{ يا أيها النبي لم تحرم مآ أحل الله لك، تبتغي مرضاة أزواجك، والله غفور رحيم. قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولاكم وهو العليم الحكيم }.
{ وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثاً فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرَّف بعضه وأعرض عن بعض، فلما نبأها به قالت: من أنبأك هـذا؟ قال: نبأني العليم الخبير }.
{ إن تتوبآ إلى الله فقد صغت قلوبكما، وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين، والملائكة بعد ذلك ظهير. عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجاً خيراً منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكاراً }..
وردت في سبب نزول هذه الآيات روايات متعددة منها ما رواه البخاري عند هذه الآية قال: حدثنا إبراهيم ابن موسى، أخبرنا هشام بن يوسف، عن ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة، قالت: " كان النبي ـ صلى الله عليه وعلى آله وسلم ـ يشرب عسلاً عند زينب بنت جحش، ويمكث عندها. فتواطأت أنا وحفصة على أيتنا دخل عليها فلتقل له: أكلت مغافير. إني أجد منك ريح مغافير. قال: لا. ولكني كنت أشرب عسلاً عند زينب بنت جحش فلن أعود له. وقد حلفت. لا تخبري بذلك أحداً " . فهذا هو ما حرمه على نفسه وهو حلال له: { لم تحرم ما أحل الله لك؟ }.
ويبدو أن التي حدثها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ هذا الحديث وأمرها بستره قالت لزميلتها المتآمرة معها. فأطلع الله رسوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على الأمر. فعاد عليها في هذا وذكر لها بعض ما دار بينها وبين زميلتها دون استقصاء لجميعه. تمشياً مع أدبه الكريم. فقد لمس الموضوع لمساً مختصراً لتعرف أنه يعرف وكفى. فدهشت هي وسألته: { من أنبأك هذا؟ }.. ولعله دار في خلدها أن الأخرى هي التي نبأته! ولكنه أجابها: { نبأني العليم الخبير }.. فالخبر من المصدر الذي يعلمه كله. ومضمون هذا أن الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ يعلم كل ما دار، لا الطرف الذي حدثها به وحده!
وقد كان من جراء هذا الحادث، وما كشف عنه من تآمر ومكايدات في بيت الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ أن غضب.
فآلى من نسائه لا يقربهن شهراً، وهم بتطليقهن ـ على ما تسامع المسلمون ـ ثم نزلت هذه الآيات. وقد هدأ غضبه ـ صلى الله عليه وسلم ـ فعاد إلى نسائه بعد تفصيل سنذكره بعد عرض رواية أخرى للحادث.
وهذه الرواية الأخرى أخرجها النسائي من حديث أنس، أن رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ كان له أمة يطؤها، فلم تزل به عائشة وحفصة حتى حرمها. فأنزل الله عز وجل: { يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك؛ تبتغي مرضاة أزواجك }..
وفي رواية لابن جرير ولابن إسحاق أن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وطئ مارية أم ولده إبراهيم في بيت حفصه. فغضبت وعدتها إهانة لها. فوعدها رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بتحريم مارية وحلف بهذا. وكلفها كتمان الأمر. فأخبرت به عائشة.. فهذا هو الحديث الذي جاء ذكره في السورة.
وكلا الروايتين يمكن أن يكون هو الذي وقع. وربما كانت هذه الثانية أقرب إلى جو النصوص وإلى ما أعقب الحادث من غضب كاد يؤدي إلى طلاق زوجات الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ نظراً لدقة الموضوع وشدة حساسيته. ولكن الرواية الأولى أقوى إسناداً. وهي في الوقت ذاته ممكنة الوقوع، ويمكن أن تحدث الآثار التي ترتبت عليها. إذا نظرنا إلى المستوى الذي يسود بيوت النبي، مما يمكن أن تعد فيه الحادثة بهذا الوصف شيئاً كبيراً.. والله أعلم أي ذلك كان.
يتبع :-
.
المفضلات