(8) .. مكتبة نجع حمادي القبطية – أناجيل لم تكن معروفة من قبل:
تبين للباحثين بعد فحص محتويات الزلعة أنهم عثروا على مكتبة كاملة تحتوي على 1152 صفحة بها 52 نصاً داخل 13 مجلد مكتوبة باللغة القبطية ، وهي اللغة التي جمعت بين المصرية القديمة واليونانية والتي استخدمها المصريون عند دخول البطالمة إلى مصر، واستخدموا الحروف اليونانية ال22 مع إضافة 7 أحرف من كتاباتهم القديمة.
تبين أن المجلدات المصرية القديمة تحتوي على كتابات مسيحية خالصة ، لبعض الجماعات التي ظهرت في القرن الأول الميلادي وعرفت باسم جماعات العارفين أو الروحانيين Gnostic ، وهي تشبه إلى حد كبير جماعات الطرق الصوفية في وقتنا الحالي، ويقول العارفون بازدواجية الوجود : الروح والجسد ، العدم والوجود وهما في حالة صراع دائم ، وينشد العارفون الوصول إلى السلام النفسي عن طريق المعرفة – والتي هي في رأيهم ليست المعرفة التي يصل إليها الإنسان عن طريق التجربة والحواس (معرفة مادية) ولكنها المعرفة الروحية التي يصل إليها الإنسان عن طريق الروح الإلهية.. وهي التي لا يمكن الوصول إليها إلا عن طريق معرفة الإنسان لنفسه.
وفي سبيل تحقيق ذلك، كان العارفين يتنازلون عن ممتلكاتهم ويخرجون إلى البرية حيث يعيشون حياة النساك، ولا يأكلون سوى الخبز ولا يشربون سوى الماء ، فالمعرفة الروحية تتطلب إخضاع الجسد وشهواته للوصول إلى الصفاء النفسي، وكانوا يقضون معظم أوقاتهم في التعبد وترتيل الكتابات التي عندهم أو في صياغة كتابات جديدة لإلقائها في الإجتماعات الإسبوعية.
من الصعب تحديد الفترة التاريخية التي ظهر فيها العارفون ، إلا أن هناك دلالات على وجودهم في القرن الأول قبل الميلاد .. حيث ذكر المؤرخ اليهودي فيلو جودايس وجودهم وسماهم "سرابيتيه" وتعني أهل السراب ، وذكر شهرتهم في علاج الأمراض المستعصية باستخدام الأعشاب التي تنمو في الصحراء ، وكذلك علاجهم للأمراض النفسية.
ومن المؤكد أن المسيحية عندما انتشرت في مصر فإنها انتشرت بين صفوف العارفين ، بل وأن الأب يسيبيوس – أول من كتب عن تاريخ الكنيسة – ذكر أن جماعات العارفين كانوا يمثلون أول كنيسة مصرية.
عثر في مكتبة نجع حمادي على عدد من الأناجيل الغير معروفة من قبل أو الغير معتمدة .. من أهمها إنجيل توما (توماس) الذي يحتوي على 114 قول للسيد المسيح وإنجيل مريم وإنجيل فيليب وإنجيل المصريين وإنجيل يهوذا وإنجيل الحق وكتاب جيمس ورؤيا بولس وخطاب بطرس إلى فيليب.. وغيرهم من الأناجيل والكتابات
يرى الباحثون أن مكتبة نجع حمادي تعود للقرن الرابع الميلادي وأن الرهبان البخوميين قاموا بإخفاء مكتبتهم في الزلعة ودفنها خوفاً من أن تحرقها السلطات الرومانية إبان تحول الإمبراطورية الرومانية إلى المسيحية في عهد الإمبراطور قسطنطين، ففي هذا الوقت تم إحراق معبد السرابيوم بالإسكندرية و تم إحراق أغلب مخطوطات مكتبة الإسكندرية وحرق الكتابات المخالفة لتعاليم الكنيسة الرومانية.
من أهم الأناجيل التي عثر عليها في مكتبة نجع حمادي ، إنجيل توما ، فقبل العثور على مكتبة نجع حمادي بنصف قرن .. كان قد عثر على بعض القصاصات من ذات الأنجيل مكتوبة باللغة اليونانية في مصر أيضاً، إلا أنها لم تكن تحتوي على النص الكامل للإنجيل أو إن القصاصات لم تكن كاملة.
أما الإنجيل الذي عثر عليه في نجع حمادي باللغة القبطية فهو كامل ويحتوي على أقوال السيد المسيح ال114.
في بداية نص الإنجيل وجد الباحثون هذه العبارة مكتوبة " هذه هي الكلمات السرية التي قالها يسوع الحي ودونها ديديموس جوداس توماس" ويرى بعض الباحثون أن إسم توماس هو نفسه تحتمس باللغة الفرعونية القديمة وجيمس هو يحمس باللغة المصرية القديمة ..
