فلننظر الآن إلى السياق القرآني الجميل:

تبدأ السورة بهذا العتاب من الله سبحانه لرسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ:

{ يا أيها النبي لم تحرم مآ أحل الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم؟ قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم، والله مولاكم، وهو العليم الحكيم }..

وهو عتاب مؤثر موح. فما يجوز أن يحرم المؤمن على نفسه ما أحله الله له من متاع. والرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يكن حرم العسل أو مارية بمعنى التحريم الشرعي؛ إنما كان قد قرر حرمان نفسه. فجاء هذا العتاب يوحي بأن ما جعله الله حلالاً فلا يجوز حرمان النفس منه عمداً وقصداً إرضاء لأحد.. والتعقيب.. { والله غفور رحيم }.. يوحي بأن هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة، وأن تتداركه مغفرة الله ورحمته. وهو إيحاء لطيف.

فأما اليمين التي يوحي النص بأن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ قد حلفها، فقد فرض الله تحلتها. أي كفارتها التي يحل منها. ما دامت في غير معروف والعدول عنها أولى. { والله مولاكم }.. فهو يعينكم على ضعفكم وعلى ما يشق عليكم. ومن ثم فرض تحلة الأيمان، للخروج من العنت والمشقة.. { وهو العليم الحكيم }. يشرع لكم عن علم وعن حكمة، ويأمركم بما يناسب طاقتكم وما يصلح لكم. فلا تحرموا إلا ما حرم، ولا تحلوا غير ما أحل.
وهو تعقيب يناسب ما قبله من توجيه.

الإمام / سيد قطب ... رحمه الله
.