هل قالَ أحَدٌ مِن أمّةِ الإسْلام أن جميعَ اليهودِ (في بابِل وأورشاليم وغيرها ) قالوا ذلِك ؟!.. أم أنّهُ طائِفَة مِنْهُم ؟!!



(2)

قُل هاتوا بُرْهانَكُم إن كُنْتُم صادِقين







الإخوة الكِرام لازال الموضوع يعُجُّ بالمغالطاتِ .... فالمسيحي لم يتبقى له مع أمة محمدٍ - صلى الله عليْهِ وسلّم - إلا المغالطات , وعماد الشبهاتِ جميعاً هي المغالطات .. فالآية تتكلّم عن يهودٍ بِعَيْنِهِم ... كانوا في الحِجاز , ونزل فيهم قول الله تعالى " وقالت اليهودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللهِ " ..!!


ولكِن المسيحي لابُد أن يقوم بالمغالطةِ بالتعميم , فالآية حين تتكلم عن يهود الحِجاز , فإن المسيحي يُغالط ويقول كيف يقول الله عن يهود الدنيا ..أنهم قالوا عُزيْرٌ ابن الله , ثم يبدأ في بعْض الحبكات السفوسْطائِيّة فيقول وآباء الكنيسة في مصر وأورشاليم وغيرها لم يذْكُروا ذلِك ... والغرَضُ من هذا التعْميمِ واضِح ... والغرض من هذه الحبكات أوضَح ... ولكِن لابد أن تكون النتيجة هو اظهار الجهل الفاضِح بحقيقة ما يتحاور فيه !!!



وتنتهي المُغالطةُ تماماً بِمُطالبَتِهِ بالدليل , فنقول له:
أين دليلُكَ من كُتُبِ أهلِ الإسْلام على أننا قُلنا أن كل اليهودِ قالوا ذلِك !!!


لا يوجد .!



__________________________




هل قالَ أحَدٌ مِن أمّةِ الإسْلام أن جميعَ اليهودِ (في بابِل وأورشاليم وغيرها ) قالوا ذلِك ؟!.. أم أنّهُ طائِفَة مِنْهُم ؟!!



(3)




قالها طائِفَةٌ من اليهود وليْسَ كل اليهود ..!





يُخبِرنا الله تعالى أن اليهود قالوا عُزير ابن الله , وخصّوا عُزير بالقداسة والبُنوة كما خص النصارى المسيح بالقداسة والبُنُوّة , و لا تعني البُنُوة بالضرورةِ مرتبة الألوهية وإنما مرتبة الشّرك بالقداسة مع الله سواءاً كان تقديس عِبادة أو طاعة أو الوهية بإلصاق البُنُوة لله , ولم تقُل الآبةُ بِشمول جميع اليهود أو جميع النصارى كما سنُبيِّنُهُ , وإنما هم فِئة منهم قالتها وقتها فنزلت فيهم الآية , ولم يعُد يقولها أحد اليهود اليوم , أما النصارى فقد ضجّت الدُنيا بمن يقولها اليوم منهم شرقاً وغرباً.


تنبّه أخي الكريم لما يُحاك من مغالطات , فقد كان الوحْيُ يهْبِطُ مُنجّماً على الأحْداث .. وكان لكُل آيةٍ سبب نزول ... وما نزل الوحْي على رسولِ اللهِ يُخاطِبُهُ في يهودُ أورشاليم ..!!


فقد عُدِمَ وجودُ يهودِ أورْشاليم في عام 70 ميلادِية , وأُجْلِيَ من بقِيَ مِنْهُم مِن أورشاليمَ تماماً منذ القرن الميلادي الثاني ... وصار اسمُها إيليا .. فلا ملْجأ ولا ملاذَ ولا منْجى لهُم مِن بطْش الرومان إلا بالتوجُّهِ إلى مراكِز اليهودِيّة الباقِيَة في بابِلَ (الفُرْس) أو الحجاز أواليمن .


وما ذهَبَ رسولُ اللهِ - صلى اللهُ عليْهِ وسلّم - إلى يهودِ اليمن أو بابِل .. وإنما كان مقامهُ بيْنَ يهودِ الحِجاز , وما كانَ حرْبُهُ وقِتالُهُ إلا ليهود خيْبر والحِجاز ..



إذاً يلزم أن نُلْقي الضوْءَ على النِّقاط التالية :

1-بُنُوّة عُزير قالها بعض اليهود وليس كل اليهود..

2-وقالتها فئة من اليهود في المدينة وربما اليمن بعْدَ ذلِكَ , وانتهى هذا القول بانتهائِهم أو تطور مِلّتِهم , فمن قالها من اليهود إما قضى عليهم الإسلام أو أنه أجلاهم من الجزيرة للشام ثم ذابت عقائِدُهم , أو أنهم دخلوا في دين الله أفواجا..!



وننقُل الرِّوايات التي تحدَّت عن من هم القائِلون بها؟!!!


