بسم الله الرحمن الرحيم
جزاكم الله خيرا أخي الحبيب صفي الدين

الضيف صفوان

الأخ الحبيب صفي الدين أجابك إجابات شافية قاطعة بإذن الله سبحانه وتعالي

وليسمح لي أخي الحبيب صفي الدين ببعض الإضافات من أقول العلماء رحمهم الله تعالي



فتح الباري لابن حجر - (ج 3 / ص 371)


قَوْله : ( فَاضْطَجَعَ عَلَى اَلْفِرَاشِ )فِي رِوَايَةِ اَلزُّهْرِيّ اَلْمَذْكُورَةِ أَنَّهُ " تَغَشَّى بِثَوْبِهِ " وَفِي رِوَايَةِ مُسْلِم " تَسَجَّى " أَيْ اِلْتَفَّ بِثَوْبِهِ .قَوْله : ( وَجَاءَ أَبُو بَكْر )

فِي رِوَايَةِ هِشَام بْن عُرْوَة فِي اَلْبَابِ اَلَّذِي بَعْدَهُ " دَخَلَ عَلَى أَبُو بَكْر وَكَأَنَّهُ جَاءَ زَائِرًا لَهَا بَعْدَ أَنْ دَخَلَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْتَهُ " .
قَوْله : ( فَانْتَهَرَنِي )فِي رِوَايَة اَلزُّهْرِيّ " فَانْتَهَرَهُمَا " أَيْ اَلْجَارِيَتَيْنِ ،

وَيُجْمَعُ بِأَنَّهُ شَرَكَ بَيْنَهُنَّ فِي اَلِانْتِهَارِ وَالزَّجْرِ ، أَمَّا عَائِشَة فَلِتَقْرِيرِهَا ، وَأَمَّا اَلْجَارِيَتَانِ فَلِفِعْلِهِمَا .

قَوْله : ( مِزْمَارَةُ اَلشَّيْطَان )
بِكَسْرِ اَلْمِيمِ يَعْنِي اَلْغِنَاء أَوْ اَلدُّفّ ، لِأَنَّ الْمِزْمَارَةَ أَوْ اَلْمِزْمَارَ مُشْتَقّ مِنْ اَلزَّمِيرِ وَهُوَ اَلصَّوْتُ اَلَّذِي لَهُ اَلصَّفِير ، وَيُطْلَقُ عَلَى اَلصَّوْتِ اَلْحَسَنِ وَعَلَى اَلْغِنَاءِ ، وَسُمِّيَت بِهِ اَلْآلَةُ اَلْمَعْرُوفَةُ اَلَّتِي يُزَمَّرُ بِهَا ، وَإِضَافَتهَا إِلَى اَلشَّيْطَانِ مِنْ جِهَةِ أَنَّهَا تُلْهِي ، فَقَدْ تَشْغَلُ اَلْقَلْبَ عَنْ اَلذِّكْرِ . وَفِي رِوَايَةِ حَمَّاد بْن سَلَمَة عِنْدَ أَحْمَدَ " فَقَالَ : يَا عِبَاد اَللَّهِ أَبِمَزْمُور اَلشَّيْطَان عِنْدَ رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ " قَالَ اَلْقُرْطُبِيّ : اَلْمَزْمُورُ اَلصَّوْت ، وَنِسْبَتُهُ إِلَى اَلشَّيْطَانِ ذَمّ عَلَى مَا ظَهَرَ لِأَبِي بَكْر ، وَضَبَطَهُ عِيَاض بِضَمِّ اَلْمِيمِ وَحُكِيَ فَتْحهَا .


