من شبهات النصارى :
أولا :

صوت الوحي وصلصلة الجرس

الحديث:
عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا: أَنَّ الْحَارِثَ بْنَ هِشَامٍ سَأَلَ رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ يَأْتِيكَ الْوَحْيُُ؟
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ :
((يَأْتِينِى أَحْيَانًا فِي مِثْلِ صَلْصَلَةِ الْجَرَسِ ـ وَهُوَ أَشَدُّهُ عَلَيَّ ـ فَيُفْصَمُ عَنِّي وَقَدْ وَعَيْتُ مَا قَالَ الْمَلَكُ، وَأَحْيَانًا يَتَمَثَّلُ لِيَ الْمَلَكُ رَجُلاً فَيُعَلِّمُنِي فَأَعِي مَا يَقُولُ)).
قَالَتْ عَائِشَةُ رَضِىَ اللَّهُ عَنْهَا :
وَلَقَدْ رَأَيْتُهُ يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ فِي الْيَوْمِ الشَّدِيدِ الْبَرْدِ فَيُفْصَمُ وَإِنَّ جَبِينَهُ لَيَتَفَصَّدُ عَرَقًا. [رواه البخاري ومسلم].

الشبهة:
كيف يشبه صوتُ الوحي صوتَ الجرس المنهي عنه، والذي تحضُر به الشياطين و من له تابع من الجن؟!

الــــرد:
أولاً: الصَّلْصَلَةِ فِي الأَصْل صَوْت وُقُوع الْحَدِيد بَعْضه عَلَى بَعْض ، ثُمَّ أُطْلِقَ عَلَى كُلّ صَوْت لَهُ طَنِين .
ومعنى ((في مثل صلصلة الجرس)): يعني قوة صوت الملك بالوحي، فكان يعي عنه ؛ لأنه لم يبق في سمعه مكان لغير صوت الملك ولا في قلبه.

يقول الحافظ ابن حجر في الفتح (ج 22/ص113):
«لا يَلْزَم فِي التَّشْبِيه تَسَاوِي الْمُشَبَّه بِالْمُشَبَّهِ بِهِ فِي الصِّفَات كُلّهَا، بَلْ وَلا فِي أَخَصّ وَصْف لَهُ، بَلْ يَكْفِي اِشْتِرَاكهمَا فِي صِفَة مَا، فَالْمَقْصُود هُنَا بَيَان الْجِنْس، فَذَكَرَ مَا أَلِفَ السَّامِعُونَ سَمَاعه تَقْرِيبًا لأَفْهَامِهِمْ».

أما سبب تشبيه صوت الوحي بالصلصلة؛
فهو أن هذا الصوت هو صوت الوحي أصلاً في الملأ الأعلى، كما جاء في الحديث الذي يرويه أبو هريرة عن النبي أنه قَالَ:
((إِذَا قَضَى اللَّهُ الأَمْرَ فِي السَّمَاءِ ضَرَبَتِ الْمَلاَئِكَةُ بِأَجْنِحَتِهَا خُضْعَانًا لِقَوْلِهِ، كَأَنَّهُ سِلْسِلَةٌ عَلَى صَفْوَانٍ، يَنْفُذُهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ؟ قَالُوا: الْحَقَّ.. وَهُوَ الْعَلِىُّ الْكَبِيرُ))[رواه البخاري].

وبذلك يكون صوت الوحي من جبريل إلى الرسول من جنس صوت الوحي في الملأ الأعلى، وهو ما ورد في رواية ابن عباس:
((إِنَّ اللَّه إِذَا تَكَلَّمَ بِالْوَحْيِ سَمِعَ أَهْل السَّمَاء لِلسَّمَاءِ صَلْصَلَة كَجَرِّ السِّلْسِلَة عَلَى الصَّفَا, فَيُصْعَقُونَ, فَلا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيهِمْ جِبْرِيل، فَإِذَا جَاءَهُمْ جِبْرِيل فُزِّعَ عَنْ قُلُوبهمْ. قَالَ: فَيَقُولُونَ: يَا جِبْرِيل, مَاذَا قَالَ رَبّك؟ قَالَ: فَيَقُول: الْحَقّ. قَالَ: فَيُنَادُونَ الْحَقّ.. الْحَقّ)).

