الثالوث ( الوحدانيّة المسيحيّة )
الثالوث ( الوحدانيّة المسيحيّة )
أنّ الوحدانيّة المسيحيّة عقيدة أساسيّة من عقائد الإيمان وهي أنّنا " نؤمن بإله واحد " . وإنه لمن الأهميّة البالغة أن ندرك مكانة وحدانيّة الله عزّ وجلّ في المسيحيّة , إذ إنّ كلّ تفسير لطبيعة الله المثلَّثة يُنكِروحدانيَّتها , لا يمكن اعتباره تفســيراً صحيحاً للإيمان المسيحيّ . قال بولس الرسـول في رسـالته الأولى إلى أهل قورنتس : " قد يكون في السماء أو في الأرض كثيرٌ من الآلهة وكثير من الأرباب , وأمّا عندنا نحن فليس إلاّ إلهٌ واحدٌ وهو الآب "1قور8/5-6 . وبعبارةٍ أُخرى , عندما يتكلّم المسيحيّون على الثالوث , فإنّما هم يحاولون التعبير عن وحدانيّة الله .
1 . تثليث الآلهة
وُجد في تاريخ المسيحيّة بعض الأفراد والجماعات من أصحاب النظريّات التي تنكر الوحدانيّة في الله وتقول بثلاثة آلهة . فجميع تلك النظريّات حرّمتها الكنائس المسيحيّة وعدّتها منافيةً للتعليم المسيحيّ الصحيح . من ذلك أنّه قام في القرن السادس المدعوُّ يوحنّا فيلُوبُونُس وبعض أنصارٍ له قالوا إنَّ في الله طبائعَ ثلاثاً مختلفةً في الجوهر ؛ فحرمتهم الكنيسة . وفي العصر الوسيط أُدين أيضاً الفيلسوفان رُوسْكِلِّينُس وجيلْبير ده لابورِّيه لاعتقادهما بأنّ هناك ثلاثة آلهة , وكان جواب الكنيسة عليهما ما جاء في المجمع اللاترانيّ الرابع , المنعقد سنة 1215 , من أنّ الوحدانيّة في الله هي عقيدةٌ لا جدال فيها من عقائد الإيمان المسيحيّ .
ومع ذلك فقد يبدو , على المستوى الشعبيّ , من خلال بعض تعابير المسيحيّين وممارساتهم , أنّ ثمّة مَيلاً إلى تثليث الآلهة عملياً . إلاّ أنّ تلك التعابير والممارسات لم تنل قطّ رضى الرؤساء والعلماء في الدين المسيحيّ , لا بل إنّهم شجبوها قطعاً وأعلنوا ضلالها وبطلانها .
2. العهد الجديد والثالوث
لم يَرِدْ قطّ في الكتاب المقدّس كلمة " ثالوث " . وأوّل استعمال معروف لها في تاريخ المسيحيّة هو على لسان ثاوفيِلُس الأنطاكي , عامَ 180 . بيد أنّ أُسُس مفهوم الثالوث ملموسةٌ في العهد الجديد وقد أفصحت عنها صيغةُ منح العماد الواردة في إنجيل متّى : " عمِّدوهم باسم الآب , والابن , والروح القدس " مت 28/19.
وفي الرسائل , غالباً ما يكون السلام الذي يتبادله المسيحيّون سلاماً " ثالوثيّاً " . وهنا مثال على ذلك : " من بطرس , رسول يسوع المسيح , إلى المختارين بسابق علم الله الآب وتقديس الروح , ليطيعوا يسوع المسيح ويُنضَحوا بِدَمه , عليكم أوفر النعمة والسلام "1بط 1/1-2 .
وإذا ما أشار العهد الجديد إلى الله , فإنّه يستعمل الكلمة اليونانيّة " هو ثِيُوس" ومعناها الحرفيّ : الله . وهذه الكلمة تدلّ على الله الأزليّ , الخالق , المحيي , السيّد القدير . و " هو ثِيُوس " تشير دوماً إلى إله إبراهيم وإسحق ويعقوب , إله موسى والأنبياء . وفي الكتاب المقدّس لا يُدعى يسوع ولا الروح القدس " هو ثِيُوس " .
ولقد دأب مؤلِّفو الكتب المقدَّسة على تسمية الله : " الآبَ " , وهي عبارة ورثوها عن اليهوديّة . وسبق أن أشرنا إلى أنّ يسوع علَّم تلاميذه أن يصلّوا قائلين " أبانا الذي في السموات " مت 6/9 وأضفى على هذه العبارة طابع الدالّة العائليّة , دالّة الابن الذي يدعو والده أبي . وقال يسوع أيضاً إنّه يرجع إلى " أبي وأبيكم وإلهي وإلهكم " .
إلاّ أنّ أسفار العهد الجديد تؤكّد العلاقة الخاصّة القائمة بين يسوع والله الآب . فيوحنّا , على ما رأينا , يقول إنّ كلمة الله الأزليّة اتّخذت جسداً وسكنت بيننا في شخص يسوع . ويلجأ بولس إلى كلام مماثل : " الله كان في المسيح " , و " لقد ظهر لطفُ الله مخلِّصنا ومحبّتُه للبشر في يسوع " طيطس 3/4 . وفي إنجيل يوحنّا يقول يسوع : " أنا والآب واحد" ؛ ومعنى ذلك أنّ الوحدة بينهما هي وحدةٌ فريدة لا مثيل لها , وحدة حبٍ وثيق , وإرادة , وعمل : يسوع يعمل , على أكمل وجه , مشيئة الآب , وكلّ ما يعرفه أو يعلّمه " قد أعطانيه الآب " . ويضيف يسوع : " إنّ الآب أعظم منّي " .
وإنّنا لنجد ما يساعدنا على إدراك مضمون العلاقة بين يسوع والله , في الرجوع إلى مفهومَي الحلول والاتّحاد المذكورين في كتابات الصوفيّين . ومع أنّ أغلبية المسلمين لا تقبل هذين المفهومين بين العناصر الأساسيّة التي يتكوّن منها التقليد الإسلاميّ , فإنّ المؤلِّفين العرب المسيحيّين قد ركنوا تَيْنك العبارتين لوصف العلاقة بين يسوع والآب . وبسبب هذه العلاقة الخاصة , دُعي يسوع " ابن الله " ولا يُفهم البتّةَ من ذلك أنّه وُلد ولادةً جسديّة , لا بل إنّ مجرّد التفكير بأنّ الله سبحانه أنجب ولداً , لمِمّا تكرهه المسيحيّة على نحو ما يكرهه الإسلام . فإنّ لَقَبُ " ابن الله " تعبير أعلنت به الكنيسة الأُولى إيمانها بأنّ يسوع له شخصيّة فريدة مميّزة لا مثيل لها على الإطلاق . ويؤمن المسيحيّون أنّه , بسبب تلك العلاقة الخاصّة , يتمّ الاتّصال بين الله تعالى والبشريّة من خلال يسوع . فيسوع هو عبد الله ورسوله , وقد أعطاه الله المعرفة والسلطان ليدين البشر ويعطي الحياة . إنّه الوسيط الوحيد بين الله تعالى والناس , وأعماله ذات مفعولٍ خلاصيّ خاصّ .
