‏"بل حكمهما وحكم سائر الكتب من العهد‎ ‎العتيق أنّ كل رواية من رواياتها إن صدَّقها القرآن فهي مقبولة يقيناً، ‏
وإن كذّبها‎ ‎القرآن فهي مردودة يقيناً، وإن كان القرآن ساكتاً عن التصديق والتكذيب فنسكت عنه‎ ‎فلا نصدق ‏
ولا نكذب،" وهذا المعيار وحده لا يكفي لكون اتّهامكم علميّاً وموضوعيّاً.‏

وما أتيتَ على ذكره من تلك المصادر المسيحيّة، لايدعم حجّتك، بمقدار ما يدعم الحجّة ‏
المعاكسة. لأنّ تلك الدراسات كانت لدعم الكتاب المقدّس، ولم تكن لتهدمه. فقد سمحت ‏
الكنيسة للقيام بتلك الدراسات حرصاً منها لإزالة الشكوك من بعض رؤوس العلماء والمفكّرين. ‏
ولم تكن أبداً من أجل ما تدّعون أنتم الحرص عليه.‏

بل إنّ ما تنتقونه منها، لا يصبّ أبداً في مصلحة التهمة التي توجّهونها إلى الكتاب المقدّس. بل
‏ يسيء إليكم بأنّكم بعيدون عن البحث العلميّ، وبأنّكم لا تجيدونه وفق قواعده التي نتعارف ‏
عليها اليوم.‏

‏4ً – يا عزيزي خوليو5، أنتم لم تسمحوا، شرعيّاً، حتّى الآن بترجمة القرآن من اللغة العربيّة،
‏ خوفاً من تحريفه، وخوفاً من فقدانه رونقه الأدبيّ، الذي لايستطيع أحد أن يفقهه إلاّ بعد إتقانه ‏
اللغة العربيّة. وأمّا المحاولات التي يقوم بها بعضهم فهي محاولات فرديّة، وتبقى محاولات ليس إلاّ.‏

فهل تجرؤون على الإقدام على، مثلما سمحت به الكنيسة في الكتب المقدّسة، إجراء دراسات ‏
حول تلك الأنواع من الدراسات النقديّة والأدبيّة على القرآن الكريم؟

وأنا أجيبك: لا! إنّكم لا تسمحون بالقيام بذلك. بل وتكفّرون مَن يقوم بها، وتنعتونه بأنّه يمسّ ‏
كلام الله، وينجّسه ويدنّسه، وتهدرون دمه، وتجعلونه زنديقاً.‏

فهل دراسات الإنسان تنجّس كلام الله؟ أفكلام الله هشّ إلى هذه الدرجة، حتّى يتنجّس من أفكار ‏
البشر؟ ألا يستطيع الله أن يحفظه من ذلك الدنس؟‏

‏5ً – يا خوليو5، يقول أيضاً صاحبك فخر الدين الرازي الذي اعتمدت على رأيه: "لأن القول ‏
بالأب والابن‎ ‎والتثليث أفجع أنواع الكفر وأفحش أقسام الجهل، ومثل هذا لا يليق بأجهل الناس فضلاً‏‎ ‎عن ‏
الرسول المعظم المعصوم، فعلمنا أنه ما كانت دعوته ألبتة إلى هذا الدين الخبيث،‎ ‎وإنما كانت دعوته إلى التوحيد
‏ والتنزيه، ثم إن تلك الدعوة ما ظهرت ألبتة، بل بقيت‏‎ ‎مطوية غير مروية". هذا المعيار الذي يخالف القرآن،
‏ هو ما تتبنونه في انتقاداتكم. فحيث إن القول بالتثليث ينقده القرآن، تقومون أنتم على نقده.‏

ولكن ماذا لو كنتم تفهمون أقوال القرآن فهماً خاطئاً؟ وهل تجرؤون على القول إنّكم تدعون ‏أيضاً لا تخطئون في فهم القرآن، أو في طريقة تفسيره؟ وهل تفسيره معصوم أيضاً؟ وهل تطال ‏العصمة مفسّري القرآن الكريم، بالقدر نفسه الذي تطال فيه الرسول؟ فإذا كان الرسول معصوماً ‏في لحظة نقله الوحي والإهام، فهل من الضروريّ أن يكون المفسّرون معصومين كما الرسول؟

وأنا هنا لأقول لك: إنّ القرآن يكفّر القائلين بالتثليث، وهذا قول صحيح. لا بل أنا أؤيّده.‏

ولكن أي تثليث يكفره القرآن الكريم؟ والجواب هو واضح: "وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم ‏
أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله؟" (المائدة 116). فالتثليث الذي يرذله القرآن ‏
قائم على الثلاثة : الله، عيسى، مريم.‏

وهذا التثليث أيضاً لا نؤمن به نحن المسيحيّين. بل ونكفره، وقد اعتبرت الكنيسة أنّ المريمانيّين، ‏
وهم القائلون بهذا التثليث هم هراطقة. ورفضت انتماءهم إلى المسيحيّة. فلماذا تنسب إلينا ما‏
‏ ننكره ونرفضه؟‏

إنّما نحن نؤمن بإله واحد. ولا نؤمن بثلاثة آلهة.‏