " ارحمني يا سيد، يا ابن داود، ابنتي مجنونة جداً، فلم يجبها بكلمة، فتقدم تلاميذه، وطلبوا إليه قائلين : اصرفها، لأنها تصيح وراءنا، فأجاب وقال : لم أرسل إلا إلى خراف بيت إسرائيل الضالة. فأتت وسجدت له قائلة : يا سيد أعني. فأجاب وقال : ليس حسناً أن يؤخذ خبز البنين ويطرح للكلاب. فقالت : نعم يا سيد، والكلاب تأكل من الفتات الذي يسقط من مائدة أربابها. حينئذ أجاب يسوع وقال لها : يا امرأة عظيم إيمانك، ليكن لك كما تريدين " ( متى 15 /22 - 28 ).
فمثل هذه الغلظة وهذا الجفاء مع قدرته على شفاء ابنتها لا مبرر له، كيف لا يشفق ولا يرحم تلك المسكينة، وكيف يشبهها، بل وجميع الأمميين من غير اليهود بالكلاب؟! وفي مرة أخرى شبههم بالخنازير، حين أوصى فقال: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا دُرركم قدام الخنازير" (متى 7/6).
ولا يقبل أن يوصم المسيح - الذي يزعمون أنه نزل لخلاص العالم - بمثل هذه التفرقة العنصرية البغيضة.
وإذا قيل ذلك بحق المسيح وهو الرسول القدوة، فلا عجب بعد ذلك في انتشار التفرقة العنصرية التي يؤكدها العهد الجديد بقول بولس: " لكن ماذا يقول الكتاب ؟ اطرد الجارية وابنها، لأنه لا يرث ابن الجارية مع ابن الحرة، إذاً أيها الإخوة لسنا أولاد جارية، بل أولاد حرة " ( غلاطية 4/31 ).
كم هو الفرق بين هذه النظرة العنصرية وما جاء في القرآن الكريم } يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم (سورة الحجرات : 13).
ثم هذه الأخلاق العنصرية والقاسية تتعارض مع أخلاق أخرى لا تقل غرابة عنها ذكرها متى حين قال بأن المسيح يقول: " أحبوا أعداءكم، وباركوا لاعنيكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم ويطردونكم "
( متى 5/44 ).
يقول ولديورانت: " إن الإنسان ليجد في الأناجيل فقرات قاسية مريرة لا توائم قط ما يقال لنا عن المسيح في مواضع أخرى... إن بعضها يبدو لأول وهلة مجانباً العدالة، وإن منها ما يشتمل على السخرية اللاذعة والحقد المرير ".
-وينسب يوحنا للمسيح عليه السلام الكذب - وحاشاه - فيذكر يوحنا أن التلاميذ طلبوا من المسيح أن يذهب لليهودية ( أورشليم ) ويظهر معجزاته في عيد المظال، فقال لهم: "اصعدوا أنتم إلى هذا العيد، أنا لست أصعد بعد إلى هذا العيد، لأن وقتي لم يكمل بعد، قال لهم هذا، ومكث في الجليل.
ولما كان إخوته قد صعدوا، صعد هو أيضاً إلى العيد، لا ظاهراً، بل كأنه في الخفاء... " (يوحنا 7/8 - 10 )، وإذا كانت الأسفار قد نسبت الكذب للرب المتجسد، فماذا عساه يصنع البشر!.
فهذا كذب صريح لا يليق بأن ينسب للمسيح، فإن قرأه النصارى في كتابهم عن المسيح - وحاشاه - فلا عجب بعد ذلك أن يصابوا جميعاً بداء الكذب.
ويعجب المرء لكثرة التعري في الغرب النصراني، ولكن لا عجب عند من تأمل سوءة أخرى تنسبها الأسفار للمسيح عليه السلام، ألا وهي التعري أمام التلاميذ، فقد جاء ذلك في قصة غسل المسيح أرجل التلاميذ، يقول يوحنا: "قام عن العشاء وخلع ثيابه، وأخذ منشفة واتّزر بها، ثم صبّ ماء في مغسل، وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ، ويمسحها بالمنشفة التي كان متزراً بها... فلما كان قد غسل أرجلهم وأخذ ثيابه واتكأ أيضاً، قال لهم: أتفهمون ما قد صنعت بكم" (يوحنا 13/4-12).
ومن نسب العري للمسيح لن يخجل من نسبة العري لرسله وتلاميذه، فقد ذهبوا للسباحة في بحيرة طبرية، وقد وقف سمعان إلى جانب البحر عارياً حتى من الإزار الذي يغطي عورته، ولما جاء المسيح لم يعرفه "فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس: هو الرب. فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب، اتزر بثوبه، لأنه كان عرياناً، وألقى نفسه في البحر" (يوحنا 21/7).
