

-
الخطاب (11)
نيويورك فى 11 يوليو 1961
عزيزى مولانا المودودى
السلام عليكم
شكرا على خطابك فى 20 يونيو ، وأنا سعيدة خاصة وأنى قد سمعت بأن صحتك قد عادت لطبيعتها وبناء عليه فيمكنك أن تذهب فى رحلتك لإفريقيا . وسأبعث لك خطابى هذا بالبريد السطحى ، حيث أنى لا أتوقع ردك عليه قبل عودتك للاهور فى سبتمبر .
ومما جمعته من قراءاتى ، فإفريقيا تظهر كنقطة مضيئة على الخريطة ، فيما يخص الناحية الإسلامية من معنى . خصوصا فى نيجيريا ، حيث القيادة القادرة لأحمدو بيلو وأبو بكر توفا بلاوا . فالإسلام ينتشر بقفزات بحيث بالمقارنة ، فكل وثنى واحد يعتنق النصرانية يقابله عشرة يعتنقون الإسلام . فبالرغم من الكاثوليك والبروتستانت يملكون الثروات الضخمة ومن ورائهم الدعم من القوى الغربية ، وهم يحتكرون التعليم والمستشفيات والأعمال المحببة للبشر تقريبا منذ قرن ، ولكنهم يكتسبوا فقط حفنة ممن يعتنقون دينهم ، بينما الإسلام فى عدة أسابيع أو شهور ، تتحول إليه قرى كاملة . ونشرت مؤخرا النيويورك تايمز بأن محرررها قابل بعض المبشرين الكاثوليك فى بلدة نيجيرية الذين أخبروه بأن معظم الإفريقيين الذين عمدوا ، يواظبون اليوم على حضور المسجد المحلى ويراعون الصيام فى رمضان . أعتقد أن واحدا من أهم الأسباب لهذه الحقيقة ، أنه ليس هناك تمييزا عنصريا فى الإسلام كما هو مقبول فى النصرانية ، فكل الكنائس تعزلهم بصلابة ، بينما يرحب بهم فى المساجد ويشعرون كأنهم فى بيوتهم . لو نظم العمل التبشيرى الإسلامى بكفاءة ، فسيجد مجالا خصبا فى العشرين مليون أسودا من الناس ، خصوصا الفقراء منهم ، والعاطلون والمنبوذون والمحتقرون ، الذين يعيشون فى "الجيتو" فى نيويورك وشيكاغو .
فى مختاراتى عن الدعاية ضد الإسلام ، ضمنت مقالا يمدح "الرئيس الحبيب بورقيبة" وحملته ضد الصيام فى رمضان ولاتى ظهرت فى "النشرة الإسلامية" ، والتى أعتقد بأنها معيبة ولا تغتفر . معظم المعلقون والمشاركون فى مختاراتى ، على صلة بالجامعة الأمريكية ببيروت والكلية الأمريكية بالقاهرة . هاتين المؤسستين هما مشاريع للتبشير البروتوستانتى وبالرغم من أنهم اكتسبوا عددا قليلا جدا ليتحولوا إلى النصرانية ، إلا أنهم حققوا نجاحا كبيرا فى صد الكثير عن مفاهيم الإسلام وجذبهم لطريقة الحياة الغربية . ومنذ أيام قابلت طالبا مسلما من السعودية يدرس فى جامعة كولومبيا فى مجال التدريس ، حصل على شهادتى "أ ، ب" من الجامعة الأمريكية ببيروت ، وأخبرنى بأن كل الطلبة المسلمين لابد أن يحضروا الصلوات النصرانية بالكنيسة . وهؤلاء الذين يرفضون الحضور ، عليهم أن يدرسوا فصلا إلزاميا فى "الأخلاق النصرانية" .
