العهد الجديد: أطياف من "العهد القديم" !
و هكذا بدأت في قراءة أسفار العهد الجديد "متى" و "مرقس" و "لوقا" و "يوحنا" , و في أثناء ذلك فعلت شيئًا آخرًا , دعوني أسألكم :
إذا ذهبتم لمكتبة و التقطتم كتابًا كان قابعًا على الرف , ماذا سوف تفعلون في البداية ؟
سوف تنظرون إلى عنوان الكتاب , و هذا ما كنت أفعله عندما أخذت أقرأ العهد الجديد ؛ نظرت إلى العناوين.
ثم ما هي الخطوة التالية ؟ ستنظرون إلى اسماء المؤلفين.
و بذلك تمكنتم من معرفة اسم الكتاب و كذلك مَن قام بتأليفه.
إذا قمتم بهذا الأمر البديهي مع جميع اسفار الانجيل , لوجدتم العناوين بلا اسماء مؤلفين معروفين !
يبقى اسم الكاتب مجهول أو " يَظهر بأن الكاتب هو كذا و كذا , أو نحن استنبطنا بأنه من المحتمل كون فلان قد كتب هذا" لننظر مثلاً إلى "سفر الخروج" :
موسى هو من قام بكتابته , و لكن ليس من المنطقي أن يكون موسى قد قام بتأليف السفر كاملاً , و لا سيما أنه يتضمن - في جزءه الأخير - تفاصيل موته و دفنه و تسلّم "يوشع" قِياد ابناء اسرائيل بعد وفاته !
لذا لا يمكن لموسى أن يكتب عن أحداث وقعت بعد وفاته.
و هكذا عندما بدأت بقراءة العهد الجديد , أردت معرفة المؤلفين , معرفة الرسل , من هو "متى" و من هو "مرقس" و من هو "لوقا" و من هو "يوحنا" ؟ لأن الكتاب المقدس [ العهد الجديد ] اسمه "الجوسبل" "Gospel" كما أطلق عليه ذلك , "متى" .
الأمر السيء جدًا هنا , هو أنه لا أحد يعلم من هم هؤلاء الرجال !
و ذلك لأنه لم يقوم أي شخص بتسجيل أو توثيق اسماءهم على هذه المؤلفات.
لا يوجد أي متخصص مُعتَبر في الانجيل يقول لك : " نحن نعلم بشكل قاطع و لا يحتمل الشك بأن "متى" الفلاني أو "مرقس" العلاني أو "لوقا" كذا أو "يوحنا" كذا هو من قام بتأليف هذا الكتاب" ؛ بل سوف يقول لك :
" تلك معلومات مستندة على حقائق , نحن لا نعلم من قام بكتابة هذا السِفر"
أثار هذا الأمر فضولي , و قلت في نفسي :
" لماذا يفرد أحدهم كتابًا من المفترض به أن يتم توارثه عبر الأجيال و أن يتبع الناس ما جاء فيه , فهو كلمة الرب المُلهِمة للبشرية , و لم يقرر أحدهم أن يسجِّل اسم الكاتب ؟"
عمومًا ..
بدأت قراءة السِفر , و لفتت انتباهي أمور تتعلق بتعاليم "يسوع" المسيح , و بالطبع كانت مغايرة لما تعلمته في الكنيسة :
"عندما تحدث عيسى , تحدث عن طبيعة الرب"
و كانت طبيعة الرب مماثلة لتلك في العهد القديم ,إذ قال عيسى - مرّات عديدة - بأن "الله واحد" و أنه "متفرّد" , حتى أنه اقتبس من الكتب العبرية "هو الرب واحد" .
سُئِل عيسى المسيح عن "الوصية العظمى" فقال " الوصية العظمى هي أن تحب الرب من كل قلبك و من كل عقلك و بكل قوتك و أنت تحب جارك كما تحب نفسك " و قال بأن الأمور الباقية تعتمد على هذين الأمرين.
