(3) .. مخطوطات البحر الميت – العهد القديم :
يطرح ذلك السؤال نفسه بشدة في عقل القارئ : ما مدى الإختلاف والتشابه بين أسفار العهد القديم المتداولة حالياً وتلك المعثور عليها في كهوف قمران؟
بداية نوضح أن هناك ثلاثة أنواع من كتابات العهد القديم هي كالتالي:
- وفقاً للقانون العبري المازوري وهو الذي وضعه أحبار اليهود في نهايات القرن الأول للميلاد كمحاولة منهم لحسم الخلاف الواقع بينهم وبين المسيحيين حول تفسير أسفار العهد القديم ، فقاموا بمراجعة جميع الكتابات الموجودة لديهم وتقرير ما يمكن أن يتم إدراجه فيما يعرف باسم القانون ، أي ليكون من كتابات العهد القديم. وأقدم نص موثق لهذا القانون يعود للقرن العاشر الميلادي
- وفقاً للترجمة السبعينية وهي الترجمة التي أعدها مجموعة من كتبة القدس الذين استحضرهم بطليموس الثاني إلى مكتبة الإسكندرية ليقوموا بترجمة كتبهم من العبرية إلى اليونانية، وقد ظل النص السبعيني هو المستخدم في كافة الكنائس الشرقية حتى القرون الوسطى، بينما استخدمت الكنيسة الغربية النص اللاتيني المعروف باسم الفولجاتا Vulgate الذي ترجمه القديس جيروم في القرنين الرابع والخامس من النصوص العبرية والآرامية المتوفرة في ذلك الوقت، والتي يعتبرها علماء النقد النصي أقل أهمية من النسخة السبعينية لإعتمادها على نصوص متأخرة، رغم أن مجمع ترنت قد إعتبرها النسخة الأصلية للكنيسة في القرن السادس عشر.
ونتيجة للخلافات التي وقعت في العالم المسيحي الغربي في العصور الوسطى حول الترجمات المختلفة للكتاب المقدس، بعد قتل تندال Tyndale والحكم بهرطقته لقيامه بترجمة العهد الجديد مباشرة من النسخة اليونانية وليس اللاتينية، فقد أمر الملك جيمس في القرن السادس عشر 74 عالماً بترجمة الكتاب المقدس بالرجوع إلى النص المازوري للكتاب المقدس العبري، وبالرجوع إلى النص اليوناني (البيزنطي) لاسطيفانوس لترجمة العهد الجديد، مما أظهر خلافات عديدة بين النص المازوري والنصوص الأخرى، بما فيها الفولجاتا.
فمثلاُ يحتوي النص السبعيني (كذلك الفولجاتا) على الأسفار التي ينظر إليها على أنها أسفار مشكوك فيها والتي تعرف باسم "أبوكريفا" والتي لا يحتويها النص المازوري، وتعترف الكنائس الكاثوليكية والأرثوذكسية بأسفار الأبوكريفا كأسفار قانونية – مع وجود خلافات بينهم حول بعض الأسفار – بينما يرفض اليهود والبروتستانت الإعتراف بها.
- توجد طائفة صغيرة جداً تعيش في منطقة نابلس لديها كتابها المقدس الذي لا يحتوي إلا على الأسفار الخمسة الأولى ( التوراة) وتعيش هذه الطائفة في هذه المنطقة منذ القدم ولم تغادرها قط ، وتعتقد الجماعة أن كتابها يعود أصله للنبي موسى، ويختلف النص السامري لهذه الأسفار الخمس بعض الإختلافات عن النص العبري والنص السبعيني.
أول نص تم ترجمته ونشره من مخطوطات البحر الميت كان سفر إشعياء في عام 52 وكان هذا النص متطابقاً تماماً مع النص العبري المازوري المستخدم حالياً وأي اختلافات طفيفة كانت بسبب الترجمة وأسلوب المترجم ولم يعتبرها الباحثون إختلافات ذات قيمة.
وعند ترجمة أجزاء من سفر صمويل وجد أن هناك إختلافات جوهرية بينها وبين النص المازوري ، ولكنها تتطابق تقريباً مع النص السبعيني ، وعند ترجمة بقية سفر صمويل وجد اختلافات بينها وبين كلا النصين المازوري والسبعيني.
وبترجمة أجزاء من سفر الخروج وجد أنها تتفق مع النص السامري في المواضع التي يختلف فيها مع النص المازوري والنص السبعيني.
وفي واقع الأمر فإن مخطوطات البحر الميت لم تحسم الجدال أو الخلاف لصالح أحد النصوص الثلاثة لكتابات العهد القديم ولكنها أظهرت وجود نص رابع قد يتفق مع أي من السابقين في مواضع ويختلف معهم في مواضع أخرى، وبعض هذه الاختلافات اختلافات جوهرية في الأسماء والتواريخ والأحداث، فمثلاً يقول النص المازوري أن مدة بقاء بني إسرائيل في مصر هي 430 سنة ولكن النص السامري والنص السبعيني ونص مخطوطات قمران يشيرون إلى أن تلك المدة هي فترة بقاء بني إسرائيل في كنعان ومصر أي أنها منذ مجيء ابراهيم إلى كنعان وحتى خروج بني إسرائيل من مصر.