لقد تدربت فى أحد المدارس العملية على الكتابة على الآلة الكاتبة ، وذلك لاعتقادى بأن ذلك سيسر على الحصول على وظيفة كسكرتيرة . وفى بداية بحثى عن عمل ، توجهت أولا إلى "مركز استعلامات عربية" حيث كنت أعتقد أن اهتمامى المتزايد فى الدول الناطقة باللغة العربية وفى الإسلام سيكون له قيمة ، ولكن سريعا حينما يعرفون أنى يهودية اعتنقت الدين الإسلامى وأننى لا أتعاطف مع الرئيس جمال عبد الناصر وشعاره "القومية العربية" ، فإنهم يواجهونى بلقاء بارد مما يجعلنى لا أعود إليهم مرة ثانية ، بعد ذلك ، زرت مقر "الأصدقاء الأمريكان للشرق الأوسط" فواجهتنى شابتان جميلتان بالمكاتب الأمامية وأبلغتانى بصراحة ، أن الأديان الأرثذوكسية قد اندثرت ولإن لم يضع العرب الإسلام خلفهم وينظروا إليه كرداء بالى ، فإنهم لن يحققوا تطورا إقتصاديا ويرفعوا مستوى معيشتهم . وسريعا تبينت أن المنظمات الأمريكية التى تعنى بالشرق الأوسط ، مدارة إما بالصهيونية أو بواسطة الإرساليات التبشيرية النصرانية أو أنها تجارية صرفة .
منذ أيام كنت أمر فى نيويورك فرأيت مركز التجارة التونسى . انتبهت بشدة للسجاجيد اليدوية والنحاس المطروق المعروض بنافذة العرض ، وقررت الدخول للمعرض لإلقاء نظرة هناك . وقد تلقيت صدمة لم أكن أتوقعها فى حياتى ، لم أر شيئا إلا أرفف مزدحمة بقنانى النبيذ والويسكى وشراب الروم والبيرة . وسألت السسيدة المسئولة فى المكاتب الأمامية ، هل هذه منتجات تونس المستقلة ؟؟؟ فقالت لى أن هذه المنتجات للإستعمال الشخصى وللتصدير إلى الخارج ، وهى تمثل التقدم الإقتصادى للرئيس الحبيب بورقيبة الذى جلبه لتونس . وقالت أن الإسلام كان فقط من آثار العصور الوسطى ، وكلما أسرعنا فى التخلص منه كان ذلك أفضل !!! وقد لا حظت أن لهجتها تميل إلى اللكنة الفرنسية ، فسألتها هل أنت من الجنسية الفرنسية ؟؟؟ فأجابت بشدة نعم . وقالت لى أن الحكومة التونسية ورئيسها بورقيبة يرغبون فى تنمية العلاقات والصداقة مع فرنسا .
وأنا اليوم أنوى الذهاب بعد الظهر إلى جامعة نيويورك ، التى سبق أن درست بها ، لأتكلم مع يهودى كان قد اعتنق الإسلام ونطق بالشهادتين فى المسجد . وحينما علمت أنه باعتناقه الإسلام ، أخذته إلى الكنيس اليهودى حيث أجبره الحبر على الردة إلى اليهودية . لم يكن أمامه خيار ، وذلك لأن أمه (أبوه قد مات) هددته بسحب دعمها المالى عنه إذا استمر على الإسلام . وبما أنه كان طالب طب ، فلن يستطيع أن يعول نفسه للأعوام القادمة . وأنا أحمد الله سبحانه وتعالى على أن رزقنى أبوين ليسوا بهذا الضيق فى التفكير وليسوا غير متسامحين كهذين الأبوين .
فى غاية الشوق لتلقى ردك على فى سبتمبر وكل التفاصيل الهامة عن رحلتك لإفريقيا .
أختك فى الإسلام
مريم جميلة
الخطاب (12)
لاهور فى 29 سبتمبر 1961
عزيزتى مريم جميلة
السلام علكم ورحمة الله
وصلنى خطابك المؤرخ فى 11 يوليو منذ أيام قلائل مما يشير إلى أن البريد السطحى من بلدكم إلى بلدى بطئ جدا . لقد وصلتنى مخطوطة قصتك "أحمد خليل" من أكثر من شهر ، وهى الآن لدى "المنشورات الإسلامية المحدودة" . وفور إعادتها لى سأحاول أن أجد الوقت لقراءتها وأبعث لك تعليقى عليها .