-وتذكر الأناجيل على لسان المسيح الكثير من السباب والشتائم لليهود، وهم مستحقون لذلك، غير أن مثل هذا لا يصدر من نبي أرسله ربه ليعلم قومه حميد الأخلاق، كما لا يصدر ممن يقول: " باركوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم "
( متى 5/44 ).
فكيف يقول بعد ذلك لقومه: قال المسيح وهو يخاطب جموعهم : " ويل لكم أيها الكتبة والفريسيون المراؤون …. ويل لكم أيها القادة العميان … أيها الجهال والعميان … أيها الحيات أولاد الأفاعي كيف تهربون من دينونة جهنم؟ "
( متى 23/13 - 37 ).
وهل يعقل أن يقول ذاك الذي أمر بمباركة أعدائه ومحبتهم والإحسان إليهم، هل يمكن أن يقول لهم: " يا أغبياء " (لوقا 11/37)، أو أن يصفهم بأنهم كلاب وخنازير: "لا تعطوا القدس للكلاب، ولا تطرحوا درركم قدام الخنازير، لئلا تدوسها بأرجلها، وتلتفت فتمزقكم" (متى 7/6).
وقد طال السباب المنسوب للمسيح حتى تلاميذه وخاصته، فقد قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وقال لبطرس: "اذهب عني يا شيطان " ( متى 16/23 ).
وقال مخاطبا إياه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 ).
لكن الداهية الدهياء حين ينسب كُتاب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف، جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم. أنا هو الباب. إن دخل بي أحد فيخلص ويدخل ويخرج ويجد مرعى. السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.
وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب. فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/7-12).
ثم وفي موطن آخر يتوعد بجهنم من قال لأخيه أقل من ذلك، فيقول: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/23).
وقريباً من هذا السباب ما يقوله بولس في مواطن كثيرة من رسائله، منها: "انظروا الكلاب، انظروا فعلة الشر" (فيلبي 3/2)، ومثله كثير...
ثم يذكر بولس أن من بين الذين يحرمون من الملكوت أولئك الذين يشتمون، فيقول: "ولا سكيرون ولا شتامون ولا خاطفون يرثون ملكوت الله" (كورنثوس (1) 6/10)، فهل تراه يقصد نفسه والمسيح أم أن لهما امتيازاً على سائر الشاتمين، أم هو ضلال البشر حين ينسبون القبائح لأحد أكرم المرسلين، ثم يزعمون أنه كلمة الله؟
ولا عجب بعد ذلك ما فعل البشر من السباب والقبح والرذيلة.
ويستمر الإنجيليون في الإساءة المتعمدة للمسيح عليه السلام، ويرميانه بالمزيد من القبائح وهم يتحدثون عن نسب للمسيح الذي ليس له نسب بشري، والعجيب أنهم جعلوا نسب يوسف النجار نسباً للمسيح الذي لا أب له، وليس ثمة علاقة بينه وبين يوسف النجار، ولو كان المذكور نسب مريم لكان له وجه، أما يوسف النجار فلا وألف لا.
ونسبة المسيح ليوسف النجار علاوة على أنها غير حقيقية، فإنها تؤكد ماكان اليهود يشيعه عن مريم وابنها، وما هو موجود في تلمودهم من قولهم على مريم البتول الطاهرة بهتاناً عظيماً.
وعند التأمل في نسب متى ، فإنا نلحظ أنه ذكر في نسب المسيح أربع جدات للمسيح هن ثامار، وزوجة داود التي كانت لأوريا الحثي، وراحاب، وراعوث. فما السر في ذكر هؤلاء الجدات دون سائرهن ؟ هل كن نساء فوق العادة حتى خلدهن الإنجيل؟ هل ثمة درس يعلمنا إياه الكتاب المقدس بخصوص تعظيم المسيح عليه السلام؟
إن لكل واحدة من الأربع سوءة تذكرها التوراة، فأما ثامار فهي التي ولدت فارص زنا من والد أزواجها الذين تعاقبوا عليها واحداً بعد واحد. ( انظر قصتها مع يهوذا في التكوين 38/2 - 30 ).
وأما زوجة أوريا الحثي فهي التي تتهم التوراة - زوراً - داود بأنه فجر بها، وهي زوجة قائده أوريا الحثي، فحملت، ثم دفع داود بزوجها إلى الموت، وتزوجها بعد وفاته، وكان من أولادها النبي سليمان أحد أجداد المسيح. ( انظر القصة في صموئيل (2) 11/1 - 4 ).
وأما راحاب زوجة سلمون، وأم بوعز، وكلاهما من أجداد المسيح - حسب متى -، فراحاب هي التي قال عنها يشوع: "امرأة زانية اسمها راحاب " ( يشوع 2/1 )، وذكر قصة زناها في سفره.
وأما راعوث فهي راعوث المؤابية زوجة بوعز وأم عوبيد، والتوراة تقول: " لا يدخل عموي ولا مؤابي في جماعة الرب، حتى الجيل العاشر " ( التثنية 23 / 3 ).
