

-
إنجيل برنابا
كثيراً ما يتردد على الألسنة ذكر هذا الإنجيل المثير، والذي ينسب لأحد أخص تلاميذ المسيح، وهو برنابا.
وهذا الإنجيل يخالف سائر الأناجيل الأربعة في أمور جوهرية، منها نقضه لدعوى ألوهية المسيح، وتأكيده نجاة المسيح من الصلب، وتنديده ببولس، ورفضه لتبشيره، وكذا تصريحه ببشارة عيسى عليه السلام بالنبي محمد صلى الله عليه وسلم في مرات عديدة.
من هو برنابا ؟
برنابا هو أحد حواريي المسيح، واسمه يوسف بن لاوي بن إبراهيم، يهودي من سبط لاوي من قبرص، باع حقله وجاء ووضعه عند أرجل تلاميذ المسيح. ( انظر أعمال 4/36 – 37 )، عرف بصلاحه وتقواه، ويسميه سفر الأعمال " يوسف الذي دعي من الرسل برنابا " ( أعمال 4/36 ).
ولما ادعى بولس أنه رأى المسيح وعاد إلى أورشليم يتقرب إلى التلاميذ تولى برنابا تقديمه إلى التلاميذ
( انظر أعمال 9/27 )، وقد ذهب برنابا للدعوة في أنطاكية وكان داعية ناجحاً "ووعظ الجميع أن يثبتوا في الرب بعزم القلب، لأنه كان رجلاً صالحاً وممتلئاً في الروح القدس والإيمان، فانضم إلى الرب جمع غفير "
( أعمال 11/22 – 24 ).
ثم خرج إلى طرسوس ودعا فيها مع شاول ( بولس ) سنة كاملة. (انظر أعمال 11/25 - 26)، ثم تشاجر مع بولس وافترقا. (انظر أعمال 15/29 ) وبعد هذا الشجار اختفى ذكر برنابا من العهد الجديد.
وذكر المؤرخون أن وفاته كانت سنة 61م في قبرص، حيث قتله الوثنيون رجماً بالحجارة ودفنه ابن أخته مرقس الإنجيلي.
ثبوت وجود رسائل وإنجيل منسوب لبرنابا
وتنسب المصادر التاريخية إلى برنابا إنجيلاً ورسالة وكتاباً عن رحلات وتعاليم الرسل، وقد عثر العالم الألماني تشندروف ( 1859 م ) على رسالة برنابا ضمن المخطوطة السينائية التي عثر عليها، مما يشير إلى اعتبارها رسالة مقدسة فترة من الزمن.
لكن أياً من رسائله وكتاباته لم تعتبر مقدسة، وهنا نعجب كيف اعتبرت رسائل بولس ولوقا اللذين لم يريا المسيح؟ ولم تعتبر أقوال برنابا الذي سبقهم بالإيمان وبصحبة المسيح !!
وقد صدر عام 366م أمر من البابا دماسس بعدم مطالعة إنجيل برنابا، ومثله مجلس الكنائس الغربية عام 382م، كما صدر مثله عن البابا أنوسنت 465م، كما وقد حرّم البابا جلاسيوس الأول عام 492م مطالعة بعض الأناجيل، فكان منها إنجيل برنابا.
العثور على نسخة من إنجيل برنابا
واختفى ذكر إنجيل برنابا قروناً طويلة حتى عثر الراهب الإيطالي فرامينو في أواخر القرن السادس عشر على نسخة منه في مكتبة البابا سكتس الخامس في الفاتيكان، فأخفاها، وخرج بها ثم أسلم، وانقطع ذكر هذه النسخة.
وفي عام 1709م عثر كريمر أحد مستشاري ملك روسيا على النسخة الوحيدة الموجودة اليوم من إنجيل برنابا والتي استقرت عام 1738م في البلاط الملكي في فيينا، وتقع في 225 صحيفة سميكة مجلة بصحيفتين ومكتوبة بالإيطالية.
وقد ترجمت إلى العربية في مطلع هذا القرن على يد الأستاذ خليل سعادة، وقدم للترجمة بمقدمة نستعين بها في معرفة أصول هذه النسخة، وقد ذكر وجود ترجمة أسبانية تناقلها عدد من المستشرقين في أوائل القرن الثامن عشر، وانتهت إلى يد الدكتور هوايت الذي ذكر بأنها مترجمة عن نسخة البلاط الملكي الإيطالية، وأن مترجمها للأسبانية مسلم يدعى مصطفى العرندي، واختفت هذه النسخة المترجمة عند الدكتور هوايت.
فمن هو كاتب نسخة البلاط الملكي الوحيدة ؟ ومن هو كاتب الإنجيل ؟
وصف المخطوطة الوحيدة لإنجيل برنابا
أما بخصوص النسخة الوحيدة فإنها كما يصفها خليل سعادة مجلدة بصحيفتين عليهما نقوش ذهبية..ويرى المحققون أن ناسخ هذه المخطوطة من أهالي البندقية في القرن 15 - 16 أو أوائل القرن السابع عشر، وأنه أخذها من نسخة توسكانية أو بلغة البندقية، وتطرقت إليها اصطلاحات توسكانية.
ويذهب الكاتبان " لو تسدال " و " لو راواغ " إلى أن النسخ تم عام 1575م تقريباً، وأنه من المحتمل أن يكون الناسخ فرامينو الراهب.
ويوجد على هوامش النسخة ألفاظ وجمل عربية، بعضها صحيح العبارة، وبعضها ركيك لا يتصور سعادة أن " يفعله كاتب عربي تحت الشمس ".
ويرجح سعادة أن الكاتب لهذه الهوامش واحد، وأنه عربي، وأن الناسخ بدل وغيّر في النسخة، فنتج هذا الاضطراب في العبارات العربية، ويجزم سعادة أن هذه النسخة نسخة منقولة عن أصل آخر لها.
موقف المسلمين من إنجيل برنابا وعلاقتهم بتأليفه
وبخصوص كاتب الإنجيل، أراد النصارى إلصاق هذا الإنجيل بالمسلمين، من غير أن يكون لديهم دليل واحد يثبت ذلك، أو يحدد اسم هذا المسلم الألمعي العارف باليهودية وكتبها.
وبعد قراءة سعادة للإنجيل رجح - من غير أن يقدم أدلة شافية - أن كاتبه " يهودي أندلسي اعتنق الدين الإسلامي بعد تنصره واطلاعه على أناجيل النصارى، وعندي (أي سعادة) أن هذا الحل هو أقرب إلى الصواب من غيره ".
واستند في زعمه إلى أمور :
1) أن للكاتب إلماماً عجيباً بأسفار العهد القديم " لاتكاد تجد له مثيلاً بين طوائف النصارى إلا في أفراد قليلين من الأخصائيين... والمعروف أن كثيرين من يهود الأندلس كانوا يضلعون بالعربية .. فيكون مثلهم في الإطلاع على القرآن والأحاديث النبوية ".
2) أن الإنجيل يؤكد على أهمية الختان وغيره من الأحكام التوراتية، وفيه من الكلام الجارح ما يستحيل صدوره من نصراني، كما يتضمن تقاليد تلمودية يتعذر على غير اليهودي معرفتها.
ويتضمن أيضاً أساطير وقصص عربية مما يتناقله العامة في البيئة العربية، فدل ذلك على أنه يعيش في البيئة العربية.
3) أن هذا الإنجيل يوافق القرآن والسنة في مواضع عدة أهمها إنكار ألوهية المسيح أو أنه ابن الله، وإنكار صلب المسيح، والقول بصلب يهوذا، وكذا يصرح الإنجيل، كما يؤكد على أن الذبيح إسماعيل لا إسحاق، ويذكر أن محمداً رسول الله هو المسيّا المنتظر في أكثر من موضع.
4) أن هذا الإنجيل يباين الأناجيل الأربعة بما فيه من أدب راقٍ ومسائل فلسفية وعلمية.
واستدل لذلك بما في الإنجيل من مباحث فلسفية تشبه فلسفة أرسطو طاليس التي كانت شائعة في القرون الوسطى، كما يحوي الإنجيل تشبيهات واستعارات أدبية تشبه ما نقل عن الشاعر دانتي في العصور الوسطى.
والنتيجة: أن النصارى لا يعترفون بصحة نسبة الإنجيل لبرنابا، ويؤكدون أنه منحول، وأن كاتبه مسلم في القرون الوسطى.
وقد صدرت في ذلك كتابات نصرانية أكدت أن الإنجيل مزور مستدلة بما سبق وبأمور أخرى أقل أهمية مثل مخالفة الإنجيل لبعض حقائق الجغرافيا والتاريخ، وأيضاً أنه حوى أموراً تكذبه بها الأناجيل الأربعة ومنها قوله: " أن الله اعتبر الكذب في سبيل الحمد فضيلة " ( برنابا 161/60 )، ومنها أن قوله بصلب يهوذا بدلاً عن المسيح فكرة غير ناضجة، لأن الله لو أراد إنقاذ المسيح لأنقذه بمعجزة، وليس عن طريق الغش والخداع الذي يلجأ إليه الضعفاء.
موقف علماء الإسلام من إنجيل برنابا
على الرغم من موافقة إنجيل برنابا لمعتقدات المسلمين في الجملة، فإن أحداً من المسلمين لا يعتبره الإنجيل الذي أنزله الله على المسيح..
ولم يلجأ المسلمون إلى الاستشهاد بهذا الإنجيل إلا نادراً، وكان استشهادهم به أقرب إلى الاستئناس منه إلى الاستدلال، فالمسلمون لا يرون في هذا الإنجيل إنجيل المسيح، لكنه أقرب إلى طبيعة دعوة المسيح وتلاميذه من سائر الأناجيل.
ورفض المسلمون نسبة هذا الإنجيل إلى المسلمين، فلقد وُجد في بيئة مسيحية صرفة كما سبق بيانه، وقد سبق ذكره قبل الإسلام بقرون عدة، مما يدل على براءة المسلمين منه.
وأما التعليقات العربية الموجود على نسخته الإيطالية فهي من عمل الناسخ عن الأصل أو قارئ للنسخة لا يجيد العربية، ولعله فرامينو الراهب الذي أسلم، وتكون حينذاك هذه النسخة هي التي عثر عليها في مكتبة البابا.
ثم من ذا المسلم الذي سيؤلف هذا الإنجيل، ولا يستشهد به هو ولا من بعده في مناظرة النصارى؟ وكيف له أن يوصله إلى مكتبة البابا بالفاتيكان؟ فجهل المسلمين به وعدم استشهادهم به دليل براءتهم منه.
وأما تصريحه باسم النبي محمد صلى الله عليه وسلم واعتباره دليلاً على أنه من وضع المسلمين، وأن المؤلف المنتحل - كما يقول سعادة – "بالغ وجاوز في الغرض، ولو أشار من غير تصريح باسم النبي لكان ذلك أبلغ".
فهذا نراه دليلاً على صحة نسبة الإنجيل وبراءة المسلمين منه، إذ لا يمكن أن يفوت كاتب الإنجيل - وهو الذي يصفه سعادة بالذكاء البارع - مثل هذا الأمر، فلو كان منتحلاً لأشار للنبي ولم يصرح باسمه، فتصريح صاحب الإنجيل باسمه عليه الصلاة والسلام مع ذكائه وبراعته دليل أصالته.
وأما تكذيب الإنجيل لألوهية المسيح، وتشنيعه الشديد على من ترك الختان فهو دليل على نصرانية كاتبه لا يهوديته، إذ ترك الختان ليس من دين المسيح، بل هو من تغيير بولس بعد المسيح، ومثله القول بألوهية المسيح.
وقد كتب برنابا إنجيله ليكشف ما صنعه بولس كما جاء في مقدمته " إن الله العظيم العجيب قد افتقدنا في هذه الأيام الأخيرة بنبيه يسوع المسيح برحمة عظيمة للتعليم والآيات التي اتخذها الشيطان ذريعة لتضليل كثيرين بدعوى التقوى، مبشرين بتعليم شديد الكفر، داعين المسيح ابن الله، ورافضين الختان الذي أمر الله به دائماً مجوزين كل لحم نجس، الذين ضل في عدادهم أيضاً بولس الذي لا أتكلم معه إلا مع الأسى، وهو السبب الذي لأجله أسطر ذلك الحق الذي رأيته..." (برنابا: مقدمة /2 - 8 ).
مخالفة الإنجيل لمعتقدات المسلمين
ومما يدل على براءة المسلمين من هذا الإنجيل اختلافه في طريقة صياغته وأسلوبه عن طريقة العرب وأسلوبهم، فليس في المسلمين من يذكر الله ولا يثني عليه. أو يذكر الأنبياء ولا يصلي عليهم.
كما يخالف إنجيل برنابا المعتقدات الإسلامية في مسائل منها قوله بأن الجحيم للخطاة السبعة: المتكبر والحسود والطماع والزاني والكسلان والنَهِم والغضِب المستشيط، ( انظر برنابا 135/4 - 44 ) وقد ترك ذنوباً أكبر كالشرك والقتل، كما أن الكسِل والنهِم لا يستحقان النار.
ومثله قوله: " دعوا الخوف للذي لم يقطع غرلته، لأنه محروم من الفردوس " ( برنابا 23/17 )، فمثل هذا لا يوافقه عليه مسلم.
ومثله تسمية الله " العجيب " ( برنابا 216/3 )، وهو ليس من أسماء الله الحسنى، وأسماء الله عند المسلمين توقيفية، لا يجوز لأحد أن يزيد عليها.
وكذا قوله عن الله: " إن الله روح " ( برنابا 82/6 ) والأرواح عندنا مخلوقة.
ويتحدث عن الله، فيصفه أنه " المبارَك " ( برنابا 71/16 )، ولا يمكن لمسلم أن يقول عن الله ذلك، إذ هو الذي يبارِك، ومن ذا الذي يبارك الله جل وعلا !!! فتبارك الله أحسن الخالقين.
ومما يرد أيضاً انتحال مسلم لإنجيل برنابا قوله: " أقول لكم إذاً: إن السماوات تسع " ( برنابا 105/3)، ولا يقول بهذا مسلم قرأ القرآن.
وأيضاً يذكر برنابا تسميات للملائكة لم يقل بها المسلمون، وفي ذلك ذكر اسم رفائيل وأوريل في قوله: " أمر جبريل وميخائيل وأوريل سفراءه أن يأخذوا يسوع من العالم … فجاء الملائكة الأطهار "(برنابا215/4-5 )
ثم قد ورد اسم الرسول " محمد " خمس عشرة مرة في إنجيل برنابا، ولم يرد اسمه " أحمد " مرة واحدة، ولو كان الكاتب مسلماً لعمد إلى كتابته - ولو مرة واحدة ليحقق التوافق الحرفي مع ما جاء في سورة الصف { ومبشراً برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد } (الصف: 6).
ثم لو كان كاتبه مسلماً لكتب معجزة كلام المسيح في المهد التي ذكرها القرآن وأغفلتها الأناجيل، وغير ذلك من المسائل التي تثور في وجه من يقول بانتحال مسلم لهذا الإنجيل.
وحين يدفع المسلمون القول بأن إنجيل برنابا منحول، ليس لجزمهم بصحة نسبة الإنجيل إلى برنابا، بل لجزمهم بأن هذا الإنجيل لا يقل حاله بحال من الأحوال عن سائر أسفار العهد القديم والجديد.
ويوافق المسلمون النصارى في اعتراضهم على هذا الإنجيل، ودعواهم بأنه لم يصل بطريق موثق، وأنه لا يعلم أصله، لكن الحال الذي ينكرونه في إنجيل برنابا هو حال كل صحيفة من صحائف الكتاب المقدس.
بل إن لإنجيل برنابا مزية على سائر الأناجيل، فقد صرح فيه الكاتب أنه برنابا، ويقول عن نفسه في سائر صفحات الإنجيل: فقال لي برنابا، وقلت للمسيح....، بينما لا تجد مثله في سائر الأناجيل ( انظر متى 9/9 ) و( يوحنا 21/24 ).
وأما عن أخطاء الإنجيل التاريخية أو ذكره تسمية "جبل طابور" ( برنابا 42/20 ) وهي تسمية غير معهودة أيام المسيح، فهذا لا يختلف أبداً عن ذكر حبرون في عهد موسى، وقد سميت بعده ( انظر التكوين 13/18 ).
ولعل هذه التسمية الجديدة - إن صحت جدتها - من عمل الناسخ وتدخله في النص.
ثم إن أسلوب الكاتب ومعلومات الإنجيل يؤكدان بأن الكاتب ضليع في علوم الكتاب المقدس، متصف بعمق واسع يليق ببرنابا داعية النصرانية في الجيل الأول، فليس بمستغرب أن يكون قد كتب إنجيلاً، ومنع قراءته دليل وجوده بل واشتهاره.
وأما مخالفة الإنجيل للحقائق التاريخية فلكونه عملاً بشرياً، ولا حرج في ذلك، إذ أن النصارى ينسبون مثل هذه المخالفات إلى أسفار الوحي.
وقول برنابا: " الكذب فضيلة " لا يختلف كثيراً عن قول بولس عن نفسه بأنه روماني كذباً (انظر أعمال 23/25)، ثم قوله: " فإنه إن كان صدق الله قد ازداد بكذبي لمجده " ( رومية 3/7 )، فصدور هذا الاعتراض من النصارى لا يقبل.
وأما التشابه بين أقوال الشاعر دانتي وإنجيل برنابا فهو لا يعني جزماً بأن كاتب الإنجيل كان بعد دانتي، بل قد يكون دانتي هو المستفيد من برنابا.
ثم إن التشابه لا يعني بالضرورة نقل اللاحق عن السابق دائماً، وإلا لزم أن نقول بأن أسفار التوارة التشريعية منقولة عن قوانين حمورابي للتشابه الكبير بينهما.
وأخيراً، فإنه لو كان كاتب الإنجيل في العصور الوسطى لما وقع بتلك الأخطاء في الإحالة إلى أسفار التوارة، ولكان أيضاً قد اهتم بالتنديد بالأناجيل الأخرى، ولكنه لم يصنع لسبب بسيط، وهو أنه كتب إنجيله قبل انتشار هذه الأناجيل.
ولو كان الإنجيل منحولاً لندد مؤلفه بالتثليث وكتب في إبطاله، لكنه لم يتحدث عنه، فدل ذلك على أن زمن الكتابة سابق على دعوى التثليث التي ظهرت في القرن الميلادي الرابع.
وهكذا نرى أن إنجيل برنابا لا يختلف من ناحية الإسناد كثيراً عن الأناجيل الأربعة، لكنه الإنجيل الوحيد الذي صرح فيه كاتبه باسمه وبأنه شاهد لما يكتب، وأما متنه فكان أكثر اتساقاً من جميع الأناجيل، متميزاً بترابطه وجمال أسلوبه ومعرفته الكبيرة بالعهد القديم وأسفاره، وهو ما يليق حقاً بداعية النصرانية في الصدر الأول : برنابا.
وقد كانت مضامين هذا الإنجيل متفقة إلى حد بعيد مع ما يعهد في رسالات الله إلى أنبيائه، وحُقَّ لتولاند 1718م في كتابه " الناصري " أن يقول عند ظهور هذا الإنجيل : " أقول على النصرانية السلام ". وكذا قوله: " إن مد النصرانية قد وقف من ذلك اليوم.. إن المسيحية ستتلاشى تدريجياً حتى تنمحي من الوجود ".
-
أغلاط الأناجيل
وكأي جهد بشري معرض للخطأ، فإن الأناجيل كذلك تمتلئ بالأغلاط التي يكذبها التاريخ والواقع، وثبوت الغلط في الكتاب يحيل قداسته، ويحيل دعوى إلهامه إلى سراب.
والأغلاط في الأناجيل كثيرة، وهي على أنواع فمنها ما تشهد عليه الأسفار المقدسة بالخطأ أو الكذب، ومنها ما يشهد عليه العقل، ومنها ما يشهد عليه التاريخ والواقع.
الأغلاط بشهادة الكتب المقدسة
أين هذه النصوص من تعظيم الله ورسله!
يتحدث سفر الرؤيا، رؤيا يوحنا اللاهوتي عن رؤيته للأقنوم الثاني لله، أي الله الابن، وهو جالس على عرشه على صورة خروف له سبعة قرون وسبع أعين، تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، يقول يوحنا: " ورأيت فإذا في وسط العرش والحيوانات الأربعة، وفي وسط الشيوخ خروف قائم، كأنه مذبوح له، سبعة قرون وسبع أعين، هي سبعة أرواح الله المرسلة إلى كل الأرض" (الرؤيا 5/6-8).
ويمضي النص فيقول متحدثاً عن القائمين أمامه: " هم أمام عرش الله، ويخدمونه نهاراً وليلاً في هيكله، والجالس على العرش يحل فوقهم. لن يجوعوا بعد ولن يعطشوا بعد، ولا تقع عليهم الشمس ولا شيء من الحرّ، لأن الخروف الذي في وسط العرش يرعاهم، ويقتادهم إلى ينابيع ماء حيّة، ويمسح الله كل دمعة من عيونهم..." (الرؤيا 7/15-18).
ويفصح النص عن ماهية الجالس على العرش على صورة الخروف، إنه الله الابن، الأقنوم الثاني للإله الواحد المتعدد الأقانيم، فيقول: "هؤلاء سيحاربون الخروف، والخروف يغلبهم، لأنه رب الأرباب وملك الملوك، والذين معه مدعوون ومختارون ومؤمنون" (الرؤيا 17/14).
ويمضي نص يوحنا ليذكر أن الجموع التي كانت أمام العرش كانت تصرخ بخلاص الله والخروف "الأمم والقبائل والشعوب والألسنة واقفون أمام العرش وأمام الخروف ومتسربلين بثياب بيض، وفي أيديهم سعف النخل، وهم يصرخون بصوت عظيم قائلين: الخلاص لإلهنا الجالس على العرش وللخروف. وجميع الملائكة كانوا واقفين حول العرش والشيوخ والحيوانات الأربعة وخرّوا أمام العرش على وجوههم وسجدوا للّه قائلين: آمين " (الرؤيا 7/9-12)، فهل الرب محتاج للخلاص؟ وممن ؟ ومن الذي سيخلصه؟ أولا توجد طريقة أفضل للرمز على الإله المعبود؟
ويتحدث العهد الجديد عن جهالة لله وضعف، ولكن جهالته أكثر حكمة من الناس، وكذا ضعفه أقوى من الناس، وذلك في قول بولس: "لأن جهالة الله أحكم من الناس، وضعف الله أقوى من الناس" (كورنثوس (1) 1/25).
ولا يقبل بحال أن يقال عن الله العظيم أن له ضعفاً أو جهالة، بل هو القوي العزيز الحكيم العليم.
ويتحدث بولس عن سلطان للروح على الله وقدرة على معرفة غيوبه ومكنوناته، فيقول: "لأن الروح يفحص كل شيء حتى أعماق الله" (كورنثوس (1) 2/10).
و ينال بولس من ناموس الله وكتابه وشريعته، ويحتقره ويصفه بالعتق والشيخوخة، ومثل هذا الموقف لا يكون في كتب الله وما يوحيه إلى الأنبياء والرسل الذين تأتي دعوتهم لتؤكد على تعظيم كتبه ووحيه، يقول بولس: " فإنه يصير إبطال الوصية السابقة ( التوراة وشرائعها) من أجل ضعفها وعدم نفعها، إذ الناموس لم يكمل شيئاً، ولكن يصير إدخال رجاء أفضل به نقترب إلى الله " (عبرانيين 7/18 - 19 ).
ويقول عن التوراة التي أنزلها الله على موسى : " وأما ما عتق وشاخ فهو قريب من الاضمحلال " ( عبرانيين 8/13 ).
ويقول: " فإنه لو كان ذلك الأول بلا عيب لما طُلب موضع لثانٍ" ( عبرانيين 8/7 ).
هذا ما يقوله بولس عن ناموس الله الذي تصفه المزامير فتقول: "ناموس الرب كامل يرد النفس، شهادات الرب صادقة تصيّر الجاهل حكيماً، وصايا الرب مستقيمة تفرّح القلب، أمر الرب طاهر ينير العينين"
(المزمور 19/7-8).
وينسب العهد الجديد إلى المسيح سباب إخوانه من الأنبياء وتشبيههم باللصوص والسراق، واتهامهم بعدم الحرص على هداية أقوامهم، فيقول يوحنا: " قال لهم يسوع أيضاً: الحق الحق أقول لكم: إني أنا باب الخراف. جميع الذين أتوا قبلي هم سراق ولصوص. ولكن الخراف لم تسمع لهم... السارق لا يأتي إلا ليسرق ويذبح ويهلك.
وأما أنا فقد أتيت لتكون لهم حياة، وليكون لهم أفضل. أنا هو الراعي الصالح. والراعي الصالح يبذل نفسه عن الخراف. وأما الذي هو أجير وليس راعياً الذي ليست الخراف له، فيرى الذئب مقبلاً ويترك الخراف ويهرب، فيخطف الذئب الخراف ويبددها" (يوحنا 10/7-12).
ومن المحال أن يسطر الله في وحيه مثل هذه الإساءات لمقامه العظيم، وكذا لكتبه ورسله.
ضياع نقط بل حروف من الناموس
ينسب الإنجيليون في محاولة منهم لتوثيق العهد القديم، ينسبون إلى المسيح أنه قال : "ولكن زوال السماء والأرض أيسر من أن تسقط نقطة واحدة من الناموس" (لوقا 16/17)، وفي متى أن قال: " فإني الحق أقول لكم: إلى أن تزول السماء والأرض لا يزول حرف واحد أو نقطة واحدة من الناموس حتى يكون الكل" (متى 5/18)، فهل كان هذا الكلام حقاً أم ضاعت كلمات، بل سطور وأسفار كاملة، فيما لم تزل السماوات والأرض.
وقد ذكرت أمثلة كثيرة لتلك المفقودات في الحلقة الأولى من هذه السلسلة، سلسلة الهدى والنور، وأكتفي هنا بعرض ثلاث نماذج فقط، تاركاً للقارئ الكريم أن ينظر في تحقق هذا النص، طالباً منه أن يرى في عدم تحققه دليلاً على أنه ليس من كلام الله ووحيه أو قول المسيح نبيه ، بل هو بعض إضافات كتبها أولئك الكُتاب، ونسبوها زوراً وبهتاناً لوحي الله.
فمن شواهد النقص وضياع النقط والحروف من الكتاب ما جاء في سفر الأيام "وبنو عزرة يثر ومرد وعافر ويالون ******، وحبلت بمريم وشماي ويشبح أبي اشتموع" (الأيام (1) 4/17)، ولم يذكر السفر بقية أبناء عزرة، ولا تلك التي حبلت بمريم وأخواتها، واكتفى طابعو الكتاب بوضع خمسة نجوم للتنبيه على وجود سقط في النص. ولرؤية المزيد من نجوم الكتاب المقدس انظر (الأيام (2) 36/23)، و(عزرا 1/3)،
و(عزرا 6/5-6)، و(صموئيل (2) 5/8)، و(حزقيال 22/43)، و(الملوك (2) 5/6)، (زكريا 6/15)، وغيرها مما يطول المقام بذكره.
ويمتد السقط والضياع في الكتاب ليشمل أسفاراً تحوي الآلاف من النقاط والحروف، كسفر حروب الرب المذكور في سفر العدد، حيث يقول: "لذلك يقال في كتاب حروب الرب واهب في سوفة وأودية أرنون" ( العدد 21/4 )، وهو سفر مفقود.
وكذا فقدت آلاف الحروف والنقاط المكونة لسفر أخبار النبي ناثان النبي وسفر أخبار أخيا الشيلوني الضائع وسفر رؤى يعدو، وقد ذكروا في سفر الأيام، في قوله: " هي مكتوبة في أخبار ناثان النبي وفي نبوّة أخيا الشيلوني وفي رؤى يعدو الرائي " (الأيام (2) 9/29 ).
ولرؤية المزيد من الأسفار المفقودة انظر ( يشوع 10/13 )، و(صموئيل (2) 1/18)، و( الأيام (1) 29/29)، و(الأيام (2) 12/15)، و(الملوك (1) 4/32 - 13)، وغيرها مما يطول المقام بذكره.
وهذه الشهادات جميعاً تشهد بضياع كلمات وحروف من الناموس، فيما تشهد السماوات والأرض وبقاؤهما ببراءة المسيح مما نسبه إليه الإنجيليون من الغلط والوعد الكاذب في هذا النص.
زكريا المقتول هو ابن يهوياداع وليس ابن برخيا
فمن الأغلاط التي تشهد لها الأسفار المقدسة عند النصارى بالخطأ ما جاء في متى في قوله أن المسيح قال:
" كل دم زكي سفك على الأرض من دم هابيل الصديق إلى دم زكريا بن برخيا الذي قتلتموه بين الهيكل والمذبح " ( متى 23/35 ).
وقد غلط متى، إذ المقتول بين الهيكل والمذبح هو زكريا بن يهوياداع، فقد جاء في سفر الأيام " ولبس روح الله زكريا بن يهوياداع الكاهن فوقف فوق الشعب.. ففتنوا عليه، ورجموه بحجارة بأمر الملك في دار بيت الرب " ( الأيام (2) 24/20 - 21 ).
وأما زكريا بن برخيا فهو آخر عاش أيام سبي بابل، وهو من الأنبياء الصغار، وينسب له السفر الذي في التوراة، ويقول عنه قاموس الكتاب المقدس " ويذكر التقليد اليهودي أن زكريا هذا طالت أيامه، وعاش في بلاده، ودفن بجانب حجي الذي كان زميلاً له ".
كما يجدر أن ننبه هنا إلى أن لوقا قد نقل قول المسيح الذي ذكره متى، ولكنه لم يخطئ كما أخطأ متى، فقد قال: " من دم هابيل إلى دم زكريا الذي أهلك بين المذبح والبيت " ( لوقا 11/51).
إحالة متى الخاطئة إلى سفر إرمياء
وفي نبوءة أوردها متى أخطأ وهو ينقل عن التوراة، يقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم ورد الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ.. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف.. فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا : لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم، فتشاوروا، واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء.. حينئذ تم ما قيل بإرميا النبي : وأخذوا الثلاثين من الفضة ثمن المثمن الذي ثمنوه من بني إسرائيل، وأعطوها عن حقل الفخاري كما أمرني الرب " (متى 27/3 - 10 ).
فإحالته إلى سفر إرميا غير صحيحة، إذ لا يوجد شيء من ذلك في إرميا، والصحيح أنه في سفر زكريا : " فقال لي الرب : ألقها إلى الفخاري الثمن الكريم الذي ثمنوني به، فأخذت الثلاثين من الفضة، وألقيتها إلى الفخاري في بيت الرب " ( زكريا 11/12 - 14 ).
ويجدر أن ننبه هنا أن القصة في سفر زكريا لا علاقة لها بيهوذا ولا المسيح، إذ الثمن الذي يطلبه زكريا ثمن كريم ، أجرة كهانته، في حين أن الثمن الذي قبضه يهوذا ثمن خيانة ولؤم.
أصحاب داود لم يأكلوا خبز التقدمة في عهد الكاهن أخيمالك
وأخطأ كاتب إنجيل مرقس مرتين وهو يتحدث عما فعله داود عندما جاع فأكل من خبز التقدمة الذي لا يجوز أكله إلا للكهنة فقال: " أما قرأتم قط ما فعله داود حين احتاج وجاع هو والذين معه، كيف دخل بيت الله في أيام أبياثار رئيس الكهنة، وأكل خبز التقدمة الذي لا يحل إلا للكهنة، وأعطى الذين معه"(مرقس2/25- 26 ).
وقوله: " الذين كانوا معه " خطأ ولا محالة، لأن داود كان حين ذهب إلى رئيس الكهنة كان وحيداً فاراً من وجه شاول، كما في سفر صموئيل وفيه " فجاء داود إلى نوب إلى أخيمالك الكاهن، فاضطرب أخيمالك عند لقاء داود، وقال له : لماذا أنت وحدك وليس معك أحد... يوجد خبر مقدس... "( صموئيل (1) 21/1 - 4 ).
والخطأ الثاني الذي وقع فيه مرقس حينما سمى رئيس الكهنة أبياثار، وفي صموئيل أن رئيس الكهنة يومذاك هو أبوه، أخيمالك الذي قتله شاول، لأنه أعطى الخبز المقدس لداود. ( انظر صموئيل (1) 22/20 - 23 ).
وينبه محررو الكتاب المقدس إلى أن أبياثار هرب بعدها إلى داود مع صادوق رئيس الكهنة بعد مقتل أبيه أخيمالك.
وقد اعترف بهذا الغلط وارد الكاثوليكي في كتابه " الأغلاط "، وقال نقلاً عن مستر جوويل أنه كتب: غلط مرقس، فكتب أبياثار موضع أخيمالك.
الثناء على يهوذا الخائن
وفي أثناء حديث الإنجيليين عن التلاميذ فإنهم يذكرون الاثني عشر بخير، وينسون أن فيهم يهوذا الخائن، ولربما ذكروا حوادث حصلت بعد موته، فذكروه فيها.
ومن ذلك قول متى أن المسيح قال لتلاميذه الإثني عشر: " الحق أقول لكم : إنكم أنتم الذين تبعتموني في التجديد متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده، تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر " ( متى 19/28 ).
ولم يستثنِ متى يهوذا الخائن الذي يقول عنه ناقلاً عن المسيح: " ويل لذلك الرجل.. خيراً لذلك الرجل لو لم يولد " ( متى 26/24 )، وقد تنبه لوقا لخطأ متى، فلم يقع فيه، ولم يذكر عدد الكراسي. ( انظر : لوقا 22/28 - 29 ).
وهذا الخطأ وقع به بولس وهو يتحدث عن قيامة المسيح والتي يفترض أنها بعد وفاة يهوذا بأيام وقبل انتخاب البديل عنه ميتاس ( انظر أعمال 1/26 )، فقال بولس: " قام في اليوم الثالث حسب الكتب، وأنه ظهر لصفا ثم للاثني عشر، وبعد ذلك ظهر لأكثر من خمسمائة أخ " (كورنثوس (1) 15/4 - 6).
وقد تنبه للخطأ كاتب مرقس وهو يروي ذات القصة، فقال: " ثم ظهر للأحد عشر.. " (مرقس 16/14 ).
مدة مكث المسيح في بطن الأرض ليست ثلاثة أيام وثلاث ليال
ومن الأغلاط ما ذكره متى عن مكث ابن الإنسان (المسيح) في بطن الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال، حيث يقول: " أجاب قوم من الكتبة والفريسيين قائلين: يا معلّم نريد أن نرى منك آية. فأجاب وقال لهم: جيل شرير وفاسق يطلب آية، ولا تعطى له آية إلا آية يونان النبي، لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاث ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال" (متى 12/38 - 40 ).
ومن المعلوم في الأناجيل أن المسيح صلب يوم الجمعة، ودفن ليلة السبت، وخرج من قبره قبل فجر الأحد، أي لم يمكث في القبر سوى ليلة السبت ويوم السبت وليلة الأحد. وهو ما يعدل ليلتين ويوم، وليس ثلاثة أيام وثلاث ليال، كما أخبر متى.
وقد اعترف بالسي وشلز أن متى قد غلط، وزعم أنه أخطأ في فهم كلام المسيح، فهذا التفسير بالبقاء ثلاثة أيام وثلاث ليال في الأرض كان من جانبه، وأما مقصود المسيح فهو : " أن أهل نينوي كما آمنوا بسماع الوعظ وما طلبوا معجزة، كذلك فليرضَ الناس مني بسماع الوعظ".
وأرى أن هذا الاعتذار لا يقبل، لأنه قد جاء مثل هذا القول عند غير متى، ففي يوحنا قال لهم: " انقضوا هذا الهيكل وفي ثلاثة أيام أقيمه "، فلم يفهم اليهود كلامه، وظنوه يتحدث عن هيكل سليمان " وأما هو فكان يقول عن هيكل جسده، فلما قام من الأموات تذكر تلاميذه أنه قال هذا" (يوحنا 2/19 - 24 )، ولكنه قد قام في اليوم الثاني، وبعد مضي ليلتين فقط.
وقال لوقا : " إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان في أيدي أناس خطاة، ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم "
( لوقا 24/7 )، وفي مرقس " ويقتلونه وفي اليوم الثالث يقوم " ( مرقس 10/32)، وقيامته هي القيامة من الموت، وقد قام في اليوم الثاني من الموت المزعوم.
أغلاط بشهادة الواقع
العودة القريبة للمسيح والنهاية السريعة للدنيا
وثمة نصوص أخرى كثيرة غلط فيها الإنجيليون بشهادة الواقع والتاريخ، ومن مثل ذلك ما جاء في إنجيل متى عن القيامة القريبة التي تقترن بعودة المسيح القريبة، والتي حددها المسيح كما يزعمون بأنها قبيل انقضاء جيله، وعليه طلب إلى تلاميذه أن لا يذهبوا للدعوة في مدن السامريين فإن القيامة دون ذلك.
وقد قارب مجموع النصوص التي تحدثت عن عودة المسيح والقيامة العشرة، أهمها : " فإن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته، وحينئذ يجازي كل واحد حسب عمله، الحق أقول لكم: إن من القيام ههنا قوماً لا يذوقون الموت حتى يروا ابن الإنسان آتياً في ملكوته " ( متى 16/27 - 28 ).
ويقول أيضاً : " متى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا إلى الأخرى. فإني الحق أقول لكم : لا تكملون مدن إسرائيل حتى يأتي ابن الإنسان " ( متى 10/23 ).
وفي سفر الرؤيا يقول: " ها أنا آتي سريعاً " ( الرؤيا 3/11 ).
ويقول يعقوب: " أيها الإخوة،.. فتأنوا أنتم، وثبتوا قلوبكم، لأن مجيء الرب قد اقترب" (يعقوب 5/8).
ويقول بطرس: "وإنما نهاية كل شيء قد اقتربت " (بطرس (1) 4/7).
وتحدث متى عما يرافق عودة المسيح من أحداث " وفيما هو جالس على جبل الزيتون تقدم إليه التلاميذ على انفراد قائلين : قل لنا متى يكون هذا ؟ وما هي علامة مجيئك وانقضاء الدهر؟ ".
فأجابهم المسيح بذكر علامات كثيرة، ومنها " وللوقت بعد ضيق تلك الأيام تظلم الشمس، والقمر لا يعطي ضوءه، والنجوم تسقط من السماء، وقوات السموات تتزعزع. وحينئذ تظهر علامة ابن الإنسان في السماء. وحينئذ تنوح جميع قبائل الأرض، ويبصرون ابن الإنسان آتياً على سحاب السماء بقوة ومجد كثير... الحق أقول لكم : لا يمضي هذا الجيل حتى يكون هذا كله، السماء والأرض تزولان، ولكن كلامي لا يزول " ( متى 24/3 - 30 ).
وقد سيطرة فكرة العودة السريعة والقيامة القريبة على كُتاب الرسائل، ففي رسالة بولس إلى تسالونيكي " إننا نحن الأحياء الباقين إلى مجيء الرب " ( تسالونيكي (1) 4/15 ).
وفي موضع آخر يقول: " نحن الذين انتهت إلينا أواخر الدهور " ( كورنثوس (1) 10/11).
وأيضاً يقول: " هو ذا سر أقوله لكم : لا نرقد كلنا (أي لن نموت كلنا)، ولكننا كلنا نتغير في لحظة، في طرفة عين،عند البوق الأخير فإنه سيبوق، فيقام الأموات عديمي فساد،ونحن نتغير"(كورنثوس(1)15/51 - 52 ).
فهذه الأقوال وسواها تدل على أن وقوع القيامة وعودة المسيح قبلها، سيحصل في زمن الجيل الأول، لكن شيئاً من ذلك لم يحصل، وقد مرت قرون طويلة متطاولة دون تحققه ، فدل ذلك على أن هذه النبوءات من الغلط الذي وقع به الإنجيليون.
ويبدو أن المسيح أبلغ أصحابه بنزوله من السماء قبيل يوم القيامة، وذكر لهم بعضاً من الأمور التي تحدث قبله، وطرأ الغلط والتحريف من قولهم بأن ذلك سيكون في زمن الجيل الأول.
ويتهرب المفسر بنيامين بنكرتن من هذه النصوص الواضحة الدلالة فيقول: " إن المراد من إتيان المسيح في ملكوته هو معجزة التجلي الآتي ذكرها.. وإن القوم هم بطرس ويوحنا ويعقوب " أي أن تفسير هذه النصوص هو القيامة المزعومة للمسيح بعد موته بثلاثة أيام.
ولكن كلام المفسر من العبث، إذ النصوص تتحدث عن إتيان للمسيح فوق السحاب يرافقه مجد الله، بينما كان المسيح عند عودته بعد الصلب المزعوم متخفياً. ثم هل كان المسيح يخبر تلاميذه عن أمر سيحصل قبل أن ينتهي الجيل، وقبل أن يكملوا التبشير في مدن اليهودية، هل كان يحدثهم عما سيحصل بعد أسبوع !!!
ثم ماذا عن النصوص التي قالها بولس وغيره بعد القيامة؟ وأين العلامات التي رافقت مجيء المسيح.
معجزات المؤمنين
ومن النصوص أيضاً التي تثبت شهادة الواقع خطأ الإنجيليين فيها ، لأن المسيح لا يكذب، ولا يمكن أن يقول ما نسب إليه فيها، إذ هو من الخطأ البيّن.
من ذلك ما جاء في خاتمة مرقس، ففيها أن المسيح ظهر لتلاميذه بعد الصلب وقال لهم: "وهذه الآيات تتبع المؤمنين، يخرجون الشياطين باسمي ويتكلمون بألسنة جديدة، يحملون حيّات، وإن شربوا شيئاً مميتاً لا يضرهم، ويضعون أيديهم على المرضى، فيبرؤون " ( مرقس 16/17 - 18 ).
وقريباً من هذا المعنى يقول مرقس بأن المسيح قال لتلاميذه: " ليكن لكم إيمان بالله، لأني الحق أقول لكم : إن من قال لهذا الجبل انتقل وانطرح في البحر، ولا يشك في قلبه بل يؤمن، إن ما يقوله يكون، فمهما قال يكون له " ( مرقس 11/22 - 23 ).
وفي إنجيل متى: " وكل ما تطلبونه في الصلاة مؤمنين تنالونه " ( متى 21/22 ).
وينقل يوحنا على لسان المسيح أنه قال: " الحق الحق أقول لكم: من يؤمن بي، فالأعمال التي أنا أعملها يعملها هو أيضاً، ويعمل أعظم منها" ( يوحنا 14/12 )، فكل مؤمن يستطيع صنع المعجزات الباهرة التي صنعها المسيح من إحياء للموتى وشفاء للمرضى، والتجربة خير برهان!
أما أولئك الذي يعجزون عن فعل المعجزات ممن يؤمن بقدسية هذا النص، فهؤلاء لا إيمان لهم، إذ يحكى متى عن تقدم التلاميذ إلى يسوع على انفراد ليسألوه عن سبب إخفاقهم في شفاء المصروع فأجابهم : " لعدم إيمانكم، فالحق الحق أقول لكم : لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك فينتقل، ولا يكون شيء غير ممكن لديكم " ( متى 17/20 ).
وعليه فكل مؤمن نصراني يستطيع إحياء الموتى وشفاء المرضى وإخراج الشياطين...، وإن لم يصنع ذلك فليس بمؤمن.
ويبالغ يوحنا في عرضه للمعجزات التي يتوارثها النصارى عن المسيح، إذ يقول في نص آخر بأن المسيح قال لليهود: " الحق الحق أقول لكم إن كان أحد يحفظ كلامي فلن يرى الموت إلى الأبد " وفهم اليهود منه موتاً حقيقياً فقالوا: " ألعلك أعظم من أنبياء إبراهيم الذي مات، والأنبياء ماتوا " فلم يتهمهم بسوء الفهم بل قال لهم: " إن كنت أمجد نفسي فليس مجدي شيئاً، أبي هو الذي يمجدني" ( يوحنا 8/51 - 54 ).
إذاً هذه النصوص تتحدث عن معجزات يصنعها المؤمنون، فهل تحقق شيء منها ؟
هل حقق آباء الكنيسة فضلاً عن بقية المؤمنين أمثال معجزة المسيح أو أفضل منها؟ هل أحيوا موتى؟ هل شفوا مرضى؟ هل أتقنوا لغات عدة وصاروا يتكلمون بألسنة مختلفة؟ أم هم غير مؤمنين فلم تقع منهم هذه المعجزات.
ولو كانت هذه النصوص حقاً من أقوال المسيح لما مات بابوات الكنيسة، ولما رأينا القسس يجتهدون في تعلم اللغات للتبشير ثم لا ينجحون، ولو كان حقاً لما مات البابا اسكندر السادس مسموماً !!
وفي مناظرة ديدات لكبير قساوسة السويد ستانلي شوبرج وقف واحد من الجمهور، وقرأ على القس شوبرج نص مرقس ( 16/16 - 18)، وطلب إليه إن كان مؤمناً أن يشرب زجاجة سُم رفعها الرجل بيده قائلاً : " اشرب هذا السائل السام المميت ولا تمت، لأن عندك إيمان بألوهية يسوع، وعندك إيمان بصدق ".
فتغير وجه شوبرج، وتلعثم في القول، وقال: " إننا لو شربنا شيئاً ساماً لا نموت. إن هذا أمر غريب، أنا مؤمن بالله وبالروح القدس كحقيقة، الروح القدس يخبرنا ماذا سيحدث لنا. لقد قالت لي زوجتي منذ ثلاثين يوماً : يا استانلي كن حذراً، إن شخصاً ما سيغتالك بالسم... أنا أرى الشيطان بداخلك ( للسائل )، أنا لا أريد أن أقوم باستعراض... ". ثم حمل السمّ وصبه في حوض الزرع.
ومن الأمور التي ذكرتها الأناجيل أيضاً، ويكذبها واقع الناس ما جاء في مرقس أن بطرس قال للمسيح: " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فأجاب يسوع وقال: أقول لكم : ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية " ( مرقس 10/28 - 30 ) ومثله في متى : " يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية " ( متى 19/29 )، وفي لوقا: " يأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة " ( لوقا 18/28 - 30 ).
وحار المحققون في فهم كيفية الحصول على هذا التعويض، كيف يمكن للإنسان أن يصبح عنده أمهات وآباء كثر... وإذا فُهم أن الآباء والإخوة والأمهات أمور مجازية، فكيف يفهم تعويض الحقول والزوجات؟ ومتى رأينا ذلك لأحد أولئك الذين يهجرون أوطانهم للتبشير، فيتركون أمهاتهم وأخواتهم وأموالهم، متى أعطوا جزاء في الدنيا مائة ضعف.
والنص واضح الدلالة أنه يتحدث عن جزاء دنيوي " مع اضطهادات "، " في هذا الزمان " ثم وعد بالحياة الأبدية في الآخرة.
فهذا النص من الكذب، ولو كان حقاً لرأينا الناس يسرعون إلى إجابة هذه الدعوة، ولكشفت التجربة الواقعة منها عن معطيات يستبق الناس إليها ويقتتلون من أجلها.
التعويض السريع في الدنيا
ومن الأمور التي ذكرتها الأناجيل أيضاً، ويكذبها واقع الناس ما جاء في مرقس أن بطرس قال للمسيح: " ها نحن قد تركنا كل شيء وتبعناك، فأجاب يسوع وقال: أقول لكم : ليس أحد ترك بيتاً أو إخوة أو أخوات أو أباً أو أماً أو امرأة أو أولاداً أو حقولاً لأجلي ولأجل الإنجيل، إلا ويأخذ مائة ضعف الآن في هذا الزمان بيوتاً وإخوة وأخوات وأمهات وأولاداً وحقولاً، مع اضطهادات، وفي الدهر الآتي الحياة الأبدية " ( مرقس 10/28 - 30 ) ومثله في متى : " يأخذ مائة ضعف ويرث الحياة الأبدية " ( متى 19/29 )، وفي لوقا: " يأخذ في هذا الزمان أضعافاً كثيرة " ( لوقا 18/28 - 30 ).
وحار المحققون في فهم كيفية الحصول على هذا التعويض، كيف يمكن للإنسان أن يصبح عنده أمهات وآباء كثر... وإذا فُهم أن الآباء والإخوة والأمهات أمور مجازية، فكيف يفهم تعويض الحقول والزوجات؟ ومتى رأينا ذلك لأحد أولئك الذين يهجرون أوطانهم للتبشير، فيتركون أمهاتهم وأخواتهم وأموالهم، متى أعطوا جزاء في الدنيا مائة ضعف.
والنص واضح الدلالة أنه يتحدث عن جزاء دنيوي " مع اضطهادات "، " في هذا الزمان " ثم وعد بالحياة الأبدية في الآخرة.
فهذا النص من الكذب، ولو كان حقاً لرأينا الناس يسرعون إلى إجابة هذه الدعوة، ولكشفت التجربة الواقعة منها عن معطيات يستبق الناس إليها ويقتتلون من أجلها.
الأرض كروية أم مسطحة؟
ويتحدث سفر الرؤيا عن الأرض وقد رآها يوحنا مسطحة لها أربع زوايا، ويقف ملَك عند كل زاوية من الزوايا الأربع، يقول يوحنا: "وبعد هذا رأيت أربعة ملائكة واقفين على أربع زوايا الأرض، ممسكين أربع رياح الأرض، لكي لا تهب ريح على الأرض ولا على البحر ولا على شجرة ما" (الرؤيا 7/1)، وقد أعاد يوحنا ذكر زوايا الأرض الأربعة ثانية في قوله: "ثم متى تمت الألف السنة يُحَل الشيطان من سجنه، ويخرج ليضل الأمم الذين في أربع زوايا الأرض" (الرؤيا 20/7).
وأكد متى هذا التصور للأرض حين تحدث عن تجربة إبليس للمسيح، فعندما أراد أن يريه جميع ممالك الأرض أصعده إلى جبل عال، فرأى جميع العوالم والممالك، " ثم أخذه أيضاً إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4/8).
والذي مكنه من رؤيتها علو الجبل الذي صعد عليه، وهذا قد يستقيم فيما لو كانت الأرض مسطحة، لكنه يستحيل مع كرويتها، كما لا يخفى.
-
أغلاط بشهادة العقل
كما ثمة أغلاط في الأناجيل يشهد العقل بأنها لا تصدر عن الوحي، لأنه أي العقل يشهد بخطئها وجهل قائلها بقوانين الله في الطبيعة.
نجم يتمشى في سماء أورشليم
ذكر متى قصة المجوس الذين جاءوا للمسيح عند ولادته وسجدوا له فقال: " ولما ولد يسوع في بيت لحم في أيام هيردوس الملك إذا مجوس من المشرق قد جاءوا إلى أورشليم قائلين: أين هو المولود ملك اليهود ؟ فإننا رأينا نجمه في المشرق، وأتينا لنسجد له … ذهبوا إذا النجم الذي رأوه في المشرق يتقدمهم حتى جاء، ووقف فوق حيث كان الصبي، فلما رأوا النجم فرحوا فرحاً عظيماً جداً..." (متى 2/1-10).
فعند عرض القصة على العقل فإنه يرفضها لأمور :
-أن متى يتحدث عن نجم يمشي، وحركته - على رغم بعده الهائل - ملحوظة على الأرض تشير إلى بعض أزقة أورشليم دون بعض، ثم إلى بيت من بيوتها، حيث يوجد المسيح، فيتوقف وهو في السماء ،فكيف مشى، وكيف دلهم على البيت، وكيف وقف ؟!! وكيف رأوا ذلك كله ؟ أسئلة ليس لها إجابة.
- كيف عرف المجوس خبر المسيح ونجمه وهم لا يعرفون الله؟ وكيف يسجدون لنبي وهم لا يؤمنون بدينه؟ فهذا من الكذب بدليل أن أحداً من قدماء المجوس ومؤرخيهم لم ينقل مثل هذا، وكذلك لم ينقله الإنجيليون الآخرون، ومنهم لوقا الذي تتبع كل شيء بتدقيق.
-ثم لماذا تحمل المجوس عناء هذه الرحلة الطويلة؟ هل لمجرد أن يسجدوا بين يديه ويقدموا له الهدايا ثم يعودون!!؟
-كما يتحدث النص عن اهتمام الوالي هيرودس بأمر المولود وأنه أضمر قتله، وطلب من المجوس أن يخبروه إذا وجدوا الطفل ليسجد له، ثم أُوحي للمجوس في المنام أن لا يرجعوا لهيرودس، ففعلوا، فلو كان اهتمام هيرودس حقاً لقام معهم إلى بيت لحم وهي على مقربة من أورشليم، أو لأرسل معهم خاصته، إذ الموضوع بالنسبة إليه جِدُّ خطير.
وأما ما ذكره متى عن قتل هيرودس للأطفال بعد تواري المجوس قبل أن يقف على الطفل فهذا كذب بدليل أن أحداً من المؤرخين لم يذكره على أهمية هذا الحدث، كما ننبه إلى أن هيرودس الكبير قد مات قبل الميلاد بأربع سنوات كما تذكر ذلك كافة المصادر التاريخية.
الركوب على الجحش والأتان معاً
ومما يكذبه العقل ولا يتصوره ما ذكره متى عند حديثه عن دخول المسيح أورشليم فقال: "وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما، فجلس ( أي المسيح ) عليهما " ( متى 21/7 ) فجلوس المسيح على الجحش والأتان معاً لا يتصوره العقل.
وهو غلط وكذب أراد متى من خلاله أن يحقق نبوءة توراتية " فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون: هو ذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان" (متى 21/4-5).
عجائب متى عند موت المصلوب
ومثله يرفض العقل ما حكاه متى من عجائب حصلت عند موت المسيح يقول: " وأسلم الروح، وإذا حجاب الهيكل قد انشق إلى اثنين من فوق إلى أسفل، والأرض تزلزلت، والصخور تشققت، وقام كثير من أجساد القديسين الراقدين، وخرجوا من القبور بعد قيامته، ودخلوا المدينة المقدسة، وظهروا لكثيرين "
( متى 27/51 - 54 ).
والقصة من الغلط بل والكذب، إذ لم يعهد مثل هذه العودة للقديسين والراقدين، ولم يعهد أن عاد هؤلاء أو غيرهم من الموت.
ثم ماذا بعد العودة هل تزوجوا؟ وهل عادوا لبيوتهم؟ أم ماتوا بعدها؟ أم..، ثم ماذا كانت ردة فعل اليهود وبيلاطس والتلاميذ أمام هذا الحدث العظيم؟
الإجابة : لا شيء. إذ لم يذكر شيء عند متى ولا عند غيره ممن لم يذكر هذه العجائب، ولو كانت حقاً لسارت في خبرها الركبان، ولآمن الناس بالمسيح حينذاك، يقول الأب كننغسر : يجب الامتناع عن الهزأ
(أي بمثل هذه الأخبار )، لأن نية متى كانت محترمة جداً، إنه يدمج المعطيات القديمة للرواية الشفهية مع مؤلَفه، ولكن يبقى إخراجه لائقاً بعيسى، المسيح النجم.
وقال نورتن الملقب بحامي الإنجيل :" هذه الحكاية كاذبة، والغالب أن أمثال هذه الحكايات كانت رائجة عند اليهود بعد ما صارت أورشليم خراباً، فلعل أحداً كتب في حاشية النسخة العبرانية لإنجيل متى، وأدخلها الكاتب في المتن، وهذا المتن وقع في يد المترجم، فترجمها على حسبه".
ونقول ما قاله العلامة أبو زهرة: " لعل كثيراً مما في المتن أصله في الحاشية ثم نقل خطأ في المتن"، فكيف يتسنى لنا بيان هذا الزائف وإخراجه من الكتاب؟
كيف اختفت هذه الأغلاط وغيرها عن أعين النصارى
لقد بقيت هذه الأغلاط وغيرها حبيسة دفتي الكتاب المقدس قروناً طويلة، بقي خلالها الكتاب المقدس حكراً على رجالات الكنيسة بعيداً عن أيدي العامة.
ولما ظهرت الطباعة وانتشرت نسخ الكتاب المقدس في القرن السادس عشر أكد آباء الكنيسة أن شرح الأناجيل وفهم ما فيها هو من اختصاص البابا الذي يُعينه في ذلك روح القدس.
بيد أن مارتن لوثر وأتباعه رفضوا هذه الخصوصية للكنيسة، وطالبوا بأن يكون حق قراءة وفهم الكتاب المقدس لكل أحد، فانعقد مجمع تريدنت نوتردام في 1542 - 1563م للرد على دعوة لوثر.
وكان من قراراته : " إذا كان ظاهراً من التجربة أنه إذا كان الجميع يقرؤون في الكتب باللفظ الدارج، فالشر الناتج من ذلك أكثر من الخير، فلأجل هذا ليكن للأسقف أو القاضي في بيت التفتيش سلطان حسب تميزه بمشورة القس أو معلم الاعتراف ليأذن في قراءة الكتاب باللفظ الدارج لأولئك الذين يظنون أنهم يستفيدون، ويجب أن يكون الكتاب مستخرجاً من معلم كاثوليكي، والإذن المعطى بخط اليد، وإن كان أحد بدون الإذن يتجاسر أن يتجرأ أو يأخذ هذا الكتاب فلا يسمح له بحل خطيئته حتى يرد الكتاب إلى الحاكم ".
ويبدو في قرار المجمع هروب وهلع من اكتشاف العامة لأغلاط الكتاب المقدس وما فيه من المفاسد، وهو ما يؤكده بعض المحققين، حين يربطون بين الإلحاد الذي شاع في أوربا وانتشار نسخ الكتاب المقدس وإطلاع العامة على ما فيه.
رأي النصارى في أغلاط الكتاب الأناجيل
وبعد : لعل المرء يتساءل ما هو رأي النصارى بأغلاط الأناجيل ؟ وهل يقرونها ؟
في الإجابة نقول : لا ريب أن أتباع الكنيسة الذين أغلقوا عقولهم في وجه الحقيقة يرفضون أن يحوي الإنجيل غلطاً، لأن روح القدس لا يغلط، ومن هؤلاء الدكتور القس شروش حيث يقول : " إنا نعلم أن الإنجيل هو وحي الله، لأن التنبؤ بالأحداث قد تم قبل وقوع الأحداث بقرون، إن للإنجيل تأثيره على المجتمعات البشرية طالما تم الإيمان به والعمل بمقتضاه. أكثر من ذلك فإن دقة الإنجيل قد وجدت من يتحداها، ولكنها لم تجد من ينجح في التحدي ".
ويقول أيضاً : " إن صحة محتويات الإنجيل قد أثبتتها الوثائق التاريخية والحفريات الأثرية والوثائق القديمة، وتوجد الآن أكثر من خمس وعشرين ألف وثيقة من الوثائق المقدسة بالمتحف البريطاني من أجلكم، لكي تتأكدوا من صحة مشيئة الله ".
ولما كانت الحقيقة - بوجود الغلط في الأناجيل والرسائل - ساطعة كالشمس عمل بعض علماء النصرانية على التخلص من هذه الأغلاط بالإقرار بأن الإلهام لم يكن مصاحباً للإنجيليين حال كل كتابة كتبوها، يقول هورن: " إذا قيل إن الكتب المقدسة أوحي بها من عند الله لا يراد أن كل الألفاظ والعبارات من إلهام الله... ولا يتخيل أنهم كانوا يلهمون في كل أمر يبينونه، وفي كل حكم كانوا يحكمون به ".
وتقول دائرة المعارف البريطانية: " وقع النزاع في أن كل قول مندرج في الكتب المقدسة هل هو إلهامي أم لا ؟ وكذا كل حال من الحالات المندرجة فيها، فقال جيروم وكثيرون : ليس كل قول إلهامي... الذين قالوا: إن كل قول إلهامي لا يقدرون أن يثبتوا دعواهم بسهولة ".
وهذا القول يطالب قائلوه بتعيين المواضع غير الإلهامية وإقامة الدليل على خصوصها بعدم الإلهام أو إقامة الدليل على خصوص المواضع التي يقولون بإلهاميتها، وإذا لم يتم ذلك وجب التوقف في شأن الكتب المقدسة، إذ فيها ما هو عمل بشري لا يجوز اعتباره مصدراً دينياً.
-
تناقضات الأناجيل
(أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافاً كثيراً) (سورة النساء، آية : 82 ).
أمثلة التناقض في العهد الجديد
ضرب المحققون عشرات الأمثلة لتناقض الأناجيل الأربعة والرسائل الملحقة بها، منها ما يتعلق ببعض الأحداث التي تقصها الأناجيل، ومنها ما يجعل المسيح متناقضاً مع نفسه ومنها على الخصوص تلك التناقضات المتعلقة بروايات حادثة الصلب، ومنها تلك التي خالف فيها الإنجيليون ما في العهد القديم، فبدلوا في رواياته أو أخطئوا، فحصل منهم التناقض:
أولاً: تناقضات الإنجيليين في رواياتهم بعض الأحداث
نسب المسيح
لعل أهم وأصرح تناقضات العهد الجديد تناقض متى ولوقا في نسب يوسف النجار، فقد اختلفا اختلافاً لا يمكن الجمع فيه، كما تناقض لوقا ومتى مع ما جاء في سفر الأيام الأول، وهو يتحدث عن بعض ملوك إسرائيل الذين جعلهم متى من أجداد المسيح.
يقول متى: " كتاب ميلاد يسوع المسيح ابن داود ابن إبراهيم. إبراهيم ولد إسحق. وإسحق ولد يعقوب. ويعقوب ولد يهوذا وإخوته، ويهوذا ولد فارص وزارح من ثامار. وفارص ولد حصورن. وحصرون ولد أرام، وأرام ولد عمينا داب. وعمينا داب ولد نحشون. ونحشون ولد سلمون، وسلمون ولد بوعز من راحاب. وبوعز ولد عوبيد من راعوث. وعوبيد ولد يسى، ويس ولد داود الملك.
وداود الملك ولد سليمان من التي لأوريا، وسليمان ولد رحبعام. ورحبعام ولد أبيا. وأبيا ولد آسا. وآسا ولد يهوشافاط. ويهوشافاط ولد يورام. ويورام ولد عزيا. وعزيا ولد يوثام. ويوثام ولد أحاز. وأحاز ولد حزقيا. وحزقيا ولد منسي. ومنسي ولد آمون. وآمون ولد يوشيا. ويوشيا ولد يكنيا وإخوانه عند سبي بابل.
وبعد سبي بابل يكنيا ولد شألتئيل. وشألتئيل ولد زربابل. وزربابل ولد أبيهود. وأبيهود ولد ألياقيم. وألياقيم ولد عازور. وعازور ولد صادوق. وصادوق ولد أخيم. وأخيم ولد أليود. وأليود ولد أليعازر، وأليعازر ولد متان. ومتان ولد يعقوب. ويعقوب ولد يوسف رجل مريم التي ولد منها يسوع، الذي يدعى المسيح.
فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً. ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " ( متى 1/1 - 17 ).
لكن لوقا يورد نسباً آخر للمسيح يختلف تمام الاختلاف عما جاء في متى يقول لوقا :" ولما ابتدأ يسوع كان له نحو ثلاثين سنة وهو - على ما كان يظن - ابن يوسف بن هالي، بن منثات بن لاوي بن ملكي بن ينا بن يوسف بن متاثيا ابن عاموص بن ناحون بن حسلي بن نجاي، بن ماث بن متاثيا بن شمعي بن يوسف بن يهوذا، بن يوحنا بن ريسا.
ابن زربابل بن شألتئيل بن نيري، بن ملكي بن أدى بن قصم بن ألمودام بن عير، بن يوسي بن أليـعازر بن يوريم بن متثات بن لاوي. بن شمعون بن يوذا بن يوسف بن يونان بن ألياقيم بن مليا بن مينان بن متاثا بن ناثان بن داود.
ابن يسى بن عوبيد بن بوعز بن سلمون بن نحشون بن عميناداب بن أرام بن حصورن بن فارص بن يهوذا بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم بن تارح بن ناحور، بن سروج بن رعو بن فالج بن عابر بن شالح بن فينان بن أرفكشاد بن سام بن نوح بن لامك بن متوشالح بن أخنوخ بن يارد بن مهللئيل بن قينان بن أنوش بن شيت بن آدم ابن الله " ( لوقا 3/23 - 38 ).
توقف المحققون ملياً عند التناقض في نسب المسيح، وقد استوقفتهم ملاحظات منها :
- أن متى ولوقا اتفقا في ابتداء النسب بيوسف النجار، ثم افترقا ليلتقيا من جديد بزربابل بن شألتئيل، حيث جعله متى الجد العاشر ليوسف، فيما جعله لوقا الجد التاسع عشر ليوسف النجار، ثم اختلف الإنجيليان من جديد اختلافاً كبيراً، فقد جعل متى المسيح من ذرية ملوك بني إسرائيل سليمان ثم رحبعام ثم أبيا ثم آسا ثم يهوشافاط....، بينما يجعله لوقا من نسل ناثان بن داود، وليس في أبنائه من ملك على بني اسرائيل.
-ولا يعقل أن يكون المسيح من ذرية أخوين، أي سليمان وناثان ابنا داود عليه السلام، كما لا يعقل أيضاً ذات الأمر بخصوص زربابل وأبوه شألتئيل، فإما أن يكونوا (المسيح وزربابل وشألتئيل) من نسل سليمان أو من ذرية أخيه ناثان.
-وأيضاً بلغ الاختلاف بين القوائم الثلاث مدى يستحيل الجمع فيه على صورة من الصور، فالاختلاف في أعداد الأجيال كما الأسماء، وثمة خلل في الأنساب وإسقاط لعدد من الآباء.
-وقد حرص متى على تقسيم سلسلة الأنساب التي ذكرها إلى ثلاثة مجموعات في كل منها أربعة عشر أباً فيقول: " فجميع الأجيال من إبراهيم إلى داود أربعة عشر جيلاً، ومن داود إلى سبي بابل أربعة عشر جيلاً، ومن سبي بابل إلى المسيح أربعة عشر جيلاً " ( متى 1/17 ).
لكن متى لم يوف بالأرقام التي ذكرها، إذ لم يذكر بين المسيح والسبي سوى اثني عشر أباً. وقد تصرف متى في المجموعة الثانية، فأسقط عدداً من الأسماء ليحافظ على الرقم 14، فأسقط ما بين يورام وعزيا ثلاثة آباء، هم أخزيا بن يورام وابنه يواشى وابنه أمصيا والد عزيا.
ولعل صورة التناقض والتلاعب تتضح إذا تأملنا في الجدول الذي يقارن بين سلسلتي لوقا ومتى، ونضع إلى جوارهما ما جاء في سفر (الأيام (1) 3/10-19)، لنقف على الأسماء التي أسقطها متى، لتنتظم له سلسلته التي أرادها، فقد غيّر في نسب المسيح، لتتناسب وحساباته الخاصة:
والسؤال كيف يجمع علماء الكتاب المقدس بين تناقضات أنساب المسيح ؟
قال بعضهم: " لا يراد من هذا شجرة نسب كامل، … أسماء قد سقطت من بعض الإنجيليين، وهذا للتوضيح الموصل إلى الرغبة بإثبات سلالة مؤسسة على الصحة التاريخية في خطوطها العريضة أو عناصرها الأساسية ".
ولكن بوكاي لا يرى هذا التبرير مقبولاً، لأن النصوص لا تسمح بمثل هذا الافتراض، إذ أن نص التوراة الذي اعتمد عليه الإنجيليون يقول : فلان في عمر كذا أنجب كذا، ثم عاش كذا من السنين، وهكذا فليس ثمة انقطاع.
ويقول صاحب كتاب " شمس البر ": "معرفتنا بطريقة تأليف جداول النسب في تلك الأيام قاصرة جداً "، ويعلق بوكاي: " لاشك أن نسب المسيح في الأناجيل قد دفع المعلقين المسيحيين إلى بهلوانيات جدلية متميزة صارخة تكافئ الوهم والهوى عند كل من لوقا ومتى ".
لكن النتيجة الخطيرة والمهمة المترتبة على وجود هذا التناقض هي : أن إنجيل متى لم يكن معروفاً للوقا مع أنه قد سبقه بنحو عشرين سنة، ولو كان لوقا يعرفه، أو يعتبره إنجيلاً مقدساً لراجعه ولما خالفه، فدل ذلك على عدم وجود إنجيل متى يومذاك، أو إسقاط الاعتبار له.
ثم ماذا عن يوحنا ومرقس لم أهملا نسب المسيح، فلم يذكراه ؟ هل يرجع ذلك لشكهما في صحة متى ولوقا أم خوفاً من سخرية اليهود أم..... ؟
أسماء التلاميذ الاثني عشر
ومن التناقضات بين الأناجيل أيضاً اختلاف الأناجيل في أسماء التلاميذ الاثني عشر، إذ يقدم العهد الجديد أربع قوائم للتلاميذ الاثني عشر تختلف كل واحدة عن الأخرى، وبيانه :
أن أسماء التلاميذ ذكرها متى في إنجيله ( 10/1 - 4 )، ومرقس أيضاً ( انظر 3/16 )، وذكرها لوقا في إنجيله في ( 6/14 ) ثم في أعمال ( 1/13 ).
وتتشابه القوائم الأربعة في تسعة أسماء وهي سمعان بطرس، وأخوه اندرواس، ويعقوب بن زبدي، وأخوه يوحنا، وفيلبس، وبرثو لماوس، وتوما، ومتى، ويعقوب بن حلفي.
ويتفق متى ومرقس ولوقا على ذكر يهوذا الأسخريوطي، فيما أهمل في أعمال الرسل، وهو ما يمكن أن نعتبره توافقاً، إذ قد أهمل ذكر التلميذ الخائن.
وأما الاسمان الباقيان، فتختلف القوائم فيهما اختلافاً بيناً، فيذكر متى ومرقس اسم سمعان القانوي، فيما يذكر لوقا في الإنجيل والأعمال سمعان الغيور.
ويذكر متى ومرقس اسم تداوس فيكملان به الاثني عشر، فيما يذكر لوقا في إنجيله وأعمال الرسل يهوذا بن حلفي.
وإذا كانت الأناجيل تختلف بأمر بمثل هذه الأهمية والوضوح، فكيف لنا أن نثق بما وراء ذلك من أخبار ووقائع وتفصيلات تعرضها عن حياة المسيح وغيره.
هل أوصى المسيح تلاميذه بأخذ العصا أم أوصاهم بتركها؟
ومن التناقضات أن مرقس يذكر وصية المسيح لتلاميذه بعد أن أعطاهم سلطاناً على الأرواح النجسة فقال : "وأوصاهم أن لا يحملوا شيئاً للطريق غير عصا فقط، لا مزوداً ولا خبزاً ولا نحاساً في المنطقة، بل يكونوا مشدودين بنعال، ولا يلبسوا ثوبين " ( مرقس 6/8 - 9 ).
لكن الوصية في لوقا تتفق مع مرقس في أمور وتختلف في أخرى فقد جاء فيها: " وأرسلهم ليكرزوا بملكوت الله ويشفوا المرضى، وقال لهم: لا تحملوا شيئاً للطريق، لا عصا ولا مزوداً ولا خبزاً، ولا فضة ولا يكون للواحد ثوبان " ( لوقا 9/2-3). فقد تناقضا في وصية المسيح بخصوص العصا.
كما ناقض إنجيلُ متى القديسَ مرقس في حمل العصا والأحذية، إذ نسب للمسيح قوله: "لا تقتنوا ذهباً ولا فضة، ولا نحاساً في مناطقكم، ولا مزوداً للطريق ولا ثوبين، ولا أحذية ولا عصا" (متى 10/9-10)، فقد نص متى على منعهم من اقتناء (أي تملك) الأحذية والعصا، مخالفاً ما جاء في إنجيل مرقس.
هل حضر القائد إلى المسيح؟
ويذكر متى أن المسيح عندما دخل كفر ناحوم " جاء إليه قائد مائة يطلب إليه ويقول : يا سيدي، غلامي مطروح في البيت مفلوجاً متعذباً جداً " ( متى 8/5 - 7 ).
ويروي لوقا القصة وذكر بأن القائد لم يأت للمسيح بل " فلما سمع عن يسوع (أي القائد) أرسل إليه شيوخ اليهود يسأله أن يأتي ويشفي عبده، فلما جاءوا إلى يسوع طلبوا إليه باجتهاد.." (لوقا 7/3 - 4 )، فهل حضر القائد أم لم يحضر.
هل سمعوا صوت الله أم أن الله لا يسمع صوته
يتحدث يوحنا عن الله الآب فيقول: "والآب نفسه الذي أرسلني يشهد لي، لم تسمعوا صوته قط ولا رأيتم هيئته" (يوحنا 5/37)، وعليه فإن أحداً لم يسمع صوت الله.
في حين أن الإنجيليين الثلاثة يتحدثون عن صوت لله سمعه الناس بعد عمادة المسيح على يد يوحنا المعمدان، يقول مرقس: "وكان صوت من السماوات: أنت ابني الحبيب الذي به سررتُ" (مرقس 1/11)، و(انظر متى 17/5، ولوقا 3/22)، فكيف يتحدث الإنجيليون عن صوت الله وهو يبشر بالمسيح في حين أن يوحنا يذكر أن أحداً لم يسمع صوت الله ولم يره؟
هل يوحنا المعمدان هو إيلياء؟
ويذكر يوحنا أن الكهنة واللاويين أرسلوا إلى يوحنا المعمدان ليسألوه : من أنت ؟ فسألوه وقالوا : " أأنت إيليا ؟ فقال : لست أنا " (يوحنا 1/20 - 22).
لكن متى يذكر أن المسيح قال عنه بأنه إيليّا " الحق أقول لكم: لم يقم بين المولودين من النساء أعظم من يوحنا المعمدان. ولكن الأصغر في ملكوت السموات أعظم منه.. وإن أردتم أن تقبلوا فهذا هو إيليّا المزمع أن يأتي، من له أذنان للسمع فليسمع" ( متى 11/14 ).
وفي موضع آخر قال المسيح، وهو يقصد يوحنا : " ولكني أقول لكم : إن إيليا قد جاء ولم يعرفوه، بل عملوا به كل ما أرادوا " (مرقس 9/13)، فلزم من هذا التناقض تكذيب أحد النبيين أو تكذيب كتبة الأناجيل، وهو الصحيح.
متى يبست التينة؟
وتتحدث الأناجيل عن إتيان المسيح شجرة تين، فلما وجدها غير مثمرة دعا عليها قائلاً: " لا تخرج منك ثمرة إلى الأبد، فيبست تلك الشجرة للوقت، فنظر التلاميذ وتعجبوا " ( متى 21/19 – 20 )، إذاً كان يباسها في الحال.
وهذا ما يناقضه مرقس، إذ ذكر دعاء المسيح على الشجرة ثم " لما صار المساء خرج إلى خارج المدينة، وفي الصباح إذ كانوا مجتازين رأوا التينة قد يبست من الأصول، فتذكر بطرس، وقال له: يا سيدي، انظر التينة التي لعنتها قد يبست! " ( مرقس 11/19 – 20 )، ومعنى هذا أنها لم تيبس في الحال، كما لم يكتشف التلاميذ يباسها إلا في الغد.
أم المجنونة، كنعانية أم فينيقية؟
وجاءت المرأة تشكو إلى المسيح مرض ابنتها بالجنون، وهذه المرأة عند متى " كنعانية " ( متى 15/22 )، غير أنها عند مرقس " فينيقية سورية " ( مرقس 7/26 )، فأيهما الصحيح ؟
متى حصلت قصة تطييب المرأة لقدمي المسيح؟
وتتحدث الأناجيل الأربعة عن قصة المرأة الخاطئة التي دهنت قدمي المسيح بالطيب ومسحت قدميه بشعرها، ويختلف الإنجيليون في تحديد الوقت الذي جرت فيه القصة، فقد جعلها لوقا في أوائل تبشير المسيح، في حين جعلها الآخرون متلازمة مع قصة الصلب، واختلفوا هل كانت قبل الفصح بيومين أم قبله بستة أيام.
أما لوقا جعل القصة من أوائل قصص المسيح (انظر لوقا 7/36-50) وإبان حياة يوحنا المعمدان، فقد ذكر لوقا قصة إرسال المعمدان تلاميذه إلى المسيح في نفس الإصحاح (انظر لوقا 7/19-23).
لكن مرقس يزعم أن هذه القصة حدثت قبل عيد الفصح بيومين "كان الفصح وأيام الفطير بعد يومين، وكان رؤساء الكهنة والكتبة يطلبون كيف يمسكونه بمكر ويقتلونه. ولكنهم قالوا: ليس في العيد لئلا يكون شغب في الشعب.... جاءت امرأة معها قارورة طيب ناردين خالص كثير الثمن" ( 14/1-4 )، والفصح الذي يتحدث عنه مرقس في أواخر تبشير المسيح، أي العيد الذي حصلت فيه حادثة الصلب.
وأما يوحنا فجعل القصة قبل الفصح بستة أيام، بدلاً من يومين، يقول يوحنا: " ثم قبل الفصح بستة أيام.. فأخذت مريم منّاً من طيب ناردين خالص كثير الثمن، ودهنت قدمي يسوع ومسحت " ( 12/1-3)، وهو يتحدث عن ذات الفصح الذي تحدث عنه مرقس، أي الذي سبق أحداث الصلب، فمتى حصلت القصة؟ وهل أخطأ روح القدس في إبلاغ بعضهم؟ أم أن الإنجيليين كانوا هم المخطئين؟
هل جرب إبليس المسيح على الجبل أولاً أم في الهيكل؟
ويتحدث الإنجيليون عن تجربة إبليس للمسيح في موضعين، أحدهما في القدس عند الهيكل، والثانية عند جبل عال جداً، لكن الإنجيليين يختلفون في ترتيب الحدثين، فمتّى يرى أن تجربة الهيكل أولاً ثم تلته تجربة الجبل، فيقول: "ثم أخذه إبليس إلى المدينة المقدسة، وأوقفه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك إلى أسفل.. ثم أخذه أيضا إبليس إلى جبل عال جداً، وأراه جميع ممالك العالم ومجدها" (متى 4/5-8).
وهذا الترتيب يخالف فيه لوقا ، والذي يرى أن تجربة الجبل حصلت أولاً "ثم أصعده إبليس إلى جبل عال، وأراه جميع ممالك المسكونة في لحظة من الزمان. وقال له إبليس: لك أعطي هذا السلطان كله ومجدهنّ ... ثم جاء به إلى أورشليم، وأقامه على جناح الهيكل، وقال له: إن كنت ابن الله فاطرح نفسك من هنا إلى أسفل" (لوقا 4/5-9)، فأي التجربتين كانت أولاً؟ إنها إحدى معضلات العهد الجديد.
متى ظهر إيليا وموسى للتلاميذ؟
ويتحدث الإنجيليون عن ظهور موسى وإيليا أمام التلاميذ بعد أن ذهبوا مع المسيح إلى جبل للصلاة، وذلك بعد مغادرة المسيح قيصرية بعدة أيام، اختلف الإنجيليون هل كانت ستة أيام أم ثمانية أيام، يقول لوقا: "وبعد هذا الكلام بنحو ثمانية أيام أخذ بطرس ويوحنا ويعقوب وصعد إلى جبل ليصلّي" (لوقا 9/28).
ويخالفه متى فيقول: "وبعد ستة أيام أخذ يسوع بطرس ويعقوب ويوحنا أخاه، وصعد بهم إلى جبل عال منفردين" (متى 17/1)، فهل كان ظهور موسى وإيليا بعد ستة أيام أم ثمانية؟.
أين كانت موعظة المسيح؟
ويذكر الإنجيليون موعظة المسيح الطويلة لتلاميذه، والتي عزّى فيها الفقراء والجياع، وتهدد الأغنياء والمتخمين، لكنهم اختلفوا في الموضع الذي كانت فيه الموعظة ، "ولما رأى الجموع صعد إلى الجبل، فلما جلس تقدم إليه تلاميذه .. " (متى 5/1)، فمتّى يرى أن الموعظة كانت على الجبل.
وهو ما يخالفه فيه لوقا، والذي يجعل الموعظة في سهل، لا في الجبل، فيقول: "ونزل معهم، ووقف في موضع سهل هو وجمع من تلاميذه .." (لوقا 6/17).
نهاية يهوذا
ويتحدث العهد الجديد عن نهايتين مختلفتين للتلميذ الخائن يهوذا الأسخريوطي الذي خان المسيح، وسعى في الدلالة عليه وتسليمه مقابل ثلاثين درهماً من الفضة، فيقول متى: " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ، قائلاً: قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً. فقالوا: ماذا علينا؟ أنت أبصر. فطرح الفضة في الهيكل وانصرف، ثم مضى وخنق نفسه، فأخذ رؤساء الكهنة الفضة، وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة، لأنها ثمن دم. فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء. لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم" (متى 27/2-5).
ولكن سفر أعمال الرسل يحكي نهاية أخرى ليهوذا وردت في سياق خطبة بطرس، حيث قال: "أيها الرجال الإخوة، كان ينبغي أن يتم هذا المكتوب الذي سبق الروح القدس فقاله بفم داود عن يهوذا الذي صار دليلاً للذين قبضوا على يسوع، إذ كان معدوداً بيننا، وصار له نصيب في هذه الخدمة، فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم" (أعمال 1/16-20).
فقد اختلف النصان في جملة من الأمور:
-كيفية موت يهوذا، فإما أن يكون قد خنق نفسه ومات " ثم مضى وخنق نفسه"، وإما أن يكون قد مات بسقوطه، حيث انشقت بطنه وانسكبت أحشاؤه فمات " وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط فانسكبت أحشاؤه كلها "، ولا يمكن أن يموت يهوذا مرتين، كما لا يمكن أن يكون قد مات بالطريقتين معاً.
-من الذي اشترى الحقل، هل هو يهوذا " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم"، أم الكهنة الذين أخذوا منه المال " فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري "؟
-هل مات يهوذا نادماً " لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم...قد أخطأت، إذ سلمت دماً بريئاً" أم معاقباً بذنبه كما يظهر من كلام بطرس؟
-هل رد يهوذا المال للكهنة " وردّ الثلاثين من الفضة إلى رؤساء الكهنة والشيوخ "، أم أخذه واشترى به حقلاً " فإن هذا اقتنى حقلاً من أجرة الظلم "؟
-هل كان موت يهوذا قبل صلب المسيح وبعد المحاكمة " ودفعوه إلى بيلاطس البنطي الوالي، حينئذ لما رأى يهوذا الذي أسلمه أنه قد دين ندم... فطرح الفضة في الهيكل وانصرف ثم مضى وخنق نفسه " أم أن ذلك كان فيما بعد، حيث مضى واشترى حقلاً ثم مات في وقت الله أعلم متى كان؟
-هل سمي الحقل حقل دم لأنه كان ثمناً لدم المسيح " فأخذ رؤساء الكهنة الفضة وقالوا: لا يحل أن نلقيها في الخزانة لأنها ثمن دم، فتشاوروا واشتروا بها حقل الفخاري مقبرة للغرباء، لهذا سمي ذلك الحقل حقل الدم إلى هذا اليوم"، أم لأن دم يهوذا قد سال فيه لما انشق بطنه " فإن هذا اقتنى حقلا من أجرة الظلم، وإذ سقط على وجهه انشق من الوسط، فانسكبت أحشاؤه كلها، وصار ذلك معلوماً عند جميع سكان أورشليم، حتى دعي ذلك الحقل في لغتهم حقل دما، أي حقل دم".
-
ثانياً: هل يتناقض المسيح؟
وتظهر الأناجيل المسيح متناقضاً مع نفسه في أقواله، ومرد ذلك إلى تناقض الإنجيليين الأربعة، أو تناقض الواحد منهم مع نفسه.
بطرس شيطان أم رسول؟
يتناقض متى في صفحة واحدة وهو يتحدث عن رأي المسيح في بطرس، فقد قال له: " طوبى لك يا سمعان بن يونا. إن لحماً ودماً لم يعلن لك، لكن أبي الذي في السماوات.. أنت بطرس... وأعطيك مفاتيح ملكوت السماوات، فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السماوات، وكل ما تحله على الأرض يكون محلولاً في السماوات...".
ولكنه ناقض ذلك بعده بسطور حين قال عنه: " قال لبطرس : اذهب عني يا شيطان. أنت معثرة لي، لأنك لا تهتم بما لله، لكن بما للناس " ( متى 16/17 - 23 ).
ثم يتحدث متى عن إنكار بطرس للمسيح في ليلة المحاكمة بل وصدور اللعن والسب منه (انظر متى 26/74 ).
ثم يقول عنه في موضع آخر: " متى جلس ابن الإنسان على كرسي مجده تجلسون أنتم أيضاً على اثني عشر كرسياً، تدينون أسباط إسرائيل الاثني عشر " ( متى 19/28 )، فأي الأقوال تصدق في حق بطرس، وجميعها منسوبة للمسيح؟
ماذا يصنع التلاميذ مع أعدائهم؟
ويعود لوقا للتناقض فيقول على لسان المسيح: " أحبوا أعداءكم، وأحسنوا إلى مبغضيكم، وباركوا لاعنيكم "
( لوقا 6/27 - 38 ).
ثم يوقع المسيح بالتناقض عندما زعم أنه قال : " أما أعدائي الذين لم يريدوا أن أملك عليهم، فأتوا بهم إلى هنا، واذبحوهم قدامي " ( لوقا 19/27 )، فأي الموقفين صدر من المسيح؟
هل المحايد معنا أو ضدنا؟
ومن التناقض الذي نسبه الإنجيليون للمسيح عليه السلام ما زعمه متى أن المسيح قال لتلاميذه: " من ليس معي فهو علي، ومن لا يجمع معي فهو يفرق " ( متى 12/30 ).
وهذا يناقض ما ذكره مرقس عنه: " من ليس علينا فهو معنا " ( مرقس 9/40)، فبأي الهديين يهتدي التلاميذ.
هل المطلوب بغض الوالدين أم محبتهما؟
ومن التناقض أيضاً ما وقع فيه لوقا حين زعم أن المسيح قال: " إن كان أحد يأتي إلي ولا يبغض أباه وأمه وامرأته وأولاده وإخوته، حتى نفسه أيضاً، فلا يقدر أن يكون تلميذاً " ( لوقا 14/26 ).
ثم في موضع آخر يذكر لوقا أن رجلاً سأل المسيح عن طريق الحياة الأبدية فكان من إجابته "أكرم أباك وأمك "
( لوقا 18/20 ).
وفي مرقس أن المسيح قال: " تحب قريبك كنفسك " (مرقس 12/31 )، فهل المطلوب من التلاميذ بغض الوالدين أم محبتهما؟.
هل مصير المسيح عليه السلام جهنم؟
وتتناقض الأناجيل حين تذكر أن المسيح توعد الذين يشتمون إخوانهم بالنار، ثم تزعم أنه صنعه، فقد قال: " ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم" (متى 5/23).
في حين أن لوقا زعم أن المسيح قال لتلميذيه اللذين لم يعرفاه بعد القيامة: " أيها الغبيان والبطيئا القلوب في الإيمان بجميع ما تكلم به الأنبياء" (لوقا 24/25)، وأنه قال لبطرس : "اذهب عني يا شيطان " (متى 16/23).
وخاطبه في موطن آخر: "يا قليل الإيمان لماذا شككت " ( متى 14/31 )، فهل يحكم النصارى على المسيح باستحقاقه النار، أم يحكمون على هذه النصوص بالقصور والتناقض
ثالثاً: التناقض بين العهد القديم والعهد الجديد
وكما تناقض الإنجيليون وكتاب الرسائل مع بعضهم فإنهم تناقضوا مع أسفار العهد القديم، في مختلف القضايا التي شاركوا كُتاب العهد القديم في الحديث عنها، اللاهوتية منها والتاريخية.
التناقضات في صفات الله
يقول يوحنا: " الله لم يره أحد قط " ( يوحنا 1/18 ) وكلامه حق.
لكنه متناقض مع ما جاء في عدة مواضع في التوراة، منها قول يعقوب: " نظرت الله وجهاً لوجه" ( التكوين 32/30 ).
ومثله ما جاء في سفر الخروج أن موسى أصر على رؤية الله فقال له الرب: " هو ذا عندي مكان، فتقف على الصخرة، ويكون متى اجتاز مجدي أني أضعك في نقرة من الصخرة، وأسترك بيدي حتى أجتاز، ثم أرفع يدي فتنظر ورائي، أما وجهي فلا يرى " ( الخروج 33/21 - 23 ).
كما يتناقض قول يوحنا مع زعم لوقا بأن استفانوس قد رأى الله بصورته ومجده، إذ يقول: "وأما هو فشخص إلى السماء، وهو ممتلئ من الروح القدس، فرأى مجدَ الله ويسوعَ قائماً عن يمين الله. فقال: ها أنا أنظر السماوات مفتوحة، وابن الإنسان قائماً عن يمين الله" (أعمال 7/55-56).
ويصف بولس الله عز وجل بوصف حق، فيقول: " الله ليس إله تشويش، بل إله سلام " (كورنثوس (1) 14/33 ).
ولكنه يناقض بذلك ما جاء في سفر التكوين " وقال الرب: هوذا شعب واحد، ولسان واحد لجميعهم.. هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم، حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض، فبددوهم من هناك على وجه كل الأرض" ( التكوين 11/6-9).
هل كل المطعومات مباحة؟
ومن التناقضات أيضاً أن التوراة تتحدث عما يجوز أكله وما لا يجوز من الأطعمة مما ينجس أكله. ( انظر اللاويين 11/1 - 47 ).
لكن مرقس يذكر أن المسيح خالف ذلك فقال كلاما غريباً أباح فيه كل طعام فقال: "اسمعوا مني كلكم وافهموا : ليس شيء من خارج الإنسي إذا دخل فيه يقدر أن ينجسه، لكن الأشياء التي تخرج منه هي التي تنجس ".
وقد صعُب فهم هذا على تلاميذه فأعادوا السؤال عنه، فأعاد الجواب، وقال: " لأنه لا يدخل إلى قلبه، بل إلى الجوف، ثم يخرج إلى الخلاء، وذلك يطهر كل الأطعمة " (مرقس 7/14 - 19 ). فهذه أغرب طريقة في تطهير الطعام، وهي تناقض أحكام التوراة وتخالفها وتنقضها.
هل انقطع المطر في السنة الثالثة أم بعدها؟
ويذكر يعقوب في رسالته انقطاع المطر بدعاء إيليا، وأنه استمر ثلاث سنين وستة أشهر فيقول: " كان إيليا إنساناً تحت الآلام مثلنا، وصلى صلاة أن لا تمطر، فلم تمطر على الأرض ثلاث سنين وستة أشهر " ( يعقوب 5/17 )
والقصة في سفر الملوك وفيه " قال إيليا..: إنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي " ( الملوك (1) 17/1 ) ثم " بعد أيام كثيرة كان كلام الرب إلى إيليا في السنة الثالثة قائلاً : اذهب وتراءى لأخاب فأعطي مطراً على الأرض " ( الملوك (1) 18/1 ) وفعل، فنزل المطر، وكان ذلك في السنة الثالثة، أي لم يكملها كما زعم يعقوب، بل وزاد عليها ستة أشهر.
من الذي اشترى الأرض من شكيم؟
ومن التناقضات أيضاً ما بين أعمال الرسل وسفر التكوين فيمن اشترى أرض شكيم من بني حمور، هل هو إبراهيم أم إسحاق ؟
فقد جاء في أعمال الرسل " نزل يعقوب إلى مصر، ومات هو وآباؤنا، ونقلوا إلى شكيم (نابلس) ووضعوا في القبر الذي اشتراه إبراهيم بثمن فضة من بني حمور أبي شكيم" ( أعمال 7/15 - 16 ).
وفي سفر التكوين أن أرض شكيم قد ابتاعها يعقوب لا إبراهيم، حيث يقول : " ثم أتى يعقوب سالماً إلى مدينة شكيم التي في أرض كنعان... وابتاع قطعة الحقل التي نصب فيها خيمته من يد بني حمور أبي شكيم بمائة قسيطة " (التكوين 33/18 - 19 ).
والخطأ من كاتب أعمال الرسل لأن الأرض التي ابتاعها إبراهيم، هي في أرض حبرون (الخليل), واشتراها من عفرون، وفيها دفن سارة، ثم دفن هو فيها كما في سفر التكوين " ووزن إبراهيم لعفرون الفضة التي ذكرها في مسامع بني حث، أربعمائة شاقل فضة.. بعد ذلك دفن إبراهيم سارة امرأته في مغارة حقل المكفيلة أمام ممرا التي هي حبرون، في أرض كنعان " (التكوين 23/16 - 19). فمن الذي اشترى أرض شكيم، يعقوب أم إبراهيم ؟
كم سنة حكم شاول على بني إسرائيل؟
جاء في سفر صموئيل أن شاول ملك على بني إسرائيل لمدة سنتين، حيث يقول: " كان شاول ابن سنة في ملكه، وملك سنتين على إسرائيل " ( صموئيل (1) 13/1 )، وهو مناقض لما ذكره سفر أعمال الرسل، حيث جاء فيه : "ومن ثم طلبوا ملكاً، فأعطاهم الله شاول بن قيس رجلاً من سبط بنيامين أربعين سنة" (أعمال 13/21)، فهل ملك شاول أربعين سنة أم سنتين فقط؟
من ابن الله الذي بشّر به داود؟
نقل بولس في رسالته إلى العبرانيين بشارة الله لداود بابنه سليمان، لكنه جعلها نبوءة بالمسيح عليه السلام، فيقول: "كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء.. صائراً أعظم من الملائكة بمقدار ما ورث اسماً أفضل منهم، لأنه لمن من الملائكة قال قط: أنت ابني، أنا اليوم ولدتك. وأيضا أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً" (عبرانيين 1/5).
وقد اقتبس بولس العبارة الواردة في سفر صموئيل الثاني ( 7/14 )، وجعلها نبوءة عن المسيح، ففيه : "أنا أكون له أباً، وهو يكون لي ابناً " فقد ظن بولس أن هذه العبارة نبوءة عن المسيح عليه السلام فنقلها في رسالته.
إلا أن هذا الاقتباس غير صحيح، فالنص جاء في سياق الحديث إلى داود، فقد أمر الله النبي ناثان أن يقول لداود: "فهكذا تقول لعبدي داود...متى كملت أيامك واضطجعت مع آبائك أقيم نسلك الذي يخرج من أحشائك، وأثبت مملكته، هو يبني بيتاً لاسمي، وأنا أثبت كرسي مملكته إلى الأبد، أنا أكون له أباً وهو يكون لي ابناً، وإن تعوج أودبه بقضيب الناس وبضربات بني آدم..كذلك كلم ناثان داود" (صموئيل (2) 7/8-17)، فالمتنبئ عنه يخرج من أحشاء داود وليس من ذريته، وهو يملك على بني إسرائيل بعد اضطجاع داود أي موته، وهو باني بيت الله، وهو متوعد بالعذاب إن مال عن دين الله، وكل هذا قد تحقق في سليمان كما تذكر التوراة.
إن أياً من تلك المواعيد لم يتحقق في المسيح عليه السلام، فهو عندهم إله لا يصح أن يتوعد بالعذاب من الله لأنه لا يخطئ ابتداءً، كما أنه لم يبنِ لله بيتاً، ولم يملك على بني إسرائيل يوماً واحداً، ولم يثبت كرسي مملكته، لأنه لا مملكة له أصلاً في هذا العالم كما أخبر هو فقال: "أجاب يسوع: مملكتي ليست من هذا العالم. لو كانت مملكتي من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون، لكي لا أسلّم إلى اليهود، ولكن الآن ليست مملكتي من هنا" (يوحنا 18/36).
كما جاء في سفر أخبار الأيام الأول أن اسم صاحب النبوءة يكون سليمان، فقد قال لداود: "هوذا يولد لك ابن يكون صاحب راحة، وأريحه من جميع أعدائه حواليه، لأن اسمه يكون سليمان. فأجعل سلاماً وسكينة في إسرائيل في أيامه. هو يبني بيتا لاسمي، وهو يكون لي ابناً، وأنا له أباُ، وأثبت كرسي ملكه على إسرائيل إلى الأبد" (الأيام (1) 22/9).
من الذي دعي من مصر؟
ومن تحريف النبوءات المزعومة ما صنعه متى في قوله عن المسيح وعودته من مصر إبان طفولته: " كان هناك إلى وفاة هيرودس، لكي يتم ما قيل من الرب بالنبي القائل : من مصر دعوتُ ابني " ( متى 2/14-15 )، فقد زعم أن ذلك يحقق النبوءة التوراتية التي في سفر هوشع (انظر هوشع 11/1-2 ).
لكن النص الذي في هوشع لا علاقة له بالمسيح، فالنص يتحدث عن عودة شعب إسرائيل من مصر مع موسى، والحديث في أصل السياق عن يعقوب، ثم ينتقل للحديث عن أبنائه وعودتهم من مصر، ثم عبادتهم للأوثان بعد ذلك وإعراضهم عن دعوات الله لهم، فيقول: " لما كان إسرائيل غلاماً أحببته، ومن مصر دعوت ابني، كلما دعوا ولوا وجوههم، وذبحوا لبعاليم، وقربوا للأصنام " (هوشع 11/1-2 ).
فالنص لا علاقة له بالمسيح، فعبادة الأصنام التي يتحدث عنها النص حصلت قبل المسيح، ولا تنطبق على معاصري المسيح، لأن اليهود تابوا عن عبادة الأوثان توبة جيدة قبل ميلاد المسيح بخمسمائة وست وثلاثين سنة بعدما أطلقوا من أسر بابل، ثم لم يحوموا حولها بعد تلك التوبة كما هو مصرح في كتب التواريخ.
واستخدام هذه الصيغة ( ابني ) في شعب بني إسرائيل معهود في التوارة، فقد جاء فيها " عندما تذهب لترجع إلى مصر... فتقول لفرعون : هكذا يقول الرب: إسرائيل ابني البكر. قلت لك : أطلق ابني ليعبدني " ( الخروج4/21-23 ).
رابعاً: النصارى بين الاعتراف بالتناقضات والمكابرة
وتبذل محاولات يائسة وساذجة للجمع بين هذه المتناقضات وتقديمها بصورة متوافقة متكاملة، لكن التكلف يكتنف جميع هذه المحاولات التي غالباً ما تظهر باهتة، إضافة لما تحمله من صور للجمع لا دليل عليها.
لذا فإن الفيلسوف الناقد اليهودي اسبينوزا صدق وهو يقول عن التوراة، وينطبق حديثه على العهد الجديد: " فإذا ظن أحد أني أتحدث بطريقة عامة جداً دون أساس كاف، فإني أرجو أن يكلف نفسه العناء، ويدلنا على ترتيب يقين لهذه الروايات يستطيع المؤرخون إتباعه في كتاباتهم للأخبار دون الوقوع في خطأ جسيم، وعلى المرء في أثناء محاولته تفسير الروايات والتوفيق أن يراعي العبارات والأساليب، وطرق الوصل في الكلام، ويشرحها بحيث نستطيع طبقاً لهذا الشرح أن نقلدها في كتاباتنا، ولسوف أنحني مقدماً في خشوع لمن يستطيع القيام بهذه المهمة، وإني على استعداد لأن أشبهه
( بأبوللو ) نفسه.
على أني أعترف بأني لم أستطع أن أجد من يقوم بهذه المحاولة، على الرغم من طول بحثي عنه، ومع أني مشبع منذ طفولتي بالآراء الشائعة عن الكتاب المقدس، فقد كان من المستحيل ألا أنتهي إلى ما انتهيت إليه. وعلى أية حال فليس هناك ما يدعونا إلى أن نعطل القارئ هنا، وأن نعرض عليه في صورة تحد أن يقوم بمحاولة ميئوس منها".
اعترافات بتناقضات الأناجيل
وقليلون هم الذين يعترفون بالحقيقة، ومنهم محررو مجلة " الحقيقة المجردة ( الناصعة ) " النصرانية والتي يقول عدد يوليو 1975م منها: " هناك ادعاءات كثيرة لتناقضات في الكتاب المقدس لم يستطع العلماء حلها حتى الآن، وفيها ما يسر كل كافر ملحد، فهناك بعض الصعوبات النصية التي ما زال العلماء يتصارعون معها إلى يومنا هذا، ولا ينكر هذه الحقيقة إلا من كان جاهلاً بالكتاب المقدس ".
ومثلهم يقول مفسرو الترجمة المسكونية للتوراة عن الأناجيل بأنها " صورة لأدب غير مترابط، مفتقر هيكله إلى حسن التتابع... يبدو أن ما فيه من تضاد غير قابل للتذليل ".
-
خـــاتـمـــــة
نختم بعد هذه الجولة الطويلة فنقول بأننا نؤمن بالإنجيل الذي أنزله الله على المسيح هدى ونوراً للبشرية، ومبشراً برسالة نبينا ، وقد أضاعه النصارى
( ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظاً مما ذكروا به ) (سورة المائدة: 14).
وأما ما تسطره رسائل العهد الجديد زاعمة أنه وحي الله من غير دليل ولا حجة، فقد تبين لنا بطلانه وتحريفه، وعليه سقط الاستدلال به على ما تزعمه النصارى من عقائد فاسدة لسقوط الدليل.
وقد ثبت لدينا وبالأدلة المتكاثرة أن العهد الجديد ليس كلمة الله، بل هو كتابات لمجهولين لا تصح نسبتها إلى الحواريين، وقد اقتبس الكتاب المجهولون رواياتهم من الوثنيات القديمة. ورأينا كيف نقل بعضهم عن بعض دون التزام الأمانة العلمية في النقل.
وثبت لدينا بتفحص أسفار العهد الجديد أن كتبتها ليسوا بملهمين لكثرة ما وقعوا فيه من أخطاء وتناقضات لا تستقيم مع دعوى النبوة والعصمة التي لم يزعموها لأنفسهم، وقد نسبهم إليها آباء الكنيسة ومجامعهم.
وبقرار هؤلاء الآباء أضحت هذه الكتابات دون غيرها من كتابات القرن الميلادي الأول كتابات مقدسة تحمل وحي الله، فيما أصبح قراءة غيرها مستوجباً للقتل ثم للنار والطرد من رحمة الله.
وتتابع إخفاق العهد الجديد حتى في الأمور الأخلاقية، حيث قدم مُثل وأخلاقيات تبأس معها الحياة البشرية وتتوقف عند تطبيقها الحضارات الإنسانية، وفي مقابل ذلك نسبت الأسفار الكثير من القبائح إلى المسيح عليه السلام، لتدلل من الجديد أنها ليست كلمة الله.
وصدق الله إذ يقول: فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمناً قليلاً فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون (سورة النساء: 79).
وإلى لقاء متجدد مع الجزء الثالث من كتاب المجموع في الرد على النصارى وعباد اليسوع .
واللهَ نسأل أن يشرح صدورنا لما اختلفنا فيه من الحق بإذنه. إنه ولي ذلك والقادر عليه. وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
-
-
اقتباس

المشاركة الأصلية كتبت بواسطة الزمورد
و اياكم
جزاكم الله خير على المرور
-
يا صديق خوليو5
لقد قرأت أطروحتك التي عرضتها عن الكتب المقدسة، وأثارت إعجابي.
ولكنني وجدت فيها عدداً كبيراً مما أدعيه مغالطات، وأردت أن أعبر لك عنها.
عساني أكون عند حسن ظنك، وأشكر لك سلفاً حسن متابعتك للآراء الخاصة التي أرسلها
هذه الادّعاءات كلّها، التي أردتها أنت في أطروحتك الطويلة والغنية، ليست سوى تكرار لمن
سبقك من المؤلّفين: "وأورد الإمام البخاري ، وفي التفسير المظهري، وفي كتاب الرد على الجهمية، وفي كتاب الاعتصام، وقال الإمام الهمام فخر الدين الرازي قدس سره في كتابه المسمى بالمطالب
العالية، وقال الإمام القرطبي في كتابه المسمى بكتاب الإعلام، وقال العلامة المقريزي، وقال صاحب
كشف الظنون، وقال صاحب هداية الحيارى في أجوبة اليهود والنصارى، وغيرها ..." هذه
العبارات أنا أخذتها من أطروحتك التي أدليت بها، ولم آت بها من بيت أفكاري.
ولكنّ هذه المراجع التي تستند إليها، قد تمّ الردّ عليهم سابقاً، فقد ردّ الأب يوسف درّة الحدّاد
،كما ردّ عليها الأب خوّام، وكذلك الأب لويس شيخو وسواهم الكثير من المفكّرين المسيحيّين،
على كلّ هذه الادّعاءات الكاذبة، وأحيلك إلى قراءتها...
ولكنّك أنت يا خوليو 5 لم تأت بشيء جديد، سوى أنّك أدليت بأقوال أولئك السلف، بل نقلتها
كما هي وكما أوردوها، من دون أن أرى تعليقك الجديد، ولم أجد شيئاً جديداً، سوى أنك
تتبنّاها، وتؤيّدها، وهذا حقّ لك. فأنا قد اطّلعت على قسم كبير من هذه المراجع، كما اطّلعت
على ردود المسيحيّين عليها، فهل تريد أن أكرّرها لك؟ وهل هذا هو الحوار الذي تريده؟ هل
الحوار يقوم على الببّغائيّة؟ أم على الإبداع والبحث وإيجاد الجديد؟
ومع ذلك فــ :
1ً – هناك خلاف كبير بين مفهومنا للكتاب المقدّس، وطريقة تأليفه، وطريقة الوحي والإلهام،
وطريقة التفسير، والكتابة، والترجمة؛ وبين مفهومكم أنتم للكتب المقدّسة. فأنتم تؤمنون أنّ
الكتب المقدّسة تهبط من السماء بحرفيّتها، وتهبط على الأنبياء، فيحفظونها، وينقلونها إلى البشر.
وهذه الرؤية هي رؤية قرآنيّة بحت. حيث ورد في القرآن الكريم ما يدعم هذه الرؤية من آيات
كثيرة، وأنت جدير بأن توردها كما حفظتها منذ صغرك، وأعتقد أنّك كنت شاطراً في ذلك.
فيما نحن نختلف عنك كثيراً في هذه الرؤية، إذ لا نؤمن بكتب هبطت من السماء، بحرفيّتها.
وبالتالي فلا نؤمن بأنّ هناك إنجيلاً لعيسى، وكتاباً لموسى. فهذه الرؤية لا تعنينا، ولا نوليها اهتماماً،
حتّى وإن كانت تحظى باهتمامكم، وتدافعون عنها وتتّخذونها مقياساً ثابتاً في تقويماتكم.
بل نؤمن بأنّ الله يوحي للإنسان، بحسب لغته، وطريقة تفكيره، ونمط عيشه، وبيئته؛
ودور الإنسان يقوم على تفسير هذا الوحي، أو كتابته، أو نقله إلى بني البشر.
فلا مجال لحرفيّة الرسالة، بل الجوهر في الرسالة يقوم على مضمونها، ومحتواها وتحديد أفكارها.
وهذا لا يمنع من تأديتها حرفيّاً أحياناً.
ثمّ إنّ التأكيد على حرفيّة الرسالة، نجد فيه تحديداً لهوّيّة الله. أفالله لا يجيد إلاّ اللغة العربيّة مثلاً؟ ألا
يوحي باللغة السيريلنكيّة؟ أو باللغة الصينيّة؟ أو باللغة الإنكليزيّة؟ أوتراه عاجزاً عن فهم تلك
اللغات؟
لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. (متى 10: 28)
-
لذا لا يمكن حصر الأمر بالحرف وحده، لأنّنا بذلك ننتقص من الألوهة التي نجلّها وننزّهها.
هذا لا يعني أنّ الكتاب المقدّس محرّف. على الإطلاق.
بل على العكس، عندما يقوم النبيّ أو الرسول بنقل الرسالة أو النبوّة أو الإعلان الإلهيّ، ينقلها
بالمقدار الذي يمكنه استيعابها.
فإذا كان هذا الرسول أو النبيّ أو المختار لا يجيد القراءة والكتابة، قد تكون الرسالة في مثل هذه
الحال، بسيطة أكثر منها في حالة أخرى. ولا تكون أكثر تعقيداً، ليسهل عليه حفظها ونقلها
بأمانة.
في حين إذا كان هذا الرسول أو النبيّ أو المختار يتمتّع بمستوى علم أو كتابة أو قراءة أكثر من
سواه، فعندئذ قد يكون مدى الاستيعاب لديه أكثر، وعندئذ تكون الرسالة أكثر اتّساعاً وشموليّة.
ليس ادّعائي هذا سوى انعكاس لرؤيتي البسيطة في الإيمان الذي أدّعي ممارسته، أعكس رأيي
الخاصّ في ذلك.
2ً – يا عزيزي خوليو 5، أنت أوردت دراسات أدبيّة، وانتقادات تحليليّة، وعلميّة، وتاريخيّة؛ قد
قام بها علماء اختصاصيّون في هذا الشأن. إذ سمحوا لذواتهم أن يجروا تشريحاً كاملاً للكتاب
المقدّس، برمّته. في عهديه القديم والجديد. وقاموا بدراسته كما تجري الدراسة لكتاب أرسطو
مثلاً، أو أفلاطون، أو هيرقليطس أو سواهم من المؤلّفين القدماء، فوضعوه أمام أعينهم، ووصلوا
إلى نتائج مذهلة.
وهذه الدراسات تقوم على ربط ما يرد في الكتاب المقدّس مع ما قبله من كتب وحضارات، ومع
ما ورد في كتب أخرى قد يتمّ العثور عليها في نفس الفترة، ومقارنتها مع طريقة العيش والتفكير
السائدة. وقد أعطوا نتائج مذهلة، بحيث إنّهم تأكّدوا أكثر أنّ تلك الكتب المقدّسة، العهد الجديد
والقديم، قد حافظت على نقائها وعلى صحّة ما ورد فيها منذ ألفي سنة، منذ نشوئها، إلى اليوم.
لذلك وردت أطروحتك طويلة جداّ.ً
وهذا ينفي كلّ ادعاءاتك وادّعاءات الآخرين في توجيه تهمة التحريف إليها.
فأنتم أخذتم مقاطع أو أجزاء تَمّتْ دراستها، ومقارنتها مع حضارات أخرى،
أخذتم مقاطع وأجزاء تمّ نقدها والتعليق عليها، وتوجيه احتمالات التحريف فيها
أخذتم مقاطع وأجزاء من الدراسات تمّ التعمّق في صحّة نسبتها إلى مصدرها واحتمالات سندها أو
عدمه،
أخذتم مقاطع وأجزاء من تلك الدراسات تمّ تشريحها وتفنيد محتوياتها كلمة بكلمة، وحرفاً بحرف،
مع العلم أنّ تلك الدراسات، بمعظمها إن لم نقل كلّها، قد أخذت أوقاتاً كثيرة، ومجالات واسعة
من المساحات الفكريّة. وأنتم كنتم تعلّقون على مجتزءات، أو مقاطع منها. فيما كان الأجدر أن
تأخذوا نتيجة تلك الأبحاث، ليكون لديكم فكرة شاملة عن البحث. فيتم تأكيده أو عدم التأكيد.
وهكذا تكون أطروحتكم علميّة، لا انتقائيّة، أو مزاجيّة.
3ً – يا صديق خوليو5، إنّ المعيار الذي تستندون إليه في تهمة التحريف، هو القرآن الكريم:
لاَ تَخَافُوا مِنَ الَّذِينَ يَقْتُلُونَ الْجَسَدَ وَلكِنَّ النَّفْسَ لاَ يَقْدِرُونَ أَنْ يَقْتُلُوهَا، بَلْ خَافُوا بِالْحَرِيِّ مِنَ الَّذِي يَقْدِرُ أَنْ يُهْلِكَ النَّفْسَ وَالْجَسَدَ كِلَيْهِمَا فِي جَهَنَّمَ. (متى 10: 28)
معلومات الموضوع
الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المواضيع المتشابهه
-
بواسطة المهدى في المنتدى منتديات الشيخ أيوب
مشاركات: 15
آخر مشاركة: 16-08-2022, 11:21 PM
-
بواسطة huria في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 11-06-2013, 07:13 AM
-
بواسطة huria في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 0
آخر مشاركة: 31-05-2013, 04:58 PM
-
بواسطة محمد مصطفى في المنتدى منتديات الدعاة العامة
مشاركات: 12
آخر مشاركة: 10-06-2007, 12:34 AM
-
بواسطة الحاتمي في المنتدى منتدى الكتب
مشاركات: 1
آخر مشاركة: 25-11-2006, 01:57 PM
الكلمات الدلالية لهذا الموضوع
ضوابط المشاركة
- لا تستطيع إضافة مواضيع جديدة
- لا تستطيع الرد على المواضيع
- لا تستطيع إرفاق ملفات
- لا تستطيع تعديل مشاركاتك
-
قوانين المنتدى

المفضلات