ستندهشين حينما تعلمى بأن الحكومة فجأة قررت شطب أسماء الدول الإفريقية والعربية من على جواز سفرى ، ولهذا فأجبرت على إلغاء رحلتى إلى إفريقيا . ومنذ ذلك الوقت فقد استقبلت العديد من الخطابات من هذه البلدان رسالات احتجاج وكذلك من باكستان على هذه القيود على تحركاتى الخارجية . الذين فرحوا بهذا الإجراء ، هم فقط القديانيون الذين ينتسبون "لميرزا غلام أحمد" من قداينى الهند ، الذى ينصب نفسه كنبى جديد ، ويعتبر كل رجل وامرأة لا يعتقدون بذلك كفارا .
الإسلام ينتشر بثبات فى إفريقيا بدون تنظيم أو دعم مالى بالرغم من المجهود المكثف والمصاريف الضخمة التى تصرفها الإرساليات التبشيرية النصرانية . هذه الحقيقة لهى أكبر دليل على حجم التناقض والمميزات بين الدينيين . النصرانية ضعيفة بالرغم من انتشار المدارس النصرانية والمستشفيات والدعم من الحكومات المستعمرة ، نادرا ما يعتنقها الإفريقى بحماس ، وهؤلاء الذين يفعلون ذلك ، سرعان ما يخيب أملهم فيها ويتخلو عنها . وعلى العكس من ذلك ، فبالرغم من أن الإسلام لم يقدم لهم بصورة جميلة متكاملة ، وأن معظم المسلمين ليسوا على الخلقة الإسلامى الصحيح ، ولا يوجد جاليات تبشيرية مدربة ، فالنذر البسيط من الإسلام الذى يعرفه هؤلاء الأفارقة يأتى من الإتصالات الشخصية . وحتى ذلك فهو كاف لجذبهم إلى الإسلام . وهذا ما شجعنى على العمل على تنظيم برنامج مدروس هناك ، ولكن للأسف فقد قيدت يداى . وعلى كل حال ، فلن يمنعنى ذلك إن شاء الله ، على أن أعمل ما فى وسعى فى سبيل ذلك بالرغم من المسافة البعيدة التى أنا فيها .
لن تتعجبى إذا علمت بأن العاملين فى مجلة "المرجع الإسلامى" الذين يساندون الحبيب بورقيبة ، هم من نفس مدرسته الفكرية . هم من بلادنا وأنا أعرفهم تماما . هم ينتسبون لمجموعة لاهور الذين يتبعون "ميرزا غلام أحد القديانى" الذين تجرؤا وادعوا مخطئين بالنبوة . الأساس لأتباعه هو إدعاء نبوته ومن لا يؤمن به فهو كافر . أو غير مؤمن . ابن ميرزا غلام أحمد "بشير الدين محمود" يقود هذه المجموعة . والفريق المنبثق منهم والذى يقود هذه المجلة بالمسجد الذى يعمل بانجلترا ، يترددون فى إعلان الميرزا كرسول ولكن يقولون بأنهم نبى فقط كمعنى مجازى ، ولكنهم ينظرون إليه كالمسيح المنتظر ، والمجدد ، والمهدى .
كلتا المجموعتين من القديانيين كانا من المفضلين جدا لدى الحكم البريطانى أثناء حكمها لشبه القارة الهندية قبل انقسامها للهند والباكستان . هم لم يكونوا يتمتعون ويدعمون فقط من المحتل البريطانى ، بل كانوا يشجعون وينالون الحماية من الإمبريالية البريطانية . فى داخل البلاد وخارجها ، كانوا يعينون فى الوظائف القيادية ، وقد كان ولاؤهم وطاعتهم للعرش البريطانى . قوبلت دعايتهم الإسلامية فقط لأنها كانت غير مؤذية للإحتلال ومطيعة جدا للإحتلال ، ودعمت بعثاتهم بالخارج نظير ولائهم للإمبراطورية . مولانا محمد على الذى ترجم القرآن الكريم للغة الإنجليزية ، كان قائدا لحركة الأحمدية بلاهور وهى التى أسست "البعثة العملية والثقة الثقافية" بانجلترا ، وأصدرت "المرجع الإسلامى " .
