الرد على السؤال رقم 16: جاء في سورة المائدة 51 " يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ " ... وبعد ان ذكر الناقد ما قاله البيضاوي في تفسير ذلك ... سأل سيادته: ما هي نتيجة هذه النصيحة القرآنية إلا الانكفاء على الذات ؟؟؟ وكيف يوفّق المسلم بين الزواج من كتابية تربي عياله وتتولى أمور بيته وبين هذه الآية المنغلقة الفكر ؟؟؟ ما أكثر الكفاءات التي أُهدرت بسبب التفرقة الدينية !!! إن المسيحية تدعو للسلام والمحبة وخدمة الجميع على مثال ما فعل المسيح رب السلام الذي علّمنا في مثل السامري الصالح كيف نضحي ونخدم جميع الناس على السواء من جميع الأجناس واللغات والأديان ... إن نصيحة القرآن مناسبة ما دام المسلمون غالبين ... أما اليوم فهي تقوّض روح التآخي بين شعوب الأرض وتعطل تقدم المسلمين.

§ إذا كان الناقد اعترف بأن الإسلام يسمح بزواج المسلم من كتابية (تربي عياله وتتولى أمور بيته ... كما قال سيادته) ... فهذا يبرهن بالطبع على انفتاح الإسلام على الآخر ... وعلى أن العلاقة التي تحكم المسلمين بغيرهم هي علاقة التعايش السلمي والتعاون والتحاور ... لا علاقة التقاطع والتدابر والتناحر ... والانغلاق على الذات والتعصب ضد الآخرين (كما حاول الناقد أن يوهم القارئ السطحي بذلك) إذ كيف يدعو الإسلام إلى هذه القطيعة بين المسلمين وغيرهم، ثم يسمح للمسلمين بالتزوج من أهل الكتاب ... وبذلك فإن الإسلام قد هدم كل الحواجز المادية والنفسية بين المسلمين وأهل الكتاب.

§
ولا شك أن علاقة الزواج هي قمة العلاقات الإنسانية القائمة على المودة، والرحمة والتفاهم؛ إذ يقول عز وجل: )خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة(الروم 21 ... وقد أباح الإسلام الزواج من أهل الكتاب؛ ليزيل الحواجز بين أهل الكتاب وبين المسلمين؛ فالزواج معاشرة وتفاهم ومودة ورحمة، ليس بين الزوجين فحسب، بل بين الأسر بعضها وبعض؛ فهو فرصة للتلاقي بين المسلمين وغيرهم من أهل الكتاب وهو تقريب عملي بين المسلمين وغيرهم، بل هو قمة التقارب والانفتاح على الغير ...

§ وفى هذا المقام فإننا نود أن نذكر الناقد بأنه سيجد عكس ذلك في كتابه ... وكيف ؟؟؟ ورد في
كورونتوس الأولى 7/ 39 ... " الْمَرْأَةُ مُرْتَبِطَةٌ بِالنَّامُوسِ مَا دَامَ رَجُلُهَا حَيًّا ... وَلكِنْ إِنْ مَاتَ رَجُلُهَا ... فَهِيَ حُرَّةٌ لِكَيْ تَتَزَوَّجَ بِمَنْ تُرِيدُ ... فِي الرَّبِّ فَقَطْ " ... هذا وقد ورد في تفسير انطونيوس فكرى لذلك ... " فالمرأة مرتبطة برجلها (مؤمنًا كان أم غير مؤمن) طالما هو حي ... ولكن إن مات فلا تتزوج إلا من رجل مؤمن = في الرب فقط " انتهى التفسير ... أي أن المرأة النصرانية لا يمكنها الزواج من مسلم ... ولماذا ؟؟؟ لأنه من وجهة نظر النصرانية ... يتبع نبي كاذب ... وما الدليل ؟؟؟ ورد في إنجيل متى 7/15 ..." اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ ... وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ !!! "