وغالباً ما يشير العهد الجديد إلى الروح القدس على أنّه " روح الله " . ومفهومُ المسيحيّة للروح القدس يختلف عنه في الإسلام : فالتقليد المسيحيّ والكتب المقدّسة المسيحيّة لا تقول بأنّ الروح القدس هو الملاك جبرائيل , ولا تقول إنّ الروح هو خليقةٌ من خلائق الله تختلف عنه , بل تُقرّ بأنه الله نفسه , وبأنّه يحيا في قلوب البشر والعالم المخلوق ويعمل فيها , أيّ أنّه وجود الله القادر الفعّال في العالم , ويسوع حُبل به بقوّة الروح القدس , وقاده الروح إلى البرّيّة قُبيل انطلاقه للتبشير ؛ كما أنّ الأناجيل تُظهر الروح حالاًّ على يسوع في صورة حمامةٍ ساعة اعتمد في نهر الأردنّ . والروح يُرشد الجماعة المسيحيّة ويعلّمها , كما أنّه يكشف عن أسرار الله ويُلهم محرّري الكتب المقدّسة . ويُدعى في أسفار العهد الجديد : المعزّي , روح الحكمة والإيمان , روح الشجاعة والمحبّة والفرح .
3. الإله الثالوث الواحد في تاريخ المسيحيّة
لئن لا يأتي العهد الجديد على استعمال كلمة " الثالوث " , إلاَّ أنّه يتكلّم على الله فيدعوه " الآب " , وعلى رسالة الله المتجسّدة في يسوع , وعلى حضور الله القادر الفعّال فيدعوه " الروح " . وتعاقبت أجيال المسيحيّين تتأمّل في تعاليم الكتاب , فلجأت إلى تعابيرَ ومقولاتٍ خاصّة لتزداد فهماً لما ورد في الأسفار المقدّسة . وعلى مرّ العصور وطوال تاريخ الكنيسة , رأى المسيحيّون أنّ طبيعة الله الثالوثيّة هي سرّ , وعليه لا يمكن التكلّم عليها بأيّ تعبير بشريّ . ومع أنّ الكتّاب والمتصوّفين والمتكلّمين المسيحيّين حاولوا الاستعانة بمعطيات العهد الجديد للوصول إلى إدراك بعض ما يمّت إلى طبيعة الله , إلاَّ أنّهم اعترفوا جميعاً بأنّ جهودهم مهما عَظُمت , ستظلّ مقصِّرة .
ولقد لجأ المفكِّرون المسيحيّون , على مرّ الأجيال , إلى المفاهيم والنُظم الفلسفيّة السائدة في أيّامهم , للتعبير عن سرّ الله الثالوث ... وأقرَّ الباباوات والمجامع الكنسيّة أنّ بعض صِيَغ التعبير مغلوطة , ولكنّهم لم يَقُْصُروا صِيَغ التعبير الأخرى على ما حدَّدوه .
ولمّا كان المسيحيّون يؤمنون بأنّ الروح القدس لا ينفكّ يُرشد الكنيسة , فإنّنا نقول مؤمنين بأنّ تفهُّمنا سرَّ الثالوث سيظلّ ينمو ويتطوّر بفضل مساهمة الباباوات والمجامع والمفكّرين والمتصوّفين . وقد أقرّت المجامع الكنسيّة الأُولى , التي انعقدت في نِيقيا وأفسس وخَلقِيدُونِية والقسطنطينيّة , أنّ الله واحد في ثلاثة أقانيم . و " أقانيم " جمع كلمة " أقنوم " , وهي يونانيّة الأصل ويمكن تعريبها بعبارة " طريقة للوجود " . وعليه فالأقانيم الثلاثة في الله هي ثلاث طرق أو ثلاث حالات لوجود الله وعمله .
وقد عبّر الكتّاب العرب المسيحيّون عن الأصل اليونانيّ بكلمة أقنوم كما رأينا وبكلمة صفة (ميزة , مظهر) أمّا ترجمة الكلمة إلى اللاتينيّة فكانت بعبارة ؛ persona ومعناها " القناع " أو " طريقة الوجود " . أمّا اليوم فكلمة persona لم تعد تعني طريقةً للوجود والعمل , بل تشير إلى الشخص أي الفرد المتميّز الذي له عقله وإرادته ومسؤوليّته الخاصّة . وهكذا فعندما يتكلّم المسيحيّون اليوم على إله واحد في ثلاثة persona يُخشى أن يُفهم خطأً أنّ المسيحيّين يؤمنون بإله واحد مكوّن من ثلاثة أفراد , أو ثلاثة " أشخاص " , أي ممّا يشبه مجموعة ثلاثة . وهذا ليس بالتعليم المسيحيّ الصحيح ولم تُرِدْه المجامع الكنسيّة الأُولى بوجهٍ من الوجوه . ولم يتكلّم الكتّاب المسيحيّون الأوائل قطعاً عن الثالوث كأنّه " إله واحد في ثلاثة أشخاص " .
4. التعبير الفلسفيّ عن الثالوث
نعبّر عن مفهومنا للطبيعة الواحدة في الله الثالوث على النحو الآتي : نؤمن بإله واحد تقوم طبيعته على ثلاث صفات . والإله الواحد يوحي بنفسه على أنّه الخالق القدير وسيّد الحياة , ويدعوه المسيحيّون " الآب " أو " أبانا " ؛ وهو الذي أوحى إلينا برسالته - أو بكلمته – الأزليّة في الإنسان يسوع ؛ كما أنّه الوجود الفعّال المحيي في الخليقة ( وهذا الوجود هو , في اعتقاد المسيحيّين , " الروح القدس " ) .
ويؤمن المسيحيّون - كما يؤمن المسلمون – بأنّ أسماء الله وصفاته متعدّدة . بيد أنّ المسيحيّون يَعتقدون بأنّ , مِن بين صفات الله هذه التي لا حصر لها , ثمّة ثلاث هي أزليّةٌ مثله تعالى , وملازمةٌ لطبيعته , وضروريّة . وهذه الصفات هي الآتية :
- طبيعة الله الذاتيّة المتعاليّة ( الآب ) ؛
- كلمة الله التي تجسّدت في الإنسان يسوع ؛
- وجود الله الفعّال المحيي في الخليقة .
هذه الصفات أزليّة لأنّه لا تبدُّلٌ جوهريّ في الله , وطبيعته هي هي دائماً أبداً . وهذه الصفات ملازمةٌ لطبيعته تعالى , لا صفاتٌ خارجيّة مضافة إليه ولا ظواهرُ نعتبر نحن البشر أنّها في الله . وهي ضروريّة لأنّ ما من واحدةٍ من تلك الصفات الثلاث يمكن إنكارُها أو نزعُها عن الله لأنّها جميعاً من جوهر طبيعته , وهذا ما أوحاه الله نفسه في الكتاب المقدّس .
5. تصميم الله الخلاصيّ
لله تعالى تصميمٌ يسعى من خلاله إلى خلاص الإنسان , وهو يحقّقه فعلاً في تاريخ البشريّة . إلاَّ أنّ التاريخ مليء بالأحداث الماديّة المتقلّبة والأناس الخطأة . فكيف يَدخل الإلهُ الأزليّ , المنَّزه المتعالي , الإلهُ القدّوس ( " الآخَر " بكلّيّته ) , هذا العالَم الملموس المتبدَّل ليخلِّص الناس ؟ هل يبقى الله بعيداً عن شؤون البشر ويُدلي برسالته من بعيد , أم يلتزم التزاماً شخصياً في الوضع البشريّ ؟
الجواب المسيحيّ هو أنّ لله طريقتين يحقّق بهما الخلاص في إطار تاريخ البشريّة . الطريقة الأُولى هي تَجسُّد رسالته تجسّداً شاملاً كاملاً في إنسانٍ يوحي بالله في سائر ما يقول ويفعل . ومن خلال انتصار يسوع على الألم والموت بفعل قدرة الله الخلاصيّة , تشاهد الإنسانيّةُ تحقيقَ وعودِ الله في ما يعمله وسوف يعمله لصالح كلٍّ منّا . وبواسطة يسوع ينشىء الله جماعةً تستمرّ في تأدية الشهادة لخلاص الله هذا .
أمّا الطريقة الثانية التي يلجأ إليها سبحانَه وتعالى , فهي وجوده القادر الفعّال في الكون وفي كل رجلٍ وامرأة . هذه الفعّاليّة لا تقتصر على المسيحيّين , بل تشمل جميع البشر فرداً فرداً من جميع الملل , فتعلّمهم وتهديهم وتخلّصهم . وهذا ما يدعوه المسيحيّون الفعل الشامل لروح الله . لذا لا يعتقدون بأنّ الخلاص يقتصر عليهم دون سواهم , بل هو متوفّر لجميع الذين يستجيبون لدعوة الله وهو يخاطب كلَّ إنسان ويعمل في قلب كلّ امرئٍ وامرأة .
6. لقاء المسيحيّ والإله الواحد الثالوث
الثالوث في نظر المسيحيّين ليس معادلةً حسابيّة أو مفهوماً فلسفيّاً , بل هو أساس خبرتنا الدينيّة الشخصيّة . فعندما نلتقي الله , جلَّ جلالُه , في الصلاة والعبادة , في مطالعة الكتاب المقدّس والتأمّل فيه , أو في متطلّبات الحياة المسيحيّة اليوميّة , إنّما نختبر الله فاعلاً في حالات وجوده الثلاث . ذلك بأنّ الله , في معتقد المسيحيّين ؛
هو الآب المتعالي ( الذي برأنا , والذي إليه نتوجَّه في عبادتنا وصلواتنا , والذي نجتهد في أن نحيا بحسب إرادته ) ؛
هو من يكلّمنا فيعلن عن نفسه بواسطة يسوع ( يسوع الذي نريد أن نتشبَّه به , وبه نتصالح مع الآب ) ؛
هو الحّي والفاعل فينا روحاً قُدُساً حالاً في أعماقنا .
7. الاعتقاد بالثالوث عند مسيحيّي ( نصارى ) الجزيرة العربيّة
كان المسيحيّون قبل ظهور الإسلام منتشرين بكثرة في أطراف الجزيرة العربيّة ( البادية السوريّة , سيناء , اليمن , ما بين النهرين ) , إلاَّ أنّهم كانوا قلّةً في الحجاز . ولمّا كانت مكَّة معقل الوثنيّة في أيام الجاهليّة , فقد وقفت عقبةً دون انتشار المسيحيّة هناك , والمسيحيّون القلائل الذين عُرفوا في الحجاز لم يكونوا متجذّرين في دينهم أو متبحّرين في تعاليمه . ولا غرو , إذ لم يكن ثمّة معاهد يتلقّى فيها المسيحيّون مبادئ دينهم , كما أنّ الأسفار المقدّسة لم تكن قد تُرجمت إلى العربيّة . والثالوث الساميّ التقليدي عند وثنيّي عرب الجاهليّة كان على النحو التالي :
الله ( " الإله العليّ " ) -------------------- اللاّت ( " الأمّ العظمى " )
بعل ( " الرب " )
ويبدو أنّ ذلك المفهوم الوثنيّ للثالوث راقَ بعضَ العرب الحديثي الاهتداء إلى المسيحيّة , الجاهلين مبادئ ديانتهم . فخلطوا بين الإله العليّ والآب , وبين مريم والأمّ العظمى , وبين المسيح والربّ المولود في الجسد من الله ومريم . وهذا لعمري تحريفٌ لمعتقد المسـيحيّين الحقيقيّ , وقد شجبه رؤساؤهم وكبار متكلّميهم.
والقرآن الكريم أيضاً يستنكر هذا المعتقد لحطِّه من طبيعة الله عزّ وجلّ , فيوافق في ذلك ما طالما أنكره المسيحيّون من أنّ الله أنجب ولداً , أو أنّ مريم ويسوع إلهان إلى جانب إله ثالث هو الله , أو أنّ الله ليس سوى واحدٍ من بين ثلاثة آلهة .
وهنا أُشير إلى أمر يلفت انتباهي أنا المسيحيّ عندما أطالع القرآن الكريم : فإنّي لا أجد فيه أيَّ ذكر لما تعلمه الكنائس المستقيمة الرأي عن طبيعة الله المثلّث الأقانيم . وهذا ما لا نستغربه , إذ إنّ القرآن شجب معتقداً بدائيّاً لأناس مشركين عاشوا في الحجاز آنذاك واعتنقوا بعضاً من الديانة المسيحيّة فشوَّهوه . وهذا المعتقد ترفضه الكنائس المسيحيّة على نحو ما يرفضه القرآن الكريم . وإنّي , بإثارتي هذا الموضوع , لا أبتغي الجدال , بل التشديد على أن المسيحيّين اليوم , وجميع المسيحيّين الواقفين على حقيقة دينهم بالأمس , لا يعتقدون بما يستنكره القرآن . ولا بدّ من الحوار المتواصل الدؤوب بين المسلمين والمسيحيّين ليتجاوزوا أموراً غالباً ما وقفتْ في الماضي عقبةً دون تفاهمهم على الوجه المرتجى . ولست أدّعي بذلك أنّ المسيحيّين والمسلمين ينظرون إلى الله النظرة نفسها , ولا أنّ كلا الفريقين يعبِّر عن الأمور نفسها بكلمات مختلفة . فممّا لا شكّ فيه أنّ بين الديانتين اختلافات أكيدة , والحوار الصادق وحدَه يساعدنا على التمييز بين الاختلافات الحقيقيّة وتلك التي هي ظاهرةٌ وحسب .
رد على أسئلة العضو / الأخت عبورهـ
ألاحظ من أسئلتك البساطة وعد الإلمام الصحيح بأبسط أمور العقيدة المسيحية
سؤالك حول مثال السارق وعدم المسامحة له من سيده حتى يقتل ابنه الوحيد
أختي الفاضلة مثالك لا ينطبق على واقع مفهوم الخطيئة في المسيحية أولاً ! لهذا استنتاجات أسئلتك هي مغلوطة ...
أختي الفاضلة سوف أقوم بالرد على أسئلتك بمايلي : كما تعرفين بقصة الطوفان العظيم والنبي نوح وسفينته ... القصة موجودة في الكتاب المقدس في سفر التكوين و أيضاً مذكورة في القرآن الكريم في سورة نوح
في نص سفر التكوين يطلب من نوح بصنع الفلك مع ذكر طوله وعرضه وأرتفاعه وجمع كل الحيوانات مثنى مثنى والطوفان الذي غمر المعمورة ....
ما حقيقة هذه القصة ؟ كيف تقرأ ؟ كيف تفسر ؟ لاشك أختي بأن هذه القصة موحى بها من الله وكتبت بإلهام من الروح القدس لتوصيل عمل الله الخلاصي للبشرية ...
في القراءة الأولى للقصة نقف حول أمور غير مقبولة للعقل ولا للمنطق ...
فكيف جمعت الحيوانات كافة .؟. واين حصل هذا الطوفان ومتى ؟؟ .. ببساطة إذا بقي تفكيرنا حول النص بحرفيته فإننا لن نصل إلى فكر الله والهدف الروحي للقصة ..
الجواب الكنسي لذلك كمايلي : لاشك كاتب السفر استخدم الفنون والقصص والأساطير الموجودة في أيامه نعم كان يوجود طوفانات تحدث في أيامه وخصوصاً في بلاد الرافدين وحوض النيل وكيف أهلكت كثيراً ..... فالكتاب المقدس هو من عمل الله والإنسان . الله الموحي لعمله الخلاصي للبشرية .. والنبي كاتب السفر هو المعبّر لإرادة الله وكتب وحي الله بتصرف منه مستخدماً جميع الفنون الموجودة والحكم والتعاليم ..
وهكذا أراد كاتب السفر أن يوصلنا بأن الله يبغض الخطيئة وما هدف الله للإنسان هو أن يعطي الحياة والخلاص للبشرية وجميع الكائنات الحية رغم الموت الحاصل في الطوفان تنبثق الحياة الجديدة والخلاص ....لقد رأى آباء الكنيسة ومعلميها بأن السفينة رمزاً يشير إلى الخلاص بواسطة الكنيسة .. نعم يأختي في القراءة الثانية للقصة لا نقف ونقول ما هذا ؟ ! بل علينا أن نقول مامعنى هذا ؟ ! نعم القصة مليئة بالخرافات والبعد عن العلم .. أقول لاتقرأ القصة بحرفيتها بل تقرأ القصة ببعدها الروحي ..
أعود لأسئلتك راجياً أن أوصلت لك البعد الثاني في الفكر اللاهوتي المسيحي ...
ماهو مفهوم الخطيئة؟ الخطيئة الأولى للبشرية هي أصل كل الخطايا في الكتاب المقدس خطيئة أبوينا آدم وحواء كما في القرآن الكريم حين قال لهما الله لآتقربا من هذه الشجرة ... الخطيئة ليست خطيئة جنسية أو خطيئة أخرى الخطيئة هي خطيئة كبرياء وتمرد على تعاليم الله .. هي رفض الطاعة وهذا هو جوهر كل خطيئة ويجب علينا التفريق بين الخطيئة الأولى والخطايا ..فليست الخطيئة هي مفرد الخطايا ولا الخطايا هي جمع للخطيئة : الخطيئة هي رفض الطاعة لله هي الكبرياء أرفض الله بأن يكون هو محور حياتي والنتيجة هي ابتعادي عن الله وهذا الابتعاد يسبب الخطايا . فالانسان الذي لايكون الله محوراً لحياته لايمشي في تعاليمه فهو يلعن , يسب , يسرق , يزني , يشتهي ما هوليس له , لايصلي , يبغض الآخرين , ..... فابتعاد الانسان عن الله هو الخطيئة الأولى أو الأصلية لأنها أصل باقي الخطايا ...والخطايا الأخرى هي نتاج الخطيئة ألأولى ... لهذا علينا أن نفهم قصد الله الخلاصي للانسان بأن يعيده للحياة وأن يشارك الآنسان في ذلك لهذا أقول بأن هدف الله هو أن يؤله الانسان . صار الله انساناً لكي يشرك الانسان ويدعوه للحياة الخالدة معه ويصير الانسان مؤلهاً .
ولهذا أرسل الله الأنبياء لكي يعدوا الطريق لمجيئ الرب الفادي المخلص . يسوع لم يطهر الخطيئة فالخطيئة هي هي ... ولكن بما أن إجرة الخطيئة هي موت لهذا دفع إلهنا إجرة الخطيئة " هكذا أحب الله العالم لكي لايهلك كل من يؤمن به بل تكون الحياة الأبدية " انجيل يوحنا 3/16
هذه حكمت الله أنه أختارملىء الزمان من بعد ما أعد البشرية وهيئها برسالة الأنبياء لمجيئه للخلاص .
ردا ًعلى مشاركة العضو نور ابريق
ان الخطيئة الأصلية أو الخطيئة الاولى ليست هي خطيئة أبوينا آدم وحواوحسب,
فكلمة آدم من العبرية معناها الأرضي أو الترابي فإذا آدم يشمل البشرية جمعاء, فخطيئة أبوينا هي خطيئة كل إنسان وعندما نقول الأولى لأنه ينبع منها باقي الخطايا فأبتعادنا عن الله هي الخطيئة ولذلك فإن كل البشرية خاطئة إي طبيعة الجنس البشري الساقطة.فإذاً الفداء هو عن الجنس البشري كافة عن خطيئتي أنا وأنت والجميع وبما أن أجرة الخطيئة هو الموت لذلك فإن ذبيحة المسيح على الصليب هي كفارة عن جميع خطايا العالم
الأجوبة على تساؤلات الإخوة ...
الأخت سميه ... شكراً على مشاركتك موضوعي وأسئلتك القيمة له :
الأخ 3abd Arahman مشرف حوار الأديان ... شكراً على مشاركتك موضوعي وأسئلتك القيمة له :
الأخ الفاضل الحبيب نجم ثاقب مشرف عام للمنتدى ... شكراً لترحيبك لي ضمن المنتدى ولمداخلتك القيمة لموضوعي :
الأخ الفاضل khaled faried مشرف عام للمنتدى ... شكراً لمداخلتك الواعية لموضوعي :
جميع الأخوة والأخوات الذين ساهموا في مداخلاتهم في غنى المواضيع ... شكراً لكم :
في قانون إيماننا نشهد بأننا نؤمن بإله واحد .. وفي البسملة المسيحيّة : " باسم الآب والابن والروح القدس , الإله الواحد , آمين " . والآية الإنجيلية تقول " عمدوهم باسم الآب والابن و الروح القدس "متى 28/19 . نلاحظ في صيغتي العماد والبسملة ان التوحيد يفتتحهما بالقول " باسم " على المفرد وليس بأسماء : الآب , والابن , والروح القدس . انتبهي يا أختي العماد باسم ( وليس بأسماء ) . أقول لك يا أختي لو أنّ في التثليث المسيحي الذي ندين به شبهة صحيحة على التوحيد الخالص , لأنكرت التثليث في سبيل التوحيد . والقرآن الكريم يشهد بأنّ المسيح هو أيضاً " كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " , فهو كلمة الله وروح منه في ذاته تعالى قبل إلقائه إلى مريم . فهذا تعريف " الابن " , في لغة الإنجيل . فالمسيح هو " الابن " , ابن الله , ليس من حيث هو " ابن مريم " بل من حيث هو " كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " : فهي بنوّة نطقية روحية في ذات الله قبل الإلقاء إلى مريم ؛ فهي أسمى من المخلوق , وفي ذات الخالق . فليس المسيح " ابن الله " على طريقة الاستيلاد من صاحبة - هذا كفر محض ! - بل على طريق الصدور في الوجود الإلهي , من ذات الله , في ذات الله , بصفة كونه " كلمته وروح منه " , في كامل التجريد والتنزيه .
إنّ الله تعالى هو " الآب " بحسب الإنجيل و المسيحيّة . وأبوّة الله هي في ذاته , من ذاته , لذاته ؛ إنها روحية نطقية و يصدر فيها كلمة الله من ذاته , صدور الابن عن أبيه في عالم المخلوق , على طريق المقابلة ,لا على طريق المطابقة . فهي أبوة وولادة وبنوة في مطلق الذات الإلهية , فوق المحسوس والمخلوق , ومن قبل الزمان والمكان , فوق الخليقة والخلق , منذ الأزل , في ذاته تعالى . فهو " الآب " بدون أدنى صلة بالمخلوق على الإطلاق . والمسيحيّة تؤمن بتحديد التوحيد كما تعلنه سورة الإخلاص : " قل : هو الله أحد , الله الصمد , لم يلد , ولم يُولد , ولم يكن له كفوءًا أحد " . لان الولادة المستنكرة لا تكون إلاّ بصاحبة : " أنى يكون له ولد ولم تكن له صاحبة " . وجلّ الله تعالى عن الصاحبة والمخلوق . إنّ الولادة فيه تعالى ذاتية روحية نطقية فوق المخلوق على الإطلاق . إنّ الأبوة في القرآن عمل المخلوق البشري ؛ وفي الإنجيل عمل الله الذاتي الروحي النطقي . لان الابن في الله هو " كلمته وروح منه " , أو بحسب الإنجيل : " منذ الأزل كان الكلمة , والكلمة كان في الله .." . فهي أبوة وولادة وبنوة إلهية روحية نطقية فوق المخلوق على الإطلاق . فليس التثليث المسيحي في الله بضم " جزء " إليه تعالى من خلقه : فهو تعالى فوق المخلوق ؛ والتثليث الصحيح فيه إنما هو تثليث خواصه الكيانية أو صفاته الذاتية , في وحدة جوهره , قبل الخلق والمخلوق
إنّ اتّهام المسلمين للمسيحيّين بأنّهم يُشركون بالله , شيئاً ينطوي على سؤال ضمنيّ : ما هو بالضبط , في نظر المسيحيّين , ذلك الشيء الذي يسبّب لهم تهمة الشِّرك ؟ لا ريب في أنّ اعترافهم بيسوع مسيحاً لم يكن اعتباطاً , بل كان له سبب . فهم لم يجلسوا ذات يومٍ وقالوا : " علينا الآن أن نستنبط لنا إيماناً بالثالوث " , بل حداهم على ذلك اختبار , اختبار واقعيّ لشخصيّة يسوع . أليس علم الكلام الإسلامي يركز دائماً على وحدانيّة الله . فلو طرح السؤال التالي : هل علينا أن نعتبر كلمة الله مساوية له في الأزليّة , وهل هي مخلوقة أم غير مخلوقة ؟ وإلى أيّ مدى ترتبط مسألة طبيعة القرآن بفهم التسامي المطلق لله ؟ نتساءل : كيف يحدُث فجأةً أن يتكلّم الله بالعربيّة ؟ وإذا فهمنا الوحي القرآنيّ تنزيلاً حرفيّاً , أفلا يُفضي بنا ذلك نوعٍ من " التّقرْطُـس " أي " تجسد كتابي " لكلام الله ؟ , وهذا يطرح على المسلمين السؤال ذاته الذي سبق وطرحه المسيحيّون بشأن تأنّس كلمة الله . والمجادلات الحادّة التي دارت حول طبيعة القرآن , لمعرفة هل هو مخلوق أم هو كلمة الله الأوليّة غير المخلوقة , تلك المجادلات التي هزّت كيان العالم الإسلاميّ في أواخر القرن الثامن والقرن التاسع الميلاديّ , لها تماماً ما يقابلها في الخلافات التي نشأت في الشرق المسيحيّ حول طبيعة المسيح . فالمسلم يعتقد أنّ الكلام العربيّ الذي يجده بين دفّتي المصحف هو فعلاً كلام الله المبين . وثمّة حديث قدسيّ جاء فيه : إنّ مَن يتلو القرآن هو كمن يخاطبني وأخاطبه . أليس يوجد سلسلة من الأدعية الإسلاميّة " بشان القرآن " , أي بجاهه وقوّته . هذا هو إيماننا في المسيحيّة بأنّ كلمة الله قد تجسدت " كلمته ألقاها إلى مريم وروح منه " , لا من حيث هو " ابن مريم " .
إخوتي وأخواتي الأفاضل : قد بينت في موضوعي السابق بأن الكنيسة ( التلاميذ وجماعة المؤمنين ) , راحت تتأمل كلام المسيح وأعماله في ضوء قيامته وحلول الروح القدس فيهم بعد إطرابهم وخوفهم من رؤساء الدين اليهودي . راحت تسترجع أقوال المعلم وكيف كان يشرع في صنع المعجزات وإحياء الموتى وكيف كان يشرح لهم آيات العهد القديم في مولده و ... [ الرجاء الرجوع إلى قراءة الفصل 24 / 13 -35 من إنجيل ربنا يسوع المسيح كما رواه لوقا البشير ]. وبالرجوع أيضاً إلى الكتاب المقدس العهد القديم فكثيرة هي النبوءات التي تتحدث عن المسيح : " لأنه يولد لنا ولد , ويعطى لنا ابنٌ وتكون الرئاسة على كتفه , يسمى باسم عجيب ويكون مشيراً وإلهاً قديراً وأباً أبدياً ورئيس السلام " اشعيا 9/5 . كما تنبأ النبي ميخا عن ولادة يسوع في قرية تدعى بيت لحم ( ميخا 5/2 ) ؛ كما أخبر اشعيا النبي عن ولادة المخلص من فتاة عذراء ( اشعيا 7/14 ) ؛ وفي ذبيحة الصليب نجد اشعيا النبي يقول بالهام من الروح القدس " حمل عاهاتنا وتحمل أوجاعنا .. ظلم وهو خاضع وما فتح فمه , كان كنعجة تساق إلى الذبح ... " اشعيا 53 ؛ " حملاً سيق إلى الذبح " ارميا 11/19 ؛ ويقول عنه يوحنا المعمدان عندما نظر يسوع مقبلاً إليه : " هو ذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم ... وأنا لم أكن أعرفه , لذلك جئت أعمد بالماء ... لكن الذي أرسلني لأعمّد بالماء , ذاك قال لي : الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه , فهذا هو الذي يُعمّد بالروح القدس . وأنا قد رأيت وشهدت أن هذا هو ابن الله " يو 1/29-34 . وللأسف كيف يساء فهم تشبيه الرب يسوع بالحمل أو النعجة من حيث انه لم يقاوم وكان الكفارة التي دفع أجرة الخطيئة في وضع تفسير حرفي لصور حمل كتب عليها هذا ما يعبده النصارى ... أمّا ما قاله الرب يسوع عن نفسه في الإنجيل بأنه : " هو ابن الإنسان الذي نزل من السماء " يو3/13 ؛ " أنّ الآب فيّ وأنّي في الآب " يو 10/38 ؛ " أنا والآب واحد " يو 10/30 ؛ " لأنّي من الله خَرجتُ وأتيت " يو 8/42 ؛ " أنا هو " كثيراً ما قالها يسوع عن ذاته 0 يو6/20 ؛ " فإذا لم تؤمنوا بأني أنا هو " يو8/24 ؛ " متى رفعتم ( أي صلبتم ) ابن الإنسان , عرفتم أني أنا هو " يو8/28 ؛ " قبل أن يكون إبراهيم , أنا هو " يو8/58 . معنى " أنا هو " : بالرجوع إلى الكتاب المقدس , عندما سأل موسى عن اسم الرب (خروج 3/13) بطريقة مباشرة , أجابه الله بالعبارة " إهيه أشر إهيه " خروج 3/14 ؛ الفعل "هيه " ( في العربية هو ) , يعني الكائن الموجود الذي يعبّر عن وجوده بالفعل والعمل .لسنا هنا أمام تصوّر فلسفي عن جوهر الله وكبانه وأزليته . قال الرب لموسى ( أنا الكائن معك ) , عرف موسى اسم يهوه " الكائن الذي هو " , " أنا هو " أعاد يسوع اسـتخدام العبارة ذاتها في التعريف عن شـخصه ؛ ولهذا أخذوا حجـارة ليرجموه لأنه قال عن نفسـه " أنا هو " يو8/59 . أجابهم يسوع : " أريتكم كثيراً من الأعمال الحسنة من عند الآب , فلأيّ عملٍ منها ترجموني ؟ " . أجابه اليهود : " لا نرجمك للعمل الحسن , بل للتجديف , لأنّك , وأنت إنسان , تجعل نفسك الله " يو 10/31-33 . قال لهم يسوع : " الآب الذي أرسلني هو شهد لي , أنتم لم تُصغوا إلى صوته قطّ , ولا رأيتم وجهه . وكلمته لا تثبتُ فيكم , لأنّكم لا تؤمنون بمن أرسل . تتصفحون الكتب , تظنّون أنّ لكم فيها الحياة الأبديّة , فهي التي تشهد لي . وأنتم لا تُريدون أن تقبلوا إليّ , فتكون لكم الحياة . لا أتلقى المجد من عند الناس. قد عرفتكم فعرفت أن ليست فيكم محبّة الله . جئتُ أنا باسم أبي , فلم تقبلوني . ولو جاءَكُم آخر باسمِ نفسه لقبلتموه . كيف لكم أن تؤمنوا وأنتم تتلقون المجد بعضكم من بعض , وأما المجدُ الذي يأتي من الله وحده فلا تطلبون ؟ " يو 5/37-44 . " إنّ الروح هو الذي يحيي , وأمّا الجسد فلا يجدي نفعاً , والكلام الذي كلمتكم به روح وحياة , ولكن فيكم من لا يؤمنون " . ذلك بأنّ يسوع كان يعلم منذ بدء الأمر من الذين لا يؤمنون .. ثم قال : " لذلك قُلتُ لكم : ما من أحد يستطيعُ أن يقبل إليّ إلاّ بهبةٍ من الآب " . فارتدّ عندئذٍ كثيرٌ من تلاميذه وانقطعوا عن السير معه . " يو 6/63-66 . وبما أن إنجيل يوحنا دوّن بعد القيامة بـ 70 سنة أي في نهاية القرن الأول للميلاد فأتى حافلاً بالنضج الروحي والتأمل في شخص المسيح على نور الروح القدس المحي في الكنيسة فعرفت جماعة المؤمنين أكثر رسالة الله الأزلية التي تجسدت , أو أصبحت بشراً , في يسوع الإنسان .
وفي حديث الرب يسوع الأخير في العليّة تكلم عن المعزي " الذي سأرسله أنا إليكم من الآب , روح الحق المنبثق من الآب , فهو يشهد لي " يو 15/26 ؛ " متى جاء ذاك , روح الحق فهو يرشدكم إلى الحق كلّه ...سيمجدني لأنّه يأخذ ممّا لي ويخبركم به . جميع ما هو للآب فهو لي " يو 16/13 ت ؛ وفي عشية يوم القيامة – بعد أن أظهر الرب نفسه لتلاميذه – قال لهم : " كما أرسلني الآب أرسلكم أنا . ولما قال هذا نفخ وقال لهم : اقبلوا الروح القدس " يو 20/22 . و الأرجح أن هذا لم يكن مجرد عمل رمزي , بل كان عربوناً لعطية الروح القدس الذي كان سيحل عليهم بقوة . وقد أوصى الرب تلاميذه بعد قيامته وقبيل صعوده إلى السماء : " أن لا يبرحوا من أورشليم بل ينتظروا موعد الآب الذي سمعتموه مني , لأن يوحنا عمّد بالماء , وأما أنتم فستعمدون بالروح القدس , ليس بعد هذه الأيام بكثير " رسل 1/4-5 .
وفي اليوم الخمسون من بعد قيامة ربنا يسوع المسيح عندما كانوا الرسل كلهم مجتمعين ومتقوقعين خوفاً " ولما أتى اليوم الخمسون , كانوا كلهم في مكان واحد , فانطلق من السماء بغتةً دوي كريح عاصفة , فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه , وظهرت لهم ألسنة كأنّها من نار قد انقسمت فوقف على كلّ منهم , فامتلأوا جميعاً من الروح القدس " رسل 2/1-4 . فانطلقت البشارة المسيحيّة بقوة المعزّي الروح القدس , الذي ملأ قلوب الحواريين , فذهبوا في إعلان إيمانهم ومخاطبة الجموع بدون خوف وإعلان البشارة ... وهذا ما يشهده ( سفري أعمال الرسل , والرسائل ) .
وكانت معمودية يوحنا المعمدان أساساً " معمودية للتوبة " ( متى3/11 ؛ رسل 13/24 ) , فكان الذين يعتمدون من يوحنا يعترفون بخطاياهم ويعبّرون عن توبتهم لمغفرة الخطايا ( متى 3/6 ؛ مرقس 1/5 ) . وقد " جاء يسوع من الجليل إلى الأردن إلى يوحنا ليعتمد منه , ولكنه يوحنا منعه قائلاً : أنا محتاج أن أعتمد منك وأنت تأتي إليّ ؟ فأجابه يسوع وقال له : لأنه هكذا يليق بنا أن نكمّل كل بِر . حينئذ سمح له . فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء وإذا السموات قد انفتحت , فرأى روح الله نازلاً مثل حمامة وآتياً عليه , وصوت من السموات قائلاً : هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت " متى 3/13-17 ؛ مرقس 1/9-11 ؛ لوقا 3/21-22 ) . وعندما نظر يوحنا يسوع مقبلاً إليه قال : " هو ذا حمل الله الذي يرفع خطيئة العالم . هذا الذي قلتُ فيه : يأتي بعدي رجلٌ قد تقدمني لأنّه كان قبلي . وأنا لم أكن أعرفه .. لذلك جئت أعمد بالماء . وشهد يوحنا قائلاً : إني قد رأيت الروح نازلاً مثل حمامة من السماء فاستقر عليه . وأنا لم أكن أعرفه , لكن الذي أرسلني لأعمد بالماء , ذاك " الله " قال لي : " الذي ترى الروح نازلاً ومستقراً عليه , فهذا هو الذي يُعمّد بالروح القدس . وأنا قد رأيت وشهدت أنّه هو ابنُ الله " يو 1/29-34 .
ويجد بعض المسيحيّين - منذ العصور الأولى – صعوبة في معمودية الرب يسوع من يوحنا المعمدان , وأيضاً في بعض أسئلة إخوتي في المنتدى , وما معمودية يسوع إلاّ تعبيراً عن تنازله ليجعل من نفسه واحداً مع شعبه أمام الله . فليس يسوع خاطئ عندما أقبل من يوحنا ليعتمد , بل لأنّ يسوع شاركنا في كل شيء وهو القدوس الذي بلا خطيئة " في كل شيء مثلنا ما عدا الخطيئة " عب 4/15 ؛ " حققه الله بإرسال ابنه في جسد يشبه جسدنا الخاطئ , كفارة للخطيئة " روم 8/3 . وقد تحدى يسوع رؤساء الدين اليهودي , وقال لهم : " من منكم يثبتُ عليّ خطيئة ؟ " يو 8/46 .
وكان الرسل يعمدون باسم المسيح إذ قال بطرس : " توبوا وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح لغفران الخطايا , فتقبلوا عطية الروح القدس ... فقبلوا كلامه بفرح واعتمدوا , وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف نفس " أعمال الرسل 2/37-41 ؛ " بل كانوا قد اعتمدوا فقط باسم الرب يسوع " رسل 8/16 ؛ " وقد اعتمدنا جميعاً في يسوع المسيح " روم 6/3 ؛ " وأمّا أنتم فستعمدون في الروح القدس " رسل 11/16 ؛ " أنتم الذين في المسيح اعتمدتم , المسيح قد لبستم " غلا 3/27 . فالمعمودية لم تقتصر على معمودية الماء , مثل معمودية يوحنا , بل صبغت بمعمودية الروح " إنهم سيعمدون بالروح القدس " رسل 1/5 ؛ وعلى نور قيامة الرب وحلول الروح القدس فيهم , والتعمق في سر يسوع الكلمة المتجسد . عرف التلاميذ أكثر طبيعة يسوع ابن الإنسان , فأصبح العماد في تغطيس المعتمد بالماء هو اندماج في موت المسيح , وخروج المعتمد من الماء , هو اندماج في قيامة المسيح . وهكذا تصبح المعمودية بقوة الروح القدس ولادة روحية جديدة من فوق . قال يسوع لينيقوديمس : " الحق الحق أقول لك إن كان احد لا يولد من الماء والروح لا يقدر أن يدخل ملكوت الله المولود من الجسد جسد هو والمولود من الروح هو روح لا تتعجب أني قلت لك ينبغي أن تولدوا من فوق " يو 3/5-7 . فالمعمودية باسم المسيح , هي معمودية اندماج في موت المسيح وقيامته , وولادة من العلو , وننال التبني . لهذا يدعو بولس الرسول المعمّد " إنساناً جديداً , وخليقة جديدة " . ولما كانت هذه الحياة إلهية فإنّ الثالوث الأقدس يمنّ علينا بهذه الهبة . ويتم هذا الميلاد الجديد " باسم الآب والابن والروح القدس " . فالمعمودية باسم المسيح هي معمودية إيمان بشخصه ورسالته وولادته من علو , فيها ننال نعمة التبني ونصبح أبناء لله وخليقة جديدة بقوة الروح . فلا تعارض بين المعمودية باسم المسيح ,أو المعمودية باسم الإله الواحد .
أمّا بالنسبة لمثال الخادم السارق الذي اعتذر وسيّد المنزل لم يسامحه حتى يقتل ابنه الوحيد لأجله !! لكي يطهر خطيئته ؟ ! بالنسبة لهذا المثال لم نعرف بعد , هل العبد أعاد المسروقات ؟ أم اكتفى بالاعتذار ! على أيّ حال كان هذا المثال مشاركة كريمة من الأخت الفاضلة عبورهـ . أطرح مثالاً بطريقة أخرى : إذا كان لسيّد طفلاً صغيراَ .. وطلب السيّد من طفله أن لا يعبث في مفاتيح كهرباء المنزل , ولكن الكبرياء دخل في نفسية هذا الطفل وتصوّر نفسه أنّه يُصبح مثل والده سيّد هذا المنزل .. والنتيجة كانت أن الطفل تسبّب في حدوث صعقة كهربائيّة ألّمت به بالإضافة إلى حريق شبّ في المنزل ... وعاد السيّد ليرى المأساة والضرر الجسدي والمادي , ولكن الطفل اعتذر ؟ هل باعتذار الطفل اختفت الحروق من جسده وزالت معالم خراب المنزل ؟ من الذي سيدفع فاتورة هذا الضرر ؟ من الذي سيعيد بناء هذا المنزل المحترق ؟ من الذي سيدفع التكاليف الماديّة والمعنويّة ؟ أليس هذا السيّد إذا كان عادلاً ومحباً لطفله , سيقوم بمسامحته ويدفع السيّد عن طفله ما صنعت يداه ... لهذا نقول في عقيدتنا المسيحيّة أنّ الخطيئة أفسدت النهج الذي وضعه الله ليتبنى آدم , وتسلسلت إلى نسل الجنس البشري , وأقفلت في وجهه أبواب السماء . فكان يقضي لفتح هذه الأبواب , تعويض عن الإهانة وتكفير تام مطلق يمحو الخطيئة . ولما لم يكن باستطاعة الإنسان وهو خليقة بسيطة أن يقوم بهذا التكفير . فصار الكلمة جسداً وأصبح الله إنساناً وأخذ على عاتقه هذه المهمة . ولهذا انطبعت حياته بطابع الموت من المهد إلى اللحد . نعم أنه المخلص الإلهي لم يوصم بوصمة الخطيئة ولا ارتكب إثماً شخصياً , ولا عانى من عواقب الخطيئة . غير انه شابه إخوانه في كل شيء ما عدا الخطيئة " في كل شيء مثلنا ما عدا الخطيئة " عب 4/15 . فكان الحمل الذي محا خطايا العالم " حمل عاهاتنا وتحمل أوجاعنا .. ظلم وهو خاضع وما فتح فمه , كان كنعجة تساق إلى الذبح ... " اشعيا 53 ؛ " حملاً سيق إلى الذبح " ارميا 11/19 ؛ " هكذا أحب الله العالم حتى إنّه جاد بابنه الوحيد لكي لا يهلك كُلّ من يؤمن به , بل تكون له الحياة الأبديّة " يو 3/16؛ أتى ليخلص الخطأة فحمّله الله عارهم , وقبِلَ السيّد المسيح منذُ دخوله العالم بأنّ يقوم بما يطلبه أبوه منه من تضحيات فمنذ اللحد قاسى المهانة في بيت لحم وهرب من وجه هيرودس , وعاش في أحد الحوانيت من كد يمينه , وفي حياته العامة صبّ عليه أعداؤه جام السخط , وقاسى النزاع في غمرة الآلام . وفي الصليب ما أن سدّد الموت إليه سهامه حتى بادت قوّة الخطيئة وتلاشت , فيقول بولس الرسول : " قد ابتلع النصر الموت فأين يا موت نصرك ؟ وأين يا موت شوكتك ؟ إنّ شوكة الموت هي الخطيئة .. فالشكر لله الذي آتانا النصر عن يدِ ربّنا يسوع المسيح ! " 1قور15/54-57 .
أما في سؤال أحد الأعضاء لماذا أنا مسيحي , فأقول له إنّها نعمة لي بأنّي وُجِدت في عائلة مسيحيّة , ومازلت أتعرف على شخص المسيح الرب والسيّد , إنه المعلم الذي كان يقول ما يفعل , ويفعل ما كان يقول . إنّه القائل : " أنا الطريق والحق والحياة . لايمضي أحدٌ إلى الآب إلاّ بي " يو14/6 ؛ " أنا نور العالم من يتبعني لا يمشِ في الظلام بل تكون له نور الحياة " يو8/12 . أدعوكم لمعرفة يسوع من خلال قراءة الإنجيل وخاصة في متى من الفصل 5-7 .
حاولت أن أجمع ما أؤمن به لأجيب عن بعض أسئلة إخوتي في المندى , مبيناً لهم أنّ حرف التوحيد واحد في الإنجيل والقرآن . لذلك آن لنا أن نمتنع عن اتهام بعضنا بعضاً بشرك أو بسواه ؛ مهما اختلفنا في التأويل . المسيح هو " كلمة الله " في الإنجيل والقرآن . والسلام عليكم .