وفي غزوة حُنَين، قال الصحابة:
(لَمْ يَبْقَ مِنَّا أَحَدٌ إِلاَّ امْتَلأَتْ عَيْنَاهُ وَفَمُهُ تُرَابًا، وَسَمِعْنَا صَلْصَلَةً بَيْنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ كَإِمْرَارِ الْحَدِيدِ عَلَى الطَّسْتِ الْجَدِيدِ).

وكما كان التناظر بين صوت الوحي في الملأ الأعلى وبين صوت الوحي من جبريل للرسول .. يكون التناظر بين تلقي الملائكة للوحي في الملأ الأعلى وبين تلقي الرسول للوحي من جبريل.

حتى شبه الإمام الطيبي ما يحدث للملائكة في الملأ الأعلى بما يحدث للرسول ؛ فقال:
(وزوال الفزع عنهم هنا بعد سماعهم القول كالفصم عن رسول الله بعد سماع الوحي، ولعله نظيره) [مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح (ج 13/ص353)].


ثانياً: أن صوت الوحي له جانبان:
(1) الجانب الذي يسمع فيه مثل ـ أو صوت من جنس ـ صلصلة الجرس، وهي المسافة بين جبريل والنبي صلى الله عليه وسلم، وهذه المسافة لا تقربها الشياطين والجن، إذ إنه مع بداية نزول الوحي على الرسول أصبحت النجوم رجومًا للشياطين. وهو تفسير قول الله عز وجل: )وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّمَاءَ فَوَجَدْنَاهَا مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً . وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْهَا مَقَاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الآنَ يَجِدْ لَهُ شِهَاباً رَصَداً( (الجـن: 8، 9).

فلا تكون هناك ثغرة من خلال فراغ لأنها (مُلِئَتْ), ولا من حارس ضعيف لأنها )مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَشُهُباً(، بل إن مجرد الاقتراب من السماء من أي جانب أصبح أمرًا مستحيلاً ؛ لأنهم: )لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَأِ الْأَعْلَى وَيُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ( (الصافات:8).

(2) أما الجانب الثاني فهو ما بين رسول الله والصحابة، وهو الذي يكون فيه صوت الوحي مثل دَوِيّ النحل، كما فِي حَدِيث عُمَر: (يُسْمَع عِنْده كَدَوِيِّ النَّحْل).

وكما كان التجانس بين صوت الوحي في الملأ الأعلى وصوت الوحي من جبريل للرسول .. كان التجانس بين صوت الوحي من الرسول إلى الصحابة، وهو دوي النحل، وذلك للعلاقة بين الوحي والنحل.

وعن عمر بن الخطاب قال:
كان النبي إذا أُنزل عليه الوحي سمع عند وجهه دوي كدوي النحل، فأُنزل عليه يوما فمكثنا ساعة، فُسِرِّيَ عنه، فاستقبل القبلة ورفع يديه وقال:
((اللَّهُمَّ زِدْنَا وَلاَ تَنْقُصْنَا وَأَكْرِمْنَا وَلاَ تُهِنَّا وَأَعْطِنَا وَلاَ تَحْرِمْنَا وَآثِرْنَا وَلاَ تُؤْثِرْ عَلَيْنَا وَأَرْضِنَا وَارْضَ عَنَّا))،
ثُمَّ قَالَ :
((أُنْزِلَ عَلَىَّ عَشْرُ آيَاتٍ مَنْ أَقَامَهُنَّ دَخَلَ الْجَنَّةَ)). ثُمَّ قَرَأَ )قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ( حَتَّى خَتَمَ عَشْرَ آيَاتٍ. [رواه أحمد والترمذي].