يختلف الباحثون حول تاريخ تدوين هذه الكتابات ذاتها وهل هي سابقة أو تالية للأناجيل المعتمدة؟
فيرى بعضهم إستناداً إلى ما ذكره الأب إيرانيوس أسقف مدينة ليون عام 180 ميلادياً من إنتشار الكتابات المهرطقة من مصر إلى سائر أنحاء الإمبراطورية الرومانية .. مما يعني أن هذه الكتابات تعود لتاريخ سابق يسمح لها بتحقيق هذا الإنتشار في عام 180م.
بينما يرى أساتذة الدراسات الإنجيلية أن هذه الكتابات التي إعتبرتها الكنيسة الرومانية كتابات مهرطقة لابد وأن تكون تالية للأناجيل المعتمدة التي يعود تاريخ كتابتها للربع الأخير من القرن الأول الميلادي، والنصف الأول للقرن الثاني الميلادي، فلابد أن كتابات نجع حمادي تعود لتاريخ متأخر عن هذه الفترة.
وحددوا القرن الثالث الميلادي لظهور هذه الكتابات أول مرة، ولإثبات ذلك حددوا ذلك التاريخ لظهور الكتابة القبطية ذاتها.
والفكرة السائدة لدى الباحثين الغربيين هي أنه رغم وصول الإعتقادات المسيحية إلى مصر خلال القرن الأول إلا أن المصريون لم يتحولوا إلى المسيحية إلا في القرن الثالث، ويرون أن الطوائف المسيحية التي ظهرت في البداية كانت إما من اليهود أو اليونانيون، وعليه .. فهم يرون باستحالة ظهور كتابات مسيحية قبطية قبل القرن الثالث.
أي أنهم حددوا القرن الثالث بأنها الفترة التي دخل فيها المصريون في المسيحية والفترة التي اخترعوا فيها الكتابة القبطية والفترة التي ألفوا فيها الأناجيل القبطية الممنوعة ..!
بالرغم من وهن الاحتجاج السابق .. خاصة وأن الكتابة القبطية (التي هي خليط من اليونانية والمصرية القديمة) يعود زمان وجودها إلى تاريخ سابق للميلاد، حيث أنها نشأت مع دخول البطالمة مصر قبل الميلاد بثلاثة قرون ويوجد أدلة تاريخية على ذلك، كبعض المراسيم الملكية البطلمية، وكلوحة حارمخيس (ملك نوبي قام بطرد البطالمة من بعض مدن جنوب مصر) وتعود للفترة بين عامي 199 و 186 ق.م.
صحيح أن اللغة القبطية شهدت تطوراً وربما وصلت إلى درجة الرقي الأدبي في القرن الثالث الميلادي، لكنها لابد وأن تكون مرت بمراحل إنتقال من اللغة المصرية القديمة إلى التطعيم باليونانية إلى الإستقلال التام.
كما أن تحديد القرن الثالث الميلادي كتاريخ دخول المصريون في المسيحية لا يستند إلا إلى روايات الكنيسة الكاثوليكية ..
إلا أن هؤلاء الباحثون قد واجهوا مشكلة حقيقية عند محاولة تحديد تاريخ إنجيل توما، فهذا الإنجيل لا يحتوي على سرد تاريخي لقصة حياة المسيح (كسائر الأناجيل المعتمدة والغير معتمدة) ولكنه يحتوي على 114 قول على لسان السيد المسيح وكثير من هذه الأقوال وارد في الأناجيل المعتمدة وهناك أقوال أخرى غير واردة في تلك الأناجيل.
وورود تلك الأقوال بذلك الشكل البدائي وعدم وجود أي سرد تاريخي للأحداث يشير إلى قدم هذا الإنجيل ويشير هيلموت كويستر – أستاذ التاريخ المسيحي بجامعة هارفارد – إلى أن تاريخ تدوين هذا الإنجيل يعود لمنتصف القرن الأول الميلادي.
لم تكن مكتبة نجع حمادي هي أول كتابات مسيحية يتم إكتشافها في مصر، فهناك العديد من الكتابات الأخرى التي عثر عليها في صورة مخطوطات من البردي أو قصاصات أو مجلدات باللغة القبطية وباللغة اليونانية مثل حوار بين المسيح وبين تلاميذه – وكان هناك عدة نساء بين التلاميذ – ومخطوط آخر تضمن ما عرف باسم إنجيل مريم. وآلاف من المخطوطات الأخرى.
" ومما لا شك فيه أن أقدم الكتابات المسيحية الموجود الآن في العالم، بما في ذلك نسخ العهد الجديد المعتمدة، وجدت كلها على أرض مصر، وليس هناك نص واحد ينتمي إلى القرون الثلاثة الأولى للميلاد، تم العثور عليه خارج أرض مصر." – مخطوطات البحر الميت- أحمد عثمان.
المفضلات