قَوْله : ( فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ )
فِي رِوَايَة اَلزُّهْرِيّ " فَكَشَفَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ وَجْهِهِ " وَفِي رِوَايَةِ فُلَيْحٍ " فَكَشَفَ رَأْسَهُ " وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّهُ كَانَ مُلْتَفًّ
ا .
قَوْله : ( دَعْهُمَا )

زَاد فِي رِوَايَةِ هِشَام "

يَا أَبَا بَكْر إِنَّ لِكُلِّ قَوْم عِيدًا وَهَذَا عِيدنَا "

فَفِيهِ تَعْلِيلُ اَلْأَمْرِ بِتَرْكِهِمَا ،

وَإِيضَاحُ خِلَافِ مَا ظَنَّهُ اَلصِّدِّيقُ مِنْ أَنَّهُمَا فَعَلَتَا ذَلِكَ بِغَيْرِ عِلْمِهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِكَوْنِهِ دَخَلَ فَوَجَدَهُ مُغَطّى بِثَوْبِهِ فَظَنَّهُ نَائِمًا

فَتَوَجَّهَ لَهُ اَلْإِنْكَار عَلَى اِبْنَتِهِ مِنْ هَذِهِ اَلْأَوْجُهِ مُسْتَصْحِبًا لِمَا تَقَرَّرَ عِنْدَهُ مِنْ مَنْع اَلْغِنَاء وَاللَّهْو ، فَبَادَرَ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ قِيَامًا عَنْ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِذَلِكَ مُسْتَنِدًا إِلَى مَا ظَهَرَ لَهُ ،

فَأَوْضَحَ لَهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْحَالَ ،

وَعَرَّفَهُ اَلْحُكْمَ مَقْرُونًا بِبَيَانِ اَلْحِكْمَةِ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيد ،

أَيْ يَوْمُ سُرُورٍ شَرْعِيٍّ ،

فَلَا يُنْكَرُ فِيهِ مِثْلُ هَذَا كَمَا لَا يُنْكَرُ فِي اَلْأَعْرَاسِ ،

وَبِهَذَا يَرْتَفِعُ اَلْإِشْكَال عَمَّنْ قَالَ : كَيْفَ سَاغَ لِلصِّدِّيقِ إِنْكَار شَيْءٍ أَقَرَّهُ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَتَكَلَّفَ جَوَابًا لَا يَخْفَى تَعَسُّفه .


وَفِي قَوْلِهِ " لِكُلِّ قَوْم " أَيْ مِنْ اَلطَّوَائِفِ وَقَوْله " عِيد " أَيْ كَالنَّيْرُوزِ وَالْمِهْرَجَانِ ،

وَفِي اَلنَّسَائِيِّ وَابْن حِبَّانَ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ أَنَسٍ " قَدِمَ اَلنَّبِيُّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اَلْمَدِينَةَ وَلَهُمْ يَوْمَانِ يَلْعَبُونَ فِيهِمَا ،

فَقَالَ : قَدْ أَبْدَلَكُمْ اَللَّهُ تَعَالَى بِهِمَا خَيْرًا مِنْهُمَا : يَوْم اَلْفِطْرِ وَالْأَضْحَى " وَاسْتُنْبِطَ مِنْهُ كَرَاهَةُ اَلْفَرَحِ فِي أَعْيَادِ اَلْمُشْرِكِينَ وَالتَّشَبُّهِ بِهِمْ ، وَبَالَغَ اَلشَّيْخُ أَبُو حَفْص اَلْكَبِير اَلنَّسَفِيُّ مِنْ اَلْحَنَفِيَّةِ فَقَالَ : مَنْ أَهْدَى فِيهِ بَيْضَة إِلَى مُشْرِكٍ تَعْظِيمًا لِلْيَوْمِ فَقَدْ كَفَرَ بِاَللَّهِ تَعَالَى . اُسْتُنْبِطَ مِنْ تَسْمِيَةِ أَيَّامِ مِنًى بِأَنَّهَا أَيَّام عِيد مَشْرُوعِيَّة قَضَاء صَلَاة اَلْعِيدِ فِيهَا لِمَنْ فَاتَتْهُ كَمَا سَيَأْتِي بَعْد


وَلَا يَلْزَمُ مِنْ إِبَاحَةِ اَلضَّرْبِ بِالدُّفِّ فِي اَلْعُرْسِ وَنَحْوِهِ إِبَاحَة غَيْرِهِ مِنْ اَلْآلَاتِ كَالْعُودِ وَنَحْوِهِ كَمَا سَنَذْكُرُ ذَلِكَ فِي وَلِيمَةِ اَلْعُرْسِ إِنْ شَاءَ اَللَّهُ تَعَالَى .

وَأَمَّا اِلْتِفَافُهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِثَوْبِهِ فَفِيهِ إِعْرَاضٌ عَنْ ذَلِكَ لِكَوْنِ مَقَامِهِ يَقْتَضِي أَنْ يَرْتَفِعَ عَنْ اَلْإِصْغَاءِ إِلَى ذَلِكَ

، لَكِنَّ عَدَمَ إِنْكَارِهِ دَالٌّ عَلَى تَسْوِيغِ مِثْلِ ذَلِكَ عَلَى اَلْوَجْهِ اَلَّذِي أَقَرَّهُ إِذْ لَا يُقِرُّ عَلَى بَاطِل ،


وَالْأَصْل اَلتَّنَزُّه عَنْ اَللَّعِبِ وَاللَّهْوِ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَا وَرَدَ فِيهِ اَلنَّصُّ وَقْتًا وَكَيْفِيَّة تَقْلِيلًا لِمُخَالَفَةِ اَلْأَصْلِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ .


وَفِي هَذَا اَلْحَدِيثِ مِنْ اَلْفَوَائِدِ مَشْرُوعِيَّة اَلتَّوْسِعَة عَلَى اَلْعِيَالِ فِي أَيَّامِ اَلْأَعْيَادِ بِأَنْوَاعِ مَا يَحْصُلُ لَهُمْ بَسْط اَلنَّفْس وَتَرْوِيح اَلْبَدَن مِنْ كَلَف اَلْعِبَادَة ،

وَأَنَّ اَلْإِعْرَاضَ عَنْ ذَلِكَ أَوْلَى . وَفِيهِ أَنَّ إِظْهَار اَلسُّرُور فِي اَلْأَعْيَادِ مِنْ شِعَارِ اَلدِّينِ .


وَفِيهِ جَوَازُ دُخُولِ اَلرَّجُلِ عَلَى اِبْنَتِهِ وَهِيَ عِنْدُ زَوْجِهَا إِذَا كَانَ لَهُ بِذَلِكَ عَادَة ،

وَتَأْدِيب اَلْأَبِ بِحَضْرَة اَلزَّوْج وَإِنْ تَرَكَهُ اَلزَّوْج ،

إِذْ اَلتَّأْدِيبُ وَظِيفَة اَلْآبَاءِ ،

وَالْعَطْفُ مَشْرُوع مِنْ اَلْأَزْوَاجِ لِلنِّسَاءِ .

وَفِيهِ اَلرِّفْقُ بِالْمَرْأَةِ وَاسْتِجْلَاب مَوَدَّتِهَا ،

وَأَنَّ مَوَاضِعَ أَهْلِ اَلْخَيْرِ تُنَزَّهُ عَنْ اَللَّهْوِ وَاللَّغْوِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ إِثْم إِلَّا بِإِذْنِهِمْ .

وَفِيهِ أَنَّ اَلتِّلْمِيذَ إِذَا رَأَى عِنْدَ شَيْخِهِ مَا يُسْتَكْرَهُ مِثْلهُ بَادَرَ إِلَى إِنْكَارِهِ ، وَلَا يَكُونُ فِي ذَلِكَ اِفْتِئَات عَلَى شَيْخِهِ ، بَلْ هُوَ أَدَبٌ مِنْهُ وَرِعَايَةٌ لِحُرْمَتِهِ وَإِجْلَالٌ لِمَنْصِبِهِ ،

وَفِيهِ فَتْوَى اَلتِّلْمِيذ بِحَضْرَة شَيْخه بِمَا يَعْرِفُ مِنْ طَرِيقَتِهِ

، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ أَبُو بَكْر ظَنَّ أَنَّ اَلنَّبِيَّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَامَ فَخَشِيَ أَنْ يَسْتَيْقِظَ فَيَغْضَبَ عَلَى اِبْنَتِهِ

فَبَادَرَ إِلَى سَدِّ هَذِهِ اَلذَّرِيعَةِ .