أما تفسير التشابه بين الوحي وصوت النحل فهو التجانس بين القرآن والعسل، فمادتهما واحدة حتى بلغ الأمر أن يختص الله النحل بالوحي وأن تكون مادتهما شفاء للناس: )وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً وَمِنَ الشَّجَرِ وَمِمَّا يَعْرِشُونَ( (النحل:68).

حتى إن كلمة "النصيحة" التي تكون في الدين مأخوذة من مادة العسل فتقول: نَصَحْتُ العَسَل، أي صَفَّيْتُه (لسان العرب).


وفي هذا يقول الإمام ابن القيم:
(ولما كانت النحلة من أنفع الحيوان وأبركه قد خُصَّت من وحي الرب تعالى وهدايته بما لم يشاركها فيه غيرها, وكان الخارج من بطنها مادة الشفاء من الأسقام والنور الذي يضيء في الظلام بمنزلة الهداة من الأنام, وكانت أكثر الحيوان أعداء، وكان أعداؤها من أقل الحيوان منفعة وبركة, وهذه سنة الله في خلقه وهو العزيز الحكيم".

ومن هنا كان تشبيه رسول الله لبلال عندما رآه ينتقل في قراءته للقرآن بين السور والآيات فقال: ((مَثَلُ بِلالٍ كَمَثَلِ نَحْلَةٍ غَدَتْ تَأْكُلُ مِنَ الْحُلْوِ وَالْمُرِّ، ثُمَّ هُوَ حُلْوٌ كُلُّهُ)) [ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد وقال: رواه الطبراني في الأوسط وإسناده حسن].

وبذلك يتبين سبب تشبيه صوت الوحي من جبريل للرسول بصلصلة الجرس وتشبيه صوت الوحي للناس بصوت النحل.
هذا هو الوحي عندنا: حكمة وإحكام..

وهذا هو طريقه إلينا من الملأ الأعلى حتى يصل إلينا من رسول الله .. مسافة طاهرة محفوظة لا تقربها الشياطين..



ثم نذهب لنرى ما عندهم في الوحي والتنبؤ..

"فأرسل شاول رسلاً لأخذ داود . ولما رأوا جماعة الأنبياء يتنبأون وصموئيل واقفًا رئيسًا عليهم كان روح الله على رسل شاول فتنبأوا هم أيضا* (21) وأخبروا شاول فأرسل رسلاً آخرين فتنبأوا هم أيضًا ثم عاد شاول فأرسل رسلاً ثالثة فتنبأوا هم أيضا* (22) فذهب هو أيضًا إلى الرامة وجاء إلى البئر العظيمة التي عند سيخو وسال وقال: أين صموئيل وداود؟ فقيل: ها هما في نايوت في الرامة* (23) فذهب إلى هناك إلى نايوت في الرامة، فكان عليه أيضًا روح الله، فكان يذهب ويتنبأ حتى جاء إلى نايوت في الرامة* (24) فخلع هو أيضًا ثيابه وتنبأ هو أيضًا أمام صموئيل وانطرح عريانا ذلك النهار كله وكل الليل، لذلك يقولون شاول أيضًا بين الأنبياء*" [سفر صموئيل الأول 19/20 -25].
كل من أرسلهم شاول تنبأوا، فأرسل شاول بدلاً منهم فتنبأوا هم أيضًا وهكذا مرة ثالثة.. حتى ذهب بنفسه ليرى ما الخبر فأصابه ما أصابهم "فخلع هو أيضًا ثيابه وتنبأ هو أيضًا أمام صموئيل" .. "وانطرح عريانا ذلك النهار كله وكل الليل لذلك يقولون: شاول أيضًا بين الأنبياء؟!

وهكذا يا سادة تحولت منطقة النبوة إلى مستعمرة للعراة ..!


وعُوي الإنسان.. هو غاية الشيطان:
)يَا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا إِنَّهُ يَرَاكُمْ هُوَ وَقَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنَّا جَعَلْنَا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَاءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ( (الأعراف:27).


بتصرف يسير من مقال لأخينا الفاضل /
رفاعي سرور