هؤلاء القوم لا يدخرون وسعا ليظهروا أنفسهم بأنهم هم التنوريون والمتحررون والمتقدمون حسب المعايير الأوروبية . ولهذا نجدهم متحمسون لتبنى كل خطوة ، سواء فى باكستان أو أى بلد إسلامى آخر لما يسمونه بتطوير الإسلام . حاليا فقد تعدلت قوانين الأسرة فى بلدنا ليجعلوها متفقة مع تلك المعايير الغربية !!! ، ولهذا فهؤلاء الذين يديرون "المرجع الإسلامى" يصفقون لها بصوت مرتفع .
لقد كان تقييمك للجامعات النصرانية فى كل من بيروت والقاهرة سليم جدا . وقد يهمك أن تعلمى بأن الكليات والمدارس النصرانية فى باكستان قد حققت نتائج متشابهة فى القرن والنصف الماضى . النخبة فى مجتمعاتنا فى موقع اقتصادى مميز ، وقد تبوؤا أعلى المناصب ، كما ترعى الدولة أبناءهم من سن الرابعة والخامسة من المر فى هذه المدارس . يتعلمون اللغة الإنجليزية بدلا من الأوردو ، ومن الطبيعى فاللكثرين منهم لا يستطيعون التحدث أو الكتابة بلغة أوطانهم . هم فى عزلة كاملة عن مصادر إيمانهم وثقافتهم . يحتفلون بالكريسماس ، ويتجاهلون أعيادهم . لا يعرفون شيئا عن أساسيات الإسلام ، وحينما يكبرون يكونون هم قادتنا وهم المسيطرون على مقدراتنا . تأثير نظام التعليم الذى ورثناه من الإحتلال البريطانى مدمر . وبالرغم من أن المدارس الحكومية لا تحول المسلم لنصرانى ، إلا أن النتيجة العملية لهذا النظام العلمانى هو الجهل ؛ واللا مبالاة ، الغلبية من شبابنا المتعلم يبقون مسلمين ليس بسبب دراستهم بل بالرغم عنها . وبما أنك حديثة العهد على المجتمع الإسلامى ، فأود أن تكونى محيطة بالسبب الذى يجعل المسلمين يبحثون عن العصرنة ولماذا أقلامهم وألسنتهم تروج للكفر .
أشعر بقلق عميق للمشاكل التى تواجهك . ففأنا أدرك المحن التى تواجه أى شخص حينما يعتنق هو أو هى الإسلام فى أرض الكفر ، والصعوبات التى تواجهها المرأة هى عشر مرات من تلك التى يواجهها الرجل . من التجارب الشخصية المريرة ، فقد واجهت إلى أى مدى تسامح الغربيين الجدد وسعة أفقهم . كما أنك واجهت أيضا هذا النوع من الناس الذين يمثلون الدول الإسلامية فى البلدان الغربية . وبالرغم من أن هناك أوقاتا صعبة جدا ستقابلك ، إلا أنها ستضيف إلى صلابتك فى هذا العالم ، وبإذن الله ، بالتأكيد ستكون مكسبا لك فى الآخرة .
وأعتقد لو أنك كنت قبلتى دعوتى لك لتعيشى فى لاهور ، فربما كان ذلك يوفر عليك بعضا من المنغصات ، كماأنى يمكننى القيام بمساعدتك بكل الطرق المتاحة ، وحتى أثناء وجودك بأمريكا ، وعلى هذا البع بيننا ، فأى شئ ترين أن أقدمه لك فأرجو أن تكونى صريحة فى طلبه منى ، ولن أتردد فى تنفيذه بقدر استطاعتى . عسى أن يتغمدك الله برحمته الواسعة ، ويعينك ويرزقك الصبر والمثابرة .
مع كل تحياتى
أخوك فى الإسلام
أبو الأعلى
يتبع
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة دفاع في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 25-07-2009, 06:20 PM
-
بواسطة أبو عبد الوهاب في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 03-12-2007, 02:23 AM
-
بواسطة muad في المنتدى منتدى قصص المسلمين الجدد
مشاركات: 2
آخر مشاركة: 25-03-2007, 05:35 PM
-
بواسطة السيف البتار في المنتدى الرد على الأباطيل
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 01-05-2006, 01:01 AM
-
بواسطة نسيبة بنت كعب في المنتدى منتدى نصرانيات
مشاركات: 3
آخر مشاركة: 11-01-2006, 05:19 AM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات