لكن أثناء كلامي كنت أقف وأتردد كثيراً وأتصبب عرقا شديدا وأصاب باضطرب في ضربات قلبي. أتكلم عن المطاعن المحفوظة ضد الإسلام .... وأنا أتكلم أحسست بحقارة نفسي لأول مره فأنهيت كلامي سريعا . وبعد أن أنهيت كلماتي شعرت بضيق في صدري واختناق وتصبب العرق مني بغزارة وضربات قلبي تسرع كالقطار........ جلست بعد المحاضرة وكان عنوانها " كيف ننصر المسلمين " زادت ضربات قلبي وضيق صدري ولم أتحمل بعدها أن أفوه فيها بكلمة واحدة فيها طعن للإسلام فأخبرتهم بإحساسي بالإرهاق وخرجت مسرعاً من القاعة إلى الخارج متوجها إلى منزلي وعيناي تنهمر بالدموع ونداء الأعماق يناديني أليس الأفضل لك أن تترك هذا العمل من أن تعيش هكذا ....!!!! في كذب وضلال . أليس الكذاب لا يدخل الملكوت ....؟؟؟؟ أليس الكذاب لا يدخل الملكوت ...؟؟؟.
اخترقت شوارع أسوان مسرعاً إلى أن وصلت إلى حديقة فريال بأسوان وأثناء دخولي الحديقة بدأت أشعر بأنني قريب من الحق وإذ بي أسمع صوتا وكأنه قادم من السماء إنه القرآن إنها سوره الجن بصوت الشيخ محمد رفعت .....!!!!
قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِّنَ الْجِنِّ فَقَالُوا إِنَّا سَمِعْنَا قُرْآناً عَجَباً{1} يَهْدِي إِلَى الرُّشْدِ فَآمَنَّا بِهِ وَلَن نُّشْرِكَ بِرَبِّنَا أَحَداً{2} وَأَنَّهُ تَعَالَى جَدُّ رَبِّنَا مَا اتَّخَذَ صَاحِبَةً وَلَا وَلَداً{3}[1]
هز مشاعري ووجداني هزاً ، دخل قلبي وطبع فيه وأنا أستمع إلى مقدمة السورة والنداء يأتي لي ويقول يا إبراهيم الجن عرف الرسالة وأنت أنكرت الرسالة....!!! عرف النبوة وأنت تنكر النبوة ....!!!!! عرف الحق وأنت تنكر الحق....!!! عرف القرآن وأنت تنكر القرآن.....!!! الجن آمن وأنت لم تؤمن....!!! الجن إهتدى وأنت مازلت في حيره من أمرك.....!!!! توجهت إلى بيتي والدموع تنهمر من عيني كالأنهار ماذا أفعل ماذا أقرر ما هو القرار الصحيح ما هو الحق دخلت منزلي وإستقبلتني زوجتي وسألتني ماذا حدث ؟؟
قلت لها أرجوك اتركيني وحدي في المكتبة الآن .
دخلت مكتبي مسرعاً وأغلقت الباب علي ووجدت نفسي منهمراً في البكاء . أمسكت القرآن بيدي وأخذت أقلب الآيات تلو الآيات لأقرأ قوله تعالى( الم{1} ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{2}[2] وقوله تعالى {لَوْ أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُّتَصَدِّعاً مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ }[3]
كما وقفت طويلا أتأمل معنى الآيه الكريمه {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ قَالُوَاْ إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لاَ يَسْتَكْبِرُونَ }[4]
وجلست أتأمل قوله تعالى {الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الأُمِّيَّ الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِندَهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ يَأْمُرُهُم بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنكَرِ وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَآئِثَ وَيَضَعُ عَنْهُمْ إِصْرَهُمْ وَالأَغْلاَلَ الَّتِي كَانَتْ عَلَيْهِمْ فَالَّذِينَ آمَنُواْ بِهِ وَعَزَّرُوهُ وَنَصَرُوهُ وَاتَّبَعُواْ النُّورَ الَّذِيَ أُنزِلَ مَعَهُ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ }[5]
وقلبت صفحات القرآن لأصل لقول تعالى {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَـهَ إِلاَّ هُوَ يُحْيِـي وَيُمِيتُ فَآمِنُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ }[6]
وإذا بالله العزيز الحكيم يحسم الأمر بقوله {أَفَلاَ يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً }[7]
ثم يتحدى الله خلقه بقوله {قُل لَّئِنِ اجْتَمَعَتِ الإِنسُ وَالْجِنُّ عَلَى أَن يَأْتُواْ بِمِثْلِ هَـذَا الْقُرْآنِ لاَ يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً }[8]
في هذه الليلة سألتني زوجتي عن سر سهري وعما أقرأ فطلبت إليها أن تتركني وحدي .
في هذه الليلة التي لا أنساها مدى حياتي وبعد دخول كل آية أقرأها قلبي فازددت إيمانا ورسوخا في تلك الليلة إتخذت قراري النهائي [9]
لابد أن أعلن إسلامي .. وإنتظرت زوجتي إلى الصباح وسارعت إليها وقلت لها لقد اتخذت قرارا. فقالت لي ما هو ؟ فقلت قررت أن أعلن إسلامي لكن كانت الصدمة الشديدة على وجهها وصرخت واستغاثت برئيس الإرسالية " مسيو شافتز " وهو سويسري وكان رجل داهية ، وقد سألني عن حقيقة موقفي فأكدت له ما أخبرته به زوجتي فقال لي اعتبر نفسك موقوفا عن العمل حتى نرى حقيقة ما أصابك . فقلت له : بل هذه هى استقالتي من عملي .. حاول أن يقنعني بتأجيلها لكنني صممت فأشاع بين الناس أنني أصبت بالجنون ، وتعرضت وقتها لمحنه شديدة واضطهاد عظيم

[1]- سورة الجن 1-3

[2] - سورة البقرة 1-2

[3] - سورة الحشر21

[4]- سورة المائدة 82

[5]- سورة الأعراف 157

[6] - سورة الأعراف 158

[7] - سورة النساء 82

[8] - سورة الإسراء 88

[9] - رجال ونساء اسلموا عرفات كامل العيشي ج4 ص 80- 83
يتبع