وَفِي قَوْلِ عَائِشَة فِي آخِرِ هَذَا اَلْحَدِيثِ " فَلَمَّا غَفَلَ غَمَزْتُهُمَا فَخَرَجَتَا " دَلَالَة عَلَى أَنَّهَا مَعَ تَرْخِيصِ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَهَا فِي ذَلِكَ رَاعَتْ خَاطِر أَبِيهَا وَخَشِيَتْ غَضَبَهُ عَلَيْهَا فَأَخْرَجْتهُمَا ، وَاقْتِنَاعَهَا فِي ذَلِكَ بِالْإِشَارَةِ فِيمَا يَظْهَرُ لِلْحَيَاءِ مِنْ اَلْكَلَامِ بِحَضْرَة مَنْ هُوَ أَكْبَرُ مِنْهَا وَاَللَّه أَعْلَمُ .


وَاسْتُدِلَّ بِهِ عَلَى جَوَازِ سَمَاع صَوْت اَلْجَارِيَةِ بِالْغِنَاءِ وَلَوْ لَمْ تَكُنْ مَمْلُوكَة لِأَنَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى أَبِي بَكْر سَمَاعَهُ بَلْ أَنْكَرَ إِنْكَاره ، وَاسْتَمَرَّتَا إِلَى أَنْ أَشَارَتْ إِلَيْهِمَا عَائِشَة بِالْخُرُوجِ . وَلَا يَخْفَى أَنَّ مَحَلّ اَلْجَوَاز مَا إِذَا أُمِنَتْ اَلْفِتْنَةُ بِذَلِكَ ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ


مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 7 / ص 351)
وَمَعَ هَذَا فَيُرَخَّصُ فِيهِ كَمَا يُرَخَّصُ لِلصِّغَارِ فِي اللَّعِبِ وَكَمَا { كَانَتْ صَغِيرَتَانِ مِنْ الْأَنْصَارِ تُغَنِّيَانِ أَيَّامَ الْعِيدِ فِي بَيْتِ عَائِشَةَ وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا يَسْتَمِعُ إلَيْهِنَّ وَلَا يَنْهَاهُنَّ .

وَلَمَّا قَالَ أَبُو بَكْرٍ : أَمِزْمَارُ الشَّيْطَانِ فِي بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعْهُمَا يَا أَبَا بَكْرٍ فَإِنَّ لِكُلِّ قَوْمٍ عِيدًا وَإِنَّ هَذَا عِيدُنَا } فَدَلَّ بِذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ يُرَخَّصُ لِمَنْ يَصْلُحُ لَهُ اللَّعِبُ أَنْ يَلْعَبَ فِي الْأَعْيَادِ وَإِنْ كَانَ الرِّجَالُ لَا يَفْعَلُونَ ذَلِكَ .


مجموع فتاوى ابن تيمية - (ج 3 / ص 44)

فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ بَيَانُ :

أَنَّ هَذَا لَمْ يَكُنْ مِنْ عَادَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ الِاجْتِمَاعُ عَلَيْهِ وَلِهَذَا سَمَّاهُ الصِّدِّيقُ مِزْمَارَ الشَّيْطَانِ

وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَرَّ الْجَوَارِيَ عَلَيْهِ مُعَلِّلًا ذَلِكَ بِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ وَالصِّغَارُ يُرَخَّصُ لَهُمْ فِي اللَّعِبِ فِي الْأَعْيَادِ كَمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ { لِيَعْلَمَ الْمُشْرِكُونَ أَنَّ فِي دِينِنَا فُسْحَةً } "

وَكَانَ لِعَائِشَةَ لُعَبٌ تَلْعَبُ بِهِنَّ وَيَجِئْنَ صَوَاحِبَاتُهَا مِنْ صِغَارِ النِّسْوَةِ يَلْعَبْنَ مَعَهَا وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْجَارِيَتَيْنِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اسْتَمَعَ إلَى ذَلِكَ . وَالْأَمْرُ وَالنَّهْيُ إنَّمَا يَتَعَلَّقُ بِالِاسْتِمَاعِ ؛ لَا بِمُجَرَّدِ السَّمَاعِ

.