و بالمناسبة فنحن كمسلمين ينبغي أن يكون هذا المفهوم واضحًا لنا تمامًا , فهناك في الإسلام حق الخالق و حق الخلائق.
كان هذا هو المبدا الذي كان يعلّمه عيسى المسيح , و اذكر على التحديد مقولته في سِفر "يوحنا" الأول الاصحاح السابع عشر الآية الثالثة :
" وهذه هي الحياة الأبدية: أن يعرفوك أنت الإله الحقيقي وحدك ويسوع المسيح الذي أرسلته"
"And this is life eternal, that they might know thee the only true God, and Jesus Christ, whom thou hast sent"
عندما تنظر لهذه الآية باللغة اليونانية أو الآرامية , فهي تقريبًا مطابقة للعربية (و أنا الآن أعرف العربية و فهمت ذلك) :
" لا إله إلا الله محمدًا رسول الله"
مما لا شك فيه أن هناك عبارات مبهمة , إذا اجتزأتها من النص و نظرت لها بشكل مستقل , لربما استنتجت بأن عيسى يحاول أن يدعي بعض الألوهية أو ينسب شيئًا ما لنفسه , لكن أنا كذلك أعرف من عملي في مجال علم النفس و كذلك القليل في مجال علم القانون ؛ بأن العبارة المبهمة العائمة لا يمكنها الغاء مثيلتها الواضحه القطعية الدلالة , و الأخيرة دائمًا لها اليد الطولى.
و بناء على ذلك ؛ إذا قال المسيح بأن "الله واحد" و كان هناك تضليل بأن المسيح قال بشكل غامض أنه الرب أكثر من واحد , فالعبارة الواضحة القاطعة بالوحدانية تلغي غيرها المبهمة المعارِضة , و ذلك بشكل دائم.
و كذلك وجدت أمرًا آخر يتعلق بعقيدة "الخلاص":
عيسى المسيح أرشد الناس للخلاص عن طريق "الخضوع للرب و إتّباع الوصايا" ؛ هذا هو الخلاص حسب تعاليم عيسى المسيح.
سأله أحدهم و قال له : "كيف أرِث الحياة الأبدية؟" أجابه عيسى " أتبع الوصايا" , و كان صادقًا جدًا فيما يتعلق بهذا الأمر , فقد قال في سِفر "متى" [ 5 : 19 ] :
" فمن نقض إحدى هذه الوصايا الصغرى وعلم الناس هكذا، يدعى أصغر في ملكوت السماوات. وأما من عمل وعلم، فهذا يدعى عظيما في ملكوت السماوات "
و هكذا عَلِمت بأن المسيح بشّر بنفس طبيعة الرب كما في العهد القديم و أنه أرشد بأن الخلاص يكمن في عبادة الرب و أتّباع الوصايا , و كان هذا الأمر جليّا بالنسبة لي في جميع أسفار العهد الجديد.
أمّا بعض المقولات المتناثرة مثل "أبنه الوحيد الذي أنجبه" , فكانت مرجوحة لدي بالمقارنة بالكلمات الذي تفوه بها المسيح بنفسه و لم تنال نفس الثقل أو الأهمية.
هذا مما وجدته عندما قرأت العهد الجديد.
فالأمر ذاته من "متى" إلى "يوحنا" ؛ و هذا يتصادم مع ما تعلمته عن النصرانية , عقيدة التثليث و ثلاثة في واحد و واحد في ثلاثة و "واحد واحد واحد يعادل ثلاثة " , و الأب و الابن و روح القدس.
هناك أمر مهم جدًا عن "الصَلب" و يجب أن نعلمه كمسلمين , فكثيرًا من الأسئلة تصادفنا عن هذا الشيء و لا سيما في مجال الدعوة , و قد تحصّلت عليه من قراءتي للعهد القديم :
قضية "الصّلب" : لماذا أصر اليهود على صلب عيسى المسيح ؟
______________________________________________________
يتّبع إن شاء الله .....
أخوكم
المفضلات