القائلون بذلك .. هم فئة يهودية قد قالتها في زمان نزول الآية .. و اختلفت حول تحديد شخصياتِهم الروايات[1] :




1- هم الأصبهانية وليس عامة اليهود:

" فمنهم اليهود فعامتهم جعلوه [2]لحماً ودماً كمقالة مقاتل بن سليمان وقال: أبيض الرأس واللحية، والسامرية: لا يشبه شيئاً ؛والأصبهانية: عزير ابن الله".[3]





2- طائفة من يهود المدينة:

"قال ابن العربي في شرح الترمذي: تبرأت اليهود في هذه الأزمان من القول بأن العزير ابن الله وهذا لا يمنع كونه كان موجودا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم لأن ذلك نزل في زمنه واليهود معه بالمدينة وغيرها فلم ينقل عن أحد منهم أنه رد ذلك ولا تعقبه، والظاهر أن القائل بذلك طائفة منهم لا جميعهم بدليل أن القائل من النصارى إن المسيح ابن الله طائفة منهم لا جميعهم فيجوز أن تكون تلك الطائفة انقرضت في هذه الأزمان كما انقلب اعتقاد معظم اليهود عن التشبيه إلى التعطيل وتحول معتقد النصارى في الابن والأب إلى أنه من الأمور المعنوية لا الحسية، فسبحان مقلب القلوب."[4]


نزلت في يهود المدينة حيث قالوا : عزير ابن الله وفي نصارى نجران حيث قالوا : المسيح ابن الله ، وفي مشركي العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله[5]






3- كِبار القوم (في المدينة) :

{وقََالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ} سمي منهم سلام بن مشكم ونعمان بن أوفى ومحمد بن دحية وشأس بن قيس ومالك بن الصيف[6]

أراد فرقة من اليهود قالت ذلك; والدليل على ذلك أن اليهود قد سمعت ذلك في عهد النبي صلى الله عليه وسلم فلم تنكره، وهو كقول القائل: الخوارج ترى الاستعراض وقتل الأطفال، والمراد فرقة منهم لا جميعهم; وكقولك: جاءني بنو تميم، والمراد بعضهم. قال ابن عباس: "قال ذلك جماعة من اليهود جاءوا إلى النبي; صلى الله عليه وسلم فقالوا ذلك، وهم سلام بن مشكم، ونعمان بن أوفى، وشاس بن قيس، ومالك بن الصيف، فأنزل الله تعالى هذه الآية"، وليس في اليهود من يقول ذلك الآن فيما نعلم، وإنما كانت فرقة منهم قالت ذلك فانقرضت.[7]

قال ابن عباس رضي الله عنهما : إنها نزلت في كعب بن الأشرف ، و كعب بن الأسد ، ووهب بن يهوذا؛ فإنهم جعلوا عزيراً ابن الله [ سبحانه لم يتخذ صاحبة ولا ولداً .[8]






4- رجُل واحِد (من يهودِ المدينة):

وأخرج ابن المنذر عن ابن جريج رضي الله عنه في قوله { وقالت اليهود عزير ابن الله } قال : قالها رجل واحد اسمه فنحاص .[9]




وأخيراً نختِم بقول جامع لآراء من قال أن عُزير بن الله :
في قوله : { وَقَالَتِ اليهود عُزَيْرٌ ابن الله } أقوال :

قال عبيد بن عمير : إنَّما قال هذا رجلٌ واحد من اليهود اسمه : فنحاص بن عازوراء ، وهو الذي قال : { إِنَّ الله فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] . وثانيها : روى سعيدُ بن جبير وعكرمة عن ابن عباس قال : « أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم جماعة من اليهود سلام بن مشكم ، والنعمان بن أبي أوْفَى ، وشاس بن قيس ، ومالك بن الصيف ،[10] فقالوا : كيف نتبعك وقد تركت قبلتنا ، ولا تزعم أنَّ عُزيراً ابن الله؟ فنزلت هذه الآية . [11]


وعلى هذين القولين القائل إنما هو بعض اليهود إلا أنّ الله تعالى نسب ذلك إلى اليهود بناء على عادة العرب في إيقاع اسم الجماعة على اسم الواحد يقال: فلان ركب الخيول ولعله لم يركب إلا واحداً منها، وفلان يجالس السلاطين ولعله لم يجالس إلا واحداً. وثالثها: أنّ هذا المذهب لعله كان ثابتاً فيهم ثم انقطع فحكى الله تعالى ذلك عنهم ولا عبرة بإنكار اليهود لذلك فإنّ الآية تليت عليهم فما أنكروا ولا كذبوا مع تهالكهم على التكذيب[12]


وثالثها : لعلَّ هذا المذهب كان فَاشياً فيهم ثمَّ انقطع ، فحكى الله ذلك عنهم ، ولا عبرة بإنكار اليهُودِ ذلك ، فإنَّ حكاية الله عنهم أصدق."[13]


___________________________



[1] اختلفت الرِّواياتُ حوْلَ تحْديدِ شخْصيّاتِهِم وإن أجْمعوا على أنّهُم يهودُ المدينةِ

[2] الضمير يعود على الله سُبحانه وتعالى .

[3] محاضرات الأدباء لأبي القاسم الأصفهاني – باب المتبجِّح بالتعطيل

[4] فتح الباري , 3/ 359.

[5] تفسير البغوي.

[6] الإتقان في علوم القرآن , النوع السبعين في المبهمات 4/116 .و تفسير ابي السعود.

[7] أحكام القرآن للجصاص 3/133.

[8] اللباب في علوم الكتاب

[9] الدر المنثور – الباب الثلاثون للسيوطي 4 / 171. و تفسير الطبري: 14 / 201, وتفسير البغوي 4/ 36.


[10] في سيرة ابن هشام : " ونعمان بن أوفى أبو أنس ، ومحمود بن دحية، وشاس . . . " .

[11] الدر المنثور – الباب الثلاثون للسيوطي 4 /171 , تفسير السراج المنير 16 / 128 , تفسير الطبري –جامع البيان في تأويل القرآن 14/ 201 , الأثر : 16620 , و سيرة ابن هشام 2 : 219 .

[12] تفسير السراج المنير 16 / 128

[13] الدر المنثور – الباب الثلاثون للسيوطي 4 /171