§ لقد دعا الإسلام أبناءه للتعايش مع الآخر والانفتاح عليه ... وقد أسس القرآن الكريم قواعد هذا التعايش معتبرا أن الذي يحكم العلاقة معهم هو قانون العدل ... وأخلاق البر والإحسان ... يقول عز وجل:
" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة 8

§
وإذا كان الإسلام دينا عالميا وخاتما للأديان، فإنه في روح دعوته وجوهر رسالته لا يجبر العالم على التمسك بدين واحد، إنه ينكر هذا القسر عندما يرى في تعددية الشرائع الدينية سنة من سنن الله عز وجل في الكون ... قال عز وجل: " لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ... ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات " المائدة 48 ... وقال عز وجل: " ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة ولا يزالون مختلفين " هود 118

§ إن التعايش السلمي سمة مميزة للإسلام، وملمح جامع يطبع كل جوانبه التشريعية والسلوكية، إنها إحدى قيم هذا الدين وصفاته المميزة التي تعني الحرية للبشر كافة والمساواة بينهم من غير تفريق جنسي أو تمييز عنصري ... وليس هناك ما هو أبلغ وأوفى بالقصد في الدلالة على عمق مبدأ التعايش السلمي في الإسلام من قوله عز وجل:
" قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم ألا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله ... فإن تولوا فقولوا اشهدوا بأنا مسلمون " آل عمران 64

§
ولذلك لا بد من توضيح ما حاول الناقد أن يوهم به القارئ السطحي في قوله عز وجل: " يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولهم منكم فإنه منهم إن الله لا يهدي القوم الظالمين "المائدة 51 ... فهذه الآية بما تحويه من معان وأسباب نزول، هي أبعد ما تكون عما ادعاه الناقد ... بل إن المسلمين جميعا (منذ نزول الوحي إلى الآن) لم يقل أحد منهم أنه فهم من هذه الآية عدم التعامل مع اليهود والنصارى المسالمين للمسلمين ... والحقيقة هي ما فهمه منها المفسرون المسلمون في كل العصور.

§ ويوضح هذا المعنى القرطبي في تفسير هذه الآية فيقول:
" يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض " ... قيل: المراد بها المنافقون، وكانوا يوالون المشركين (الولي هو الناصر وهو المعين) ويخبرونهم بأسرار المسلمين ... قال السدي: نزلت في قصة يوم أحد حين خاف المسلمون ... حتى همّ قوم منهم أن يوالوا اليهود والنصارى ... وقيل: نزلت في عبادة بن الصامت، وعبد الله بن أبي بن سلول ... فتبرأ عبادة (رضي الله عنه) من موالاة اليهود ... وتمسك عبد الله بن أبي بن سلول ... وقال: إني أخاف أن تدور الدوائر (أي يخاف أن تنزل كارثة عامة فلا يساعده اليهود) ... ولهذا قال - عز وجل - في الآية التالية مباشرة: " فترى الذين في قلوبهم مرض يسارعون فيهم يقولون نخشى أن تصيبنا دائرة " المائدة52 ... أي أن الآية نزلت بخصوص المنافقين ... وفي وقت الحرب ... فهي تنهى عن موالاة اليهود والنصارى الذين يناصبون الإسلام العداء ... فليس من المقبول أن تكون الحرب دائرة بين المسلمين وأعدائهم ... ثم يوالي بعض المسلمين هؤلاء الأعداء ... لأن في ذلك خيانة للإسلام والمسلمين.

§
أما في غير الحرب أو مع اليهود والنصارى المسالمين للإسلام ...فإن أساس العلاقة قائم على حسن المعاملة والتعارف والمودة لا القطيعة والخصام ... يقول عز وجل:" لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين " الممتحنة 8 ... أما هؤلاء الذين يناصبون الإسلام العداء فيقول عز وجل فيهم بعد الآية السابقة مباشرة:" إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون " الممتحنة 9


واللـــــــــــــــه تعالى أعلم وأعظم
يتبــــع بإذن الله وفضله