محاوري المحترم
جاء ايضاً في سيدنا يحيي عليه السلام قول الحق سبحانه : {وَسَلامٌ عَلَيْهِ يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيًّا(مريم:15)}
إذن هي ليست خاصية اختُص بها المسيح منفرداً بل ابن خالته يحيي بن زكريا عليه السلام ايضاً سلاماً عليه يوم ولد ويوم يموت ويوم يُبعث حيا .
ذكر القرآن ما قاله المسيح عن نفسه { وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا (مريم:33)}.
هذه الأحداث أعلام ثلاثة في حياة الإنسان: يوم مولده، ويوم موته، ويوم أنْ يُبعث يوم القيامة. فما وجه السلامة في هذه الأحداث بالنسبة لعيسى عليه السلام؟
كلنا نعلم قصة المسيح عيسى بن مريم عليه السلام فحين ولد طعنت اليهود في شرف امه واتهمتها بالزنا وحين حاول اليهود القبض على المسيح عليه السلام نجاه الله منهم ورفعه للسماء ليعود مرة اخرى في اخر الزمان معتنقاً الدين الإسلامي ويُصلي مع المسلمين ويتزوج وينجب ثم يموت ويُدفن في الأرض .
لذلك هذا الخطاب جاء على لسان المسيح عليه السلام حين نطق في المهد فقال : {فَأَشَارَتْ إِلَيْهِ قَالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا - قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا - وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا - وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا - وَالسَّلامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدتُّ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} ... فهنا برئ الله عز وجل السيدة مريم عليها السلام من اتهامات اليهود بالطعن في شرفها مؤكداً قوله: { وَٱلسَّلاَمُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُّ } [مريم: 33] لأن يوم مولده مَرَّ بسلام، رغم ما فيه من عجائب، فلم يتعرَّض له أحد بسوء، وهو الوليد الذي جاء من دون أب، وكان من الممكن أنْ يتعرّض له ولأمه بعض المتحمسين الغيورين بالإيذاء، لكن شيئاً من ذلك لم يحدث، ومَرَّ الميلاد بسلام عليه وعلى أمه... فعلمت اليهود براءةَ مريم عليها السلام، ولولا كلامه الذي دلَّهم على براءة أمِّه عن الزِّنا، لما تركُوا إقامة الحدِّ عليها، ففي تَرْكِهِمْ لذلك دلالةٌ على أنَّه - صلوات الله عليه - تكلَّم في المَهْدِ.
كما ان المسيح عليه السلام اشار بالسلام عليه يوم يموت .. وكان على اليهود أن تفطن لذلك وكأنه إعلان مُسبق لهم بأنه لن يموت بقتل او إذاء بل بسلام وفي سلام ... فحين ادعى اليهود بانهم قتلوه وصلبوه تناسوا بأنه أعلن وهو في المهد قوله : { وَالسَّلامُ عَلَيَّ ... يَوْمَ أَمُوتُ } [مريم: 33] لأنهم أخذوه ليصلبوه، فنجّاه الله من أيديهم، وألقى شبهه على شخص آخر، ورفعه الله تعالى إلى السماء ، فلم يتمكن منه احد ولم يُصلب وعند نزوله مرة اخرى سيموت في سلام ولن يقتل أو يعتدي عليه أحد ... فكيف صُلب وقتل على الصليب وقد اكد وهو في المهد بأن موته سيكون في سلام ؟
وقوله : { وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً } [مريم: 33] فليس هناك من الرسل مَنْ سيسأل هذه الأسئلة، ويناقش هذه المناقشة التي نُوقِشها عيسى في الدنيا:
{ وَإِذْ قَالَ ٱللَّهُ يٰعِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلتَ لِلنَّاسِ ٱتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَـٰهَيْنِ مِن دُونِ ٱللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِيۤ أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِن كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلاَ أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنتَ عَلاَّمُ ٱلْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلاَّ مَآ أَمَرْتَنِي بِهِ }
[المائدة: 116ـ117].
وليس هذا قَدْحاً في مكانة عيسى عليه السلام؛ لأن ربَّه تبارك وتعالى يعلم أنه ما قال لقومه إلا ما أُمِرَ به، ولكن أراد سبحانه توبيخ القوم الذين اتخذوه وأمه إلهين من دون الله ... فما من نبي او رسول عبدته أمته إلا المسيح عليه السلام ، فوجْه السلام في يوم { أُبْعَثُ حَيّاً } [مريم: 33] أنه نُوقِش في الدنيا وبُرّئتْ ساحته.
لك مني كل تحية واحترام
انتظر ردك أو تعليقك أو الانتقال لنقطة جديدة .
المفضلات