السيد جورج
أُنظر، في اﻹسلام لا يوجد ولادة من ذات الله وفي ذات الله، بل هذا يوجد في الوثنيات، واﻹسلام أكبر دين يرد على الوثنيات؛ وبهذا فالولادة في اﻹسلام هي ولادة جسمانية، ويمكن أنْ تعني شعورية فكرية، كأنْ ينتقل إنسان ما من مذهب فكري إلى مذهب فكري آخر، فيشعُر المتمذهب أنَّه ولدَ من جديد؛ ﻷنَّه يشعُر أنَّه وجد الحقيقة، وهذا لا يتجاوز المخلوقات، فالخالق منزة عن الولادة بمختلف أشكالها.
قلتَ: "أنَّ المسيح حسب التفسير المسيحي ابن الله لا عن طريق الاستلاد (الولادة) - حسب تعبيرك -، بل عن طريق الصدور في الوجود اﻹلهي، من ذات الله في ذات الله".
وهذا سأضحده بالعقل:
أولا: تقولون:"أنَّكم تقولون أنَّ الابن والأب والروح القدس إله واحد"، ولكن هذا ما سنثبت لكم خطأه، فالصدور نسبة بين "صادر منه"، وبين "مُصْدُور"، وهنا نسأل سؤلًا وهو: هل الصادر منه هو المصدور بناء على أنَّ اﻷب والابن والروح القدس إله واحد؟
إنْ كان الجواب بـ"لا" فهذا شرك وتعدد، وليس توحيد، فإلهكم ليس واحد بناء على جوابكم.
ولكن إنْ كان جوابكم بـ"بلى"، فهذا شرك وتعدد، ﻷنَّ الصادر منه مستحيل أنْ يكون هو المصدور بمقتضى أحكام العقل، ولمَّا كان ذلك كذلك فجوابكم يُفضي إلى شرك، وتعدد، والشرك والتعدد ليسا توحيدًا، بل نوعًا من الوثنية.
لا بد أنْ تعلم أنَّ الصدور يُفْضِي إلى القول بالحدوث في ذات الله بناء على أنَّ الصدور عندكم يكون من ذات الله وفي ذات الله، كما أنَّه يُفْضِي إلى أنَّ إلاهكم ليس كاملًا ثم اكتمل من حيث لا تدري، فالصدور يعني أنَّه لم يكن هناك ابن ثم كان هناك ابن بمقتضى الصدور، واﻷب والابن والروح القدس كما تقولون واحدة، ولكن الصدور جعلها غير واحدة بل أكثر، وإلا فيجب أنْ لا تقولوا بالصدور، فإنْ قلتم: بالصدور الزمناكم أولا: بالتعدد، وثانيا: بوجود حوادث في ذات الله حاصلة من ذات الله، فالـ"صادر منه" غير الـ"مصدور"، ولكي يوجد الـ"مصدور" فلا بد من وجود شيء لم يكن ثم يكون، والشيء الذي لم يكن ثم يكون - هو - حادث وليس بقديم، وبهذا يصير الابن حادث والأب وحده القديم.
وبناء عليه، فلكم آلهة متعددة وليس إله واحد، رغم أنَّه واضح بمقتضى أحكام العقل أنَّ القديم واحد، ولكنكم تأبون أنْ ترضوا بأحكام العقل؛ وبهذا فالتجسد قضية ساقطة، والصدور قضية ساقطة، والخطيئة المبنية على التجسد قضية ساقطة، والفداء المبني على الخطيئة قضية ساقطة؛ وبهذا فكل القضايا اﻷساسية لدينكم هي قضايا ساقطة.
ويناء عليه، فلا يمكن إطلاقـًا تفسير قضايا مسيحية بقضايا إسلامية في الموضوع الذي نتناوله، فاﻹسلام دين لا يخالف العقل، بل يحث على التَّفَكُّر والتَّعَقُّل، وهل يخاف من العقل من يحث على التَّعَقُّل؟!
والله الدنيا كلها لا تسع فرحتي على أنِّي مسلم ومن المعتزلة، وهذه الفرحة تزداد عندما نحاور خصومنا، فنكشف عوار فكرهم بالعقل.
ملاحظة: لستُ بحاجة ﻷنْ أرد على كل مشاركتك الطويلة، فهذا الرد والردود السابقة كافية لنسف الﻷفكار اﻷساسية التي تضمنتها مشاركتك، فإذا قضينا على اﻷساس، فهذا ينسحب على ما بُنِيَ على اﻷساس.
الحمد لله على نعمة اﻹسلام وكفى بها نعمة.
المفضلات