الرد على السؤال رقم 18: جاء في سورة الفيل 1-5 ... " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحَابِ الْفِيلِ ... أَلَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ ... وَأَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْرًا أَبَابِيلَ ... تَرْمِيهِمْ بِحِجَارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ ... فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ" ...
قال الناقد أن البيضاوي رُوي أن واقعة الفيل وقعت في السنة التي وُلد فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم ... وقصتها أن أبرهة ملَك اليمن بنى كنيسة بصنعاء وسماها القليس ... وأراد أن يصرف الحجاج إليها ... فخرج رجل من كنانة فقعد فيها ليلاً فأغضبه ذلك ... فحلف ليهدمن الكعبة ... فخرج بجيشه ومعه فيل قوي اسمه محمود وفيلة أخرى ... فلما تهيّأ للدخول وعبّأ جيشه قدم الفيل ... وكان كلما وجّهوه إلى الحرم برك ولم يبرح ... وإذا وجّهوه إلى اليمن آو إلى جهة أخرى هرول ... فأرسل الله تعالى طيراً ... كل واحد في منقاره حجر وفي رجليه حجران أكبر من العدسة وأصغر من الحمصة ... فترميهم فيقع الحجر في رأس الرجل فيخرج من دبُره ... فهلكوا جميعاً.

والناقد يسأل: كيف آثر الفيل أن يعاون الوثنيين ويهرب من معاونة المسيحيين ... فكلما وجَّهوه لكعبة الأوثان رفض السير وكلما وجهوه إلى اليمن هرول ؟؟؟ وكيف أدركت الطير ذلك فاشتركت في الحرب مع الوثنيين ضد المسيحيين ؟؟؟ وكيف تفاهمت جماعات الطير وعرفت مكان الموقعة وأحضرت الحجارة وملأت أفواهها وأرجلها ورمت بها جيش المسيحيين دون الوثنيين ؟؟؟ وكيف انحاز الرب للفيل وللطير ولأصحاب الكعبة الوثنيين ضد المسيحيين ؟؟؟ وكيف ينزل الحجر الذي هو أصغر من الحمصة من فم الطير إلى رأس الرجل فيخترق رأسه وعنقه وصدره وبطنه ويخرج من دبُره ؟؟؟

§
سنذهب أولاً الى تفسير المنتخب لنقف على تفسير تلك الآيات ... " قد علمت يا محمد علماً لا يخالطه شك ... فِعْل ربك بأصحاب الفيل ... الذين قصدوا الاعتداء على البيت الحرام ... قد علمت أن الله قد جعل سعيهم لتخريب الكعبة في تضييع وإبطال ... فخيب مسعاهم ... ولم ينالوا قصدهم ... وسلَّط الله عليهم من جنوده طيرا أتتهم جماعات متتابعة وأحاطت بهم من كل ناحية ... تقذفهم بحجارة من جهنم ... فجعلهم كورق زرع أصابته آفة فأتلفته." انتهى تفسير المنتخب

§
قصة أصحاب الفيل واقعة تاريخية ثابتة ... روتها كتب التاريخ ... وأرّخ بها العرب أحداثهم في تلك الحقبة ... وقد نزلت سورة الفيل على النبي (الذى ولد بعد هذه الواقعة بخمسين يوماً) في مكة المكرمة ... وفي وقت كان يعيش فيه من أهل مكة أناس رأوا حادث الفيل بأعينهم ... أو على الأقل سمعوا عنه ... وبعضهم من أعداء النبي ... فلو لم تكن هذه القصة حقيقية ... وعلى النحو الذى وردت به في القرآن الكريم ... لظهر من العرب من يسارع إلى تكذيب هذه السورة وينتهزها فرصة للكيد للنبي والطعن عليه وتكذيبه والتشنيع عليه ... لكن شيئاً من ذلك لم يحدث ... لكن ما حدث أن الجميع تلقوا سورة الفيل بالقبول ... لأنها قصت عليهم حقيقة معروفة عندهم لا شك فيها ... ولا يستطيع أحد منهم إنكارها ...

§ ومن الجدير بالذكر أن الشعراء الجاهليين الوثنيين (قبل الإسلام) الذين عاصروا حادثة الفيل كانوا قد نظموا شعراً في هذه الحادثة في حينه ... ليكون مدعاة فخر لأصنامهم ... حيث زعموا أن لها من القدرة ما أحبط كيد أبرهة ... ثم جاء القرآن الكريم لاحقاً وبعد حوالي خمسون عاماً فذكر نفس قصة حادثة الفيل ... ولكن بعد أن نسب لله وحده القدرة على احباط كيد أبرهة ...

§
إن سؤال الناقد يتمحور حول تعجبه من انحياز قصة الفيل لنصرة الوثنيين على المسيحيين وهم أَقربُ إِلى اللهِ منِ الوثنيّين ... كما ذكر سيادته ... وبداية نقول ... ما كان لسيادته أن يتعجب ... فشتان ثم شتان بين ما فعله أبرهة وجيشه وبين ما سمعناه في الكتاب المقدس ... " مَنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الأَيْمَنِ فَحَوِّلْ لَهُ الآخَرَ أَيْضًا ... وَمَنْ أَرَادَ أَنْ يُخَاصِمَكَ وَيَأْخُذَ ثَوْبَكَ ... فَاتْرُكْ لَهُ الرِّدَاءَ أَيْضًا. " متى 5/ 39-40 ... وسمعنا أيضاً ... " وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ ... بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ ... أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ ... وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ " متى 5/44

§ فإذا كانت هذه النصوص صحيحة وملزمة لمن يعتنق الديانة المسيحية ... إذن فهي لا تخول لأحد تحريك الجيوش للاعتداء على دول الجوار ... ويكون ما فعله أبرهة وجيشه ... جعلهم يُنسبون زوراً للديانة المسيحية السمحة التي نادى بها السيد المسيح ... والله سبحانه وتعالى لم يَنْحَزْ للعربِ الوثَنيّين ضد من نُسبوا زوراً للمسيحية الحقة التي جاء بها السيد المسيح عليه السلام ... إِنما أرسل الله من يدافع عن بيتِه المحَرَّمِ المعَظَّم ضد من أراد هدمه ...

§
لقد توجهَ أَبرهةُ بجيشِه وفيلِه ليهدِم الكعبة ... لا ليقاتِلَ قُرَيْشاً ... فمعركَتُه لم تكن ضدّ قريشٍ الوثنيّين ... وإنما كانت ضدَّ البيتِ المحرَّم !!! ولذلك لما وَصَلَ إِلى ضواحي مكةَ لم يشتبكْ في حَرَبٍ مع قُرَيْش ... ورِجالُ قريشٍ عَرَفوا هذا ... حيثُ أَخْلَوْا له مَكَّة، وصَعَدوا إِلى الجبالِ، يُراقبونَ ما سيَحْدُث ... ولما طلب عبدُ المطلبِ زعيمُ مكة من أبرهة أن يعيد اليه إبله التي اغتصبها منه ... فاستعجب أبرهة من طلب عبدُ المطلبِ استرداد إبله وعدم حديثه عن تخوفه من رغبة أبرهة في هدم الكعبة فسأله عن ذلك ... فقال له عبد المطلب كلمته المشهورة والتي صارت مثلاً ... وأصبح الجيل بعد الجيل يرويها ... قال عبد المطلب: " أما الإبل فإنها لي ... وأما البيت فله ربٌ يحميه " ... وبالفعل حمى الله بيته الحرام ... الكعبة المشرفة ... ولحق بأبرهة وجيشه ما روته سورة الفيل ... " وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ "المدثر 31

§ إن اللهَ سبحانه وتعالى كان يَعلمُ بالطبع أَنَّ قريشاً آنذاك ملأوا الكعبة بالأصنام التي عَبَدوها وجَعَلوها آلِهَة تعبد من دون الله ... وهو سبحانه لم يُدافِعْ عنهم ولا عن أَصنامِهم ... ولكن حادثةَ الفيلِ كانتْ دِفاعاً عن الكعبةِ المُشَرَّفَة ... حيث حمى اللهُ الكعبةَ من الهَدْم ... وهذه الكعبةُ ضمنَ بيتِ اللهِ الحرام ... أَوَّلِ بيتٍ بُنِيَ في الأَرضِ لعبادَةِ الله ... والذي بَناهُ إِبراهيمُ وإِسماعيلُ عليهما السلام لعبادَةِ الله ... وستكونُ هذه الكعبةُ المشرفَةُ قِبْلَةً للأُمةِ المسلمةِ القادمة ... التي سَيستخلِفُها اللهُ على الأُمم ... وسيولَدُ بالقربِ من الكعبةِ محمدُ بنُ عبدِ الله ... الذي سيكونُ النبيَّ الخاتم صلى الله عليه وسلم.

§
لقد حمى الله الكعبة المشرفة التي اتجه ويتجه وسيتجه اليها مليارات ومليارات من البشر على مدار أكثر من 1400 سنة مضت وفى السنوات التي ستأتي ... وزارها ويزورها وسيزورها على مدار هذه الأعوام والأعوام القادمة مليارات من الحجاج او المعتمرين ...

§ ومن أَجْلِ هذه المعاني حمى اللهُ الكعبةَ من جيشِ أَبْرَهَة ... لا من أَجْلِ قريشٍ الوثنيّين ... وأَمَرَ اللهُ الفيلَ أَنْ لا يَستجيبَ لأَمْرِ أَبرهَةَ بالسيرِ نحو الكَعْبَة ... ونَفَّذَ الفيلُ أَمْرَ رَبِّه ... ولذلك كان هذا الفيلُ أَعْقَل ممن تعجبوا من تلك الحادثة !!! هذا ولم تتوجّه الطيرُ الأَبابيلُ إِلى أَصحابِ الفيلِ بنفسها بالطبع ... إِنما الذي وَجَّهَها وأَرسَلَها هو اللهُ رب العالمين ... واللهُ هو الذي أمرها بأن تحمل حجارةَ من سِجّيل ... وهو الذي أمرها بأن تقصفَ بها أَصحابَ الفيل.

§
إِنَّ الأَفعالَ في سورةِ الفيلِ مسنَدَة إِلى الله، فاللهُ هو الذي فَعَلَ بأَصحابِ الفيل ما فَعَل، وهو الذي أَرسلَ عليهم الطيرَ الأَبابيل، وهو الذي أمَرَها أَنْ تَرميهم بالحِجارة، وهو الذي أَهْلَكَ أَصحابَ الفيل، وهو الذي جَعَلَهم كعصفٍ مأكول ... وكانت حادثةُ أَصحابِ الفيل مُقَدّمَةً للإِسلام، وتهيئَةً له ... والرسولُ صلى الله عليه وسلم وُلِدَ عام الفيل ... وبَعَثَهُ الله ُ نبيّاً بعدَ أَربعينَ سنةً من تلك الحادثة ... ولذلك ذَكَرَها اللهُ في القرآن ... باعتبارِها آيةً من آياتِه.

§ إن ما حدث كان بالطبع خارقة غير معهودة ... حيث أرسل الله جماعات غير معهودة من الطير ... تحمل حجارة غير معهودة ... ففعلت بالأجسام فعلاً غير معهود ... وهذا مما لا شك فيه من طلاقة مشيئة الله وقدرته سبحانه وتعالى ... وهذه الطلاقة لا تجعل العقل البشري هو الحاكم الأخير ... أما بالنسبة الى الروايات التي تصف أحجام الطير وأشكالها وما فعلته بالأجسام ... فهذا امر لا نذكره الا على النحو الذي ذكره القرآن واجمله ... دون الخوض فيما وراء ذلك من اجتهاد بشرى لا يفيد ...

§
وارسال الله جنده على من يخالف قوانينه هو أمر يمكن للناقد أن يطلع عليه في كتابه المقدس ... " وَأَتَى مَلِكُ أَشُّورَ بِقَوْمٍ مِنْ بَابِلَ ... وَأَسْكَنَهُمْ فِي مُدُنِ السَّامِرَةِ عِوَضًا عَنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ ... فَامْتَلَكُوا السَّامِرَةَ وَسَكَنُوا فِي مُدُنِهَا ... وَكَانَ فِي ابْتِدَاءِ سَكَنِهِمْ هُنَاكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَتَّقُوا الرَّبَّ ... فَأَرْسَلَ الرَّبُّ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ فَكَانَتْ تَقْتُلُ مِنْهُمْ. " سفر الملوك الثاني 17/ 24-25 ... وفى ذلك يقول القس أنطونيوس فكري في تفسيره: فَأَرْسَلَ عَلَيْهِمِ السِّبَاعَ = كان هذا ليعرف السكان الجدد في أرض الله ... أن الله صاحب الأرض لهُ قوانينه فيحترموها ... وأنه قادر أن يجعل السباع تلتهمهم إن خالفوا ... وكان الله هنا يؤدبهم بالطريقة التي يفهمونها ... فربما كانت السباع تحمل لهم معنى مخيف فهموا منهُ أن إله الأرض غاضب. " انتهى التفسير

§ وانظر أيضاً الى موضع ومكان عقاب الرب لهذه المدينة ...
" عاقبت يد الرب المدينة ... فأصاب أهلها اضطراب عظيم جدا ... وتفشى في صغيرهم وكبيرهم داء البواسير. " سفر صموئيل الأول 5/9 ... ترجمة الحياة ... وفى ترجمة الفاندايك ... " وَضَرَبَ أَهْلَ الْمَدِينَةِ مِنَ الصَّغِيرِ إِلَى الْكَبِيرِ، وَنَفَرَتْ لَهُمُ الْبَوَاسِيرُ. "


واللــــــه تعالى أعلم وأعظم

يتبع بإذن اللـــــه وفضــــله