ولحسن الحظ هذه المرة فإن المسيح ليس داخلاً في هذا الطرد من جماعة الرب، إذ هو الجيل الثاني والثلاثون لها.
وهنا يقف المرء حائراً متسائلاً عن سر الاهتمام بهؤلاء الجدات دون سائر الجدات ، ولا أجد من تفسير إلا أن هناك من يرغب في تلطيخ سمعة الأنبياء والنيل منهم والحط من شرفهم بدء من نوح وانتهاء بالمسيح ، عليهم جميعاً صلوات الله وسلامه.
وفي محاولة يائسة لتبرير هذه السقطة لمتّى وتلك الإساءة الكبرى منه لشخص المسيح، يقول القمّص تادرس يعقوب ملطي في تفسيره لإنجيل متى: "المسيح وضع على ذاته نسب هذه الطبيعة التي تنجست لكي يطهرها، أي يريد أن يقول: إن من جاء من أجل الخطاة ولد من خاطئات ليمحو خطايا الجميع ".
وأما أجداد المسيح الذكور الذين ذكر متى منهم اثنان وثلاثون أباً ( إلى دواد ) وذكر لوقا اثنان وأربعون أباً، فهؤلاء أيضاً لا يتشرف المسيح بأن يكونوا من آبائه - لو كان ما تذكره التوارة صحيحاً، وحاشا أن يكون ذلك صحيحاً - ، فإن أربعة من هؤلاء الآباء تذكر التوراة أنهم فعلوا الزنا، وبعضهم كان الزنا المنسوب إليه زنا محارم، وهؤلاء الأربعة هم يهوذا، وداود، وسليمان، ورحبعام.
وأما يهوياقيم بن يوشيا أحد الأجداد المزعومين للمسيح، فهو اسم آخر يسيء للمسيح عليه الصلاة والسلام، فيهوياقيم ملك فاسد، عاقبه الله بالحرمان ونسله من بعده، فقال عنه: " لا يكون له جالس على كرسي داود، وتكون جثته مطروحة للحر نهاراً وللبرد ليلاً، وأعاقبه ونسله وعبيده على إثمهم " (إرميا 36/30 - 31 ).
ويهوياقيم أحد أجداد المسيح الذين أغفل متى ذكرهم ، فقد ذكر أباه يوشيا وابنه يكينيا ، فقال: " ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل " (متى 1/11).
وهو بذلك تجاهل اسم يهوياقيم، وفي سفر الأيام الأول " بنو يوشيا: البكر يوحانان، الثاني يهوياقيم، الثالث صدقيا، الرابع شلّوم. وابنا يهوياقيم: يكنيا ابنه، وصدقيا ابنه" (الأيام (1) 3/14-15)، فيهوياقيم اسم أسقطه متى من نسبه للمسيح، بين يوشيا وحفيده يكنيا.
ولا يخفى على فطنة القارئ سبب إسقاطه لاسم هذا الملك الفاسق المحروم وذريته من الجلوس على كرسي داود.
إذ أن ذلك الوعيد ليهوياقيم يتعارض مع زعم النصارى أن المسيح سيرث كرسي داود، فإن لوقا في أعمال الرسل: "من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، ليجلس على كرسيه " ( أعمال 2/30 ) ويقول: " الرب الإله يعطيه كرسي داود أبيه " ( لوقا 1/32 )، فلم يجد متى من سبيل لإزالة التعارض إلا أن يسقط اسم يهوياقيم من سلسلة أجداد المسيح، ولعله ظن أن صنيعه سيُذهل القارئ عن هذا العيب الكبير، الذي يحرم المسيح من أحد أعظم نبوءات وبشارات الكتاب المقدس.
وكعادة المفسرين المغرمين بالبهلوانيات يقول مفسرو الإنجيل وعلماء اللاهوت لتبرير ذكر هؤلاء الأجداد وأولئك الجدات المذكورات للمسيح : " هنا تكمن الروعة برُمتها، فإن الله أحب الخطاة إلى درجة أنه لن يستنكف أن يجعل أسلاف ابنه مثل هؤلاء ".
وهكذا نرى في هذه الإساءت المتلاحقة من الإنجيليين للمسيح عليه الصلاة والسلام دليلاً آخر يشهد ببراءة وحي الله عن هذا السفه، وذلكم الإفك الذي يتنزه عنه أنبياء الله الكرام، الهداة الدعاة، ملح الأرض وزينتها، ومنهم سيدنا المسيح عليه الصلاة والسلام.
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة المهدى في المنتدى منتديات الشيخ أيوب
مشاركات: 15
آخر مشاركة: 16-08-2022, 11:21 PM
-
بواسطة huria في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 11-06-2013, 07:13 AM
-
بواسطة huria في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 31-05-2013, 04:58 PM
-
بواسطة محمد مصطفى في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 10-06-2007, 12:34 AM
-
بواسطة الحاتمي في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-11-2006, 01:57 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات