حتى إذا تكاملت عدة أهل الأرض من إنسها وجنها وشياطينها ووحوشها وسباعها وأنعامها وهوامها , واستووا جميعا في موقف العرض والحساب , تناثرت نجوم السماء من فوقهم , وطمست الشمس والقمر , وأظلمت الأرض بخمود سراجها واطفاء نورها , فبينا أنت والخلائق على ذلك إذ صارت السماء الدنيا من فوقهم , فدارت بعظمها من فوق رؤوسهم , وذلك بعينك تنظر الى هول ذلك , ثم انشقت بغلظها خمسمائة عام , فياهول صوت انشقاقها في سمعك , ثم تمزقت وانفطرت بعظيم هول يوم القيامة , والملائكة قيام على أرجائها , وهي حافات ما يتشقق ويتفطر , فما ظنك بهول تنشق فيه السماء بعظمها , فأذابها ربها حتى صارت كالفضة المذابة تخالطها صفرة لفزع يوم القيامة , كما قال الجليل الكبير : فصارت
﴿ وردةً كالدهان , و , ﴿يوم تكون السماء كالمهل * وتكون الجبال كالعهن
فبينا ملائكة السماء الدنيا على حافتها إذ انحدروا محشورين الى الأرض للعرض والحساب , وانحدروا من حافتيها بعظم أجسامهم وأخطارهم وعلو أصواتهم بتقديس الملك الأعلى الذي أنزلهم محشورين الى الأرض بالذلة والمسكنة للعرض عليه والسؤال بين يديه .


فتوهم تحدرهم من السحاب بعظيم أخطارهم , وكبير أجسامهم , وهول أصواتهم , وشدة فرقهم , منكسين لذل العرض على الله عز وجل .

قال العراقي في تخريج الإحياء حدثني يحيى بن غيلان قال : حدثنا رشدين بن سعيد عن بن عباس ابن ميمون اللخمى عن أبي قبيل عن عبد الله بن عمرو بن العاص عن النبي أنه قال : (( لله عز وجل ملك ما بين شفرى عينيه مائة عام ))

فيا فزعك وقد فزع الخلائق مخافة أن يكونوا أمروا بهم , ومسألتهم إياهم : أفيكم ربنا ؟ ففزع الملائكة من سؤالهم إجلالا لمليكهم أن يكون فيهم , فنادوا بأصواتهم تنزيها لما توهمه أهل الأرض : سبحانه ربنا ليس هو بيننا ولكنه آت من بعد , حتى أخذوا مصافهم محدقين بالخلائق منكسين رؤوسهم لذل يومهم .

يتبع >>>